شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
التكحيل بماء البصل ورشّ الفول... أهم طقوس المصريين في

التكحيل بماء البصل ورشّ الفول... أهم طقوس المصريين في "سبت النور"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 16 أبريل 202212:19 م

سبت النور والفرح، أو السبت المقدس، هو اليوم الذي يأتي بعد الجمعة العظيمة، وقبل أحد القيامة. وعلى جري عادة المصريين، لا تقتصر احتفالات المسيحيين عليهم ولا احتفالات المسلمين كذلك. ففي هذا اليوم هناك بعض الطقوس التي يحتفل بها الجميع.

الكحل له قدسية خاصة في سبت النور، وهو عادة متوارثة منذ آلاف السنين، وإلى اليوم تستمر النساء في التجمع والتبرّك بالكحل الحراق الذي يُغرقن به عيونهن، ويكون هناك نصيب للأطفال الذين يرونه بمثابة عقاب لهم، إلى جانب عادات أخرى مثل رشّ الفول وتلوين البيض.

الكحل في مصر القديمة

التكحيل ليس عادةً جديدةً عند المصريين. يقول خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان، لرصيف22، إن المصري القديم عرف الكحل منذ العام 3،500-4،000 قبل الميلاد، وقد عُثر على الكحل والزيوت العطرية والمساحيق في المقابر منذ فجر التاريخ، وظهرت ضمن الآثار المصرية عيون المعبود "رع" محددةً بشكل مذهل، واستُخدم لتزيين عيون الملوك، كما كان أفراد جميع الطبقات في مصر القديمة من عمال وملوك يضعون الكحل على عيونهم، ولذا ظهر المكياج الأسود الكثيف المعروف في جميع أنحاء العالم، ولا يزال البعض يستخدمونه في شمال إفريقيا وآسيا الوسطى.

إلى اليوم تستمر النساء في التجمع والتبرّك بالكحل الحراق الذي يُغرقن به عيونهن.

واستُخدم الكحل في الحضارة المصرية القديمة للنساء والرجال، لحماية عيونهم من شمس الصحراء الحارقة ومن بعض أمراض العيون، ولذا كان يوضع للأطفال حديثي الولادة وصغار السن بغض النظر عن جنس الطفل، لتقوية العيون أو لحمايتها من العين الشريرة أو الحسد، وعُرف عن الكحل العديد من الخصائص المضادة للميكروبات، كما كانت له رمزية تمثل الجانب السحري لاستدعاء الآلهة ‘حورس’، و’رع’، من خلال وضع المكياج الأسود، والعين دائماً مفتوحة على التوابيت التي تحتوي على المومياء للاعتقاد بأن الميت يرى ما يحدث حوله.

خبير الآثار أضاف قائلاً: "صُنع الكحل في مصر القديمة من مواد عدة، بخلط السخام أي سواد الحلة مع معدن يسمى ‘جالينا’ فينتج معجون أسود، كما ظهرت العيون مزينةً بالكحل الأخضر وهو نتيجة خلط المرمر، الذي اعتقدت النساء قديماً أنه جاء من المعبودة حتحور، وهي آلهة الحب، مع الجالينا، ويحتوي على أكسيد النحاس والسيليكون والتلك وبودرة قشور اللوز ودهون بعض الحيوانات مثل البقر".

وتنتشر خامات النحاس أخضر اللون، ومنها الملخيت، في سيناء والصحراء الشرقية، أما الجالينا وهي من خامات الرصاص أشهب اللون، فتُستخرج من منطقة قرب أسوان، أو عند ساحل البحر الأحمر، وقد عُثر على كلا المادتين كما يشير المتحدث في أكياس جلدية أو كتانية، ويُحتمل أن المسحوق الناعم كان يُخلط بالماء أو الصمغ أو ربما كليهما، أو راتنج أو زيوت نباتية، لتكوين عجينة لينة يمكن وضعها على الحاجبين أو حول العينين، فيزيدهما اتساعاً، كما كانت العين تُرسم بخط شريطي إلى الجانب كما هو معروف من المناظر المصورة.

