شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"الدعارة فنٌ أنا عميدته"... ما خفي عن "بيوت الجنس" في العراق

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 8 سبتمبر 202205:04 م

أعلنت السلطات في أربيل، في 5 أيلول/ سبتمبر الحالي، عن انتحار قاصر تُدعى مروة القيسي (17 عاماً)، تقطن في القرية اللبنانية في أربيل، بعد عودتها من الملهى الذي تعمل فيه عند الساعة الـ7 صباحاً، إذ قامت برمي نفسها من الطابق الـ11 من بناية مكوّنة من 17 طابقاً.

تقول الشرطة إنها تواصلت مع شقيقة الضحية، وتُدعى ملاك القيسي وتعمل راقصةً، لمعرفة ما هي أسباب الانتحار. الخبر نفسه أحدث ضجةً بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين بغالبيتهم أكدوا أن القرية اللبنانية مكان لتجارة الجنس مطالبين السلطات بتفكيك عصابات الاتجار بالبشر.

تفتح هذه الحادثة الباب للغوص أكثر في تجارة الجنس المنتشرة في أماكن مختلفة في العراق، وما تتعرض له النساء من استغلال ومعاملة قاسية وغير إنسانية، مع تغاضي السلطات عن هذا الواقع بذرائع مختلفة. يحاول رصيف22، في هذا التقرير، الإضاءة على قصص نساء يعانين، ويُغتصبن، ويُعنَّفن، ويُترَكن لأقدارهن، كما حصل مع مروة القيسي.

يؤكد رواد مواقع التواصل الاجتماعي أن القرية اللبنانية مكان لتجارة الجنس مطالبين السلطات بتفكيك عصابات الاتجار بالبشر

حكاية "العمّ"

تسكن بنين (17 عاماً)، من بغداد، في شقة مزدوجة في الكرادة في قلب العاصمة. لقبها بسبوسة، وهي يتيمة الأبوين، تقول لرصيف22: "والديّ كانا في زيارة لأقربائنا في الموصل تزامناً مع إعلان دخول داعش عام 2014 إلى المدينة وحتى هذه اللحظة لا أعرف مصيرهما".

تروي بنين كيف انتقلت إثر ذلك إلى العيش في منزل عمّها في شقة صغيرة، والذي كان يشكو من ضعف المادة والصحة. لم يكن أمامها إلا أن تعمل وهو ما فعلته بعد سنة من انتقالها. تقول: "عملت في قهوة في أزقة شارع السعدون، وكنت أتقاضى يومياً 25 ألف دينار عراقي، أي ما يقارب 15 دولاراً. صاحب القهوة قال لي إني إذا ارتديت ملابس فاضحةً فسينقلني من غسل الأطباق إلى الصالة، وهناك سوف أحصل من الزبائن على الكثير من المال، مقابل سكوتي عن تحرشهم".

تضيف: "بعد فترة من الوقت، تدهورت صحة عمّي وتم نقله إلى المستشفى وطلب الطبيب مبلغاً مادياً قدره خمسى ملايين دينار عراقي، أي 3،000 دولار أمريكي، ليجري له العملية، وحين ذهبت إلى صاحب القهوة لأطلب منه المال، أخبرني بأنه سوف يعطيني المبلغ كاملاً مقابل عذريتي. لم أتردد حينها خوفاً من أن أفقد أبي للمرة الثانية. فعلتها، وحين استلمت المبلغ كان عمي قد فارق الحياة، فكانت خسارة عذريتي وعمي في اليوم نفسه، وكان عمري 13 عاماً. في 6 حزيران/ يونيو 2018. لن أنسى ذلك التاريخ، كان أسوأ يوم في حياتي".

رفضت بنين تسليم المال إلى زوجة عمّها، فطردتها من الشقة، وهي اليوم تسكن مع "عمها" صاحب القهوة، مع مجموعة من الفتيات وهو ينسّق العمل لها. وتعبير "عمّ" هنا يُستخدم بين الفتيات اللواتي يعملن في بيوت الدعارة للقوّاد الذي يشغلهن. هي إلى الآن تتقاضى في الليلة 300 دولار أمريكي، وفي الساعة 100 دولار، وهذا المبلغ هو نصف ما يدفعه الزبون، والمبلغ المتبقي يذهب إلى "عمّها"، كما تقول.

