شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
هل تجوز الرحمة على الملحد الميت؟

هل تجوز الرحمة على الملحد الميت؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 2 أبريل 202103:16 م

حوار خفيف الظل بين الإخوة المتدينين من ناحية، حسب تصنيفاتهم هم لأنفسهم أو لغيرهم، المتشددين والمعتدلين، والحائرين من جهة أخرى بين علمانية صرفة تنحي الدين الذي يؤمنون به، أو ينصاعون له بحكم تأثيره على هوية المجموع، وبين تدين يفرض أنماطاً ذهنية وشعورية تعتبر ضيقة للغاية في عالم معولم تكاد تكون الصين فيه- رمز البعد والإقصاء في الثقافة العربية "اطلبوا العلم ولو في الصين"- جارتك في الحي، بفعل التكنولوجيا وتأثيرها الذي محى المسافات وقلل الفوارق.

السؤال الذي يطرح، والفعل المحمل بعاطفة حميدة، والانفعال المشحون بالغيرة على حالة روحانية يخاف المؤمنون عليها من الضياع والذوبان والتآكل، هل تجوز الرحمة على الملحد؟ أشخاص لا يؤمنون أصلاً بالدين، لماذا نقول يرحمهم الله؟ يهرب معظم المسلمين العلمانيين من سؤال اللحظة؛ السؤال الحقيقي عن وفاة شخص: هل تجوز الرحمة على الميت الملحد؟

تستدعي تلك الحالة الشعورية، لدى الطرفين، واقعة سؤال نبي الرحمة محمد الرحمة على المنافقين، بعد موت عبد الله بن أبي بن سلول، وهم بحسب المؤمنين المتدينين "صف ثالث"، أشخاص أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، وتواطؤوا سياسياً مع يهود يثرب، وهم أيضاً بحسب ملحدين "أو مسلمين علمانيين" أشخاص أحبوا أهاليهم وجيرانهم وقومهم، وانصاعوا لاختيارهم الجمعي. لكنهم لم يقتنعوا داخلياً برؤية محمد الروحانية والسياسية والاجتماعية، وهي حالة أجادت التعبير عنها أبكار السقاف في كتاب "الدين في جزيرة العرب"، واستلهمها أو "سرقها" خليل عبد الكريم في مؤلفه القصير "مجتمع يثرب".

هل تسمحون بوجود ملحدين في مجتمعكم، في أسركم، في حيكم، في جامعاتكم، في مدارسكم؟ عدم التسامح الهوياتي مع هوية اختارها آخرون، أياً كان شكلها، حتى لو كانت في أقصى درجات التسامح مع الهوية الجمعية "القصرية"، هل تسمحون بوجودها؟

مسلم معتدل، متشدد، متطرف، علماني، صوفي، روحاني، ملحد، نكاد نعيش في فوضى التعريف، رغم أن الهوية الاجتماعية، من المهم بمكان، أن تكون واضحة. لأنها إعلان صريح عن وجود الفرد، عن بصمته الخاصة في الثقافة العامة، إلا أننا نكاد نعوم في مشاعر متطرفة جياشة، واتهامات وشتائم متبادلة حادة، تكاد تعكس حالات نفسية مدفونة، اتجاه كل شخص ناحية نفسه أولاً، وناحية الطرف المعاكس ثانياً.

يتجاهل الكثير من المؤمنين السؤال الحياتي، وهو ليس "هل تجوز الرحمة على الميت الملحد؟"، هل تسمحون بوجود ملحدين في مجتمعكم، في أسركم، في حيكم، في جامعاتكم، في مدارسكم؟ عدم التسامح الهوياتي مع هوية اختارها آخرون، أياً كان شكلها، حتى لو كانت في أقصى درجات التسامح مع الهوية الجمعية "القصرية"، هل تسمحون بوجودها؟ دون أن يتعرض صاحبها للحبس، أو للتفريق بين زوجته وأهله وأولاده، أو على أقل تقدير النبذ المجتمعي، والفصل من المهام المرتبطة بالتعليم والتوجيه، كالجامعات والمدارس.

بدلاً من الانشغال الهروبي بحرمانية الرحمة على الميت، فلتفكروا بالتسامح مع الحي، هل يجوز تقبل واحتواء الملحد المصري الحي؟

أفضل دائماً أن أرى الأمور بمفردات علمانية، مجتمعية، بعيداً عن الأوصاف الدينية. إذا كانت الإجابة بلا، فنحن أمام هوية جمعية قصرية، يتم فرضها بالإرهاب، المعنوي والجسدي.

لا يوجد دين يبقى على حالته الأولى. فالتأمل الذي دعا له بوذا منذ آلاف السنين، يختلف جذرياً عن التأمل البوذي المعتمد من موظفي التنمية البشرية في شركات "غوغل" بوادي السليكون. وإسلام محمد وأصحابه يختلف عن إسلام الخلافة الأموية والعباسية والفاطمية والأندلسية، والإسلام الطالباني، وإسلام الصحوة السعودي "الله يرحمه"، وإسلام الأزهر المؤسساتي.

في الواقع، يعيش التدين المصري حالة من التيه والتمزق والضياع، في حال يصعب حتى على الباحث أن يمسك بظواهره، أو يحدد خطاباً اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً واضحاً. فلطالما شكلت الصحوة الحجازية التي قضى عليها بن سلمان بمدها السلفي في مصر، والإسلام السياسي الذي قمعه الجيش، والأزهر بمظهره المحايد الطيع للمنظومة السياسية والقضائية والاجتماعية، والذي خسر الكثير من رصيده في سنوات يناير، لطالما شكلت كل تلك الأطراف روافد هامة لحالة التدين المصري، وأشكاله الثرية بتفاصيل لا تمت لواقعنا المتردي بصلة، ولا تسأل الأسئلة الحقيقية الخاصة بالهوية والمشاكل الاجتماعية والأخلاقية والفكرية. ولكنها تميل للهروب في صراعات ميتافيزيقية لا حل لها، مثل: هل تجوز الرحمة على الميت؟

يعيش التدين المصري حالة من التيه والتمزق والضياع، في حال يصعب حتى على الباحث أن يمسك بظواهره، أو يحدد خطاباً اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً واضحاً

فليلعن الله آية حجازي، ونوال السعداوي، وكاتب هذا المقال، وليسكنهم الله جميعاً في الدرك الأسفل من النار، ولنطرح الأسئلة الحياتية لا الأخروية في قضايا لحظتنا وساعاتنا: هل يجوز أن ترث المرأة مثل الرجل ميراثاً كاملاً؟ هل تجوز أن تزوج نفسها؟ هل يجوز التعامل مع الملحدين بمحبة وتسامح؟

ولنعد طرح هكذا أسئلة بلغة الآخرين، العلمانينن: هل يجوز أن نطرح الأسئلة بتلك الطريقة، هل يجوز أن نتساءل في القرن الواحد والعشرين، ونحن على أعتاب حضارة رقمية جديدة مختلفة كلياً عن الحضارة الصناعية بطريقة "يجوز ولا يجوز".

فلنعد طرح الأسئلة بطريقة أخرى، هل يمكن للهوية الدينية أن تتعايش وتدعم حق الهويات الأخرى في الوجود التي لا نكهة دينية فيها؟ هل يمكن للمرأة أن تشعر بأنها إنسانة حرة كاملة مثلها تماماً مثل الرجل؟ هل يمكن أن نعيش في نظام سياسي واجتماعي واقتصادي يحترم حرية الفرد وكرامته، ويعزز تحققه الشخصي والنفسي والروحاني والاجتماعي؟

ولنعد طرح الأسئلة بطريقة ثالثة: كيف نتعايش ولا يفرض كل شخص هويته الدينية أو السياسية أو الاجتماعية على الآخر؟ كيف نحقق العدالة الاجتماعية والاقتصادية؟ كيف وكيف وكيف… في الحقيقة، وبأمانة كما اعتدنا في مصر أن نتحدث، لو كنت في محل المتأثرين بتيار الصحوة، والإسلام المؤسساتي، والإسلام السياسي، لن أطرح على نفسي كل تلك الأسئلة، المخيفة والمزعجة، في مناخ غير صحي للتفكير، مناخ خانق وفاسد ومفقر إلى الدرجة التي تبدو فيها طرح التساؤلات أياً كان شكلها، مشتت انتباه لواقعنا اليومي، سأكتفي بالقول: لعن الله نوال السعداوي، وآية حجازي، ولو سراً، في قلبي، و"هذا أضعف الإيمان".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image