وعن الكحل عند العرب، أوضح الدكتور ريحان أنه عُرف عن العرب قديماً اشتهارهم بوضع كحل الزينة، وكانت أول من وضعته، زرقاء اليمامة، وهي امرأة من قبيلة جديس في مدينة جو، وهي اليوم واحة من واحات المملكة العربية السعودية، وعُرِفت تلك المرأة بجمالها فشُبّهت بالقمر ليلة البدر، وامتازت ببصرها القوي، وبقدرتها على رؤية الأشياء من مسافات بعيدة جداً.

اعتدت منذ صغري على أن نتكحّل في هذا اليوم، وكانت أمي تضع لي الكحل الأزرق أنا وأشقائي، والآن أفعل الشيء نفسه مع بناتي. هم لا يحبون كثيراً هذه العادة، ولكنها بركة لا نتخلى عنها

عادات لا تنقطع

يتبارك المصريون بوضع الكحل في يوم سبت النور، ولا تقتصر هذه العادة على المسيحيين فحسب، ويكون الكحل من النوع الحراق "الأزرق"، كما يضُاف ماء البصل إليه.

صفاء (45 سنةً)، من محافظة البحيرة، تقول لرصيف22: "اعتدت منذ صغري على أن نتكحّل في هذا اليوم، وكانت أمي تضع لي الكحل الأزرق أنا وأشقائي، والآن أفعل الشيء نفسه مع بناتي. هم لا يحبون كثيراً هذه العادة، ولكنها بركة لا نتخلى عنها، كما أن الكحل جيد جداً ومفيد لتوسيع العين وخاصةً لو خُلط بماء البصل".

وتضيف الحاجة صفية (53 سنةً)، من محافظة كفر الشيخ، قائلةً: "في هذه الأيام تكون لنا طقوس كثيرة، توارثناها عن أجدادنا. نطبخ الفول النابت ونوزعه على بعض الأحبة، ونلوّن البيض، وطبعاً لا ننسى أبداً الكحل. حتى أحفادي الصبيان أكحّلهم في هذا اليوم، فالكحل يجعل العين أكثر اتساعاً وجمالاً".

وضمن هذا السياق، يقول الباحث في التراث المصري خطاب معوض: "يُعدّ التكحيل واحداً من أهم طقوس سبت النور في مصر وأبرزها، وحسب المعتقدات المسيحية فإن الاحتفال بيوم سبت النور يأتي بعد يوم الجمعة العظيمة واحتفالات أسبوع الآلام، وقبل يوم واحد من يوم عيد القيامة المجيد، ويشير اسم هذه المناسبة إلى شعلة النار التي انطلقت من كنيسة القيامة في القدس".

وأضاف الباحث في حديثه إلى رصيف22: "ترجع هذه العادة إلى اعتقاد القدماء المصريين بأن الكحل يساعد في تقوية الإبصار وتحمّل ضوء الشمس الشديد، إذ كانوا يعبدون آمون إله الشمس، فكان الكحل يحمي عيونهم من النظر إلى قرص الشمس، وتتشابه هذه العادة المصرية القديمة مع ما كان يقوم به أهل بيت المقدس المسيحيون من تكحيل العيون لحمايتها من شدة نور قبر السيد المسيح، وهذا ما ذكره المستشرق إدوارد وليم لين، في كتابه ‘عادات المصريين في القرن التاسع عشر’. وسبت النور مثله مثل معظم المناسبات الدينية المسيحية والإسلامية يرتبط ببعض العادات المصرية القديمة، وفي هذا اليوم كان قدماء المصريين يحرصون على تزيين عيونهم باستخدام الكحل الحامي المخلوط بماء البصل، اعتقاداً منهم بأن هذا الأمر يساعد على توسيع العين وتجميلها".

