في 1909م، وضع الأنثروبولوجي الفرنسي أرنولد فان جينيب، كتابه الشهير طقوس العبور، والذي درس فيه مجموعة متنوعة من الشعائر والممارسات الاجتماعية والشعبية التي تلجأ إليها الشعوب أو الجماعات، في حالة انتقال أي من أفرادها من حالة بيولوجية أو اجتماعية إلى أخرى.
وعلى الرغم من أن اللغة العربية لم تعرف مصطلح "الطقوس" في مدوناتها اللغوية القديمة، فإن معنى هذا المصطلح قد ظهر من خلال مصطلحات بديلة من قبيل الشعائر والمناسك.
ارتبطت طقوس العبور الأهم بثلاث مجموعات رئيسة، ألا وهي طقوس الميلاد، طقوس المسح والفصح وطقوس الترسيم، وهي الطقوس التي مورست بأشكال متعددة في الديانات التوحيدية الثلاث الكبرى، اليهودية، المسيحية والإسلام.
طقوس الميلاد: العقيقة والمعمودية والختان
يمكن القول إن ميلاد الطفل هو الحدث الذي يرتبط بطقوس العبور الأولى، وهي الطقوس التي حظيت بقدر كبير من التعظيم والاهتمام من جانب الديانات التوحيدية الإبراهيمية الثلاث.
بحسب ما يذكر الحاخام اليهودي روبن فايرستون، في كتابه الشهير "ذرية إبراهيم"، فإن العادة اليهودية قد جرت على تسمية الطفل اليهودي بعد ختانه، ورغم أنه من الممكن اختيار أي اسم للطفل الجديد، لكن من المعتاد تسمية الأطفال بأسماء الأقرباء في الأسرة، ويتولى الأب مسؤولية التسمية بنفسه.
ارتبطت طقوس العبور الأهم بثلاث مجموعات رئيسة، ألا وهي طقوس الميلاد، طقوس المسح والفصح وطقوس الترسيم، وهي الطقوس التي مورست بأشكال متعددة في الديانات التوحيدية الثلاث الكبرى، اليهودية، المسيحية والإسلام
بعد التسمية، يُقام حفل يحضره الأقارب والأهل، ويتم الدعاء للمولود بالهداية الإلهية لضمان تربيته على سنّة التوراة، يسير على التقليد ولا يتوقف أبداً عن أعمال الخير والمحبة. ويتلو الأب في الاحتفال هذا الدعاء: "تبارك الله الذي أمرنا بإدخاله في عهد أبينا إبراهيم"، ويجيب الحاضرون بصوت جماعي: "وكما يدخل في العهد، ليدخل كذلك في دراسة التوراة والامتثال بها والزواج والأعمال الصالحة".
في المسيحية، تتركز طقوس الولادة والميلاد في طقس المعمودية، وهو أحد الأسرار السبعة المعروفة عند الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية، ويتمثل هذا الطقس بالاغتسال الكلّي بالماء في الكنائس الشرقية، ورش بعض المياه على الإنسان في الكنائس الغربية، وترمز المعمودية إلى موت يسوع المسيح وقيامته من جديد، والتطهّر الكامل من الخطيئة الأولى.
"إنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ" صحيح مسلم
أما في الإسلام، فهناك الكثير من الأحاديث والروايات المُختلف على صحتها، والتي تبيّن حضور بعض الشعائر والسنن المستحبة عند ولادة الطفل. فيما يخصّ تسمية الطفل، فلا يوجد تحديد لأسماء محددة، وإن ورد في صحيح مسلم "إنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ".
من تلك الطقوس أيضاً، ترديد صيغ الآذان والإقامة في أذني الطفل، فبحسب ما ورد في مسند أحمد بن حنبل، فإن الرسول قد "أذّن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة"، وفي حديث ضعيف آخر ورد في مسند أبي يُعلى، ورد القول المنسوب للرسول: "من ولد له ولد فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى لم تضره أم الصبيان".
أم الصبيان الواردة في الرواية هي جنية شاع اسمها في الثقافة والروايات الشعبية العربية، وقيل إنها تُلحق الأذى بالحوامل وبالأطفال الرضع.
أيضاً، من بين طقوس استقبال المولود في الإسلام، ما يُعرف باسم "التحنيك"، إذ كان من المعتاد أن يُبارك المولود من خلال وضع الرسول لتمرة في فمه، وبعد أن تختلط بريقه، ينقلها لفم المولود الجديد، وهو الطقس الذي ظلّ يُمارس بعد زمن النبوة، واستُبدل فيه شخص الرسول بأبي الطفل.
العقيقة من أهم طقوس العبور المتصلة بالميلاد في الإسلام، فبحسب ما ورد في كتب الحديث، فإن العقيقة تُذبح في اليوم السابع من الولادة، وبينما تكون عقيقة الأنثى ذبيحة واحدة فإن عقيقة الذكر ذبيحتان
العقيقة أيضاً من أهم طقوس العبور المتصلة بالميلاد في الإسلام، فبحسب ما ورد في كتب الحديث، فإن العقيقة تُذبح في اليوم السابع من الولادة، وبينما تكون عقيقة الأنثى ذبيحة واحدة فإن عقيقة الذكر ذبيحتان.
بحسب ما ورد في سنن أبي داود، كان طقس العقيقة معروفاً عند العرب قبل الإسلام، وكان من المعتاد أن تؤخذ قطعة من صوف الذبيحة ويُمسح بها دمها "ثمَّ توضَعُ علَى يافوخِ الصَّبيِّ حتَّى يَسيلَ علَى رأسِهِ مثلَ الخَيطِ ثمَّ يُغسَلُ رأسُهُ بعدُ ويُحلَقُ".
أحد أهم الطقوس المرتبطة بالميلاد في الديانات الثلاث هو طقس الختان، والذي كان يُمارس في مصر القديمة بحسب ما وصلنا من وثائق وبرديات، فإن عالم النفس النمساوي الشهير، سيجموند فرويد، قد ذهب إلى أن بني إسرائيل قد عرفوه من خلال اتصالهم بالمصريين في الفترة التي سبقت الخروج مع النبي موسى.
أحد أهم الطقوس المرتبطة بالميلاد في الديانات التوحيدية الثلاث هو طقس الختان، والذي كان يُمارس في مصر القديمة بحسب ما وصلنا من وثائق وبرديات
بحسب التوراة، فإن النبي إبراهيم قد اختتن في التاسعة والتسعين من عمره، واختتن معه ابنه إسماعيل في نفس اليوم، وكان قد بلغ الثالثة عشر من عمره. شريعة الختان ورد ذكرها في الإصحاح السابع عشر من سفر التكوين:
"هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك يختن منكم كل ذكر. فتختنون في لحم غرلتكم فيكون علامة عهد بيني وبينكم... وأما الذكر الأغلف الذي لا يختن في لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها، إنه قد نكث عهدي".
وبحسب الكثير من النصوص التوراتية، فإن الالتزام بالختان في اليوم الثامن لولادة الطفل الذكر يؤدي لرضى الرب، ومن هنا يمكن فهم شعيرة الختان في كونها تمثل العبور من حالة اللا انتماء إلى الانتماء، فهي ترمز للعبور إلى الجماعة اليهودية التي تحظى بحب يهوه، لكونهم شعب الله المُختار الذي يحافظ على العهد المقطوع مع إبراهيم.
وبينما فقد طقس الختان حضوره المؤثر في المسيحية بسبب ما يعتقد به المسيحيون من نسخ الشريعة الموسوية وعدم الالتزام بتطبيقها بعد صلب المسيح، فإن أهمية الختان تبدت بشكل واضح في الإسلام، إذ صار ذلك الطقس طقساً شعبياً لا يمكن الابتعاد عنه في مختلف الدول الإسلامية عبر القرون، وتم تأصيل ذلك الطقس من خلال بعض الروايات السنية والشيعية التي تربط بين الختان من جهة والإيمان والطهارة من جهة أخرى.
في المسيحية، يتم الاحتفال بالفصح في عيد القيامة، إذ نظر الفكر المسيحي لقيامة يسوع المسيح من بين الأموات، على كونه عبوراً من عهد الشريعة والناموس الموسوي الذي عرفه بنو إسرائيل في العهد القديم، إلى عهد الخلاص
على سبيل المثال، من الروايات السنية ما ورد في مصنف عبد الرزاق، أنه "لما أسلم أحد الأشخاص وقدم إلى الرسول، قال له: ألق عنك شعر الكفر، واختتن"، ومن الروايات الشيعية، ما ورد عن الإمام السادس جعفر الصادق، أنه نقل عن الرسول قوله: "طَهِّرُوا أَوْلَادَكُمْ يَوْمَ السَّابِعِ فَإِنَّهُ أَطْيَبُ وَأَطْهَرُ وَأَسْرَعُ لِنَبَاتِ اللَّحْمِ وَإِنَّ الْأَرْضَ تَنْجَسُ مِنْ بَوْلِ الْأَغْلَفِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً"، وذلك بحسب ما ورد في كتاب "وسائل الشيعة" لمحمد بن الحسن الحر العاملي.
طقوس المسح والفصح: الميكفاة والميرون والغسل
تُعدّ طقوس المسح والفصح إحدى أهم الشعائر المرتبطة بطقوس العبور، ومن الممكن أن نجد لها مظاهر متعددة في الديانات الثلاث.
في دراسته المعنونة "الدين وطقوس العبور: دراسة مقارنية بين الرسالات السماوية"، يتحدث الباحث التونسي شكري بوشعالة، عن أهمية طقوس المسح، والتي تعتمد بالمقام الأول على استخدام الماء، فيقول: "إن الاعتقاد الجازم في قدرات الماء التطهيرية والسحرية، قد جعلت من هذا المكون الطبيعي سبيل العبور من حالة الدنس والنجاسة إلى حالة الطهر والقداسة...".
الشريعة اليهودية المعروفة باسم الهالاخا، عرفت حضوراً مميزاً لطقوس المسح والتطهير، فبحسب التقاليد المتبعة، يقوم اليهودي قبل الصلاة بالتطهر، فيغسل يديه ثلاث مرات قبل أن يدخلها في إناء من الماء النقي، ثم يغسل كامل وجهه ويمضمض ثم يمسح وجهه بمنديل.
في اليهودية، مورست طقوس الترسيم كثيراً بحسب ما ورد في العهد القديم، إذ كان من اللازم مسح الكهنة والملوك بأنواع معينة من الدهن والزيوت والماء قُبيل ترسيمهم في وظائفهم الدينية والسياسية
فيما يخصّ الطهارة الكبرى، فتتم من خلال استعمال مغسل له أوصاف محددة، ويسمى ميكفاؤوت أو الميكفاة، ويمكن تحديد أهم صفات ذلك المغسل، في أن معظم المياه الموجودة فيه تكون من مياه الأمطار التي يتم جمعها من فوق أسقف المنازل، ويكون به سلم مكون من عدة درجات لضمان حدوث الغطس بشكل متدرج، وتزيد كمية المياه في كل ميكفاؤوت عن الثلاثمائة لتر.
بالنسبة للنساء، يكون التطهّر الأول لهن قبل الزواج استعداداً لممارسة الجنس مع أزواجهن، أيضاً يجب أن تتطهر كل امرأة بعد انتهاء فترة الحيض كل شهر، وعقب كل ولادة.
فيما يخصّ المعتقدات المسيحية، فبالإضافة إلى سر المعمودية الذي يُعتمد فيه على استخدام الماء، نجد أن هناك سرّين مهمّين يتعلقان بطقوس المسح. الأول، وهو سر الميرون الذي يُمسح فيه الشخص في جميع منافذ جسمه بزيت الميرون. أما الثاني، فهو سر مسحة المرضى، وفيه يتم مسح جبين المريض بزيت الزيتون المبارك، أي الذي قُرئ عليه بعض الصلوات المخصصة.
يحظى طقسا الوضوء والغسل بقدر كبير من الاحترام في الإسلام، وقد وردت بعض الآيات التي تحدثت بشكل تفصيلي عن أركان الوضوء في القرآن الكريم، كما وردت الكثير من الروايات المنسوبة إلى الرسول، والتي تحدثت عن أهمية الوضوء وربطه بالطهارة والصلاة، ومن ذلك الحديث الوارد في صحيحي البخاري ومسلم، والذي جاء فيه: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ".
الملاحظة المهمة هنا، أن قاعدة تفضيل الذكر عن الأنثى عند القبائل العربية قبل الإسلام قد أطلت برأسها لتتبدى في بعض الأحكام المرتبطة بالوضوء، ومن ذلك ما نُسب إلى الرسول في سنن الترمذي: "بول الغلام ينضح وبول الجارية يغسل"، وهو القول الذي يعكس طهرانية بول الذكر عن بول الأنثى.
شعيرة الغسل أيضاً كانت من بين الشعائر المقدسة التي ترمز في مضمونها لذلك الانتقال الرمزي بين حالتي التدنيس والتقديس أو العكس، إذ يتم اللجوء إليها بعد ممارسة الجنس، أو للتطهر من الحيض والنفاس، وأيضاً تمارس على الميت الذي يغسّل جثمانه بشكل متقن بالماء الطاهر.
ويلزم على الشخص الذي يتولى تغسيل الميت أن يقوم هو الآخر بالاغتسال، في دلالة رمزية واضحة لضرورة تخلص الإنسان الحي من أي شوائب قد تلحق به من ملامسة الجثمان الذي صار صاحبه إلى عالم الأموات، وفي السياق نفسه يلجأ الكافر الذي دخل الإسلام إلى شعيرة الاغتسال، فكما ورد في مسند أحمد بن حنبل: "أمر النبي ثمامة بن أثال عندما أسلم أن يغتسل".
الطقس الآخر المتشابه في المضمون مع طقس المسح هو طقس الفصح، والذي وإن تشابه مع طقس المسح في المضمون والهدف، إلا أنه قد تميز عنه في شكل ممارسته الذي ينزع للشكل الجماعي.
في النسق الشيعي الإمامي، ارتبطت طقوس الترسيم بإعلان الإمام عن الإمام الذي سيخلفه من خلال مجموعة من السمات والعلامات، وأهمها القيام على تغسيل ودفن الامام السابق
بحسب ما هو معروف في العقائد اليهودية، فإن عيد الفصح، أو بيسح عند اليهود، يُحتفل به في شهر إبريل من كل عام، في ذكرى خروج بني إسرائيل من مصر لكنعان، ويرمز للعبور من الهوان والعبودية إلى الحرية، والغاية من هذا العيد هو تطهير الشعب اليهودي من الخطايا التي تلحق بهم.
في المسيحية، يتم الاحتفال بالفصح في عيد القيامة، إذ نظر الفكر المسيحي لقيامة يسوع المسيح من بين الأموات، على كونه عبوراً من عهد الشريعة والناموس الموسوي الذي عرفه بنو إسرائيل في العهد القديم، إلى عهد الخلاص من خلال الاعتقاد والإيمان بالمسيح والذبيحة الإلهية التي غفرت خطايا العالم.
بحسب شكري بوشعالة في بحثه سابق الذكر، فإن الفصح في التصور الإسلامي قد ظهر في حادثتين مهمتين، الأولى هي الهجرة من مكة إلى المدينة، والثانية هي الإسراء والمعراج.
فإذا كان الفصح اليهودي قد أخذ الشكل الأفقي، وتمثل في الانتقال من مصر إلى سيناء عبر البحر الأحمر، وإذا كان الفصح المسيحي قد أخذ الشكل الرأسي وتمثل في الانتقال من الأرض إلى السماء عبر الأثير، فإن الفصح الإسلامي قد جمع بين الشكلين، الأفقي والعمودي، وتمثل في رحلة أرضية من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم رحلة سماوية من المسجد الأقصى إلى سدرة المنتهى.
طقوس الترسيم: دهن المسحة وسيف الرسول والخرقة الصوفية
طقوس الترسيم هي النوع الثالث الأكثر شهرة في طقوس العبور. بموجب ذلك النوع من الطقوس، يتم شرعنة السلطة -المادية أو الروحية- التي يستحوذ عليها الشخص في وقت معين من حياته.
في اليهودية، مورست طقوس الترسيم كثيراً بحسب ما ورد في العهد القديم، إذ كان من اللازم مسح الكهنة والملوك بأنواع معينة من الدهن والزيوت والماء قُبيل ترسيمهم في وظائفهم الدينية والسياسية. وفي العهد الجديد، تحدث سفر أعمال الرسل عن سلطة المسيح، فقال: "يسوع الذي من الناصرة، كيف مسحه الله بالروح القدس والقوة".
في النسق الصوفي، كانت طقوس لبس الخرقة الصوفية من الشيخ للمريد، هي الشكل الصوفي الترسيمي الأكثر تأثيراً وأهمية
أما في الإسلام، فقد تعددت أشكال طقوس الترسيم لتتناغم مع مضمون كل مذهب. مثلاً في المذهب السني، ظهرت طقوس ترسيم الخليفة، والتي ذكرتها أغلب المدونات التاريخية عندما أكدت على أن الخليفة الجديد كان يحرص على الظهور وقد لبس بردة الرسول وتقلّد سيفه، ويذكر ابن الساعي، في كتابه "الجامع المختصر في عنوان التاريخ وعيون السير"، لفظ بعض صيغ المبايعة للخليفة الجديد: "أبايع سيدنا ومولانا الإمام المفترض الطاعة على الجميع -اسم الخليفة- على كتاب الله وسنة نبيّه، واجتهاد أمير المؤمنين، وأن لا خليفة سواه...".
أما في النسق الصوفي، فقد كانت طقوس لبس الخرقة الصوفية من الشيخ للمريد، هي الشكل الصوفي الترسيمي الأكثر تأثيراً وأهمية. في كتابه "لطائف الإعلام في إشارات أهل الإلهام"، يشرح عبد الرازق القاشانى، طقوس تلك المراسيم، فيقول إنها تبدأ بالتطهّر والوضوء. ثم يأمر المريد بذلك، ثم توضع الخرقة بين أيديهما، ويقرأ الشيخ سورة الفاتحة، ثم يقوم بإلباسها للمريد، ثم يبين له سند وصولها إليه، ثم يأخذ عليه عهد الوفاء لشرائطها، ثم يعرفه حقوق الخدمة.
في النسق الشيعي الإمامي، ارتبطت طقوس الترسيم بإعلان الإمام عن الإمام الذي سيخلفه من خلال مجموعة من السمات والعلامات، وأهمها القيام على تغسيل ودفن الامام السابق.
على سبيل المثال، يذكر ابن شهر آشوب، في كتابه "مناقب آل أبي طالب"، عن الإمام جعفر الصادق أنه قد قال لابنه موسى الكاظم: "وإنَّ الإمام لا يتولَّى ولادته وتغميضه وغسله ودفنه إلا إمام مثله".
تلك الطقوس اصطدمت في الكثير من الأحيان ببعض الحقائق التاريخية التي لا يمكن نفيها، ومنها أن تغسيل ودفن الحسين بن علي قد وقع في كربلاء في الوقت الذي كان فيه ابنه علي زين العابدين في أسر الأمويين، أيضاً من المعروف أن الإمام موسى الكاظم قد فارق الحياة في بغداد، بينما كان ابنه علي الرضا في المدينة، الأمر ذاته وقع عند وفاة علي الرضا في طوس بإيران، عندما غُسل الرضا ودفن بعيداً عن ابنه محمد الجواد الذي كان في المدينة في تلك الفترة.
هذا التعارض بين الصورة الطقسية المراسيمية المُتخيلة من جهة والحقائق التاريخية من جهة أخرى، دفع الذهنية الشيعية للاعتقاد بوقوع بعض المعجزات والخوارق التي تجاوز فيها الأئمة المكان والزمان، فطويت لهم الأرض ليشرفوا بأنفسهم على غسل ودفن آبائهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يومينوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت