شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"مدرسة الروابي" ليس مستوحى من الغرب، إنما من مجتمعاتنا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 22 سبتمبر 202110:09 ص

من عاش في دمشق، ودرس في مدارسها الخاصة، يعرف تماماً أن مسلسل الروابي، الذي يُبث عبر نتفلكس، ليس مستوحى من اللا شيء، أو هو استنساخ من مسلسلات غربية، فحسب.

درسنا في مدارس دمشق، الحكومية والخاصة، في تسعينيات القرن الماضي، وبداية الألفية الثانية.

ووقتها، كان القليل من سمعة المدارس الخاصة، "بريستيج"، والكثير منها هي أنها للفاشلين، الذين أفسدتهم أموال أهاليهم، فلم ينجحوا في المدارس الحكومية، واضطروا إلى الدراسة في المدارس الخاصة، لأنه "مين ما كان بينجح بالمدارس الخاصة"، كما كان يقال دائماً.

درست أختي في مدرسة خاصة. أما أنا، فبقيت في مدرستي، في ضواحي دمشق التي اعتدت عليها، وأحببتها.

بدلات المدارس الخاصة، التي غالبيتها كانت خاصة جداً، مثل الفساتين الكحلية للفتيات، أو التنانير ذات الكسرات، الجميلة مع قمصان بيضاء مكوية تلمع، أعطت المدارس الخاصة صفة "الفلتنة". في الوقت الذي كان فيه طلاب المدارس الحكومية يذهبون، ويعودون، مشياً من مدارسهم، بمراييلهم الكاكية البشعة، أو بدلاتهم العسكرية "زي الفتوة"، للإناث والذكور على السواء، في الإعدادية والثانوية.

درست أختي في مدرسة خاصة. أما أنا، فبقيت في مدرستي، في ضواحي دمشق التي اعتدت عليها، وأحببتها.

كنا نستيقظ، أنا وأختي، صباحاً، فترتدي هي فستانها الأزرق الأنيق، بينما أرتدي أنا مريولي الكاكي البشع، والفولار، وأذهب مشياً، لألتقي بأصدقائي، ثم نكمل الطريق إلى المدرسة، تحت الشمس، أو المطر، بينما أختي كانت تنزل من البيت لتجد "الأوتوكار" ينتظرها.

كانت رحلات مدرسة أختي تشبه أفلام المراهقين الأمريكية، التي اعتدنا مشاهدتها على mbc max آنذاك، والتي تشمل أماكن جميلة، وتخييماً، وكورالاً، وأنشطة، وطعاماً لذيذاً.

بينما كانت رحلات مدرستي فوضى عارمة، ومتعبة، ومملة، وعشوائية، إلى درجة أنه كان الباص دائماً الجزء الأحب من الرحلة إلينا.

كانت أمي تستقبل أسبوعياً اتصالات من مدرسة أختي؛ "ميس عبير"، و"ميس حنان"، وغيرهما، لمتابعة وضع الطلاب.. بينما لم تعرف أمي يوماً أسماء معلماتي، لأنهن لم يتصلن يوماً

كانت أمي تستقبل أسبوعياً اتصالات من مدرسة أختي؛ "ميس عبير"، و"ميس حنان"، وغيرهما، لمتابعة وضع الطلاب، وكانت اجتماعات أولياء الأمور فيها دوريةً.

بينما لم تعرف أمي يوماً أسماء معلماتي، لأنهن لم يتصلن يوماً، وكان اجتماع أولياء الأمور يتم خلال السنة، وهو للطلاب الكسولين، فحسب.

لستُ هنا في صدد مقارنة أي المدارس هي الأحسن والأفضل، فأنا أحب مدارسي التي درست فيها، وأحب بعض المعلمين، كما أمقت آخرين. لكن ما أنا في صدد قوله، هو أنه فعلاً لتلك المدارس بيئتها الخاصة، ومجتمعاتها، وعلى ما يبدو هي موجودة في الدول العربية كلها.

وعلى الرغم من ذلك، من قال إنه، في مدرستي الحكومية، لم يكن يوجد "ليان"، و"مريم"، و"رانيا"، و"رقيّة"، و"دينا"، و"نوف"؟

لنبدأ من نوف (راكين سعد)، التي اجتمع أغلب المنتقدين سلباً، على أن شكل الشخصية مستنسخ من مسلسلات غربية، وليست عربية.

صراحةً، لا أفهم كيف يقول الناس إن هذه المدرسة لا تمت لنا بصلة!؟

بالفعل في مراهقتنا، أذكر تماماً كيف تم استنتساخ هذا "الستايل". الكثيرات من فتيات صفّي، كان لهن النمط نفسه؛ الكحل القوي، والشعر الأسود، غالباً مع غرّة كثيفة، والكثير من الإكسسوارات المعدنية، والمطاطية، والتشوكر، متأثرين بما يُسمّى "الإيمو"، أو كان بعضهن ببساطة متأثرات بمطربة كانت شهيرة بين الأوساط الشبابية حينها، وهي أفريل لافين.

ذات مرة، اشتريت مع صديقاتي أساور مطاطية سوداء، كانت رائجة جداً، فسمعت همسات تقول إننا إيمو!

أما ليان (نور طاهر)، البنت الثرية المدللة الشعبية المتنمرة، بالطبع كانت مدارسنا ممتلئة بمثيلاتها، هي وشلّتها.

ورقيّة (سلسبيلا) بدور الفتاة المحجبة المتدينة، التي وقعت ضحية تناقض عائلتها، ومجتمعها، ورغباتها، والمتنمرة الكبيرة على صديقاتها، وهي التي تتعرض للتنمر، من أمها، وأختها.

صراحةً، لا أفهم كيف يقول الناس إن هذه المدرسة لا تمت لنا بصلة!؟

أعتقد أنه يجب الافتخار بمدرسة الروابي، كتجربة عربية قبل أن تكون أردنية، خصوصاً أنها تناولت مشكلات تعاني منها مجتمعاتنا العربية كلها، وخصوصاً النساء والمراهقات

الجدير بالذكر، هو هذه التجربة الأولى والفريدة في صناعة المسلسلات العربية، التي لم يبقَ لها شكل مؤخراً، أي المسلسلات العربية، والتي باتت تُصوَّر في تركيا مثلاً، بقصة معرّبة فحسب.

والجدير بالذكر أيضاً، هو نجاح هذا المسلسل المصنوع أردنياً، مئة بالمئة، بمخرجة وكاتبة أردنية، تيما الشوملي، التي قامت بتجارب الأداء "الكاستينغ"، مدة سنتين، لاختيار بطلاتها بعناية، وحصلت عليهن كما أرادت، علماً أن بعضهن يعشن، ويدرسن، خارج الأردن.

والممثلات البطلات مبتدئات، ما عدا راكين سعد، وأعمارهن لا تتجاوز العشرين، وبعضهن وقفن للمرة الأولى أمام الكاميرا، كما أنها حرصت على أن تدخل العمل بطاقم نسائي بنسبة 70 بالمئة، وفقاً لتصريحاتها على صفحتها في إنستغرام.

 حرصت المخرجة على أن تدخل العمل بطاقم نسائي بنسبة 70 بالمئة.

وهنا، أعتقد أنه يجب على مخرجينا، ومنتجينا، الاستفادة من درس واحد على الأقل، وهو النزاهة في الكاستينغ، لأنه عندما تكون نزيهاً في اختيارك لممثليك، ستحصل على ممثلين بأدوار صحيحة، وأداء جيد غير مبتذل، وليس بناء على علاقات فولورز وعددهم، وتزكيات من هذا وذاك.

ما يذهلني فعلاً، هو الأوساط الثقافية لدينا، إذ غالباً ما يصادفك منشور من مخرج، أو منتج ما، ينتقد كمية البوتوكس، والفيلر، لدى الممثلات الآن، ويمتدح ممثلات هوليوود بأشكالهن الفريدة والطبيعية. لكن بمجرد أن تشاهد حلقة واحدة من مسلسلاته، تتفاجأ بكمية ممثلات البوتوكس، والفيلر في كادره!

على الأقل في مدرسة الروابي، استمتعت برؤية وجوه ممثلات بتعابير حقيقية، فلم يكن عليّ أن "أحزر" ماذا تقصد الممثلة، أو ماذا يقصد المخرج؟

المسلسل الأردني أعطى تجربةً فريدة أيضاً في ما يتعلق بموسيقاه، فالموسيقى التصويرية كانت عبارة عن أغانٍ من الموسيقى البديلة العربية، فكان ذلك دعماً واضحاً للمواهب الموسيقية المستقلة، والتي لا تلقى التسويق المناسب في أغلبها، فأصبح الناس لديهم "بلاي ليست" على هواتفهم النقالة بعنوان "مدرسة الروابي".

وفي النهاية، أعتقد أنه يجب الافتخار بمدرسة الروابي، كتجربة عربية قبل أن تكون أردنية، خصوصاً أنها تناولت مشكلات تعاني منها مجتمعاتنا العربية كلها، وخصوصاً النساء والمراهقات.


إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard