شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"سيعودُ حبيبكِ طائعا في سبعة أيام" ... نصب وشعوذة في زمن الإنترنت

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 5 مارس 202102:32 م

"أرسلي لي صورتكِ وصورةَ حبيبكِ الذي تريدين جَلْبَهُ، وفي ظرف سبعة أيام سيعود إليكِ. سأتفق معك على كيفية أداء مبلغ 2300 درهم (257 دولارا) ". قال لي شيخ مغربي يُدعَي "أبو حامد المغربي"، يدّعي أنه دكتور في الدراسات الإسلامية، حين سألته عن جدية خدمة "جلب الحبيب" التي يقدمها للنساء والرجال من مختلف المدن المغربية. تفاوضتُ معه حول الثمن، ليخفضه إلى 1800 درهم (201 دولارا) ".

العرض الذي يثير الكثير من الشكوك، يغري الكثير من المغربيات اللواتي يبحثن عن زوج بكل الطرق الممكنة، بما فيها اللجوء إلى "شيوخ" في العالم الافتراضي. بالنسبة إليهن الثمن لا يكلّفُ الكثير مادام الزواج من الحبيب سيتحقق بعدَ خِدمة الشيخ. كثيراتٌ يعترفن في آخر المطاف أنهن تعرضن للنصب والاحتيال بعد أن أرسلن مبالغ مالية لأشخاص يدّعون أنهم فقهاء يجلبون الحبيب. أخريات يدافعن عن تجربة "الجلب" التي تكلّلت بالزواج ممن سلبوا قلوبهنّ.

 أجلب الحبيب خلال 24 ساعة. إذا كنت تريدين ذلك أرسلي لي صورتك وصورة حبيبك واسمكما معا

المثيرُ حين تحدثنا مع بعض هؤلاء "الشيوخ"، هو رفضهم المطلق الإجابة عن سؤال طريقة عملهم. أحدهم يلقّب نفسه "الشيخ العالمي السُّوسِي" لأنه يعيش في منطقة سوس (جنوب المغرب) امتنع عن الإجابة عن سؤالي حول ما إذا كان عمله يتعلق بالسحر والشعوذة. قاطعني مكتفيا بنبرة غاضبة: "منذ ثلاث عشرة سنة وأنا أعمل مع أشخاص من المغرب وخارجه، ولم يكثر علي شخص الحديث مثلكِ، أنا أجلب الحبيب خلال 24 ساعة. إذا كنت تريدين ذلك أرسلي لي صورتك وصورة حبيبك واسمكما معا".

لم يتمالك الشيخ الذي يقول إن له علما واسعا بالروحانيات أعصابه وأنا أسأله "لماذا تطلب مني صورتي الشخصية؟ هل هذا لأجل السحر؟" ليجيب "لا تُكثِري الأسئلة، أنا أشتغل بالاستنزال الروحاني والقرآن، وصورتك ضرورية لأعرف ما يوجد في خطّك. سأجيبك بعد ربع ساعة على واتساب، وبعد يوم سيأتيك حبيبك باكيا راغبا في حبك من جديد".

هنا انتهت محادثتي مع الرجل الذي يملك صفحة على فيسبوك ويتواصل عبر التقنيات الحديثة مع زبوناته الولهانات، لكن بالنسبة إلى خديجة من مدينة أكادير (جنوب المغرب)، كان الأمر مغريا لجلب زوجها، الذي تعرض للسحر من طرف إحدى قريباته، كما تزعم. الحل الوحيد الذي بقي أمامها هو الاتصال بالشيخ السُّوسِي ليعيد إليها زوجها "المسحور".

عشق بسرعة البرق

تقول خديجة في حديث مع رصيف22 "تواصلتُ مع الشيخ، وشرحت له مشكلتي، فأرسلت له كما طلب صورتي وصورة قدَمِ زوجي وصورة يده اليسرى. ليخبرني بأن أعراض السحر بادية عليه وعدَّدها لي. بعد سبعة أيام بالضبط عادت علاقتي بزوجي كما كانت، بل صار يعاملني بحب كبير".

لم تنزعج خديجة من أداء مبلغ 1000درهم (111 دولارا) للشيخ يوم الموعد في مقر سكناه. أخبرها أن المبلغ هو نفقة "البخور" الذي وظّفه لإرجاع زوجها الحبيب، بل دافعت عن السوسي بالقول: "هو شيخ محترم يتوافد عليه الكثير من الناس، لا يتلاعب بصور الناس ومعلوماتهم، يقوم بجلب الحبيب حتى عن بعد عن طريق التحصين وليس السحر".

