"وجدت إخوتي الذكور جميعهم، وعددهم ستة، قد تزوجوا قبل بلوغ السنّ القانونية. وما دفعني للزواج قبل بلوغي الثامنة عشر من عمري، رغبتي في أن أكون رجلاً"، يقول حسن فصيح فيصل (32 عاماً)، لرصيف22، ويضيف: "أنا كان نفسي أتجوز، ويبقى لي أسرة زي إخواتي. كنت شايف إن لما يبقى لي زوجة وأسرة أبقى أنا كده راجل، وصاحب مسؤولية".
لم يعقد حسن أيّ زواج رسمي، ما تسبب في تأخير استخراج شهادة ميلادٍ لابنه الأول عمرو. وعندما بلغ سنّ الزواج القانونية، كانت زوجته ما تزال قاصراً، ما أجبره على الانتظار عامين حتى يوثّق عقد الزواج: "ساعتها كنت مخلف ابني الكبير اللي عمره دلوقت عشر سنين، بس ده سنّه الحقيقي، مش السنّ اللي متسجل بيها في الشهادة".
كان حسن يتمنى أن يصبح مطرباً شعبياً، لكن حلم الزواج، و"الرجولة"، سيطر عليه، وأخذ يعمل في مصنع الطوب في مدينة العياط في محافظة الجيزة، مسقط رأسه، منذ أن كان عمره 11 عاماً. وما كسبه من المصنع، ساعده على توفير تكاليف الزواج، الذي اعتمد فيه على نفسه، ولم يساعده أحد: "من شغلي قدرت أجهز نفسي، وأنفّذ كل طلبات أهل مراتي".
كنت شايف إن لما يبقى لي زوجة وأسرة أبقى أنا كده راجل، وصاحب مسؤولية.
تزوج حسن من فاطمة، في غرفةٍ من غرف منزل والده، وشعر في بداية الرحلة بأن الحياة سهلة: كل شيء حوله رخيص، ويعيش حياةً كريمةً من وجهة نظره، حتى أغلق المصنع، وسرّح جميع العاملين فيه، وهو واحد منهم، وبات عليه أن يتحمل بمفرده مسؤولية زوجة وثلاثة أطفال: "لما المصانع قفلت، الموضوع بقى صعب. طب هاكل وأشرب أنا ومراتي والعيال دول منين؟".
لا يمتلك حسن حرفةً يعمل بها، ولم يحصل على مؤهّل تعليم جيد يساعده في الالتحاق بعملٍ مناسب، ولو ظلّ مكانه لمات جوعاً هو وأسرته، لذا هرب من الموت البطيء إلى القاهرة، ليعمل حارس عقار. لم يخطر على باله أن ظروف الحياة قد تخذله، وأن قرار الزواج المبكر الذي نبع من قرارة نفسه، قد يكون خطأً، لكن حلمه اليوم ألا تتكرر هذه التجربة مع أولاده: "بعد ما خلّفت بنتي جنات، وعمرها سنة ونص، قررت أنها تكون آخر طفلة، عشان أقدر أوفر لأولادي لقمة وهدمة وتعليم".
الخوف من الانحراف
ربما يكون حسن، قد دخل المعركة التي لا يمكنه الهرب منها الآن، لكن إسلام محمد عبد الحميد، الذي لم يبلغ 18 عاماً، ما يدفعه إلى الزواج هو أن والده تاجر ثري، ومعه من المال ما يكفي لتزويجه، من دون الحاجة إلى أن يعمل.
ولأنه آخر ولدٍ في أسرته، فإن والده يريد أن "يفرح" به، ويزوّجه باكراً، خشيةً عليه من الانحراف، لذا خطب له فتاةً من عمره، وسيكون حفل الزفاف في عيد الفطر المقبل، وبالطبع من دون أوراق رسمية.