نور... عمّها والدها

تجلس رفيقة بنين إلى جانبها. هي أيضاً تعمل في الدعارة. عمرها 15 عاماً، وتُدعى نور، من بغداد، وتسكن في منطقة السعدون. تقول لرصيف22: "عند دخول البتاوين في الفروع القديمة في شارع السعدون، تجدونني أنا وأخواتي الثلاثة، نجلس على عتبة الدار ليلاً والزبائن يزوروننا كل يوم".

نور لم تخسر والديها كما حصل مع بنين، بل على العكس، "العم" هنا هو والدها، تروي: "والدي يعرضنا على الزبائن. أختي الأكبر مرغوبة أكثر مني لأنها تتمتع بجسد يجذب الرجال. أما أنا ففي النهار أعمل في المقهى وفي الليل أعمل في الدعارة. والدي ورث هذا العمل عن جدي، وهو يبيع المشروبات الكحولية أيضاً ويرفض أن يصطحبنا الزبون معه".

الدعارة فن واحتراف وأنا عميدتها، والهدف هو راحة الزبون وآني كنت كدها وكدود بحيث ما يطلع زبون إذا ما نتأكد من راحته

في الطابق العلوي من منزل نور غرفة حمراء يقضي فيها الزبون ساعةً واحدةً، وهي لا تدرك كم سعر الساعة في سوق الدعارة لأن والدها يستلم الأموال بدلاً منها، ويعطيها مقابل كُل ممارسة للجنس مبلغ 20 ألف دينار، أي ما يقارب 12 دولاراً.

الدعارة فن

أفيان أ. ويدلعونها فوفة، تبلغ من العمر 48 عاماً. هي من الأشهر في حانات بغداد وأربيل، إذ تتنقل بين المدينتين ولديها أكثر من مكان للسكن. بدأت العمل في عمر صغير، بعد زواجها بسنة، وكان عمرها 16 عاماً. تروي كيف كان زوجها يُقدّمها إلى الضباط ومعارفه من أجل كسب المال وبشروط محددة.

تقول لرصيف22، بلهجتها العراقية: "كان زوجي يمنعني آخذ حلك من أحد أو أحد يعضني أو أغفى بحضن أحد من الزبائن. هذه الأفعال ممنوعة منعاً باتاً وإن حدث فيزعل مني. الدعارة فن واحتراف وأنا عميدتها، والهدف هو راحة الزبون وآني كنت كدها وكدود بحيث ما يطلع زبون إذا ما نتأكد من راحته، بس راحته على فلوسه".

تكمل حديثها بأنه بعد وفاة زوجها استلم العمل ابنها علي عوضاً عن والده، للتعامل مع الزبائن واستلام الأموال منهم. هي اليوم ربة عملها، وصارت لديها شبكة واسعة من الفتيات. تُشير إلى أن "دور القوّاد مهم جداً، فهو يرافق المرأة ويستلم المبلغ المادي ويحدد الأوقات حسب الأسعار أو حسب الوضعيات الجنسية، فمن الصعب على الفتاة أن تعمل بمفردها في هذا المجال، فنحن نوفر الحماية لهن، من خلال الاتفاق مع الجهات المختصة لحمايتنا (المليشات والعصابات التي لها علاقة بالدولة) فيفرضون مبالغ ماليةً ندفعها سنوياً".

وتضيف: "الكثير من الفتيات خرجن من دائرتي وحاولن العمل بمفردهن، ثم عدن إليّ بعد أسبوع. كان الزبون يمارس الجنس معهن من دون أجر أو يتم زجّهن في السجن وأنا من أتوسط لهن للإفراج عنهن"، مؤكدةً طبعاً أنها "تعامل الفتيات باحترام وعطف وتطلق عليهن اسم بناتي كما أن الدعارة هو عمل نجني منه المال".

أنا ملك السمسرة

مؤيد عته (35 عاماً)، وهو اسمه الحركي، يسكن في الصالحية في بغداد، ويعمل أكثر من 12 ساعةً في اليوم، ويمتلك أربعة هواتف ذكية، ورقمه يعرفه نصف شباب العراق، فأذرعه ممتدة في عمل الدعارة، إذ هو الموزّع المهم في بغداد للفتيات على مراكز التدليك والبيوت.

آني كولشي ما عرف بالدنيا عمري عرفته لأن صادف خطفي بعد بيوم من إعدام صدام حسين وحسبت السنة وعرفت عمري، إلّي مثلي تنتظر شوكت تموت

يتحدث عته، إلى رصيف22، عن "امتلاكه" لبنات في الجامعة يعملن بنظام الجقة (ويقصد بها ممارسة جنسية واحدة)، وأن للدعارة أنظمةً بحسب قوله، نظام المبيت ونظام الساعة ونظام الجنس الفموي، ونظام الجماع من الخلف للبنات اللواتي لم يفقدن عذريتهن. كل ممارسة لها سعرها.

أحياناً يحصل عته، على أرقام فتيات يرغبن في العمل في الدعارة من الزبائن، ولديه منسقون للعمل في كل محافظات العراق وللمنسّق حصة من المال تتراوح من 300 دولار إلى 100 دولار، حسب مواصفات الفتاة، ويقول: "بعض السياسيين يعتمدون عليّ لتنظيم حفلات خاصة لهم وهم بدورهم يوفرون له الحماية".

معقل الدعارة

سينا (22 عاماً)، وتسكن في أربيل، تقول لرصيف22: "تم اختطافي في عمر الـ6 سنوات بعد عودتي من المدرسة من الناصرية. شخص ما حينها أخبرني بأن والدتي طلبت منه أن يقلّني معه في السيارة. قدّم لي قطعةً من الحلوى، هذا كل ما أذكره، بعدها تم نقلي إلى منزل فيه فتيات من عمري وأكبر وترعرعت هناك وكل واحدة منا حين تختفي بعد ظهور ملامحها الجنسية نسأل الباجي (وهو لقب مسؤولة البيت): أين فلانة فيكون جوابها: ذهبت مع أهلها".

تضيف سينا: "كنت أنتظر يوم قدوم أهلي، وكنت أظنّه سيكون أسعد يوم في حياتي، لكن بعد بلوغي زارنا رجل يدعى صميم طبره، وأخبرتني الباجي بأنه والدي، فحضنته على الفور، ثم اقتادني معه إلى منزل فيه سيدة مسنّة، وفي الصباح زارني ومعه ثلاثة أشخاص، ولم أدرك ما يحدث سوى أنه تم كيّ زندي بالنار".

بعد أسبوع تقريباً، سُلّمت سينا جواز سفر، وسافرت إلى بلد لا تعرفه ولا تستطيع التحدث ولا السؤال بعد عملية الكي، فالخوف كان يسيطر عليها، تقول: "أنزلوني في فندق وفي الليل تم اغتصابي من قبل رجل كبير في السن، وبعدها تمت إعادتي إلى أربيل. حاولت الهرب أكثر من مرة لكن دون جدوى".

والدي يعرضنا على الزبائن. أختي الأكبر مرغوبة أكثر مني لأنها تتمتع بجسد يجذب الرجال. أما أنا ففي النهار أعمل في المقهى وفي الليل أعمل في الدعارة. والدي ورث هذا العمل عن جدي

بعد عودتها إلى أربيل أخذوا منها جواز السفر، وليس لديها أي شيء يُثبت هويّتها. في كل مرة تتم ممارسة الجنس معها بعد عرضها على الزبائن، يتم تسليمها مبلغ 50 ألف دينار عراقي، تقول: "أصرفهم على البوتوكس والفيلر وعمليات التجميل لأنني الفتاة المرغوبة بين الزبائن. أذهب إلى المرقص كل يوم، وأستلم راتباً شهرياً". تضيف بلكنتها العراقية: "وين أروح؟ مرة هربت من المكان واشتغلت بمرقص آخر حتى بس أركص الكي اللي على زندي فضحني، ورجعوني عند صميم طبره، آني كولشي ما عرف بالدنيا عمري عرفته لأن صادف خطفي بعد بيوم من إعدام صدام حسين وحسبت السنة وعرفت عمري، إلّي مثلي تنتظر شوكت تموت".

شبكة التجنيد

أبو الحاتات، وهو لقب لسمسار جنس، يبلغ من العمر 50 عاماً، ويسكن في أربيل، يقول لرصيف22: "بدأت العمل في سن صغيرة جداً. كنت أعرض زوجتي وأختي وصديقاتهن على الزبائن وتطور الأمر إلى أن امتلكت مرقصاً وفندقاً".

يضيف: "العمل في أربيل صعب جداً ويتطلب منا أموالاً كثيرةً ندفعها من أجل ذلك. أغلب الفتيات إما يتم شرائهن من سماسرة وإما مخطوفات، أو من محافظات الجنوب والوسط وأغلب الفتيات يهربن من العنف الأسري إلى أربيل ليعملوا في المقاهي أو في محال الملابس".

يروي أبو الحاتات عن شبكة التجنيد لديه، يقول: "نحن نزرع فتيات ليغرينهن من أجل سلوك طريق الدعارة مقابل مبلغ مادي جيد، فالعمل لديّ موزع بين نساء تجاوزن الـ40 عاماً ومهنتهن تجنيد الفتيات من الأسواق أو من مواقع التواصل أو من مراكز التجميل، وبين الشباب الذين يعرضون الفتيات في الفنادق وفي أماكن معروفة في أربيل، مثل منطقة جيفين القديمة وجيفين الجديدة وفي الشاليهات، وبين المروّجين على مواقع التواصل الاجتماعي".

طبعاً، يحمي أبو الحاتات شخص لديه سلطة كبيرة في الدولة، وتصل المبالغ المادية التي يدفعها من أجل الحماية إلى ما يُقارب الـ60 مليون دينار عراقي، أو حسب طلب ذوي النفوذ.

سبب انتشار هذه الظاهرة هو حاجة النساء الماسة إلى المال، واستغلالهن من هذا الجانب، لا سيما نتيجة الحروب والتشرد والوضع الاقتصادي

أين القانون؟

يقول الناشط القانوني صفاء اللامي، إن "الدولة تغضّ النظر في هذا الموضوع وغير مهتمة لأن أطرافاً سياسيةً وجهات متنفذةً وحزبيةً، مسيطرة على هذا العمل ومن لا يدفع لهم الإتاوات يطبّقون عليه قانون البغاء وهو عنوان تشريعي لسنة 1988 القصد منه ‘الزنا بأجر مع أكثر من شخص’، وحكمه في القانون أكثر من سبع سنوات".

وعادةً ما تلجأ القابلات اللواتي يقمن بالإجهاض وإعادة البكارة، إلى استغلال النساء اللواتي تورطن في علاقات جنسية خارج الزواج، إذ تسعى القابلة إلى ترهيب الضحية من حجم الفضيحة، ومن أنه لا يمكن التستر عليها، وأن مساعدتها تتطلب مبالغ ضخمةً حتى تتوسل الضحية وتستنجد المساعدة مقابل أي شيء، والذي يكون في نهاية الأمر العمل في بيوت الدعارة. كذلك اللواتي يدّعين القدرة على عمل السحر لحل مشكلاتهن بالاشتراط عليهن بضرورة مضاجعة الساحر الكبير، "الذي يعمل مع سماسرة البغاء والمتاجرة"، لإتمام السحر ونجاخه.

ويوضح اللامي، أن "سبب انتشار هذه الظاهرة هو حاجة النساء الماسة إلى المال، واستغلالهن من هذا الجانب، لا سيما نتيجة الحروب والتشرد والوضع الاقتصادي"، مشيراً إلى أن "الحل هو تفكيك شبكات الدعارة، ونشر الوعي الثقافي بين المراهقات عن طريق ورش العمل وإيجاد حل للبطالة المنتشرة".

ولا يتم نشر أي إحصائية حول الدعارة من قبل وزارة الداخلية العراقية، ولكن بين فترة وأخرى يتم نشر أخبار في القنوات المحلية وفي مواقع وزارة الداخلية، مفادها بأنه تم القبض على شبكة تمارس الدعارة مكونة من مجموعة من النساء وسمسار، وكان آخر خبر في هذا السياق ما نُشر في أواخر شهر كانون الثاني/ يناير 2022، عن القبض على شبكة دعارة تتكون من 73 امرأةً أغلبهن تحت سن الـ18 في مجمع سياحي على طريق كركوك أربيل. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard