شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
من تعزيز الروابط الاجتماعية إلى إثارة الذكريات الجميلة... عن أسباب حبنا لطقوس الأعياد

من تعزيز الروابط الاجتماعية إلى إثارة الذكريات الجميلة... عن أسباب حبنا لطقوس الأعياد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 22 ديسمبر 202005:47 م

مجرد التفكير في تقاليد الأعياد يرسم الابتسامة على وجوه معظم الناس ويثير مشاعر الترقب الجميل والحنين إلى الماضي، إذ يمكننا تقريباً تذكر رائحة تلك الشموع التي كانت تزيّن المكان، استرجاع مذاق أشهى الأطباق المعدّة بحب وسخاء، ولو كان ذلك في خيالنا، وإعادة سماع تلك الأغاني المألوفة في أذهاننا.

من أعياد الميلاد وحفلات الزفاف إلى الاحتفالات الموسمية، مثل عيد الميلاد ورأس السنة والأعياد الدينية المختلفة، تمثّل الطقوس بعض أهم اللحظات في حياتنا، بخاصة وأنها مفعمة بالإشارات الحسية التي تؤكد أن المناسبة تتسم بالأهمية والمعنى. هذه الوفرة الحسية تساعد في خلق ذكريات دائمة لتلك المناسبات، وتصنف في ذاكرتنا على أنها أحداث خاصة تستحق التقدير.

هناك الكثير من الأسباب التي تجعل المرء ينجذب إلى الطقوس وتقاليد الأعياد، إذ تُظهر الأبحاث أن هذه المناسبات الاجتماعية يمكن أن توفر فوائد نفسية مختلفة، فتساعدنا على الاستمتاع بأنفسنا، تسهل عملية التواصل مع أحبائنا وأخذ قسط من الراحة من المشاكل اليومية.

التغلب على القلق

من الملاحظ أن الحياة اليومية مرهقة ومليئة بالشك وعدم اليقين، في حين أن قضاء وقت خاص من العام عندما نعرف بالضبط ما يجب القيام به، يوفر إحساساً مريحاً بالتحكم والاستقرار.

من الدعاء بالصحة والسعادة وصولاً إلى رفع كأس النخب، فإن تقاليد الأعياد مليئة بالطقوس.

وفي هذا الصدد، أظهرت التجارب والدراسات أن التصرفات المنظّمة والمتكررة التي تنطوي عليها مثل هذه الطقوس يمكن أن تكون بمثابة حاجز ضد القلق، من خلال جعل عالمنا مكاناً أكثر قابلية للتنبؤ به.

المناسبات الاجتماعية يمكن أن توفر فوائد نفسية مختلفة، فتساعدنا على الاستمتاع بأنفسنا، تسهل عملية التواصل مع أحبائنا وأخذ قسط من الراحة من المشاكل اليومية

بالطبع يمكن ممارسة هذه الطقوس في أوقات أخرى على مدار العام، لكن خلال موسم الأعياد تصبح هذه التقاليد أكثر أهمية: التواجد في مكان حميمي، أي منزل العائلة، مع مجموعة من أقرب الناس إلى قلبنا، لهذا السبب، يسافر عدد أكبر من الأشخاص خلال إجازات نهاية العام أكثر من أي وقت آخر من العام.

هذا ويساعد القدوم من أماكن بعيدة الناس على ترك مخاوفهم وراءهم، وفي نفس الوقت يتيح لهم إعادة التواصل مع التقاليد العائلية العريقة.

وجبات سعيدة

لا تكتمل تقاليد الأعياد من دون وجبة احتفالية، فالحقيقة أنه، ومنذ أن اجتمع البشر الأوائل حول النار، كان الطهي من الخصائص المميزة للجنس البشري.

تخدم الساعات الطويلة التي تقضيها في المطبخ وغرفة الطعام أثناء إعداد واستهلاك وجبات الأعياد بعض الوظائف الاجتماعية نفسها، مثل تلك التي كان يقوم بها أسلافنا الأوائل.

تقاسم الوجبة هو مناسبة بسيطة ولكنها مقدسة، إذ ترمز للمجتمع، تجمع العائلة بأكملها معاً حول الطاولة وتمهد الطريق للمحادثة والاتصال، فالأكل معاً يخلق الوقت والمساحة للانخراط في المستويات الروحية والفكرية التي تنفرد بها الكائنات البشرية.

تمثّل الطقوس بعض أهم اللحظات في حياتنا، بخاصة وأنها مفعمة بالإشارات الحسية التي تؤكد أن المناسبة تتسم بالأهمية والمعنى

واللافت أن جميع الثقافات لديها طقوس خاصة تدور حول إعداد الطعام والوجبات. في أجزاء من الشرق الأوسط والهند، يجب استخدام اليد اليمنى فقط لتناول الطعام، وفي العديد من الدول الأوروبية، من المهم إغلاق العينين أثناء رفع كأس النخب، لتجنب سبع سنوات من الجنس السيء.

بالطبع تتطلب المناسبات الخاصة وجبات خاصة، لذلك تحتفظ معظم الثقافات بأطباقها الأفضل والأكثر تفصيلاً لأهم العطلات. على سبيل المثال، في موريشيوس، يقدم الهندوس (التاميل) "أطباق الكاري السبعة" الملونة في ختام مهرجان ثايبوسام كافادي، وفي اليونان تجتمع العائلات معاً لشيّ خروف كامل في عيد الفصح، وغالباً ما تتضمن هذه الوصفات بعض المكونات السرية، ليس فقط في الطهي، ولكن النفسية أيضاً.

