شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"لديهم قدرة سحرية على الإقناع"... "عرّافون" مغاربة يجوبون شوارع عمّان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 20 فبراير 202201:59 م

تنتظر مي، ذات الأعوام الثمانية والثلاثين، وهي جالسة وراء مقود سيارتها، خروج صديقتها التي نزلت إلى السوبر ماركت. تتمنى في داخلها أن تعود صديقتها بسرعة قبل أن يأتي شرطي السير ويخالفها. فجأةً يداهمها صوت خفيض من خلف زجاج نافذتها، قائلاً: "لا تتأملي خيراً بحبيبك، فأمه تجهّز له عروساً غيرك!".

تشهق مي شهقة خوف قبل أن تنظر باتجاه الصوت، لتجد أمامها رجلاً لا يتعدى عمره الأربعين عاماً، وفق ما سردت لرصيف22، ويرتدي ثياب رياضة قديمةً، ويغطيها بـ"فروة"، وهي رداء يشبه العباءة، يشيع ارتداؤه في فصل الشتاء في الأردن، ويحمل على كتفه الأيسر مجموعةً من الفروات، يبدو أنه يبيعها على الطرقات، لكن ما تمتم به من دون سابق استئذان، يشي بأن مهنته تتعدى بيع الفروة وفق قول الفتاة، التي فضّلت الحديث إلينا باسم مستعار.

مي واحدة من الأردنيين/ ات الذين خاضوا تجارب إيقافهم في الطرقات حين يكونون داخل سياراتهم، ليباغتهم رجال يدّعون أنهم باعة متجولون، لكن يستغلون انتشارهم في الشارع لاصطياد زبائن، غالباً من النساء، ويخلعون "قناع" الباعة، ويعرّفون بأنفسهم على أنهم عرّافون مغاربة.

وهذه الظاهرة قديمة نوعاً ما ومعروفة في أحياء محددة من مناطق عمّان الغربية، ويُصنَّف هؤلاء الأشخاص عادةً مع المتسولين في الشوارع، من دون أن نسمع عن وجود إجراء أمني خاص بحقهم، سوى الإجراءات التي يمكن أن تتخذها الشرطة بحق المتسولين.

ينتشر في بعض شوارع عمّان رجال يدّعون أنهم باعة متجولون، لكنهم بعد اصطياد الزبائن، يعرّفون بأنفسهم على أنهم عرّافون مغاربة.

وحسب أصحاب مطاعم وتجار في المناطق التي يكثر ضمنها وجود هؤلاء "العرافين"، فإن تاريخ حضورهم يعود إلى أكثر من عشرين عاماً، ويصعب تحديد أماكن إقامتهم، أو من أين يأتون، لأنهم حريصون على عدم الوجود بشكل يومي في الأماكن التي يدّعون فيها أنهم باعة متجولون، حتى لا تركز عيون المسؤولين عليهم.

ولا توجد إحصاءات محددة عن عدد المغاربة في الأردن اليوم، لأن تعداد الجالية المغاربية قليل مقارنةً ببقية الجنسيات العربية التي تعيش في الأردن، مثل السوريين واليمنيين والليبيين.

كشف المستور

تعود مي وتستكمل تجربتها عندما باغتها بائع الفروات بتلك العبارة، وتقول: "صدمتي وشهقتي لم تكونا من صوت البائع الذي فتح حديثاً من دون استئذان، بل من العبارة التي قالها، وتزامنت مع فترة انقطاع بيني وبين حبيبي، بضغط مني، كي يتخذ موقفاً جاداً تجاه علاقتنا التي مرت عليها خمسة أعوام، ونحن ننتظر موافقة والدته على أن يخطبني. عبارة البائع المغربي خوّفتني من أن يكون كلامه صحيحاً".

وأضافت: "خوفي ظهر في ملامح وجهي، وأعتقد أن هذا ما شجع البائع العرّاف على أن يعرض علي أن أدفع له خمسة دنانير (ثمانية دولارات)، مقابل أن يكمل قراءة مستقبلي. عندما انتهى من العرض، طلب مني أن أعدّل ركن سيارتي، وكأنه على ثقة تامة بأنني سأوافق على أن أدفع له مقابل أن يكشف المستور، وفعلاً هكذا فعلت".

خرجت صديقة مي من السوبر ماركت، ووجدت أنها غيّرت موقع ركن سيارتها، ووجدتها في نقاش مع شخص غريب، وهنا تقول الفتاة: "لم أشعر بدخول صديقتي إلى السيارة إلا عندما صرخت: مين هاد؟ قاطعتها بقولي: إنتي بس اسمعيه، وهنا كان يقول لي إن والدة حبيبي استطاعت أن تغسل دماغه وتقنعه بألا يكمل علاقته بي لأنني كبرت، ومن غير المؤكد أنني أصلح لأن أكون أماً لثلاثة أطفال كما تتمنى".

وتضيف مي: "مع كل اهتمام مني لما كان يقوله ذلك البائع، كان يطلب المزيد من الدنانير حتى يكمل قراءته التي كانت ترتكز على النظر في عيني فحسب. تحدث عن تفاصيل تربطني بحبيبي، حتى أنه تحدث عن صفة العناد عندي، وأنني لا أسمع نصيحة صديقاتي بألا أكمل علاقتي الشائكة، وعندما طلب مني أن أدفع له مقابل أن يعمل حجاباً لوالدته، قلت له: توقف!".

تبرر مي ذلك بأنها لا تقبل الدخول على خط الدجل والسحر الذي قد يؤدي إلى الأذى، بغض النظر إن كان العرّاف صادقاً أو لا. شغّلت سيارتها وتابعت طريقها مع صديقتها، وتقول في ختام حديثها: "لا أدري إن صدقت قراءة العرّاف أم لا، لكن علاقتي لم تستمر، بالتأكيد ليس بسبب ذلك البائع، بل لأنني لا أستطيع العيش مع جبناء!".

خوفي ظهر في ملامح وجهي، وأعتقد أن هذا ما شجع البائع العرّاف على أن يعرض علي أن أدفع له خمسة دنانير مقابل أن يكمل قراءة مستقبلي. عندما انتهى من العرض، طلب مني أن أعدّل ركن سيارتي، وكأنه على ثقة تامة بأنني سأوافق على أن أدفع له، وفعلاً هكذا فعلت

"كذب المنجّمون"

"بجلب الحبيب لعند رجلك ويبوسها"؛ بهذه العبارة حاول أحد الباعة المتجولين تحت غطاء بيع الفروة أن يقنع ماريا حبش (27 عاماً)، وهي خارجة من مطعم وجبات سريعة، بالاستماع إليه، وذلك قبل قرابة شهرين.

تقول لرصيف22: "من دون لا مرحبا ولا سلام، لحقني بائع يتحدث بلهجة غريبة إلى سيارتي، ووعدني بأن يجلب لي حبيبي مقابل 50 ديناراً (70 دولاراً). حاولت تجاهله خوفاً من أن يؤذيني وشغّلت سيارتي، ليطرق بقوة على الشباك بطريقة استفزتني".

أضافت: "فتحت النافذة وقلت أنا لا أريد أن تجلب لي حبيبي ولو بدينار، ضحك وقال حسب ما فهمت، أن هناك عملاً أو ربطاً قامت إحدى قريباتي بعمله لي، وهذا وفق قوله يعرقل استمرار علاقاتي العاطفية التي يستحيل أن تتحول إلى زواج. هززت رأسي وقلت له: معلش".

"اعتقدت بعدها أنه استسلم، لكن ما هزّ كياني كله وجعلني أشعر كأنه سيُغمى علي، عندما قال لي: والدك الله يرحمه خائف عليك، هنا تضاربت عندي المشاعر: الحزن، والصدمة، والخوف، وحتى الغضب. شعرت لوهلة بأنني أريد أن أنزل من سيارتي، وأضرب هذا الدجال الذي ليس له حق في أن يذكر سيرة والدي على لسانه".

تداركت الفتاة أنفاسها، وفكرت في أن والدها لو كان خائفاً عليها، فإنه سيغضب إذا ما وجدها تتعامل مع دجالين أمثال ذلك البائع، فانصرفت عنه مبررةً ذلك بالقول: "على الرغم من أنني غير مسلمة، لكنني أصدّق الحديث النبوي الذي يقول: كذب المنجّمون ولو صدقوا".

من دون لا مرحبا ولا سلام، لحقني بائع يتحدث بلهجة غريبة إلى سيارتي، ووعدني بأن يجلب لي حبيبي مقابل 50 ديناراً.

"حنفية" نقود

أما تجربة ميسون (64 عاماً)، فتختلف عن سابقاتها، فهي حسب حديثها معنا، "انضحك عليها"، وتسرد تجربتها في واحدة من مناطق عمّان الغربية، عندما خرجت هي وابنتها العشرينية من محل ملابس: "صادفنا بائع كان يحمل مسابح وكتب أدعية صغيرةً، وأوقفنا بنيّة أن نلقي نظرةً على بضاعته، وأنا أحب شراء المسابح، فوقفت وبدأت أنظر إلى ما يبيع، وحينها قال بصوت خافت وبلهجة أعتقد أنها مغربية: ابنتك منفوسة، لذلك لم تتزوج حتى الآن، وتعني منفوسة وفق تفسيره أن عيون رجال كثر تشتهيها، وحالها مثل المحسودة يصعب أن يتحقق مبتغاها".

"بصراحة رضخت"، تستكمل ميسون، مستخدمةً اسماً مستعاراً، وتبرر: "ضعفت أمام كلامه لأنني كنت على قناعة مسبقة بأن ابنتي منفوسة، فهي جميلة جداً، ومحطّ إعجاب في أي مكان تدخل إليه، وكثيراً ما تقدّم شباب لخطبتها، لكن الأمر كان يفشل قبل موعد الخطبة بقليل. كلما وصلت اللقمة إلى الفم، ‘بح’ من دون أي سبب واضح، لذلك رضخت لطلبات البائع كي يفكّ النفس عن ابنتي".

نحو 600 دينار (850 دولاراً) كان مجموع ما أنفقته ميسون وفق قولها، إذ تطور تواصلها مع البائع من الشارع إلى زيارات متكررة إلى المنزل. "في كل مرة كان يطلب مبلغاً مقابل أنواع بخور وحجابات كان يدّعي أنها تفك النفس. ذلك الرجل عنده قدرة سحرية على الإقناع وأنا متأكدة من أنه ساحر!".

"توقفت لأن ابنتي تعبت نفسياً" تستكمل ميسون. "ذات مرة قالت لي: ماما ما في شيء اسمه منفوسة، في شيء اسمه وسواس أنت مصابة به ولا أريد أن أصاب به أيضاً"، وهنا أغلقت السيدة "حنفية" المبالغ التي صرفتها على ذلك البائع.

أكثر من عامين مضت على تجربة ميسون، وأفادت بأن ابنتها لم تتزوج حتى الآن. سألناها: "هل لأنها منفوسة؟" ضحكت وقالت: "لا، لأن الله لم يرِد لها حتى الآن".

نحو 600 دينار كان مجموع ما أنفقته ميسون، إذ تطور تواصلها مع البائع من الشارع إلى زيارات متكررة إلى المنزل. "في كل مرة كان يطلب مبلغاً مقابل أنواع بخور وحجابات كان يدّعي أنها تفك النفس. ذلك الرجل عنده قدرة سحرية على الإقناع وأنا متأكدة من أنه ساحر"

"لسنا متسولين"

"في الصيف مسابح، وفي الشتاء فروات... ما شاء الله عليهم"، يقول صاحب محل إكسسوارات في الشارع الذي يكثر فيه هؤلاء الباعة، ويبيّن لرصيف22، أن تجار الحي كثيراً ما يطردونهم، لكنهم يغيبون فترةً قصيرةً ويعودون بعدها، ويضيف: "الله يسامح يلّي بصدقوهم".

تواصلنا مع مسؤول في وزارة التنمية الاجتماعية طلب عدم الكشف عن اسمه، وسألناه عما إذا كانت الوزارة تتعامل مع هذا النوع من الاحتيال، وأفاد: "نتعامل معهم كما المتسولين، وبين الحين والآخر يضبط قسم التفتيش في الوزارة هذا النوع من المحتالين، لكن لا توجد إحصائية محددة لهم كون أنهم يندرجون تحت مسمى متسولين، والعقوبة تكون الحبس لمدة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر".

وخلال تجول رصيف22، في واحد من الشوارع التي يتمركز فيها هؤلاء "العرافون"، تواصلنا مع شخصين منهم، ولاحظنا تشابههم في الهيئة من حيث الشعر الطويل واللحية الكثيفة وارتداء الفروة.

الأول كان يبيع مسابح وأساور خرز للأطفال. سألته ما إذا كان قادراً على قراءة مستقبلي، فضحك وسألني: "ومن قال لك إنني أقرأ المستقبل؟" فأجبته بأنني سمعت عنه.

بقي صامتاً قليلاً ثم قال بلهجة غريبة عن الأردنية، أنه لا يعلم ماذا أعني بكلامي، ولفّ وجهه وذهب إلى الجانب الثاني من الشارع.

"احبسوا الشحّادين، إحنا شو دخلنا فيهم؟" قال لي الآخر معتقداً أنني مندوبة من قسم التفتيش في وزارة التنمية، وأنتحل شخصية مواطنة عادية حتى ألقي القبض عليه. وعندما حاولت إقناعه بأنني لست من الوزارة، صرخ ومشى بعيداً، وهو يلوّح بيده إلى السماء غاضباً.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image