شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
“لقد قهرني المرض والرجال أيضاً“... فتيات مصابات بالبهاق بين التنمّر والفراق

“لقد قهرني المرض والرجال أيضاً“... فتيات مصابات بالبهاق بين التنمّر والفراق

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 10 نوفمبر 202012:33 م

تفرقهن البلدان وتجمعهن مشاعر الوجع. هي معاناة كبيرة تقع فيها فتيات مرض البهاق في مختلف المدن العربية. لا تقتصر فقط على التنمر بأشكالهن، وإنما تتعدى ذلك إلى علاقات تنتهي قبل أن تبدأ، وتُستغل فيها الفتيات فتترك في قلوبهن غصة كبيرة يصعب تجاوزها.

يرصد رصيف22 حكايات من الواقع المرير لفتيات مرض البهاق، وقد سُلط الضوء عليها أخيراً بشكل خاص بعد عرض المسلسل المصري "إلا أنا" والمكوّن من عدة حكايات، تتحدث إحداها، وهي بعنوان "لازم أعيش"، عما تعانيه فتاة مصابة بالبهاق من تنمر لازمها طوال حياتها ودفع خطيبها للتخلي عنها.

وأثار المسلسل ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي بتسليطه الضوء على هذه الفئة المغيبة عموماً عن الإعلام، والتي كثيراً ما تتعرض للتمييز وإساءة التعامل نتيجة الفهم الخاطئ لحالتها الصحية، علماً أنه مرض جلدي غير معدٍ ويصيب من 1 إلى 2 بالمئة من السكان حول العالم.


قهرني المرض والرجال أيضاً

تقول زهرة صالح وهي فتاة جزائرية عمرها 29 عاماً: "أنا مريضة بهاق مذ كان عمري 17 عاماً. ورغم أنه مرض لا يعدي، فهو قادر على تدمير الحالة النفسية لصاحبه، وقد سهرت ليالي طويلة أبكي سراً بسببه".

يصيب مرض البهاق من 1 إلى 2 بالمئة من السكان حول العالم

عندما مرضت زهرة بالبهاق كانت في مرحلة الثانوية العامة. بدأ بنقاط صغيرة في يديها وصدرها، وتوغل مع الوقت في اليدين والوجه حتى أصبحت ترتدي قفازات كي لا يظهر. في ذلك الوقت تعرفت الفتاة على شاب من المدينة نفسها التي تقطنها، فكانت لها معه حكاية مؤلمة.

"كان على علم تام بمرضي"، تقول زهرة. "كنت أحكي معه بالهاتف طوال الليل خلال فترة الدراسة والعطلة الصيفية. في ذلك الوقت كانت بقع البهاق تكبر، ورغم أنني كنت أتابع حالتي مع طبيب رحت أسال نفسي كل يوم لماذا تكبر البقع بهذا الشكل؟ أصبحت هزيلة الجسم لا آكل ولا أشرب ولا أعرف طعم النوم. أما صديقي فلم ينطق بأي كلمة خلال علاقتنا ما هوّن عليّ تحمل مرارة المرض، حتى التحقت بالجامعة، وهنا كانت بداية وجع قلبي".

مع دخولها الجامعة تغيرت ملامح زهرة، وأصبح البهاق ظاهراً أكثر. تقول: "كنت أمشي في الطريق والناس ينظرون إليّ باستهزاء. لا أنسى تعليق أحدهم حين قال "أنتِ كابتشينو أم ماذا"، ليزداد الاستهزاء مع عدم ردي ويقول "كابتشينو يعني إنت قهوة باللبن، جزء أبيض وجزء أسود". آخرون شبهوني بالبرص وما كنت أستطيع الرد نهائياً، فكان يصيبني السكوت التام وكنت أبكي فقط".