وفي هذا الصدد، كشفت الأبحاث أن أداء الطقوس قبل الوجبة يحسّن تجربة الأكل، ويجعل، حتى الجزر العادي فقط، يبدو ألذ.

هذا ووجدت دراسات أخرى أنه عندما يشارك الأطفال في إعداد الطعام، فإنهم يستمتعون بالطعام أكثر، وأنه كلما قضينا وقتاً أطول في إعداد الوجبة، كلما زاد تقديرنا لها، وبهذه الطريقة، يضمن كل من العمل والضجيج المرتبطين بوجبات العطلات تقريباً تجربة تذوق الطعام المحسنة.

المشاركة تعني الاهتمام

من الشائع تبادل الهدايا خلال فترة الأعياد.

من منظور عقلاني، قد يبدو هذا التقليد بلا فائدة (في أحسن الأحوال إعادة تدوير الموارد وفي أسوأ الأحوال إهدارها)، لكن لا يجب التقليل من أهمية هذه التبادلات، فقد لاحظ علماء الأنثروبولوجيا أن تقديم الهدايا يلعب دوراً حاسماً في الحفاظ على الروابط الاجتماعية، من خلال إنشاء شبكات من العلاقات المتبادلة.

ففي مقاله الصادر في العام 1925، بعنوان The Gift: The form and reason for exchange in archaic societies، اعتبر عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي مارسيل موس، أنه عندما يتم تقديم شيء ما كهدية، فإن هذا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالشخص المانح، مشيراً إلى أن تقديم هدية لشخص ما هو إلا "تقديم هدية لجزء من الذات".

وقد حدد موس 3 التزامات مرتبطة بتبادل الهدايا: العطاء، والذي يشكل الخطوة الأولى في بناء علاقة اجتماعية، التلقي، وهو ما يدل على قبول العلاقة الاجتماعية والمعاملة بالمثل التي تشير إلى نزاهة الشخص المتلقي، أما في حال تم رفض الهدايا أو عدم ردها بهدية مماثلة، فعندها يمكن أن تكون العلاقات مهددة.

الجدير بالذكر أنه اليوم، ومع الضائقة الاقتصادية، تقوم العديد من العائلات مسبقاً بتحضير قوائم الهدايا المرغوبة، وبالتالي معظم الناس ينتهي بهم الأمر بالحصول على ما سيشترونه على أية حال، أي يتم إعادة تدوير الأموال، ويكون كل فرد راضياً عن الهدية التي تلقاها.

الحفاظ على الروابط الأسرية

لعلّ أهم وظيفة لطقوس الأعياد هي دورها في الحفاظ على الروابط الأسرية وتعزيزها، فبالنسبة للأفراد الذين يعيشون بعيداً عن عائلاتهم، قد تكون طقوس الأعياد هي "الغراء" الذي يربط الأسرة معاً.

الطقوس هي علامة قوية للهوية وعضوية المجموعة، وقد وجدت بعض الدراسات أن المشاركة في الطقوس الجماعية تخلق مشاعر الانتماء والكرم المتزايد تجاه الأعضاء الآخرين في المجموعة، هذا وقد تبيّن أن الأطفال الذين يشاركون في طقوس جماعية يصبحون أكثر ارتباطاً بأقرانهم، بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن وجود المزيد من الذكريات الإيجابية عن الطقوس العائلية مرتبط بالتفاعلات الإيجابية مع الطفل.

التقاليد يمكن أن تعزز شعور العائلات بالهوية والانتماء، ويمكن أن تلهم المشاعر والذكريات الإيجابية، كما توفر شعوراً بالاستمرارية عبر الأجيال

لا بدّ من التأكيد على أن التقاليد يمكن أن تعزز شعور العائلات بالهوية والانتماء، ويمكن أن تلهم المشاعر والذكريات الإيجابية، كما توفر شعوراً بالاستمرارية عبر الأجيال. بمعنى آخر، إنها وسيلة لنقل قيم الأسرة وتاريخها وثقافتها من جيل إلى جيل.

باختصار، يمكن القول إن طقوس الأعياد هي الوصفة المثالية للوئام العائلي، فصحيح أن التواجد مع العائلة الكبرى قد يتطلب بعض المجهود، كما أن بعض أفراد العائلة قد ينخرطون في جدالات سياسية عقيمة، لكن من غير المرجح أن تفسد مثل هذه المواقف التجربة ككل، فعندما نقيّم تجارب الماضي، فإننا نميل إلى تذكر أفضل اللحظات مع إبداء القليل من الاهتمام لأي شيء آخر، وفق ما يُعرف بpeak-end rule (قاعدة الذروة)، بمعنى آخر، ستتكون ذاكرتنا عن المناسبات العائلية في الغالب من جميع الطقوس، سواء كانت مبهجة أم لا، كما سنتذكر الطعام الجيد، تبادل الهدايا ثم معانقة الجميع في نهاية السهرة، وبحلول وقت العودة إلى المنزل، سيكون لدينا شيء نتطلع إليه في العام المقبل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image