شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"الناس تحتاج إلى أب"... "ملحدون" في أوقات الأزمات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 23 أكتوبر 202102:46 م

دائماً ما أشعر بوجود الله عندما أغرق وسط مشاعري، شعور الفرحة العارمة، وشعور الخوف الشديد، وعند الإحساس بالألم النفسي، هذا الشعور مطمئن خاصة عند المرور بأزمات حقيقية.

جعلني هذا الشعور أتساءل عن أصدقائي الذين "لا يؤمنون" من أين يستمدون الإحساس بالأمان عند الحاجة، وكيف يتخطون أزماتهم بسلام، إلى أي مدى تختلف مشاعرهم عن مشاعري.

"كل شيء يخضع للاحتمالات"

"مجتمعنا أي حد لا ديني بيسموه مُلحد، ميعرفوش غير مسلم ومسيحي ويهودي، وملحد". قال يوسف (27 سنة) مُعيد في الجامعة، من القاهرة، مصراً على أن يبدأ حديثه بـ"تعريف صحيح" عن نفسه.

في إحدى المرات كان يوسف مع أسرته على متن طائرة، وكانت هناك مشكلة في الطائرة أثناء الهبوط، وقيل لهم إن الطائرة ستهبط بسرعة شديدة، لأن هناك مشكلة في خروج عجلات الطائرة.

يحكي: "كنت مقتنعاً تماماً أن الطائرة ستسقط، وكان تفكيري مُركزاً على أني لن أرى أهلي مرة ثانية، وكان عزائي الوحيد هو أننا سنموت سوياً، فلن يفتقد أحدنا الآخر، واختلطت مشاعر الخوف والأمل لدي، والتفكير في أن هذا يومي الأخير".

لم يحدث شيء، وعلى عكس من في الطائرة، الذين لهجت ألسنتهم بالدعاء، لم يفكر يوسف وقتها أن هناك أحداً أنقذهم، استمر في التفكير بطريقته العملية: "شعرت أنها مجرد احتمالات، كان هناك احتمال أن تسقط الطائرة أو لا تسقط، لأني إذا اعتقدت أن نجاتي ليست من قبيل الصدفة، وأن هناك أحداً ساعدني في هذا الموقف، فلم أنا بالذات (يساعدني الرب)؟ هل المساعدات تغمرنا بشكل عشوائي؟ أليس هناك آخرون في مواقف صعبة أيضاً يستحقون المساعدة مثل سيدة تتعرض للاغتصاب، أو رجل يتعرض للقتل، لكنهما لم يجدا من يساعدهما".

"خالق هذا الكون لو هو بالفعل موجود، لا يهتم بنا على الإطلاق"

يرجع يوسف سبب نشوء الدين إلى أن الناس تحتاج إلى وجود "أب راعٍ له في الحياة"، ومن هنا جاءت فكرة الرجوع إلى الله عند الأزمات، بالنسبة إليه. قال: "بطبيعتي أنا عملي أكثر، وعندما تحدث مشكلة لي، أفكر في التصرف الأفضل الذي يجعلني أخرج بأقل الخسائر من هذه المشكلة، إنما فكرة انتظار من يواسيني، ويطمئني فكرة غير واردة لدي، حتى لو أن اعتقادي في وجود إله أفضل لي نفسياً، فأنا لا استطيع الاقتناع بفكرة عاطفية، لأنها فكرة لا تستند إلى المنطق، ولذلك لن أستطيع القيام بها".

وأضاف: "أنا متفق مع فكرة أن الإنسان أفضل لنفسيته الاعتقاد في وجود إله، لديه القدرة على حمايته ومكافأته، لكن ليس معنى هذا أنه أفضل وحقيقي بالفعل".

وأنهى يوسف حديثه: "أنا لا أجزم أبداً بعدم وجود خالق، لكن بالنسبة إليَّ هناك فرق بين وجود مصمم أو خالق للكون، وبين أن يكون هذا الخالق مهتمًا لأمرنا، ولديه صلة مع البشر، ولذلك فإن خالق هذا الكون لو هو بالفعل موجود، لا يهتم بنا على الإطلاق".

"لا أدري"

لم تستطع كريستينا منذ الصغر الاندماج مع المجتمع الكنسي، فـ"كل ما كان يقولونه ويدعون إليه غير منطقي"، بالنسبة لها.

"أنا لا أدري أكثر من كوني ملحدة"، تقول كريستينا، اسم مستعار (29 عاماً)، تعمل في خدمة عملاء لإحدى الشركات في الإسكندرية.

وتضيف: "أصبح ما يشغلني أن أكون إنسانة جيدة بصرف النظر عن الدين، إنسانة لا تؤذي أحداً، وتساعد غيرها إذا ما استطاعت".

لم تستطع كريستينا أن تتخلى عن فكرة وجود "كيان يدير الكون"، وتتساءل: "من هو؟"، ثم تعود فتقول: "غير فارق بالنسبة لي لو أنه سيكون إلهاً عادلاً ورحيماً، أم لا".

ترى كريستينا أن "تمسكها بهذه القشة"، وبقايا إيمانها لم ينفعها في حل أي مشكلة تتعرض لها، تتذكر عندما رسبت في أول سنة لها بالجامعة، تقول: "شعرت وقتها بالظلم، لأن هناك مواد كنت أذاكرها لأصدقائي، فكيف أرسب؟ فلم يكن هناك معنى لرسوبي بالنسبة إليَّ، ولو أن الصلاة والدعاء قادران على حل الأمر، فلماذا لم يحدث هذا؟".

وتتابع: "كانت الإجابات دائماً أن الله يفعل الأفضل لنا، لكن بعد رسوبي كرهت الدراسة والكلية، ولم أعد أفكر سوى في إنجاز دراستي حتى أتخلص منها، فتخرجت دون تقدير، ولم أفكر بالعمل بكليتي، فرسوبي بُني عليه كل شيء حدث لي فيما بعد".

وتكمل: "حتى في مواقف المرض والموت نضطر إلى تقبل الأمر، كان جدي مريضًا بفيروس الكبد الوبائي، في أيامه الأخيرة وكان محجوزاً داخل المستشفى، وتأخرت حالته، وليس هناك علاج، وفي يوم جمعة الساعة الخامسة فجرًا أُبلغنا بوفاته، بكيت، لكني كنت أنظر من حولي، فكل شيء كما هو، الحياة تسير ولم تتوقف، لكن عزائي الوحيد أنه ليس هناك شيء بعد الموت أو أني آمل ذلك، فالتفكير فيما بعد الموت مؤرق جداً".

نظام متخيَّل

"أنا ضد كلمة إلحاد أو ملحد، لأن الإلحاد في معناه المجرد يُعني إنكار شيء موجود، وكدة تبقى كلمة إلحاد وصم مش مجرد صفة لفكر معين، ولو استخدمنا نفس المنطق يبقى ممكن نقول إن المؤمنين ملحدين بالعقل أو العلم". بهذه الكلمات استهل محمود، اسم مستعار (28 عاماً)، مُلحن، من البحيرة، حديثه مع رصيف22.

ورأى أن النقاشات التي تُعقد بين المؤمنين وغير المؤمنين بلا جدوى، فاتخاذ موقف من الأمر يتوقف على "الاستعداد النفسي، والذكاء" على حد قوله.

وأضاف: "هناك أناس مؤمنون يتمتعون بدرجة ذكاء عالية، رغم وجود الأدلة على أن فكرة الصانع الذكي والواحد هي فكرة هزلية، وهذا بسبب أنهم ليس لديهم القدرة النفسية الكافية التي تجعلهم يرون الحقيقة، نتيجة للموروثات التي تربوا عليها".

بحسب محمود فإن فكرة تنوع الديانات في حد ذاتها دليل على أنها فكرة من صُنع خيال البشر، وغير مقبولة بالنسبة إليه، وخالية من المنطق لما نتج عنها من دماء وقتل على مدار التاريخ.

"لم أنا بالذات (يساعدني الرب)؟ أليس هناك آخرون في مواقف صعبة أيضاً يستحقون المساعدة، مثل سيدة تتعرض للاغتصاب، أو رجل يتعرض للقتل، لكنهما لم يجدا من يساعدهما"

أما عن الذين ما زالوا مؤمنين، وبتعبير محمود "الذين لم يروا الحقيقة إلى الآن"، فقال محمود: "عندما يمر الإنسان بأزمة في حياته يصبح في حاجة إلى من يهتم به، ويضع له قوانين تحقق العدالة، وهذا النظام المتخيل هو حجر الأساس لشخصية هذا الإنسان، وليس سهلًا أبدًا سحبه من تحت يديه، فهو ضعيف نفسياً، وليست لديه قدرة الاعتماد على نفسه، ولا يمكنه تفسير الأمور بشكل منطقي وعلمي".

على عكس محمود، يكن أحمد (اسم مستعار) لأقاربه وأصدقائه المتدينين مشاعر حب، الأمر الذي يدفعه أحياناً، رغم عدم إيمانه بالدين، إلى ممارسة شعائر دينية.

يقول أحمد: "منذ خمس سنوات توفت خالتي، كانت مريضة بالسرطان، ولأني كنت أحبها، ولأنها متدينة، مارست كل الشعائر الإسلامية بعد موتها، صليت عليها صلاة الجنازة، وحضرت دفنها وقرأت القرآن، وحتى الآن هي الشخص الوحيد الذي قد أقرأ له القرآن، لأني مدرك أنها لو موجودة فستكون سعيدة بذلك، لذا أفعل هذا تخليداً لذكراها فقط"، يقول أحمد، اسم مستعار طبيب بشري (30 عاماً) من كفر الشيخ.

يسكت أحمد هنيهة، ويكمل: "يمكن ماتعرضتش لأزمات كارثية، لكن حتى المواقف الصعبة اللي مريت بها مع الوقت، اكتشفت مش بالصعوبة اللي متخيلها، وكل مشكلة تحتاج لوقت حتى تتحل".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image