شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
تحقيق فيدرالي يتهم مصر برِشوة سياسي أمريكي عبر شهادة اللحوم

تحقيق فيدرالي يتهم مصر برِشوة سياسي أمريكي عبر شهادة اللحوم "الحلال"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 31 أكتوبر 202204:26 م

نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تحقيقًا كشفت خلاله عن ارتباط شركة تراخيص أمريكية، تحتكر إصدار شهادات "الحلال" المحتم وجودها على اللحوم والدواجن المستورة من الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية إلى الأسواق المصرية، بالسيناتور روبرت ميننديز رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، الذي أصدرت المباحث الفيدرالية في حقه مذكرات استدعاء (لم تعلن أسبابها حتى الآن)، لكنه سبق اتهامه في 2015 من قبل وزارة العدل الأمريكية، بالضغط على مسؤولين كبار في إدارة الرئيس باراك أوباما لاتخاذ إجراءات تفيد مصالح صديقه طبيب العيون في فلوريدا سالومون ميلجن مقابل هدايا فخمة ومئات الآلاف من الدولارات، وكذلك طالته اتهامات لم يثبت عليها دليل، بمضاجعته عاملات جنس دون السن القانونية خلال رحلات إلى جمهورية الدومينيكان.

 التحقيق الذي يخضع له السيناتور الأمريكي ورد فيه اسم الشركة المحتكرة وهي IS EG Halal، حسبما تؤكد صحيفة بوليتيكو.

تأتي التحقيقات الأمريكية التي نشرتها النيويورك تايمز متأخرة جداً على جهود منظمات المجتمع المدني المهتمة بالرقابة والشفافية، وكذلك الصحافة المصرية المستقلة التي عملت مبكراً على كشف "شبهات الفساد" خلف شركة "الإسلامية المصرية للحوم الحلال"

من أربع شركات إلى شركة واحدة

تقول الأوراق التي حازتها نيويورك تايمز من إدارة (وزارة) الزراعة الأمريكية، إنه حتى العام 2019، كانت نظيرتها المصرية تتعامل مع أربع شركات في الولايات المتحدة تصدر رخصة "حلال" للحوم والدواجن. ولكن مصر قررت فجأة في 2019 ومن دون مقدمات أن تلغي تعاقداتها مع الشركات الأربع وتتعامل مع شركة واحدة مبتدئة، أسست في ولاية نيوجيرسي عام 2017 تحت اسم IS EG Halal اختصاراً لـ" مصر الإسلامية للحوم الحلال" لمؤسسها المصري الأصل وائل حنا، بالشراكة مع محام أمريكي- أرمني يدعى أنترانيج أصلانيان الإبن. ولم يكن للشركة قبل تعاقدها مع الحكومة المصرية أية سوابق أو خبرات في إصدار شهادات الذبح الحلال، كما لم يكن لها خبرات في التعامل مع مربي ومصدري اللحوم، حسبما رصد تقرير رسمي للملحق التجاري الأمريكي في مصر.

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، تحركت وزارة الزراعة المصرية للاجتماع مع الملحقين التجاريين في سفارات الدول المصدرة للحوم إلى السوق المصري، وأبلغتهم بقرارها أن الشركة المذكورة هي الوحيدة المسؤولة عن إصدار تراخيص "حلال" لكافة اللحوم التي تستوردها مصر بصرف النظر عن دولة المنشأ، منهية بذلك تعاقدات الحكومة المصرية مع الشركات الأوروبية المماثلة.

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، اجتمعت وزارة الزراعة المصرية مع الملحقين التجاريين في سفارات الدول المصدرة للحوم إلى السوق المصري، وأبلغتهم أن الشركة المذكورة هي الوحيدة المسؤولة عن إصدار تراخيص "حلال" لكافة اللحوم التي تستوردها مصر بصرف النظر عن دولة المنشأ

ليس الكشف الأول

تأتي التحقيقات الامريكية التي نشرتها النيويورك تايمز متأخرة جداً على جهود منظمات المجتمع المدني المهتمة بالرقابة والشفافية والتي عملت مبكراً على كشف "شبهات الفساد" خلف شركة IS EG Halal.

ففي يناير/ كانون الثاني 2019، كشف موقع Egypt watch عن تحركات للجيش المصري لتأسيس شركة تحتكر استيراد اللحوم الحلال إلى السوق المصرية البالغ حجمها ما يزيد على 100 مليون مستهلك بحسب الإحصاءات الرسمية. موضحة أن القرار المصري باحتكار الشركة المشار إليها المؤسسة في نيوجيرسي، يرجع في الحقيقة إلى مايو/ أيار 2018، وليس إلى العام 2019 كما توثق أوراق وزارة الزراعة الأمريكية، لكن يبدو أن سريان القرار بدأ في العام 2019 على الرغم من إصداره في منتصف 2018.

قبل ذلك كانت مصر تتعامل مع ثماني شركات في الولايات المتحدة وأوروبا وأمريكا اللاتينية، تعترف وزارة الزراعة المصرية بشهادات "حلال" الصادرة عنها.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، انفرد موقع مدى مصر بنشر تحقيق مفصل حول الأمر، مبيناً أن قيادات بالجيش المصري تقف وراء الشركة التي باتت تحتكر الترخيص بتصدير اللحوم إلى السوق المصرية. وبعد صدور قرار من السلطات المصرية يمنحها حق الاحتكار، سارعت الشركة إلى رفع رسوم ترخيص "الحلال" الممنوح للشركات والجزارات الأجنبية، ورفع أسعار تراخيص الحاويات الممنوحة للمستوردين المصريين من 200 دولار للحاوية إلى 5000 دولار، حسبما قال أحد مستوردي اللحوم في مصر، ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار اللحوم المستوردة، حسبما يرصد تقرير أمريكي رسمي.

الشركة الإسلامية وحنا القبطي

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، أسس وائل حنا وأنترانيج أصلانيان الشركة المصرية الإسلامية (Is EG) ومقرها في "فير- فيو" نيوجرسي. تختص الشركة بإصدار جميع شهادات إثبات أن لحوم الأبقار الأمريكية ذبحت وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، قبل تصديرها إلى مصر ذات الغالبية المسلمة.

 بعد التأسيس بعامين وتحديداً في مارس/ آذار 2019، أفاد مسؤولون من وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي في مصر أنهم أجروا عمليات تدقيق لسلامة الأغذية والحلال لمؤسسات لحوم الأبقار الأمريكية، ومراجعات دقيقة على مراكز الذبح الحلال، انتهت بالاعتماد على الشركة الإسلامية وحدها في اعتماد الذبح الحلال وإصدار الشهادات، بعد أن كان العمل يجري مع ثمانية مراكز أخرى تم استبعادها من دون إعطاء أي تفسيرات بنص تقرير وزارة الزراعة الأمريكية الصادر في 2019.

دبلوماسي في سفارة الولايات المتحدة في القاهرة: الشركة ليس لديها أية خبرات في إصدار شهادات "الحلال" وليس لها صلات بأي من العاملين في صناعة اللحوم في الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن يتسبب احتكارها في اضطراب سوق اللحوم وغلاء الأسعار بالنسبة للمستهلك المصري  

 وأفاد التقرير أن الشركة الجديدة ليس لديها خبرة سابقة في منح شهادات الحلال، وليس لديها علاقة سابقة مع صناعة لحوم البقر الأمريكية أو المنظمات الإسلامية المختصة بإصدار شهادات الحلال في الولايات المتحدة.

الأمر نفسه أكده وائل حنا في ملفات التحقيقات التي نشرت نيويورك تايمز جزءاً منها. وهو اعترف بأنه ليس "من ذوي الخبرة في منح شهادات الحلال" لأنه مسيحي الديانة، ولذلك وفرت الحكومة المصرية أئمة وأطباء بيطريين لمساعدته، وفقاً لحنا.

في 2019 وبعد أشهر من إسناد شهادات الحلال للشركة الإسلامية، فتش وكلاء المدعي العام منزل وائل حنا ومكتب الشركة الإسلامية، وصادروا أجهزة كمبيوتر وهواتف محمولة وكل قطعة من الورق في مقر الشركة في نيوجيرسي، حسب ما قال محامي حنا في دعوى قضائية أقامها في 2020 طالب فيها بإعادة ممتلكات موكله. وبحسب ملفات التحقيقات، فإن عملية المداهمة للشركة وبيت حنا، تتصل بشبهات الفساد والتربح المتهم فيها السيناتور الأمريكي روبرت ميننديز، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية نيوجيرسي، التي يقع فيها مقر الشركة، وقد اتضح أيضاً أنه هو نفسه مقر مكتب المحاماة الخاص بالشريك أصلانيان.

إف بي آي: السيناتور الأمريكي سبق له تلقي رشاوى من جهات مختلفة، وعلاقاته مع الحكومة المصرية عبر شركة تصدير اللحوم التي أنشأتها جهة بالدولة، مثير للشك 

هل مولت الشركة السيناتور الأمريكي؟

قال محامي حنا إن الشركة الإسلامية حصلت على عقد شهادة الحلال الذي أبرمته مع مصر، وتعمل بشكل لا تشوبه شائبة، من دون مساعدة على الإطلاق من أي مسؤول حكومي أمريكي، وتقول نيويورك تايمز إن مصادرة ممتلكات حنا جاءت لأسباب تتعلق بالفشل في تسجيل الشركة كوكيل لحكومة أجنبية، وهو ما قد يكون له ارتباط بالتحقيقات الجارية مع السيناتور مينينديز. إذ تحتم القوانين الأمريكية على كل شركة تعمل لصالح حكومة أجنبية أو تتلقى تمويل منها ان تبلغ عن ذلك في أوراقها، وهو ما لم تقم به الشركة التي توجد دلائل عديدة على كون ممولها الحقيقي هو أحد الكيانات العسكرية الكبرى في مصر.

بعيداً عن المشهد المصري الذي يحبذ الاحتكار السيادي، يرتبط القائمون على اعتماد الحلال ومنح الشهادات بالمساجد والمنظمات الإسلامية الأمريكية

 كما أن المحامي الأمريكي أصلانيان أعلن أنه مثل أمام مدعين بالمنطقة الجنوبية في مانهاتن وتم سؤاله عن علاقته بالشركة الإسلامية وما إذا كانت لديه مصلحة مالية في تعاملاتها أم لا، وهو ما أنكره، وحتى الآن لم يعلن عن طبيعة التحقيقات مع السيناتور الأمريكي ميننديز.

غير أن كلا من حنا المصري المولد والمحامي أصلانيان، تربطهما علاقة بالسيناتور الأمريكي الذي يخضع للتحقيق، إذ سبقا وموّلا حملته الانتخابية في مجلس الشيوخ، كما سبق للمحامي أصلانيان تمثيل الحكومة المصرية في نزاع على عقارات سكنية دبلوماسية في ولاية نيوجيرسي.

الموقف الرسمي للشركة الإسلامية المصرية هو أنها شركة خاصة وليست ممثلاً رسمياً عن الحكومة المصرية، لكنها حظيت بدعم الحكومة المصرية حسبما أورد وائل حنا في حديثه السابق. أما موقع الشركة فيكاد يخلو من أي معلومات حقيقية عن الجهة التي تتبع لها، باستثناء الاعتراف بأنها الكيان الوحيد المرخص له حصرياً من قبل حكومة مصر للتصديق على صادرات الحلال في جميع أنحاء العالم، مع الأخذ في الاعتبار أنها شركة خاصة وليست حكومية.

لكن قرارًا حكوميًا صدر لاحقاً من رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في عام 2020 بعد تأسيس الشركة بثلاثة أعوام، وبعد ما نشر الزملاء في مدى مصر تحقيقاً يشير إلى أن كلاً من حنا المصري والشركة الإسلامية على علاقة بجهة سيادية مصرية، قرر فيه الترخيص لوزارتي الأوقاف والزراعة واستصلاح الأراضي والهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات بالمساهمة في تأسيس شركة لمنح علامة الحلال، تحمل اسم  "IS EG HALAL"، وذلك وفقاً لأحكام قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم. على أن يكون للشركة مكاتب إقليمية على مستوى العالم في الولايات المتحدة والهند والبرازيل، وبطبيعة الحال مصر، بحسب موقع الشركة الرسمي.

 

سوق اللحوم واحتكار "الإسلامية"

 بمجرد أن ألغت مصر جميع المراكز الإسلامية المعتمدة الأمريكية المعتمدة للذبح الحلال، وقصرت التعامل على شركة حنا توقع تقرير وزارة الزراعة الأمريكية ارتفاع أسعار لحوم الأبقار المستورد من أمريكا على المستهلكين في مصر، وذكر التقرير أن التغيير المفاجئ في السياسة المصرية قد يؤدي إلى اضطراب الأسواق وإحداث ارتباك بين الصناعة والمنظمين.

حنا في إشارة إلى الجهات المصرية التي ساعدته: "لقد أعطوني هذه الثقة لأنهم يعرفون أنني لست مرتبطاً بجماعة الإخوان المسلمين"

وقال التقرير إن المراكز الإسلامية التي كانت تعتمد إصدار شهادات الحلال في الولايات المتحدة كانت تتقاضى ما بين 10 و 20 دولاراً أمريكياً، لكل طن متري للحصول على الشهادة، وتوقع وقتها أن ترتفع هذه الرسوم إلى 220 دولاراً للطن المتري.

وبعد صدور القرار ارتفع سعر كيلوغرام الكبدة محلياً بين 13 و17 جنيهاً بحسب النوع، وبلغ في المتوسط نحو 45 جنيهاً مقابل 30 قبل ذلك، بحسب ما أكد مستوردن لصحيفة البورصة المصرية.

لكن جميلة المعالي الرئيسة التنفيذية للشركة الإسلامية في مصر نفت ذلك، وقالت إن الحديث عن ارتفاع تكلفة إصدار الشهادة وبالتالي التأثير على أسعار اللحوم المستوردة غير صحيح ويروج له أشخاص يسعون لمصالحهم الخاصة.

 وبعيداً عن المشهد المصري الذي يحبذ الاحتكار السيادي، يرتبط القائمون على اعتماد الحلال ومنح الشهادات بالمساجد والمنظمات الإسلامية الأمريكية، فبلد مثل السعودية يحصل على شحناته من اللحوم المستوردة عن طريق الذبح الحلال من قبل رابطة العالم الإسلامي، فيما تحتفظ دول أخرى مثل قطر وإندونيسيا بقوائم محددة من المراكز الإسلامية، وهي الجهات التي أنهت الحكومة المصرية التعامل معها وقد أشار اتحاد مصدري اللحوم الأمريكية على موقعه الرسمي إلى هذه الجهات وهي " الجمعية الإسلامية لولاية كاليفورنيا، الجمعية الدولية للأتمتة، جمعية أمانة حلال بنيويورك، جمعية حلالكو للحوم الحلال، المجلس الإسلامي للغذاء والتغذية في أمريكا، الجمعية الإسلامية في واشنطن".

 وحول سؤاله عن أسباب منحه احتكار سوق الحلال في الولايات المتحدة لصالح الحكومة المصرية، أرجع وائل حنا في التحقيقات السبب إلى "حرمان جماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها مصر إرهابية، أي موارد مالية في أعمال إصدار شهادات الحلال". وحسب نيويورك تايمز، لا يوجد ما يشير إلى أن أياً من الجهات السابقة لها ارتباط بالإخوان. 

وقال حنا في إشارة إلى الجهات المصرية التي ساعدته: "لقد أعطوني هذه الثقة لأنهم يعرفون أنني لست مرتبطاً بجماعة الإخوان المسلمين".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image