ما الذي يحمله لنا المستقبل في طياته؟ هل سنجد راحة البال التي نبحث عنها؟ هل سيظهر هذا الحبيب الذي نتمناه؟ وأسئلة كثيرة أخرى عادةً ما تشغل بال البشر، ومعظمها يخص ما هو قادم، وأنا مثلي مثل البقية، ظلّت هذه الأسئلة تستولي عليّ، وتجعلني منفصلةً عن الماضي، ومغيّبةً عن الواقع، حتى توصلت إلى إدراك مهم، وهو أنني لن أستطيع فهم ما حدث لي في الماضي، ولا ما سيحدث لي في المستقبل، إلا إذا فهمت ما الذي في نفسي وفي لا وعيي، وأنا لا أعلم عنهما شيئاً. شعرت بأن غزو عقلي الباطن، وفهم دوافعي النفسية، ودوافع الآخرين النفسية، أهم بالنسبة إلي.
عندما ينجح الإنسان في هذا الفهم، يكون قادراً بشفافية وتلقائية على الشعور والتنبؤ بما هو قادم في المستقبل. ليس عن طريق أن يكون عرّافاً أو مشعوذاً، بل عن طريق الدراسة المتقنة للمعطيات المتاحة أمامه، فأنت لست في حاجة إلى بلورة سحرية للتنبؤ بأن زميلك الذي لم يذاكر، سيفشل في الامتحان.
وقد كانت أوراق "التاروت" بالنسبة إلي، بمثابة الأداة التي أحلل بها الواقع من حولي، والمتمثل في فهم الآخرين ودوافعهم، والواقع في داخلي، من خلال فهمٍ أعمق لمشاعري ودوافعي أنا الأخرى، وتحولت تلك الأداة، أي أوراق التاروت، من هوايةٍ إلى عمل أقوم به باحترافية. كان الأمر ممتعاً ومبهجاً بالنسبة إلي، حتى سخر مني أحد أصدقائي قائلاً: "بقيتي شغّالة في الدجل والشعوذة يا أميرة!".
كانت أوراق "التاروت" بالنسبة إلي، بمثابة الأداة التي أحلل بها الواقع من حولي، والمتمثل في فهم الآخرين ودوافعهم، والواقع في داخلي، من خلال فهمٍ أعمق لمشاعري ودوافعي أنا الأخرى، وتحولت تلك الأداة، أي أوراق التاروت، من هوايةٍ إلى عمل أقوم به باحترافية
لمن لا يعرفه، التاروت أوراق قديمة للغاية، يقول البعض إنها ظهرت للمرة الأولى في إيطاليا في أوائل القرن الخامس عشر، والبعض الآخر يقول إنها ظهرت في مصر القديمة. وتلك الأوراق تتكون من 78 ورقةً، كل واحدة منها تحمل رسماً ورمزاً لهما معنى. وبعد انتشارها في عصرنا الحديث، أصبح لها أكثر من تصميم، ولكن تم الإخلال في المعاني والرموز الأصلية للأوراق. عندما نقرأ التاروت لأحدهم، نقوم بتنزيل أوراق عدة وراء بعضها البعض، وحسب معناها وترتيبها، تخبرنا الأرواق بأشياء تدور في داخل عقل من نقرأ له، ونفسه.
لجأت للمرة الأولى إلى التاروت لسبب مختلف تماماً، وليس رغبةً في فهم نفسي، أو التنبؤ بالمستقبل، بل للتواصل مع الملائكة، بعد أن قرأت مقالاً بالإنكليزية ينصح بأن التاروت هو أكثر الوسائل فعالية في التواصل مع الملاك الحارس للإنسان، والملائكة، والأرواح الطيبة بشكل عام.
لجأت للمرة الأولى إلى التاروت لسبب مختلف تماماً، وليس رغبةً في فهم نفسي، أو التنبؤ بالمستقبل، بل للتواصل مع الملائكة.
وجدت نفسي أسأل الملائكة عن أسباب التصرفات المؤذية التي أفعلها بنفسي، أو العادات السيئة التي تسيطر عليّ في التعامل مع الآخرين، وأتلقى إجاباتٍ من خلال بطاقات التاروت، صادمةً، ولكن حقيقية؛ أخبرتني الملائكة مستخدمةً تلك الأوراق كلغة بيننا، عن سبب تمسكي بالعلاقات المؤذية، وأن ادّعائي الدائم للطيبة ليس حقيقياً، وأن في داخلي جزءاً شريراً يجب أن أروّضه. أخبرتني أيضاً عما أفتقده في الحياة، ولا أوليه انتباهاً. كما أخبرتني عما أتمسك به في الحياة، وليست له أهمية.
ومن استكشاف ذاتي، انطلقت لاستكشاف المقربين من حولي، ما أحدث طفرةً في داخلي في فهمهم، وكيفية التعامل معهم. وقتها فكرت في أن أساعد الآخرين، وبدأت بقراءة التاروت لبعض أصدقائي الذين دُهشوا من دقة قراءاتي، وشجعوني لأحترف قراءة التاروت، وهو ما فعلته ولا زلت، على الرغم من كل ما أتعرّض له من انتقاد.
"ده حرام!"، و"هي فلوسك دي حلال؟"، و"مش هتعملي جلسات جلب الحبيب ورد المطلقة قريب؟"؛ والكثير غيرها من الجمل الساخرة التي أرد عليها بابتسامةٍ صامتةٍ، على الرغم من أنها تضايقني، ولا أنكر هذا، في حين أن في كل أسرة مصرية سيدة تقرأ الفنجان، وتجتمع حولها نساء الأسر ليتسمعن منها كل ما يخبّئه المستقبل لهن.
كما أن البعض ينظرون إلى قارئة التاروت، على أنها قادرة على "تحضير" أرواح، أو التحكم في مصائر الآخرين، ويظن البعض الآخر أن التاروت نوع من أنواع السحر الأسود. وأغرب شيء قيل لي فعلاً في هذا الأمر، عندما سألتني صديقة بصدق ومن دون سخرية أو انتقاد: "مش بتخافي تحضّري حاجة بالورق ومتعرفيش تصرفيها!". وقتها ضحكت وشعرت بأن الناس ينتقدونني، ويوجهون إلي تلك السخرية، ليس لسببٍ سوى أنهم لا يعرفون ماهية تلك الأوراق، أو الدور الذي يمكن أن تقوم به في تأمل الإنسان لذاته، ولذوات الآخرين من حوله.
التاروت بالنسبة إلي هو أداة الاتصال بهذا العالم، فأنت، يا عزيزي قارئ، ويا عزيزتي قارئة هذا المقال، تصدق/ ين أن هناك حديداً في يدك ينقل إليك صوت صديقك الذي يعيش في قارة أخرى، بطريقة لا سلكية، ويصعب عليك وضع ولو احتمال بسيط بأن يكون التاروت وسيلة اتصال آمنةً و"طيبةً" لعالم الماورائيات الذي لا تدركه أعيننا؟
أنا شخص يؤمن بأن كل شيء في هذه الحياة يمكن إرجاعه إلى الطاقة والمجال الكهرومغناطسي للإنسان، وما أثبتته الدراسات الحديثة من أن للأفكار قدرة على تغيير أشياء في الواقع، من خلال هذا المجال الذي يحيط بجسم الإنسان.
كما أصدّق أن من حولنا يومياً في كل مكان، كائنات ملائكية ونورانية وأرواح هائمة كل ما تريده منّا، هو أن تساعدنا، ولكن يصعب علينا التواصل معها. والتاروت بالنسبة إلي هو أداة الاتصال بهذا العالم، فأنت، يا عزيزي قارئ، ويا عزيزتي قارئة هذا المقال، تصدق/ ين أن هناك حديداً في يدك ينقل إليك صوت صديقك الذي يعيش في قارة أخرى، بطريقة لا سلكية، ويصعب عليك وضع ولو احتمال بسيط بأن يكون التاروت وسيلة اتصال آمنةً و"طيبةً" لعالم الماورائيات الذي لا تدركه أعيننا؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...