لم يخطر على باله أن ظروف الحياة قد تخذله، وأن قرار الزواج المبكر الذي نبع من قرارة نفسه، قد يكون خطأً، لكن حلمه اليوم ألا تتكرر هذه التجربة مع أولاده. "بعد ما خلّفت بنتي جنات، وعمرها سنة ونص، قررت أنها تكون آخر طفلة، عشان أقدر أوفر لأولادي لقمة وهدمة وتعليم"
يتفق سبب زواج هذا الصبي، مع صديقه من العمر نفسه، محمد أحمد عبد القادر، وهما يقيمان في إحدى قرى محافظة المنيا في صعيد مصر، ويرغب والده في تزويجه خشيةً عليه من الانخراط في قصة حب، أو علاقة جنسية، وإن حدث ذلك في الصعيد، فقد يكون عقابه القتل على أيدي أهل الفتاة.
أما محسن محمد (37 عاماً)، فقد تزوج قبل نحو عشرين عاماً، من فتاةٍ في عمره، بعقدٍ غير موثّق، وبتحريضٍ من والده الذي يعمل تاجر أقمشة، كي ينجب ذكوراً "عشان السند والعزوة"، حسب تعبير الأب.
لم تكن مسؤولية الزواج كبيرةً بالنسبة إلى محسن (وهو اسم مستعار)، إذ تحمّل والده كافة النفقات، قبل الزواج وبعده، ولم تهتم العائلة بتوثيق الواقعة بعقدٍ رسمي، إذ يرى محسن أن "العقود لا أهمية لها إلا في ضمان حق الزوجة أمام الدولة والقانون".
الطلاق السريع ومصير الأبناء
أحبّ ناصر كمال (34 عاماً)، زميلته في المدرسة، ورغب في الزواج منها على الرغم من سنّهما الصغيرتين، ولم تعترض الأسرتان المقيمتان في محافظة قنا. تم الزواج من دون توثيق العقد، واستمر أربع سنوات، ونتج عنه ابنة وحيدة، انفصل الزوجان بعدها.
أحس ناصر، الذي خدعته قصة حب غير مسؤولة في فترة المراهقة، بأن طفلته هي الحقيقية الوحيدة في حياته. كرّس حياته من أجلها، حتى كبرت ودخلت مرحلة البلوغ، وفكّر في الزواج مرةً أخرى لتكون معها امرأة تفهم احتياجاتها، وتراعيها أكثر، لكنه انشغل عن فكرة الارتباط، في تجهيز ابنته حتى تزوجت. "فجأة بنتي كبرت، ولقيت نفسي مشغول بتجهيزها، واتجوزت وخلّفت، وأنا نسيت نفسي".
لأن حسن آخر ولدٍ في أسرته، فإن والده يريد أن "يفرح" به، ويزوّجه باكراً، خشيةً عليه من الانحراف، لذا خطب له فتاةً من عمره، وسيكون حفل الزفاف في عيد الفطر المقبل، وبالطبع من دون أوراق رسمية
أصرّ والد رشاد سيد، حين كان عمره 17 عاماً، على تزويجه بابنة عمه البالغة من العمر 14 عاماً، وزواج الأقارب في مركز نقادة في محافظة قنا، أمر شائع. ارتبط الشاب بالفتاة دون رغبته، واستمرّ زواجهما عامين، ونتج عنه طفل عمره اليوم عشر سنوات، ثم انفصلا نتيجة عدم التفاهم.
على الرغم من أن الأب تكفّل بمصاريف الزواج، وحتى ما بعد الزواج، إلا أن ذلك لم يكن كافياً كي تنجح العلاقة. انتقلت الزوجة إلى بيت أبيها، حتى جاء وقت توثيق عقد الزواج القانوني، وبعدها مباشرةً تم الطلاق بشكلٍ رسمي.
"خدت ابني، وادّيته لأختي تربيه"، يقول رشاد، مبيّناً أن مصير الطفل تحوّل إلى أن يعيش من دون أب وأم، وهما على قيد الحياة، لينتقل إلى بيت عمته من دون اختيار منه، أو إقرار بالموافقة.
إهدار للحقوق
يوضح أحمد توني الكيال، إمام المحاكم الشرعية في مصر، في حديث إلى رصيف22، أن زواج القصّر يتم بواسطة أحد المأذونِين، عن طريق إصدار قسيمة زواج غير موثّقة، إلى حين بلوغ السنّ القانونية للزوجين، ويأخذ المأذون ضماناتٍ على أولياء الزوجين، والزوجين نفسيهما، بتوقيعهم على إيصالات أمانة على بياض، حتى يضمن عدم قيام أحد الأطراف بالإبلاغ عنه، وبعد بلوغهم السنّ القانونية، يصدّق عقد زواج آخر ويوثّق قانوناً، ويسلّمهم إيصالات الأمانة.
تحدّث الكيال، عن قصة سيدة قاصرة (16 عاماً)، لجأت إليه لإثبات حدوث علاقة زوجية بينها وبين زوجها القاصر (17 عاماً)، بعد أن أراد تطليقها من دون أن يكون لها أيّ حقوق، على الرغم من إنجابهما طفلاً: "رفض الزوج الاعتراف بها، أو إعطاءها أيّ حقوق، حتى أن المأذون رفض إعطاء الزوجة نسخةً من العقد، خشية أن ترفع دعوى قضائية ضد زوجها، فيتمّ حبس المأذون لتزوجيه طفلين، وانتهت المشكلة بتسوية النزاع بشكل ودّي". ويضيف المتحدث أن عدم الإبلاغ عن حالات زواج القصّر، يهدر حق الزوجة أكثر من حق الزوج، وفي حالة وجود نزاعٍ أسري، تكون أولى خطوات الزوجة في المحكمة إثبات العلاقة الزوجية، حتى تترتب لها حقوق قانونية.
تبلغ السن القانونية للزواج في مصر 18 عاماً، وينص القانون على عدم توثيق عقد زواج لمن لا يبلغ من الجنسين 18 سنة كاملة.
ويؤكد الكيال أن القانون المصري ينصّ على عدم توثيق عقد زواجٍ لمن لا يبلغ من الجنسين 18 سنةً كاملةً، وتالياً فإن القانون يجرّم الزواج دون السنّ القانونية، ووضع العقوبة اللازمة في قانون العقوبات وقانون الطفل رقم 126 لسنة 2008.
وتشير المادة 227 من قانون العقوبات، إلى أنه "يعاقَب بالحبس مدةً لا تتجاوز سنتين، أو بغرامة لا تزيد على ثلاثمئة جنيه، كل من أبدى أمام السلطة المختصة، بقصد إثبات بلوغ أحد الزوجين السنّ المحددة قانوناً لضبط عقد الزواج، أقوالاً يعلم أنها غير صحيحة، أو حرّر أو قدّم لها أوراقاً كذلك، متى ضبط عقد الزواج على أساس هذه الأقوال أو الأوراق. ويعاقَب بالحبس أو بغرامة لا تزيد على خمسمئة جنيه، كل شخص خوّله القانون سلطة ضبط عقد الزواج، وهو يعلم أن أحد طرفيه لم يبلغ السنّ المحددة في القانون". وتبلغ هذه السنّ، وفق القانون في مصر، 18 عاماً.
مرحلة البلوغ الجنسي
"قد تكون مرحلة البلوغ الجنسي من أصعب المراحل التي يمرّ بها الذكور، خاصةً أن المشاعر الجنسية قد تدفع الشاب إلى الرغبة في تجربة علاقة جنسية، وربما هذا ما يجعل بعض الآباء يسرعون إلى تزويج أبنائهم في سنّ صغيرة، حتى يضمنوا ألا يقيم أحدهم علاقةً غير شرعية، حتى لو كان القانون يجرّم هذا الزواج".