ويشير الباحث إلى أن عادة تكحيل العيون كانت واحدةً من أهم عادات ليلة سبت النور في صعيد مصر وريفها، وهي أمور كان شاهداً عليها بنفسه. "كانت والدتي رحمها الله تقول إن الكحل يزيّن وينظف ويجلو العين، وكان أهل بلدتنا جميعاً، مسلمين ومسيحيين، كباراً وصغاراً، نساء ورجالاً، يكتحلون في هذا اليوم، كما كانت الأسر المصرية تحرص على طبخ الفول النابت في هذه المناسبة، بالإضافة إلى رشّ بعض حبات الفول على مداخل البيوت طلباً للرزق والخير كما يفعلون في يوم أسبوع المولود الجديد".

تعويذة حبس العقارب

وفق حديث الكاتب المهتم بالشأن الصعيدي، أيمن رجب طاهر، فإن الاحتفال بسبت النور في مصر يبدأ عادةً في نهاية يوم الجمعة، بقيام ربات البيوت بإشعال شموع السبت أو أضوائه، وإقامة الصلوات، ويمرّر المصلون أيديهم مقابل نور الشموع، ويمسحون وجوههم، ودائماً ما يشعرون بسلام ومحبة وطمأنينة روحية في هذا اليوم.

أما في فجر السبت، فيقوم الأبناء بإعداد تعويذة العقارب والأفاعي كما يقول طاهر خلال حديثه إلى رصيف22، فيقضون الساعات الأولى من النهار في لصق الأوراق على الحيطان والأبواب وعند مداخل البيوت، وخاصةً في المناطق القديمة التي تكثر فيها الزواحف، اعتقاداً منهم بأن تلك الكلمات والتعويذات تحبس العقارب والثعابين وتمنعها من دخول المنطقة، وهي طاردة لها وللأرواح الشريرة، والأجداد اختاروا ذلك اليوم لأنه يكون بداية دخول فصل الصيف الذي تنتشر فيه تلك الزواحف.

ترجع هذه العادة إلى اعتقاد القدماء المصريين بأن الكحل يساعد في تقوية الإبصار وتحمّل ضوء الشمس الشديد، وتتشابه مع ما كان يقوم به أهل بيت المقدس المسيحيون من تكحيل العيون لحمايتها من شدة نور قبر السيد المسيح

أما عن طريقة عمل التعويذة، فيشرح الكاتب: "تُقطع أوراق متساوية لا تتعدى حجم نصف كف اليد، وتُكتب عليها كلمة تتوالى بعدها كلمات بشكل هرمي على أن تنقص كل كلمة عما قبلها بحرف، إلى أن تنتهي الكلمات بحرف واحد، وتُرسم حولها دائرة أو مربع، كدليل على أن تلك الكلمات عندما تراها العقارب أو تقرأها الأرواح الشريرة تحبسها داخل الإطار ولا تخرج منه، ولا تقترب من المنازل المحيطة بها".

وإلى جانب كتابة تلك الكلمات، تعدّ ربات المنازل عجينةً مكونةً من الدقيق والماء في طبق، ويلصقن بها الأوراق الموزعة على كل المنازل، تاركات بين كل ورقة وأخرى مترين أو ثلاثة، وفي بعض الأحيان يحتاج المنزل الواحد إلى عشر ورقات إذا كان قريباً من منطقة الجبل.

وفي صعيد مصر أيضاً توجد بعض العادات الخاصة بهذا اليوم كما يقول الباحث المتخصص في تراث هذه المنطقة، محمد جمال سباق الحويطي، لرصيف22.

"تبدأ الطقوس يوم الثلاثاء ويُسمّى بثلاث العصيدة. تعد النساء أكلة العصيدة المشهورة بالعجين والعسل، ويوم الأربعاء يُعرف بأربعاء أيوب، ويحصدون فيه نبته أيوب ويقال إنها العشبة التي استحم به سيدنا أيوب، ويوم الخميس يزور الناس مقابر الأولياء، ويوم الجمعة يصنعون الأدوسيه والمفروكة وهي أطعمة من الدقيق والسكر، ويوم السبت يسلقون البيض ويكحّلون الأطفال، والأحد يُعرف باسم ‘حد الفرفيطة’، وفيه يتم تزغيط، أي تسمين، ذكر البط أو الإوز وذبحه أمام عتبة المنزل".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard