شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"ساعدتني على تقبّل التناقض في داخلي"... صداقات استمرت على الرغم من اختلافها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 18 فبراير 202202:34 م

"-طب أنا أي حد بحب أدخل أكلمه، بعمل كده، أنت معرفش ليه كنت قلقانة.

=غالباً مبعضش".

كانت الجُمل الحوارية القصيرة هذه، بدايةً لتبادل أطراف الحديث على فيسبوك مع شخص أصبح لاحقاً من أصدقائي المقربين.

السبب الرئيسي الذي كان يجعلني أخشى الحديث معه، أنه مختلف تماماً عني، له أفكاره المتحررة والمتمثلة في حكاياته التي يحكيها عن نفسه، والألفاظ الجريئة التي تملأ حسابه الشخصي، فضلاً عن آراء البعض عنه، وكذلك أفكاره عن الله وحديثه إليه وعنه، لكن أيضاً كنت أقرأ كتاباتٍ جميلةً وذكيةً له بحكم عمله ككاتب، فكنت في حيرة من أمري بين رغبتي في التعرف إليه، وبين الاختلافات الجسيمة بيننا، فأنا فتاة محافظة، وقبل خمس سنوات، عندما تعرفت إليه، كنت متحفظةً أكثر من الآن، ولا أحب التفوه بألفاظ خارجة، وأخشى التعبير عن نفسي بحرية كاملة خوفاً من الأحكام المسبقة.

الآن أصبح من الأشخاص الأكثر دعماً لي في حياتي، ولديه قدرة كبيرة على احتوائي، ومحادثات فيسبوك التي بيني وبينه تمثل مساحةً آمنةً لي. يضع نفسه مكاني في أية مشكلة أمر بها، ويفكر في الحل المناسب لي، من دون أن ينتقص من طريقة تفكيري، أو ينعتني بالرجعية، فلا أحتاج إلى تبرير نفسي أمامه، لذا تقبّلنا بعضنا البعض كما نحن، فلا يحاول إقناعي بشيء، ودائماً يقول لي: "لا تفعلي شيئاً إلا وأنتِ مرتاحة تماماً إليه".

كنت في حيرة من أمري بين رغبتي في التعرف إليه، وبين الاختلافات الجسيمة بيننا.

لا يستوعب المعارف المشتركون بيننا طبيعة صداقتنا، ويتساءلون: "إزاي أنتِ وعادل أصدقاء؟!"، ومثلما لا يستطيع الناس تقبل الآخر المختلف عنهم، كذلك لا يستطيعون تقبل الشخص المشابه لهم الذي لديه مرونة تقبّل الآخرين.

"يحبني ويقدرني"

"كنا نتقابل يومياً بسبب طبيعة عملنا معاً، ومع الوقت استنتجت أنه مُلحد. سألته فأكد الأمر"، قالت نادية (اسم مستعار)، وهي فتاة ثلاثينية تعمل محاسبةً في القاهرة.

تحكي نادية الفتاة المُسلمة المُحجبة، عن صديقها يوسف: "عندما علمتُ في البداية تفاجأت، واستغربت؛ كانت المرة الأولى التي أتعامل فيها مع شخص ملحد، وكنت أشعر بوجود مشكلة".

وفسّرت في حديثها إلى رصيف22: "يعلم صديقي أني فتاة ملتزمة، أؤدي الفروض الواجبة من صلاة وصوم، ومع ذلك لم يحاول أبداً أن يقنعني بأفكاره المختلفة عني، فهو يحترم فكر الآخر. مثلاً عندما كان يسمع صوت الأذان، ونحن نستمع إلى الموسيقى، كان يُغلقها من تلقاء نفسه، وحينما أخبره بأني ذاهبة لأصلي لم يكن يُعلّق على الأمر، فعلى الرغم من تحرر يوسف، إلا أنه يتعامل بتحفظ معي، ويحترم فكري، فلا يمد يده للسلام إلا إذا مددتها أنا أولاً، وليست هناك بيننا مساحة للدعابة بالأيدي، فهو لا يفرض عليَّ أي شيء هو مقتنع به".

يمثل يوسف جزءاً داعماً كبيراً في حياة صديقته نادية، لذا لا يُشكل اختلافهما حاجزاً بينهما، بل كسرا الحواجز حتى يحتفظا بصداقتهما. تقول نادية: "يوسف شخص مثقف، نتناقش سوياً فتتقاطع أحاديثنا، بالإضافة إلى شعوري بمحبته، وتقديره لي. في أثناء مرض والدي كان يتابع معي يومياً بحكم عمله كطبيب، وعندما كان يشعر في أثناء جلساتنا وسط الأصدقاء أني لست بخير، كان ينتظر حتى أعود إلى البيت، ويحدثني ليطمئن عليَّ، ويسمعني باهتمام، ويتناقش معي حول أسباب ضيقي".

يعلم صديقي أني فتاة ملتزمة، ومع ذلك لم يحاول أن يقنعني بأفكاره المختلفة عني، فهو يحترم فكر الآخر. عندما كان يسمع صوت الأذان، ونحن نستمع إلى الموسيقى، كان يُغلقها من تلقاء نفسه، وحينما أخبره بأني ذاهبة لأصلي لم يكن يُعلّق على الأمر

صداقة "فيسبوكية" عميقة

"شاهدت مقطع فيديو عابراً على مواقع التواصل الاجتماعي، ولفتتني الفتاة التي تمثل فيه. أُعجبت بانطلاقها وقبولها لذاتها، فبحثت عن حسابها الشخصي على فيسبوك ووجدته، وراسلتها، وكان أمراً غريباً بالنسبة إليّ، أن أرسل إلى شخص لا أعرفه، فرحبت برسالتي، وبدأت المحادثات بيننا"، تقول سمر، وهو اسم مستعار لطبيبة أسنان ثلاثينية من الإسكندرية.

شعرت الفتاتان بعد أول محادثة بينهما بالفضول تجاه بعضهما البعض، على الرغم من اختلافاتهما، فسمر فتاة محافظة ومتدينة، ترتدي زياً إسلامياً عبارة عن عباءة وخمار، ولا تستمع إلى الموسيقى، بل "تستحرمها" كما قالت، ولا تُشارك صوراً شخصيةً لها على السوشال ميديا، ولا حتى تسجيلات صوتية لها مع غرباء، فحينما رغبت في التواصل معها بخصوص المقال، رفضت أن تتواصل معي بشكل مباشر، وفضلت أن ترسل التسجيلات الصوتية إلى صديقتها نادين خالد، التي قامت بدورها بتفريغ التسجيلات، وأرسلتها إليَّ مكتوبةً، كما طلبت ألا أذكر اسمها الحقيقي. أما نادين ففتاة منفتحة، غير محجبة، تحترف مهنة التمثيل في القاهرة، ولديها صداقات من الجنسين، على العكس من سمر، وعلى الرغم من ذلك استطاعتا أن تلتقيا في إحدى النقاط.

تقول سمر لرصيف22: "نادين شخص حقيقي جداً. اكتشفت من خلالها أن الإنسان إما أن يكون شخصاً مثالياً مزيفاً، أو حقيقياً ولكن غير مثالي، ولذلك عندما أبحث عن إنسان يقبلني كما أنا من دون أن يشرع في الحكم عليَّ، أحدّث نادين".

توفر لي صديقتي مساحةً آمنةً للتعبير عن أي فكرة غريبة لدي من دون أحكام.

وأضافت: "ساعدني قبول نادين لي في هذه المرحلة من حياتي، بسبب الدفء الإنساني غير المشروط في علاقتنا، فهي توفر لي مساحةً آمنةً للتعبير عن أي فكرة غريبة لدي من دون أحكام، وقد انعكس هذا القبول عليَّ وجعلني أتقبل وجود علاقة إنسانية مختلفة في حياتي، تحكمها إنسانيتنا فحسب.

تُراعي نادين دائماً اختلافي عنها، فعندما تُرشح لي أعمالاً أشاهدها حتى لو كانت من تمثيلها أو إخراجها، تحذرني من أنني قد أشاهد مقاطع لا أرتاح لها، ولا تغضب عندما لا أستطيع مشاهدتها".

وأنهت حديثها قائلةً: "ساعدتني هذه العلاقة على تقبل التناقض الموجود في داخلي بين الانجذاب والتأثر بالفنون، وبين عدم الارتياح والشعور بتحريم بعضها، وأني لا أتخيل نفسي أعمل فيها".

الميول ليست الهوية

"كان بجانبي في فترة لم تكن الأمور فيها على ما يُرام. لم يكن لدي عمل، فكان يُطمئنني ويقول لي إني شخص جيد وستنصلح أموري عما قريب". تقول رشا (26 سنةً)، عن صديقها وائل، وهما مقيمان في القاهرة.

حكت رشا لرصيف22، عن صداقتها بوائل (اسم مستعار) التي بدأت قبل أربع سنوات، فهو بالنسبة إليها شخص مهتم بشكل حقيقي لأمرها. "عندما يسألني عن أحوالي أشعر أنه بالفعل مهتم بأن أكون بخير، حتى في الأوقات التي انشغل فيها وأكون مُقصرةً تجاهه، كان يسأل عني وعن أحوالي العاطفية غير المستقرة، فهو شخص يكن لي كل الود والاحترام من دون مقابل".

وعلى الرغم من الصداقة التي تجمعهما، إلا أن وائل ظل خلال أول سنتين من صداقتهما يخفي جزءاً مهماً من هويته عنها، خشية ألا تتقبله كما فعل معه أصدقاؤه الآخرون، فتقول رشا: "خلال هاتين السنتين كان يحكي لي عن علاقاته بالفتيات اللواتي يتعرف إليهن، وفي إحدى المرات في أثناء حديثه عن فتاة بدأ يستخدم ضمائر مذكرة بدلاً من المؤنثة. في البداية ظننت أن الأمر اختلط عليه، إلى أن صارحني بحقيقة ميوله وأنه مثلي الجنس، بقيت كما أنا أستمع إليه، ولم أتخذ منه موقفاً معادياً، فقال لي: ارتحت لتقبلّك لي، لأن صديقي المقرب انقطع عني عندما علم بحقيقتي".

لم أستطع اختزال هوية صديقي في ميوله الجنسية فحسب، بل بالعكس رحبت بمساهمتي في استكشاف الشخص الآخر الموجود داخله، مثلما يُساهم هو دائماً معي في استكشافي من الداخل، وبكل بساطة نحن الاثنين موافقان على أن نكون جزءاً من حياة بعضنا كما هي

يعلّق أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأمريكية سعيد صادق، على هذا قائلاً: "طبيعة العلاقات أن تكون معقدةً، لا تعتمد على جانب واحد فقط لتنشأ وتستمر، وإنما على العديد من الجوانب، فلو كان لدى الإنسان صديق يقدّره، ويقف إلى جانبه، واكتشف بعد مرور الوقت والسنين أن هذا الصديق مختلف عنه، كأن يكون مثلياً أو مُلحداً، هل من الطبيعي أن ينحّي علاقته به جانباً؟ في الواقع لا، فهناك جوانب أخرى يستفيد منها الإنسان، ومن وجود هذا الشخص في حياته".

واستكمل حديثه: "أما في الحالات التي يقرر فيها الأفراد عدم تقبل أصدقائهم المختلفين عنهم، فيحدث هذا لسببين، الأول أن الجوانب الأخرى التي تجمعهم ليست قويةً وكافيةً لاستمرار العلاقة، والثاني الخوف من الضغط المجتمعي نتيجة مصادقة شخص له عادات أو هوية مختلفة، خاصةً عندما تتعلق بأمور لا يتقبلها المجتمع مثل المعتقدات الدينية أو الميول الجنسية أو شرب الخمور، فيُفضل التخلص من العلاقة".

تحكي رشا عن شعورها تجاه صديقها بعد أن أفشى لها سره: "في البداية استغربت الأمر قليلاً، لأن وائل شخص متدين ويصلي ربما أكثر مني أنا الفتاة المحافظة والمحجبة، لكن مع الوقت أخذت أستفهم منه حول الأمر، فقال إنه يعلم بحقيقة ميوله منذ زمن، وأنه حاول كثيراً أن يبتعد عن الأمر ويستغفر الله، وأن يحاول الإعجاب بالفتيات لكن كل محاولاته فشلت، ولم يجد بداً سوى أن يتقبل نفسه".

استطاعت رشا أن تُقدّم لصديقها القبول والدعم اللذين يحتاج إليهما في مثل هذا الموقف على الرغم من ميولها المغايرة، ولم تتأثر علاقتهما بعد هذا اليوم، وتنهي حديثها بالقول: "لم أستطع اختزال هوية صديقي في ميوله الجنسية فحسب، بل بالعكس رحبت بمساهمتي في استكشاف الشخص الآخر الموجود داخله، مثلما يُساهم هو دائماً معي في استكشافي من الداخل، وبكل بساطة نحن الاثنين موافقان على أن نكون جزءاً من حياة بعضنا كما هي".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image