بهذه الكلمات بدأ الدكتور أحمد علام، استشاري العلاقات الأسرية والصحة النفسية، حديثه إلى رصيف22، مضيفاً أن الأب عليه أن يكون مترقّباً لمرحلة البلوغ الجنسي عند ابنه، ومتى حدثت يحاول أن يُفهمه كيفية التعامل الأمثل معها، ويشرح له التغيّرات الفيزيولوجية التي تظهر عليه.
كما يشير علام، إلى ضرورة أن يهيئ الأب ابنه في هذه المرحلة لتحمّل المسؤولية، لافتاً إلى ضرورة وجود تواصل بين الأب والابن حتى يحميه من الوقوع في الأخطاء، التي تتمثل في اللجوء إلى سماع نصائح الرفاق التي قد تكون خطأً، أو اللجوء إلى الإنترنت، والاستماع إلى أشخاص يتحدّثون عن مرحلة البلوغ الجنسي من دون علمٍ كافٍ بها، إلى جانب اللجوء إلى تجربة علاقات جنسية مع مراهقات من العمر نفسه.
ويؤكد استشاري العلاقات الأسرية، أن الأم أيضاً يمكنها القيام بهذا الدور على أكمل وجه، وهي تستطيع أن تراقب سلوكيات ابنها، وترشده إلى الأفضل، حتى يعبر مرحلة البلوغ الجنسي، من دون التعرّض لأي مشكلات.
مرحلة البلوغ الجنسي من أصعب المراحل التي يمرّ بها الذكور، خاصةً أن المشاعر الجنسية قد تدفع الشاب إلى الرغبة في تجربة علاقة جنسية، وربما هذا ما يجعل بعض الآباء يسرعون إلى تزويج أبنائهم في سنّ صغيرة، حتى يضمنوا ألا يقيم أحدهم علاقةً غير شرعية
تأثيرات سلبية على المجتمع
تعدد فدوى خلا، استشارية العلاقات الأسرية والصحة النفسية، أسباب زواج الذكور قصّراً، مشيرةً إلى مستوى التعليم المتدنّي داخل القرى، بالإضافة إلى العادات والتقاليد الرجعية والضغوط الاجتماعية، وتقول خلال حديثها إلى رصيف22، إن العائلات التي تمتلك مساحات واسعة من الأراضي في المجتمعات القروية والريفية، ترغب في أن تكون أسرها ممتدةً، حتى تنتقل هذه الأراضي إلى أبنائها وأحفادها.
وحسب المتحدثة، فإن الزوجين يكتشفان أنهما غير قادرين على تحمل المسؤولية، وأن كلّ شخص منهما لا يتقبّل الآخر، وقد تزوجا من دون رغبة، أو استعداد مسبق، مما ينتج عنه فشل العلاقة، وربما الطلاق.
"مما لا شك فيه أن إكراهات الوضع الاجتماعي الجديد المفروض على طرفين غير مرحبين به، يولّد العنف بينهما، إلى جانب انتشار الفقر والتسرّب من التعليم، إذ إن الذكر ما إن يتزوّج حتى يصبح مسؤولاً عن رعاية أسرة جديدة، وهذا ما يجعله يتجه إلى سوق العمل، ويهرب من التعليم، وضعف مستواه التعليمي يجعله عبئاً على عجلة التنمية والاقتصاد"، تضيف الاستشارية.
لا يمكن التقليل من حجم العواقب التي قد تنتج عن زواج الذكور قصّراً، ولهذا فإن النصوص القانونية التي يضعها الدستور المصري قد تحتاج إلى تطبيق المقترح المقدّم إلى البرلمان المصري بتغيير سنّ زواج الذكور والإناث إلى 21 عاماً، بدلاً من 18 عاماً، وربما يكون إلغاء دور المأذون في كتابة عقود الزواج، والتوثيق المباشر للعقود في المحاكم، وسيلةً جيدةً للحد من انتشار هذا الزواج.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...