عادةً، تصاحب فصلَي الخريف والربيع تقلبات جوية كثيرة، يكون لها أثر سلبي على العديد من محافظات مصر، ويختلف هذا الأثر من محافظة إلى أخرى حسب موقعها الجغرافي، ولكن يظل الإقليم الصحراوي هو الأكثر تأثراً في هذه الفترة، خاصةً محافظات سيناء، وأسوان، والبحر الأحمر.
في الخريف لا تتساقط أوراق الشجر وتهاجر الطيور فحسب، ولكن تزداد فرص تساقط الأمطار التي تصل إلى حد السيول أيضاً، وتتسبب في خسائر كبيرة وفي هدم بيوت.
يتحدث الخبير البيئي الدكتور نادر نور الدين، عن تقلبات فصل الخريف، إلى رصيف22، قائلاً: "فصلا الخريف والربيع هما بدايات تشكل السيول في الإقليم الصحراوي في مصر، ضمن مناطق سيناء والغردقة وكل إقليم البحر الأحمر وشرم الشيخ والساحل الشمالي الغربي، وكذلك محافظات الصعيد تكون معرضةً لسيول تجرف وتدمر الطرق والحقول الزراعية والنباتات والبيوت".
تزداد في الخريف فرص تساقط الأمطار التي تصل إلى حد السيول أيضاً، وتتسبب في خسائر كبيرة وفي هدم بيوت.
ويوضح نور الدين، أن السيول هي الأمطار الغزيرة التي تسقط في مدة زمنية قليلة جداً، فتفوق قدرة الأرض على استيعابها، وتطفو فوق السطح، ويزداد خطرها في الأماكن الصحراوية. أما في الأماكن المستوية، فتغمر الأراضي فقط، وتكون الأمطار عادةً أقل، وفي فترات متباعدة ومدة زمنية أطول.
ضرورة الاستفادة من السيول
ويشير المتحدث إلى عدم الاستفادة من الأمطار والسيول التي تسقط في الصحاري، لعدم امتلاك مصر تقنيات حصاد الأمطار، بالرغم من أن البنك الدولي يوصي بذلك. ويقصد بحصاد الأمطار عملية جمع وتخزين مياه الأمطار من سقف المنزل أو المسطحات الصخرية أو الترابية، لإعادة استخدامها قبل أن تصل إلى طبقات الأرض الجوفية. كما يشير إلى إمكانية بناء سدود متقاطعة في طريق مجرى السيل، حتى تحجز كميات من المياه المتدفقة، مثل سد الروافع الموجود شمال سيناء، والذي حجز العام الماضي ما يزيد عن 5 ملايين متر مكعب.
أستاذ الزراعة والمياه في جامعة القاهرة أضاف: "عادةً لا يوجد ثبات في فترات حدوث السيول، فكل يوم يختلف عن الآخر، وقد تحدث سيول غزيرة في محافظات أخرى إلى جانب الإقليم الصحراوي، مثلما حدث قبل عامين في محافظات الإسكندرية وكفر الشيخ والغربية، وغمر المطر الحقول لمدة 3 أسابيع".
وضمن سياق الاستفادة من أمطار السيول، يتحدث الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والمياه في جامعة القاهرة لرصيف22، حول استعدادات وزارة الري والمحليات لحدوث سيول في بعض الأماكن مثل سواحل البحر الأحمر والبحر المتوسط وصعيد مصر وسيناء شمالاً وجنوباً، ومع وصول أطوال تلك المناطق إلى أكثر من 3،500 كم، تعمل تلك الجهات على تطهير "المخرات" وإقامة سدود للحماية.
ويشرح المتحدث كيفية عمل "المخرات" والسدود: "مخرات السيول هي أودية جافة تجري فيها مياه الأمطار التي تسقط على المرتفعات مثل جبال البحر الأحمر، ومنها ما يتجه إلى البحر الأبيض المتوسط مثل وادي العريش، وإلى البحر الأحمر مثل وادي سفاجا، وإلى وادى النيل مثل وادي قنا. وأمام معظم مدن البحر الأحمر، وكذلك مدن الصعيد، توجد مخرات سيول رئيسية، كما تبني وزارة الري سدوداً لإنشاء بحيرات صناعية لحماية السكان وتخزين مياه للاستخدام طوال العام، وشحن الخزانات الجوفية السطحية، وحفر آبار لتصبح المصدر الرئيسي للمياه لسكان تلك المناطق".
لا تستفيد مصر من الأمطار والسيول التي تسقط في الصحاري، لعدم امتلاكها تقنيات حصاد الأمطار، لإعادة استخدامها قبل أن تصل إلى طبقات الأرض الجوفية. كما أن هناك إمكانية بناء سدود متقاطعة في طريق مجرى السيل، حتى تحجز كميات من المياه المتدفقة
أستاذ الجيولوجيا أضاف: "يوجد أكثر من 400 ‘مخر سيل’ من جبال البحر الأحمر في اتجاه البحر وأكثر من 150 في اتجاه مدن وقرى الصعيد، كما يوجد في سيناء أكثر من 270 ‘مخر سيل’ على خليجي السويس والعقبة والبحر المتوسط، والصعوبة تكمن في أن الأرصاد تحذر من أمطار غزيرة تصل إلى حد السيول في أماكن متفرقة يصعب تحديدها تماماً، وبعضها يذهب ضحيته العشرات، كما حدث في رأس غارب على البحر الأحمر عام 2016، حين راح ضحية السيول 13 قتيلاً وعشرات المصابين، إلى جانب خسائر بالملايين بسبب دمار مئات المنازل والطرق والمرافق، وكذلك الأمر في أسوان العام الفائت، ولولا جهود المحافظة في الاستعدادات لتطهير مخرات السيول لكانت كارثة أكبر".
التغيرات المناخية والسيول
بات للتغيرات المناخية أثر واضح على الكثير من الظواهر الطبيعية في العالم حولنا، ما يجعلنا نتساءل عن وجود علاقة بين ازدياد فرص حدوث السيول والتغيرات المناخية؟ وهل يشعر المصريون بذلك؟
تقول ن. أحمد، القاطنة في منطقة الصدقة في أسوان، لرصيف22: "السيول لم تحدث في أسوان منذ عام 2010، ولكن العام الماضي كان كارثياً إذ واجهنا الأمطار الثقيلة"، وأضافت أن منزل والدتها تهدّم، ونجحت في الدخول إليه عبر فتحة في السقف المنهار، كما أن التيار الكهربائي انقطع لساعات، والكثير من البيوت انهارت من حولها، وغمرت المياه الشوارع.
ويقول عمرو محمد، من إحدى قرى محافظة كفر الشيخ، لرصيف22: "نحن معتادون على الأمطار، ولكن في الأعوام الأخيرة ازدادت نسبتها بشكل كبير، وقبل عامين حدث ثقب في سقف منزلي بسبب الأمطار، ولم أتمكن من إصلاحه فوراً بسبب الوضع المادي الصعب".
بدورها، تحكي لمياء، من سكان قرية سنور في بني سويف، عن الخسائر التي تعرضت لها بسبب السيول التي غمرت المحافظة في شباط/ فبراير الماضي، فقد غرق منزل العائلة وكذلك أرضها. وتضيف: "وفرت الحكومة للناس أماكن للسكن بعيدةً عن مخرات السيول، ولكن الزيادة السكانية دفعتهم للسكن بجانبها، مما جعل مياه السيل تجرف أكثر من 30 منزلاً و500 فدان".
نحن معتادون على الأمطار، ولكن في الأعوام الأخيرة ازدادت نسبتها بشكل كبير.
وفسرت هذه النقطة الناشطة الأسوانية، حفصة أمبر كاب، قائلةً لرصيف22: "كارثة العام الماضي وما حدث في أسوان وما يحدث أيضاً في المناطق الأخرى، نتيجة البناء بشكل مخالف على مخرات السيول حيث تجرف المياه المندفعة البيوت المبنية في طريقها".
