شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"طلاق المحاكم باطل ومن تتزوج بعده زانية"... معاناة مطلّقات المحاكم في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 25 أبريل 202201:00 م

بعد زواج استمر خمس سنوات، تقول السيدة المصرية س. م.، إنها قررت اللجوء إلى المحكمة حتى تتطلق من زوجها، وهو كان آخر حلولها. "كل الطرق الودية لم تجدِ نفعاً معه".

وتضيف في حديث إلى رصيف22، وقد فضّلت استخدام الأحرف الأولى من اسمها: "كان من الممكن أن ألجأ إلى الخلع، لكني لا أريد التنازل عن حقوقي وحق طفلي الوحيد"، مؤكدةً أنها فكرت في الطلاق بعد أن كان زوجها يهينها كثيراً ويتطاول عليها بالضرب وما عادت قادرةً على تحمل ذلك.

وقالت السيدة إنها ذهبت إلى المحكمة وتم الطلاق وإبرام اتفاق نتيجته أن يدفع طليقها كل ما هو ملزَم به من مأكل ومشرب وملبس ونفقة خاصة بطفله، ولا يستطيع أن يخلّ بهذا الاتفاق: "طلاق المحاكم في مصر أمر جيد وليس سيئاً كما ينظر إليه كثيرون من الرجال، وهو يحفظ للمرأة جميع حقوقها بل يحميها إذا حاول الزوج التعرض لها أو تعنيفها"، تقول.

بمجرد أن نبحث على فيسبوك عن "طلاق المحاكم"، نجد وسوماً متداولة تهاجم مطلقات المحاكم بشكل واضح.

تتفق معها في الرأي ج. ع.، التي تبلغ من العمر 35 عاماً، وقد تزوجت وهي في سن السابعة والعشرين، وتطلقت بعد سبع سنوات أنجبت خلالها طفلين. تؤكد أنها تحمّلت الكثير من خيانات زوجها، ولكنها في لحظة قررت ألا تتحمّل مرةً أخرى. ولأنه كان يرفض الطلاق، لجأت إلى المحكمة.

أشارت خلال حديثها إلى رصيف22: "ضربت بكل العادات والتقاليد المجتمعية عرض الحائط، ولم يهمني أي شيء يقال في حقي"، مؤكدةً أن المجتمع المصري في الأساس ينظر إلى المرأة المطلقة نظرةً سيئةً، سواء كانت مطلقةً بطريقة ودّية أو عن طريق الخلع أو المحكمة، وفرص السيدات المطلقات في الزواج مرةً أخرى قليلة، نتيجة الوصمة المجتمعية التي تلحق بهن.

وطلاق المحاكم يحدث في الحالة التي تذهب فيها الزوجة بنفسها إلى المحكمة لترفع دعوى للانفصال عن زوجها. فبعد استنفاد كل الحلول الودية الممكنة بين زوجين، قد تختلف ردود أفعال الزوجات؛ بعضهن قد يقررن الصمت ومتابعة الحياة بالرغم من الخلافات والمشكلات، وأخريات يفكرن في اللجوء إلى المحاكم وطلب الطلاق، وهنا تختلف نظرة المجتمع إليهن، بين كونهن "مظلومات"، أو "نواشز" يُحكم عليهن بعدم الزواج مرةً أخرى. وجدير بالذكر أن الأرقام الرسمية تظهر ارتفاع معدلات الطلاق في مصر في الأعوام الأخيرة.

ولمعرفة معاناة "مطلقات المحاكم" مع هذه النظرة، يكفي أن نتصفح بعض صفحات التواصل الاجتماعي، لنقرأ أوصافاً عنهن مثل "أن تتزوج مطلقة محاكم وهي التي طلقت زوجها يعني أن تظلم نفسك وأطفالك"، و"مطلقات المحاكم خطيرات ولا يجوز الزواج منهن"، و"ممكن نرافق مطلقة المحاكم لكن نتزوجها لا"، و"طلاق المحاكم باطل ومن تتزوج بعده زانية".

"المطلقة خربت بيتها"

فيفي رفعت، تبلغ من العمر 32 عاماً، قادتها تجربتها في طلاق المحاكم إلى أن تكون إحدى "المؤثرات" على مواقع التواصل الاجتماعي.

تقول فيفي لرصيف22، إنها تزوجت عندما كانت في الرابعة والعشرين من عمرها، وترى أنها كانت حينها صغيرةً من دون أي خبرة في الحياة، وبعد مشكلات كثيرة مع زوجها، انتهى بهما المطاف مع أولادهما الثلاثة في المحكمة. وتؤكد أن "المرأة لا تلجأ إلى المحكمة إلا لأن الزوج والمجتمع لا ينصفانها. حتى وإن أنصفتها المحكمة تُصرف لها مبالغ ضئيلة لا تكفي لسد احتياجات الأطفال".

الوصم الاجتماعي للمرأة المطلقة موجود على نطاق واسع، والسبب أن الرجل يرى أنه أمام شخصية قوية لا يستطيع أن يستغلها أو يسلب منها حقوقها، فيسعى إلى وضعها تحت وطأة تشويه السمعة، خاصةً بعد أن تعرف كامل حقوقها، وتصبح قادرةً على مواجهة المجتمع

تقول فيفي إن السبب الأساسي للوصم الاجتماعي الذي يطال مطلقات المحاكم هو المجتمع الذكوري في مصر، والذي يرى أن أي حالة طلاق السبب فيها المرأة وليس الرجل، من منطلق أن "دي مطلقة خربت بيتها وعايزة تخرب بيوت تانية".

وتضيف في هذا السياق: "بالفعل نرى كثيرين من الرجال يهابون الارتباط بالسيدة المطلقة، ولكن هنا المشكلة عندهم. إذا رفض رجل الارتباط بمطلقة عن طريق المحكمة، فهو رجل ظالم ويخاف منها. أما الرجل السوي فلا يمكن أن يخاف من أي سيدة، بغض النظر عن طريقة طلاقها، لأنه سيعطيها جميع حقوقها".

وتشير إلى أنها عانت من هذا الوصم حتى التقت بزوجها الحالي، ولديه أيضاً ثلاثة أولاد من إمراة أخرى، مؤكدةً أنه يساعدها في تربية أولادها وفي القضايا التي ما زالت معلقةً في المحاكم.

وختمت الحديث بالتنويه بصفحة أنشأتها على موقع فيسبوك تحت عنوان "ست وست عيال"، وهي بمثابة ساحة فضفضة للمطلقات ومشاركة التجارب مع بعضهن البعض وتقديم الدعم.

حملات افتراضية

بمجرد أن نبحث على فيسبوك عن "طلاق المحاكم"، نجد وسوماً عدة متداولة بين الرجال المصريين، تهاجم مطلقات المحاكم بشكل واضح، ومنها أنهن: "لا يؤتمنّ"، و"لا للنواشز مطلقات المحاكم".

تسعى معظم هذه الوسوم والحملات الكامنة وراءها إلى المطالبة بتعديلات في قانون الأحوال الشخصية المصري، وهو برأي عدد من الرجال يعرّضهم للاستغلال المادي، سواء عن طريق "قائمة الزوجية"، أي الممتلكات التي يحق للزوجة أخذها من المنزل بعد الطلاق، أو المصاغ الذهبية التي تصبح أيضاً من حقوق المرأة، أو مختلف أنواع النفقة التي يمكن أن تقرّ بها المحكمة لها، بالرغم من أن الزواج قد لا يستمر لفترة طويلة، لكنه يلزم الرجل بالكثير من المصاريف برأيهم.

مطلقات المحاكم لا يتعرضن للهجوم من الرجال فحسب، وإنما هناك سيدات يهاجمن المطلقات.

وفي المقابل، انطلقت حملات عدة خلال الفترة الماضية لتوعية المجتمع المصري بحقوق المطلقات والعمل على دعمهن معنوياً وحمايتهن من الوصم الاجتماعي.

ومن جامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والآداب MSA، أطلقت الطالبات في كلية الإعلام؛ فرح حاتم، وروز آغا، وحبيبة مكاوي، حملة "أنتِ ظل نفسك". تشير فرح في حديث إلى رصيف22، إلى أن فكرة الحملة خطرت ببالهن بعد تزايد الهجوم على المرأة المطلقة في مصر، والترويج لفكرة أنها لا يمكن أن تستقل بنفسها، ولا بد أن تعتمد على الرجل. "هذا مفهوم خطأ، فالسيدة في الأساس تعتمد على نفسها وكرامتها وعملها".

وتشير فرح إلى أن البحث المستمر خلال فترة الحملة، قادهن إلى اكتشاف أن مطلقات المحاكم لا يتعرضن للهجوم من الرجال فحسب، وإنما هناك سيدات يهاجمن المطلقات، تحت شعار "الخوف من مسارعة أزواجهنّ في الزواج بامرأة أخرى".

وتنوّه هنا إلى الدور الكبير الذي تلعبه الدراما في هذا الخصوص، فكثيراً ما رسّخت مفاهيم خطأ، وأظهرت السيدة المطلقة في موضع ضعف. "لكن خلال الخمس سنوات الماضية، بدأ الإعلام فعلاً بالتركيز على حقوق المرأة المطلقة، وتعديل نظرة المجتمع إليها، وهو ما رأيناه في مسلسل ‘إلا أنا’، ونراه اليوم في مسلسل ‘فاتن أمل حربي’".

تضيف فرح أن الأثر النفسي على السيدات المطلقات كبير، خاصةً مطلقات المحاكم، فهن يعانين من التوتر والقلق الذي يصل في بعض الأحيان إلى الاكتئاب، ويفقدن "زهرة شبابهن" على أعتاب المحاكم، مؤكدةً أن الحملة ترصد قصص المطلقات من جميع الفئات الاجتماعية والاقتصادية، وتسعى إلى أن تكون ساحةً للتعبير والحكي والفضفضة لهن، وتوصيل المطلقات بالمحامين لمعرفة حقوقهن وما عليهن فعله.

السبب الأساسي للوصم الاجتماعي الذي يطال مطلقات المحاكم هو المجتمع الذكوري في مصر، والذي يرى أن أي حالة طلاق السبب فيها المرأة وليس الرجل، من منطلق أن "دي مطلقة خربت بيتها وعايزة تخرب بيوت تانية"

"دوامة نفسية"

تؤكد استشارية العلاقة الأسرية، الدكتورة آمال إبراهيم، أن المرأة في مصر تلجأ إلى المحكمة بعد نفاد كل الطرق الودية مع الرجل، وتشير إلى أن الأبحاث الصادرة من محكمة الأسرة تقول إن أكثر من 45% من السيدات يلجأن إلى الطلاق عن طريق المحكمة بعد استغلال كل الحلول الودية التي لا تجدي نفعاً، وإن العنف الأسري هو السبب الأبرز.

وتشير المتحدثة إلى رصيف22، إلى أن الخلع غير الطلاق، ففي الخلع تتنازل المرأة عن جميع حقوقها، أما عند اللجوء إلى الطلاق في المحكمة، فتتمسك المرأة بحقوقها، وهذا الطلاق أصعب نفسياً من الخلع، ففي الحالة الثانية تتنازل المرأة عن كل شيء في سبيل حصولها على السلام النفسي، أما التي تلجأ إلى المحكمة فتدخل في دوامة نفسية صعبة، وهنا يقع الضرر الأكبر على الطفل، الذي يُستخدم أحياناً كسلاح بين الطرفين، ووسيلة للضغط.

المطلقات يعانين من التوتر والقلق الذي يصل إلى الاكتئاب، ويفقدن "زهرة شبابهن" على أعتاب المحاكم.

وتناشد إبراهيم الدولة المصرية لسنّ قوانين تعمل على إتاحة الزواج حال حصول الأشخاص على رخصة نفسية تفيد بأنهم قادرون على إدارة الخلاف وقت الزواج، وترى من منطلق خبرتها في التعامل مع الكثير من حالات الخلافات الزوجية، أن هذه الرخصة ضرورية مثلها مثل رخصة القيادة في الشوارع.

بدورها، تقول المحامية مها أبو بكر، إن الوصم الاجتماعي للمرأة المطلقة موجود في مصر وعلى نطاق واسع، والسبب في رأيها "أن الرجل يرى أنه أمام شخصية قوية لا يستطيع أن يستغلها أو يسلب منها حقوقها، فيسعى إلى وضعها تحت وطأة تشويه السمعة، خاصةً بعد أن تعرف كامل حقوقها، وتصبح قادرةً على مواجهة المجتمع".

وتشير المحامية في حديثها إلى رصيف22، إلى أن قانون الأحوال الشخصية يعطى السيدة حقوقها، لكن "على جثتها"، بمعنى أن بعض القضايا قد تستغرق أكثر من خمس سنوات في المحاكم. "وحتى بعد الحصول على حكم، يكون التنفيذ صعباً، وهو ما أشبّهه بالسيارة التي لا يوجد فيها بنزين: ‘واقفة محلك سر’".

وتضيف أبو بكر في ختام حديثها: "من أسوأ كوارث طلاق المحاكم، أن الوقت غير محدد، فنرى قضايا تلتهم من عمر السيدة وشبابها. ولا ننسى أن يوم المحكمة قد يضيّع على السيدة يوم عمل كامل، وقد يتسبب في خصم راتبها، كما أن هناك سيدات لا يتمكنّ من الحضور إلى المحكمة لأنهن صرفن جميع نقودهن على القضايا". كل هذا، تواجه المرأة فوقه وصم المجتمع لها، فتصبح حبيسة دوامة نفسية صعبة لا نهاية لها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image