شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
عيد منقوص... أن تكون كاثوليكياً في مصر

عيد منقوص... أن تكون كاثوليكياً في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 22 ديسمبر 202106:21 م

للمرة الأولى منذ سنوات، لا يجد أبناء الطائفة الكاثوليكية في مصر، هذه السنة، أنفسهم مضطرين للعمل في يوم عيد الميلاد، ليس لأن الدولة منحتهم إجازة من العمل، بل لأن العيد صودف يومي الجمعة والسبت، وهما للإجازة الأسبوعية.

منذ زمن بعيد، يطالب المسيحيون الكاثوليك في مصر بأن يكون يوم عيد الميلاد الغربي (25 كانون الأول/ديسمبر) إجازة رسمية، وألا تقرر فيه وزارتا التربية والتعليم أو التعليم العالي امتحانات للطلاب تمنعهم من الاستمتاع بإجازة العيد.

إلا أن مطالباتهم لم تُستجب، خاصة مع ضآلة أعدادهم المقدرة بنحو 300 آلاف مواطن(لا يوجد إحصاء رسمي).

حتى 2002، ظل المسيحيون، بمن فيهم الأرثوذكس، محرومين من الإجازات في أيام الأعياد، خاصة أن يومي عيد الميلاد، وفقاً للإيمانين الكاثوليكي والأرثوذكسي، يأتيان في فترة امتحانات نهاية الفصل الدراسي الأول

دائرة مغلقة

مذبح كنيسة كاثوليكية في مصر - تصوير حيدر قنديل - خاص لرصيف22

يعود تاريخ المسيحية في مصر إلى نحو 2000 عام، إذ كانت مصر من أوائل الدول التي استقبلت الرسالة بعد سنوات قليلة من قيامة المسيح وفقاً للمعتقد المسيحي. وانتشرت المسيحية في مصر وامتدت حتى النوبة وشمال السودان. وترسخت بين المصريين حتى أنهم واجهوا حكامهم الرومان واستشهدوا في سبيلها، وابتدعوا الرهبنة استكمالاً لتقاليد الكهانة المصرية القديمة، وأصبح المصريون أمة مؤسسة إلى جانب كونها حاضنة مبكرة للعقيدة المسيحية. وعانى المسيحيون مع بدايات الفتح العربي بحسب ما تحفظه سجلات الكنيسة القبطية في مصر، إلا أنهم استعادوا التمتع باحترام حياتهم الروحية في عهد العباسيين ثم في أوائل عهد الفاطميين.

يشهد التاريخ المسيحي سيطرة الكنيسة الشرقية "الأرثوذكسية" على الإيمان المسيحي في مصر، لكن حركات التبشير بدءاً من نهايات القرن الخامس عشر كسبت أرضاً للإيمان الكاثوليكي، وخاصة في الصعيد الذي كان في أغلب فترات التاريخ (بعد الفتح العربي) خارج دائرة اهتمام الدولة المصرية المركزية. إلا أن عدد الكاثوليك والمؤمنين بكنائس مسيحية أخرى خلاف الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية ظلت قليلة وتتضاءل. ما انعكس على الحياة العامة والمناسبات الروحية لدى المسيحيين الذين يتبعون في إيمانهم كنائس غربية كالكاثوليكية والبروتستانتية والإنجيلية المشيخانية.

معاناة الكاثوليك من ضغوط الامتحانات والالتزامات في يوم العيد ليست جديدة على المواطنين المصريين الذين يدينون بالمسيحية، فحتى 2002، ظل المسيحيون، بمن فيهم الأرثوذكس، محرومين من الإجازات في أيام الأعياد، خاصة أن يومي عيد الميلاد، وفقاً للإيمانين الكاثوليكي والأرثوذكسي، يأتيان عادة في فترة امتحانات نهاية الفصل الدراسي الأول في المدارس والجامعات، ما يحرم الأطفال والطلاب من الاستمتاع بالعيد.

في 2002 اتخذ الرئيس الأسبق حسني مبارك قراراً جمهورياً باعتبار يوم 7 يناير/ كانون الثاني إجازة رسمية لأبناء الإيمان المسيحي، ويحرم في هذا اليوم عقد امتحانات ويسمح للمسيحيين بالتغيب عن العمل في إجازة مدفوعة الأجر.

طفلة كاثوليكية: لا أستطيع الاحتفال بالعيد، فالمدرسة لا تعترف بأن 25 ديسمبر إجازة، لذلك من الممكن أن أجد امتحاناً أو مراجعة هامة يوم العيد

محيط كاثوليكي

استطاعت دينا جرجس فوزي، معلمة اللغة الفرنسية بإحدى المدارس الكاثوليكية في مصر خلال السنوات السابقة، الإفلات من فخ العمل في أيام العيد، لأن المدرسة التابعة للرهبانية الكاثوليكية تمنح الطلاب والعاملين فيها إجازات في مواعيد الأعياد الكاثوليكية والأرذثوكسية على السواء، بينما لم يستطع زوجها باسم جمال، الطبيب بمستشفي أحمد ماهر التعليمي، التمتع بنفس أيام الفرصة إلا إذا تولى زملاؤه العمل نيابة عنه.

لكن بالنسبة لولديها اللذين ألحقتهما بنفس المدرسة التي تعمل فيها، فالإجازة لا تعني إجازة للمذاكرة، خاصة أن الامتحانات التي تقرر موعدها وزارة التربية والتعليم لا تراعي جدول الأعياد. تقول دينا: "عائلتي كاثوليك، وكذلك عائلة زوجي، لذلك فإن محيطي العام كاثوليكي. فكرة الاحتفال في مواعيد الكنيسة الأرذثوكسية أمر مستبعد"، مشيرة إلى أن القصة ليست في الاحتفال وإنما في رمزيته القائمة على ميلاد المسيح، لذلك فإن تأجيل الاحتفال 13 يوماً (حتى 7 يناير/ كانون الثاني)، "أمر غير مقبول".

وتضيف: "ألحقت أبنائي بمدارس كاثوليكية حتى لا يجدوا أنفسهم يخوضون الامتحانات ليلة العيد، لكن عما قريب سيلتحق ابني الأكبر بالجامعة، لذلك سيعاني نفس المعاناة التي عشتها أنا في الجامعة، إذ يقع موعد امتحاني يوم العيد".

يعلق ابنها البكر كريم: "لدي أصدقاء أرذثوكس كثيرون، لكن احتفالي دائماً في 25 ديسمبر/ كانون الأول. وإذا لم أحتفل بالعيد في هذا التاريخ فلا أحتفل به بعده".

بحسب المجمع المسكوني الأول "مجمع نيقية"، المنعقد في 325 ميلادياً، حُدد عيد ميلاد المسيح ليوافق تاريخ 29 كيهك حسب التقويم القبطي، الموافق 25 ديسمبر/ كانون الأول، وهو وقتذاك اليوم الأطول ليلاً والأقل نهاراً، ولذلك رمزية تدل على المسيح المخلَّص إذ يتناقص الليل من بعد ميلاده.

 في ذلك الوقت، كانت أوروبا تعتمد التقويم اليولياني نسبة إلى يوليوس قيصر، حتى جاء البابا غريغوريوس بابا روما عام 1582 وأمر بحذف 10 أيام من التقويم فأصبح يوم 15 أكتوبر/ تشرين الأول، هو الخامس من أكتوبر في نفس العام، بسبب ملاحظة العلماء أن الاعتدال الربيعي، أي تساوي الليل والنهار يحل في 11 مارس/ آذار بدلاً من 21 من الشهر نفسه، وأن ليلة ميلاد المسيح لا تكون الليلة الأطول في السنة، وذلك لخطأ في حساب مدة دوران الأرض حول الشمس، وهو ما تسبب بفارق 10 أيام، وتم فرض هذا التقويم على الكنائس التابعة لروما، بينما احتفظت الكنيسة الأرذثوكسية بموعدها المرتبط بالتقويم القبطي الأكثر انضباطاً، خاصة أن تعديلاً جديداً على ترتيب السنة الميلادية وأيامها جرى لاحقاً سنة 1752 ميلادية.  

وفي الوقت الذي يحتفل فيه كريم بالعيد، لا يجد حلمي أبادير أي فرصة للاحتفال مع ابنته نيللي، الطالبة بالصف الثاني الإعدادي بمدرسة خاصة للغات تلتزم الإجازات الرسمية فحسب، وتستعد في فترة العيد (24 و25 ديسمبر/ كانون الأول) لامتحانات نصف العام لا يمكن التغيب عنها.

عائلة دينا جرجس في قداس العيد - خاص لرصيف22 - صور الأسرة

تقول نيللي: "لا أستطيع الاحتفال بالعيد، فالمدرسة لا تعترف بأن 25 ديسمبر إجازة، لذلك من الممكن أن أجد امتحاناً أو مراجعة هامة يوم العيد"، مشيرة إلى أن مدرسي الدروس الخصوصية لا يؤجلون الحصص في يوم العيد، حتى لو أخبرتهم أنه عيد". وإذا استطاعت نيللي الحصول على إجازة من الدروس والمدرسة، فإن أماكن الاحتفال لا تقدم عروضاً في 25 ديسمبر، "لأنه بالنسبة لهم يوم عادي".

اضطر حلمي إلى دفع ابنته للاعتياد على الاحتفال يوم 7 يناير/ كانون الثاني، باعتباره العيد المعترف به في الدولة، "لكن مع دخولها سن المراهقة بدأت تغضب من ذلك، فهي ترى أن الاحتفال يجب أن يكون يوم 25 ديسمبر، ولذلك لا تحتفل بالعيد منذ عامين إلا في المنزل".

ورغم أن محافظة المنيا هي أكثر المحافظات غنى بالطوائف المسيحية المتعددة، فإن احتفال عيد الميلاد فيها منذ عهد مبارك يتم يوم 7 يناير/ كانون الثاني، بحسب داليا زخاري -47 عاماً- التي قالت: "الكنائس الأرذثوكسية والكاثوليكية تحتفل في هذا التاريخ بسبب اتخاذ إجراءات أمنية مشددة".

وأضافت أن الأزمة الأكبر تكمن في مواعيد الامتحانات، لأن ليلة العيد هي جزء من الاحتفال، ومن الممكن أن يجد الطالب المسيحي نفسه أمام امتحان قبل ساعات من قداس العيد، مشيرة إلى أنها قضت العيد وحيدة لمدة أربع سنوات بسبب ذلك، لأنها كانت مغتربة عن أسرتها، وكانت مواعيد الإمتحانات محددة في فترة العيد، "لذلك كان السفر والعودة أمراً مستبعداً" بحسب قولها.

وأشارت إلى أن العديد من العائلات الكاثوليكية تلجأ للاحتفال في 7 يناير، خاصة العائلات المختلطة من طريق الزواج بين الكنيستين.

في 2016 تقدمت النائبة السابقة سوزي ناشد بمشروع قانون لمجلس النواب لمنع الامتحانات في أعياد المسيحيين، بما في ذلك 25 ديسمبر للكاثوليك، استناداً إلى قرار وزاري صدر في خمسينيات القرن الماضي حدد الأيام التى يُمنح فيها المسيحيون إجازة مدفوعة الأجر، وهو مشروع قانون لم يناقش حتى الآن. كما ترسل وزارة التربية والتعليم خطاباً سنوياً لجميع المديريات التعليمية بشأن منع أداء امتحانات الطلاب في أربعة أيام من يناير/كانون الثاني، هي أيام عيد الميلاد واليوم السابق واللاحق له، بالإضافة إلى يوم 19 من نفس الشهر الموافق عيد الغطاس (عيد مصري قديم صار عيداً مسيحياً لطقس التعميد- وبحسب التقويم القبطي هو يوافق قيام يوحنا المعمدان -النبي يحيى- بتعميد المسيح في نهر الأردن).

نائبة برلمانية: مشروع قانون احترام المناسبات الروحية لكافة الطوائف المسيحية ينتظر مناقشة قانون العمل 

وتقول سوزي ناشد لرصيف22 إنها تقدمت بمشروع القانون نتيجة ما تراه في عملها في كلية الحقوق بجامعة الأسكندرية، مشيرة إلى أن الكلية تلجأ إليها عند تحديد مواعيد الامتحانات. ويعمم رئيس الجامعة التعليمات على باقي الكليات في الجامعة، ولكن هذا لا يحدث في أغلب الجامعات والمدارس التي تتذرع بعدم ورود نشرة تفيد بأن هذه الأيام أعياد.

وأضافت سوزي أنها حين تقدمت بالمشروع تم إخبارها بأن محتوى القانون سيتم مراعاته في مناقشة قانون العمل الذي لم يُقر حتى الآن، لذلك فإن مشروع قانونها معلق.

اختلاف مواقيت العيد بين الكنيستين الكاثوليكية والأرذثوكسية يظهر جلياً في عيد القيامة. طبقاً للعقيدة المسيحية، فإن صلب المسيح وقع يوم الأحد الذي يسبق عيد الفصح اليهودي، والذي يتم احتسابه عند اكتمال أول قمر بعد الاعتدال الربيعي، وحتى مجمع نيقية كان يحتفل بعيد القيامة مع عيد الفصح اليهودي، إلى أن قرر الانفصال عن اليهودية فعيّن عيد القيامة يوم الأحد التالي لاكتمال أول قمر بعد الاعتدال الربيعي، إلا أن تحول الكنيسة الغربية إلى التقويم الغريغوري بدلاً من اليولياني جعل موعد الاحتفال بالعيد بين الكنيستين يختلف بفروق تصل أحياناً إلى خمسة أسابيع.

قداس كاثوليكي - تصوير حيدر قنديل - خاص لرصيف22

وفي 2014 بعث البابا تواضروس الثاني بخطاب إلى بابا الفاتيكان دعاه فيه لمناقشة توحيد تاريخ عيد القيامة في جميع كنائس العالم، وحمله سفير الفاتيكان لدى القاهرة، خلال زيارته الكاتدرائية المرقسية. كما أعد الأب الراحل الأنبا بيشوي دراسة حول توحيد موعد الاحتفال بتكليف من البابا تواضروس الثاني.

وفي يونيو/ حزيران من العام التالي، أعلن بابا الفاتيكان فرانسيس موافقته على اقتراح الكنيسة المصرية، وقال إن الأحد الثاني من أبريل/ نيسان سيكون مناسباً، ولكن منذ ذلك التاريخ حتى الآن، لم يتم توحيد موعد الاحتفال بالأعياد رغم زيارة البابا فرانسيس إلى مصر في 2017.

بابا الفاتيكان في مصر - أ.ف.ب


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image