في تلك المرحلة بدأ انهيار علاقة زهرة بحبيبها، إذ تأثر بزملائه الذين كانوا يقولون له: "اتركها فهناك فتيات كثيرات أفضل منها"، وبدأت تشعر بالنقص رغم شخصيتها القوية حسب وصفها. وبين يوم وليلة بلغها أحد أصدقائها بأن حبيبها خطب فتاة أخرى. تقول: "شعرتُ بالموت. لا يمكنني أن أنسى وجع قلبي وقتها. راودتني أسئلة كثيرة، فهل كان يحبني بالفعل؟ هل كان يلعب بمشاعري كل تلك الفترة؟ والأسوأ أنه أنهى علاقتنا بمكالمة مدتها دقيقة ونصف، وقال جملة لا يمكنني نسيانها: أهلي لا يريدونني أن أتزوج بهاقية".

حاولت زهرة بعد ذلك أن تتزوج بشكل تقليدي أو كما يقال في الجزائر "زواج صالونات". لكن كل من كان يزورهم لهذا الغرض لا يعود مرة أخرى بعد رؤية البهاق. "منذ ذلك الحين لم أدخل بأي علاقة عاطفية. لقد قهرني المرض والرجال أيضاً"، تضيف بحزن.


على الرغم من أن البهاق ليس معدياً، يرتبط تأثيره بالمشكلات النفسية مثل تدني احترام الذات والإحراج والأثر السلبي على العلاقات الجنسية والعزلة الاجتماعية والتمييز، لذلك يصبح عائقاً أمام البحث عن العمل والزواج

"أنا مش كافية"

أمل محمود فتاة مصرية تبلغ من العمر 20 عاماً. رغم صغر سنها عانت كثيراً من الآلام العاطفية بسبب مرض البهاق الذي أصيبت به في سن السابعة عشرة وكان عبارة عن نقاط بسيطة في وجهها، لكنه أصبح أشد عقب وفاة والدها منذ حوالي عام.

تقول لرصيف22 إنها قبل الإصابة كانت تنظر في المرآة كثيراً، وكانت تحب نفسها وجمالها، أما الآن فقد أصبحت المرآة أكبر عدو لها وقد أرهقها السؤال: "ما هذا الذي في وجهك؟ أهي حروق أم مرض معدٍ؟". وتضيف: "حاولت كثيراً أن أقنع نفسي بأنني مميزة بهذا الشكل لكن الإحباط كان يتملكني مع كل سؤال أراه في عيون الناس".

ينتشر البهاق لدى أمل حول عينيها وفمها وفي أطرافها، وباتت تخاف فكرة الارتباط بشخص يشعرها بأنها "غير كافية" وهو إحساس "سيء لأي امرأة في الدنيا" حسب تعبيرها، إضافة لخوفها من نقل المرض لأطفالها لأنه وراثي وكان والدها يحمله قبل وفاته.

ومع ضغط الأسرة وافقت أمل على أن تقابل عريساً شعرت تجاهه بالراحة، وسألها في أول مقابلة عن حالتها وشرحت له أنها نقص في الأصبغة الجلدية. تقول: "اعتقدَ حينها أنه مرض عادي يحتاج وقتاً للشفاء، وكان متمسكاً بي وموافقاً على جميع طلبات أهلي، لكني بعد فترة قررت أن أقول الحقيقة لأني ما كنت أريد أن أخدعه. شرحت له عن البهاق وصعوبة علاجه وهنا ساد الصمت في موقف لا يمكنني نسيانه".

في تلك اللحظة رأت الفتاة في عيني خطيبها ألف سؤال وسؤال، وقد امتلأتا بالخوف والتوتر. سألته "هل تقبلني كذلك؟"، ومع صمته انهالت الدموع من عينيها وحدث ما كانت تتوقعه، فانتهت العلاقة، وازدادت حالتها الجسدية سوءاً، وبعد ذلك الموقف رفضت تماماً فكرة التقرب من شخص أو الارتباط.


أي عريس!

تقول نبيلة نزار وهي سيدة عمرها 34 عاماً ومتزوجة من شاب أوروبي، إنها عانت كثيراً في بلدتها في الجزائر بسبب إصابتها بالبهاق، وهي اليوم تعيش في فرنسا بعد أعوام من التمييز في مجتمعها، وخطبتها التي تمت مرتين من شابين تركاها بلا رحمة.

أصيبت نبيلة بالبهاق وهي في سن الخامسة، وعندما وصلت للعشرين أقنعتها أمها بأن ترضى بالقليل "لأنه لا يوجد شخص يتقبلني بالبهاق، وللأسف سمعت كلامها من دون تفكير، وحين تقدم لي شاب أكبر مني بسبعة عشر عاماً وافقت على الارتباط به"، تكمل بصوت مخنوق.

بعد الخطبة اختفى الشاب فجأة وانقطعت أخباره، فساءت حالة نبيلة كثيراً. وبعد أشهر وصلتها منه رسالة، ومما جاء فيها: "لم أعد قادراً على تحمل البهاق الموجود لديك". تقول نبيلة رداً على الرسالة: "وقتها أصابني الاكتئاب وفكرت بالانتحار. ومن تجربتي استنتجت أن الرجل العربي يحب أن يتزوج أجمل امرأة في الكون، أما المرأة المريضة فيتفنن بكسرها".

بعد قصتها هذه تعرفت نبيلة إلى شاب آخر كان مريضاً بداء السكري وأكبر منها بأربع سنوات. كان يقول لها: "لا تخافي أنا معك والبهاق جميل عليك. أنت جميلة وأنا أحبك"، لكنه في يوم من الأيام سافر لمدينة أخرى وأخبرها بأنه يجري فحوصاً بسبب إصابته بسرطان في الدماغ، وهو أمر اكتشفت كذبه بعد فترة، لكنها استمرت معه بسبب قول أمها: "ما من أحد يرضى بالزواج بك".

لم يدم الأمر طويلاً بينها وبين وخطيبها الثاني، إذ تصاعدت وتيرة الخلافات، وأرسل لها ذات مرة رسالة، مما قال لها فيها: "أنتِ شكل البقرة".

تضيف نبيلة: "حينها قررت السفر بسبب شعوري بالضعف الشديد ورغبتي بلملمة ما تبقى مني. استقررت في فرنسا وتزوجت وأعمل هناك، ومنذ ذلك الحين لم أشعر بأنني مختلفة. لم يتحدث زوجي عن مرضي ولو لمرة واحدة، وهو يحبني بشكل حقيقي وأنا أيضاً أحبه، وكأن الله عوضني به عن سنوات عذابي".

ترى نبيلة أن على مريضات البهاق التحلي بالقوة، وحب النفس، وألا يرضين بالقليل، "لأن كل إنسان يستحق الأفضل"، وفق قولها.


شعرتُ بالموت. لا يمكنني أن أنسى وجع قلبي وقتها. راودتني أسئلة كثيرة، فهل كان يحبني بالفعل؟ هل كان يلعب بمشاعري كل تلك الفترة؟ والأسوأ أنه أنهى علاقتنا بمكالمة مدتها دقيقة ونصف، وقال جملة لا يمكنني نسيانها: أهلي لا يريدونني أن أتزوج بهاقية

البهاق قد يؤدي للانتحار وتعاطي المخدرات

يقول الطبيب النفسي إبراهيم مجدي وهو كاتب الجزء النفسي بمسلسل "لازم أعيش"، إنه على الرغم من أن البهاق ليس معدياً، يرتبط تأثيره بالمشكلات النفسية مثل تدني احترام الذات والإحراج والأثر السلبي على العلاقات الجنسية والعزلة الاجتماعية والتمييز، لذلك يصبح عائقاً أمام البحث عن العمل والزواج.

ويضيف في لقاء مع رصيف22: "مطلوب توعية المجتمع وتغيير المفاهيم عن هذا المرض وتعزيز تقبل الذات لدى المصابين. لدى غالبيتهم عدم احترام للذات ويشعرون بقلة الثقة بالنفس والنقص، وهذا يؤدي في أحيان كثيرة إلى الإقدام على الانتحار، أو إلى تعاطي المخدرات، أو إلى الدخول في نوبات عزلة دائمة".

وعن دور الطبيب النفسي في هذا الأمر يقول مجدي: "نعمل على وصف أدوية للتغلب على الاكتئاب، ونساعد المرضى على أن يشغلوا أنفسهم بنجاحات خاصة بهم حتى يتمكنوا من التغلب على أضرار البهاق النفسية والاجتماعية".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image