وهنا يشير الدكتور نادر نور الدين، إلى أن التغيّرات المناخية تجعل ظاهرة السيول أكثر حدةً، فتتسبب في تقليل الأمطار، وعندما تزيد تأتي في صورة سيول جارفة، وهنا تكون الكارثة. ويضيف: "في السنوات الأخيرة زادت نسبة حدوث السيول، فبدلاً من أن تكون كل عشر سنوات، بات من الممكن أن تحدث كل عام أو عامين".
وضمن السياق نفسه، يضيف خبير الموارد المائية ومستشار وزير الري السابق الدكتور ضياء الدين القوصي، في حديثه إلى رصيف22: "بسبب التغيّر المناخي اختلف شكل ومعدل تساقط الأمطار. صرنا نرى 300 ميليمتر تسقط في ليلة واحدة، وقد يستمر تساقط الأمطار لسبعة أيام متواصلة"، ما يعني تزايد احتمالات حدوث السيول المدمرة.
حلول لتقليل الخسائر
يتحدث الدكتور نور الدين، عن حلول مقترحة لتفادي ما تحدثه فترات تغيّر الفصول بالقول: "يختلف التعامل مع السيول من مكان إلى آخر، فعندما تنزل على مناطق التجمع الخامس أو أكتوبر، في هذا التوقيت، تكون المشكلة في الصرف الصحي، فيجب أن تكون البلاعات مصممةً بطريقة معيّنة لاستيعاب المياه الغزيرة".
يجب إنشاء وحدة إنذار وإنقاذ سريع، لها القدرة على التواجد في مكان السيل للإغاثة الفورية وتقديم الدعم، ولديها المعدات العملاقة من آلات لتنظيف القنوات، ومعدات رفع ثقيلة، وطائرات لنقل المعدات في أقل زمن ممكن
ويضرب الخبير الإستراتيجي في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو"، أمثلةً عن تقنيات يمكن الاستفادة منها، مثل سدود الروافعة التي بناها البدو في شمال سيناء، وهي سدود ترابية ارتفاع كل منها نحو عشرة أمتار، تستطيع حجز ما يقرب من 20 مليون متر مكعب من مياه الأمطار، وفي جنوب سيناء يمتلك البدو ما يُسمى "البيّارات"، والمقصود بها بلّاعات في الأرض تخزن المياه تحت سفح الجبل، ويستفاد منها للري في موسم الجفاف.
ويذكّر بضرورة اللجوء إلى تقنيات حصاد الأمطار، خاصةً أن مصر تعاني من ندرة مياه، ويضيف: "قدّرت منظمة الفاو أن مصر تستفيد من 1.3 فقط من أصل عشرة مليارات متر مكعب من الأمطار التي تسقط فوق أراضي الدلتا في الشتاء، في حين لا تستفيد من الأمطار التي تسقط على الصحاري، لأنها غير مأهولة بالسكان، وتشير المنظمة إلى أن مجموع مياه الأمطار التي تسقط على مصر تقدَّر بـ50 مليار متر مكعب، لا يتم استغلال جزء كبير منها".
ويضيف الدكتور عباس شراقي: "يجب إنشاء وحدة إنذار وإنقاذ سريع، لها القدرة على التواجد في مكان السيل للإغاثة الفورية وتقديم الدعم، ولديها المعدات العملاقة من آلات لتنظيف القنوات، ومعدات رفع ثقيلة، وطائرات لنقل المعدات في أقل زمن ممكن، لأن من أهم مشكلات السيول قطع الطرق، ويتعذر عندها تقديم الأهالي الإغاثة لبعضهم أو وصول وحدات الإنقاذ أو الإسعاف أو الإمدادات إلى المنكوبين، مما يضاعف من الخسائر، كما حدث في رأس غارب قبل سنوات، حين كان أهالي مدينة الغردقة عاجزين عن الوصول إليهم لمساعدتهم".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...