الإقبال على شيوخ من جنوب المغرب، يُسجل بشكل كبير، على رأي نور، التي فضلت هي الأخرى التعامل مع شيخ من مدينة كلميم الجنوبية، وهي المستقرة في مدينة فاس شمال البلاد. تقول دون تردد "اتصلتُ بالشيخ ليجلب لي حبيبي من أجل الزواج".

تضيف نور في حديث مع رصيف22، بتحفظ على المعلومات، لكن المشترك بينها وبين خديجة هو الإيمان المطلق بأن خدمة "جلب الحبيب" حقيقية وناجعة: "ساعدني الشيخ على فك السحر الذي آذتني به إحدى قريباتي فلم أعد أدرس جيدا ولم أتلق أي عرض للزواج منذ ثلاثة سنوات، فأرسلت له صورتي التي طلبَ أن يكون شعري فيها مكشوفا، وبعد أسبوع أحسست بأن الكثير من الأشياء قد تغيرت في حياتي".

زيادة فرص الزواج كان هاجسا ملحا لنور، لذلك لم تنزعج من دفع مبلغ 2000 درهم (223 دولارا) للشيخ. لأنها على حد قولها بالدارجة المغربية "الفلوس كتمشي وتجي" (المال يأتي ويذهب)، وهي اليوم فرحة جدا وسعيدة بالزواج من شخص تقدم لخطبتها. وبحسبها سيعقد حفل الزفاف خلال الصيف القادم.

المشعوذون يذبحون طائرا أسودَ للتقرب للجن. نحن نعد طلاسم روحانية بأثمنة مناسبة جدا، بدءا من 1118 دولارا، هدفنا هو الجمع بين الحبيبين

نور رغم إيمانها بالطريقة، إلا أنها تعرف أن النصب حاضر في أوساط من يلقبون أنفسهم بالشيوخ. فهذه ليست المرة الأولى التي اتصلت فيها بشيخ يجلب الحبيب كما يُشاع. فقد سبق وأن تواصلت مع شيخ قبل ذلك، أوهمها بجلب الحبيب، لكنه تسلم منها مبلغا ماليا قبل أن يحظرها على فيسبوك. ترفض نور، وهي الطالبة الجامعية ذات 22 سنة، أن تعتبر ما يقوم به الشيخ "شعوذة وسحرا"، لأن له "سمعة طيبة بين الناس" على حد قولها.

لكن مصير مروى لم يكن ورديا كما نور. تحكي الشابة متذمرة من تجارب النصب التي سقطت في فخاخها أكثر مرة. بعد حديثها إلى شيوخ، تقول لرصيف22، يدعون جلب الحبيب، لم تجلب إليها التجارب إلا الخيبة. تقول "تجربتي الأولى كلفتني 3000  درهم  (335 دولارا) ، والشيخ الثاني الذي أقسم لي بأنه سيحقق حلمي بجلب حبيبي خدعني بعدما أديتُ له ألف درهم ، أما الشيخ الثالث فطلب مني 500 درهم، لكن بعد ذلك حَظَرَ رقمي على تطبيق واتساب واختفى كليا.

احتيال ونصب

"كشف روحاني مجاني"، "جلب الحبيب في 24 ساعة"، هي عنوانين ضمن أخرى لإعلانات يروج لها هؤلاء "الشيوخ" بأسماء حقيقية وأخرى مستعارة على مواقع التواصل الاجتماعي، لجلب الباحثين عن هذه الخدمة، لكن قصص الكثيرين منهم انتهت بالنصب والاحتيال.

"تعرضتُ للنصب من طرق شيخ أعطيته عربون 700 درهم (78 دولارا) على أساس أن أكمل معه الحديث لتحقيق جلب الحبيب. أخبرني أنه يقوم بالسحر والشعوذة لكن بعد ذلك حظرني على فيسبوك وعلى تطبيق واتساب"، تقول لطيفة دون حسرة مضيفة أنها لم تستسلم خلال البحث عمن يساعدها لتحقيق الزواج. وهو ما دفعها للتواصل مع فقيه لا يشتغل بالسحر "يَسَّرَ لي جلب الحبيب بالمحبّة والقَبُول." هذه المرة كانت الشابة أكثر حذرا في التعامل مع الشيخ وتقول "أدَّيتُ له 1500 درهم، بعد أن أنهى عمله".

في مقابل ذلك، تروج إعلانات في وسائل التواصل الاجتماعي تُحذِّر من الإقبال على هذه الخدمات، لأن وراءها مشعوذين وسحرة، "لا يخافون الله ويتلاعبون بصور النساء والرجال"، كما تقول الإعلانات. وهو ما أكد عليه حسن، رجل مغربي سبق وأن تواصل مع شيخ لجلب حبيبته بالقول "كل ما يسمى بجلب الحبيب عن طريق العلاج الروحاني هو سحر وشعوذة".

يوضح حسن في حديث مع رصيف22 أن "هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم شيوخا يطلبون صورا عارية للنساء وأحيانا يجرون مكالمات هاتفية جنسية معهن. ومنهم من يقوم بكتابة طلاسم شيطانية على أجسام النساء بأدوات وطقوس خاصة لتحقيق ما يسمونه بتكليف الجنّ السفلي لجلب الحبيب وسلب إرادته ليطيع حبيبته، ويطلبون منهنَّ دفع مبالغ باهظة".

"لا نقوم بالشعوذة"

لا تثير المبالغ المالية المرتفعة أيّ انزعاج بالنسبة لهؤلاء الشيوخ، لأنها في نظرهم تُغطّي تكاليف "فكِّ السحر وإزالة سوء الطالع"، والقيام "بحسابات الأحرف بالأرقام الكبيرة والصغيرة" (كتابة الطلاسم).

يقول إبراهيم، وهو وسيط شيخ يجلب الحبيب "العمل الذي يقوم به الشيخ مكلف ماديا، لأنه يستعمل بخورا ويعد طلاسم روحانية، كما يستثمر عِلمه الشرعيّ بالقرآن والسنة النبوية".

يُعقِّب إبراهيم في حديث مع رصيف 22، على اتهام الشيوخ بالمشعوذين بالقول "لا نقوم بالشعوذة، أنا فقيه أشتغل مع شيخ آخر، وحاصل على إجازة من كلية الشريعة بآيت ملول (جنوب المغرب). ندعو أي شخص ليحسن الظن فينا لأنّنا نخبر الزبائن بأشياء خاصة يجهلها الجميع عنهم. ونقوم بجلب سريع ومؤكد خلال ثلاث أيام، ولا يدفعون لنا المال إلا بعد تحقق النتيجة".

لجوء الناس لهذه "الخرافات" و"الأكاذيب"، هو بسبب أعطاب المجتمع على مستوى العقل والعاطفة

ويضيفُ إبراهيم وهو شاب لا يتجاوز عمره 30 سنة "المشعوذون يذبحون طائرا أسودَ للتقرب به من شياطيين الجن، ولكن نحن نعد طلاسم روحانية بأثمنة مناسبة جدا، بدءا من 10 آلاف درهم (1118 دولارا)، هدفنا هو الجمع بين الحبيبين وتيسير الزواج بينهما.

أسئلة كثيرة تطرح في مجموعة خاصة على موقع فيسبوك حول خفايا إقبال الكثير من الناس على هذه الأعمال، بل توفير وبيع منتوجات بما فيها "خواتم" خاصة لجلب الحبيب، يصل ثمنها إلى أكثر من ألف دولار.

خرافة جلب الحبيب

بالنسبة لمحمد عبد الوهاب رفيقي، باحث في الدراسات الإسلامية، فإن هؤلاء الشيوخ يستغلون ضعف وعي الناس لاستغلالهم ماديا، معتبرا أنه "ليس من المفاجئ في مثل هذه المجتمعات أن نجد مثل هذه الظواهر منتشرة والناس يقبلون على مثل هذه الأوهام"، لأن نسبة الأمية في نظره كبيرة جدا في الواقع المغربي وهي مستفحلة حتى في أوساط "من يحسبون أنهم متعلمون".

ويقول رفيقي في حديث مع رصيف22 إنه من الطبيعيّ أن تزدهر في "المجتمعات المتخلّفة، التي يقل فيها الوعي وتكون نسبة تأثير العلم فيها ضعيفة، الأصوات المعتمدة على الخرافة، وعلى جلب المنافع عبر طرق غيبية عن طريق الخداع والوهم".

ويضيف المتحدث وهو عضو مؤسس لرابطة علماء المغرب العربي، أن استفحال هذه "الأعطاب" مرتبط بـ"القصور الموجود على المستوى العلمي، لأن المنظومة التعليمية تخرج الكثير من الدجالين والمشعوذين ولا تؤسس عقلا نقديا، بل تساهم في كثير من الأحوال في ترويج الخطاب الخرافي وكثيرون من المنتمين لهذه المنظومة هم من هؤلاء المخرفين".

لجوء الناس لهذه "الخرافات" و"الأكاذيب"، بالنسبة لرفيقي هو بسبب أعطاب المجتمع على مستوى العقل والعاطفة، والقطع مع هذه "الممارسات" يجب أن ينطلق من إعادة مراجعة محتوى النظام التعليمي والتربوي ليكرس فلسفة السؤال والنقد واحترام العلم واللجوء إليه لحل مختلف المعضلات، وليس اللجوء إلى "الدجالين" ومستغلي الدين.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard