شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"ينظرون إليّ وكأني عاهرة"... قصص أردنيات عزباوات يسكن في بيوت لوحدهن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 1 يونيو 202005:36 م

تشاور نور (اسم مستعار)، 32 عاماً، عقلها: هل استجابتها لنصيحة صديقتها ستخفف من الثقل الذي تشعر به، أم أن استجابتها لتلك النصيحة هي اعتراف منها، ولو ضمنياً، بأن النظرة المجتمعية هي الصح وما تقوم به هو الخطأ؟

بكل جدية تفكر الصبية الأردنية نور بأن تجعل من الكذب طوق نجاة يحميها من تلك النظرات التي تحسبها أنها "فريسة سهلة"، فقط لأن ظروفها جعلتها فتاة أردنية عزباء تعيش وحدها في منزل صغير، طمحت أن تكون جدرانه آمنة، وليست عرضة لعيون المتصيدين.

نور، وفي حديث لرصيف22، عن تحديات تواجه نساء أردنيات يسكن وحدهن، تقول إن صديقتها، وحرصاً منها على وضع حد لـ"وقاحة" بعض الأشخاص الذين تعرفهم، نصحتها بأن تقول لمحيطها، سواء في العمل أو في علاقاتها الاجتماعية، بأنها هناك شريكة معها في سكنها، فالكذب، بحسب رأي صديقتها، وفي مثل هذه الحالة هو "أشرف من الصدق"، ذلك الصدق الذي لم يجلب لها سوى "وجع الرأس".

"كأن وجودي في منزل لوحدي هو بمثابة ملاذ ومتنفس لهم"

لم تختر نور قدرها كما تقول، فلو بيدها اختيار مصيرها لما اختارت بأن يعيش أهلها في بلد وهي في بلد آخر، وتقول: "بدأت ألمس أن تمسكي بالبقاء في الأردن بسبب تعلقي ببلدي وبعملي أيضاً كان قراراً غير صائب، فما أن وضب أهلي حقائبهم وغادروا إلى بلاد الهجرة، حتى أصبحت مثل الصيد السهل لزملاء العمل وأشباه الأصدقاء، اعتقاداً منهم أن وجودي في منزل لوحدي هو بمثابة ملاذ ومتنفس لهم لتنفيس رغباتهم، باختلاف رغباتهم طبعاً".

"بدأت ألمس أن تمسكي بالبقاء في الأردن بسبب تعلقي ببلدي وبعملي أيضاً كان قراراً غير صائب، فما أن وضب أهلي حقائبهم وغادروا إلى بلاد الهجرة، حتى أصبحت مثل الصيد السهل لزملاء العمل وأشباه الأصدقاء"... أردنيات يتحدثن عن تجاربهن في العيش لوحدهن كعزباوات

عام ونصف مضى على حياة نور كفتاة عزباء، واجهت وما تزال خلالهم نظرة مجتمعية مسيئة، ومن المواقف التي تعرضت لها خلال هذه الفترة، بحسب سردها: "عادي جداً أن يرسل لي زميلي في العمل، وهو متزوج وأولاده يكادون يصبحون أطول مني، رسالة يطلب مني إرسال موقع منزلي، حتى يأتي ويسهر عندي بصحبة مشروباته ومازاته، وعادي جداً أيضاً أن يرسل لي صديق افتراضي على فيسبوك، لم يسبق أن قابلته بشكل شخصي، رسائل تصل حد الترجي بأن أسمح له بأن يأتي لمنزلي ويشرب فنجان قهوة من يدي، وعادي أيضاً أن أكتشف أن معلومة عيشي لوحدي، هو خبر يتم يتداوله على مجموعات واتساب بين أشخاص كنت أعتقد أنهم أصدقاء".

"تعبت من استخدام العين الحمراء لكل من يتواقح معي في هذا الموضوع"، تقول نور، مشيرة إلى أنها بدأت تفكر جدياً بأن تستمع لنصيحة صديقتها وتعلن أنه أصبحت تشاركها فتاة أخرى في السكن، وهنا تعود وتتردد في الاستجابة لتلك النصيحة وتقول: "استخدام هذه الكذبة هو تشجيع على استمرار النظرة الذكورية تجاه كل فتاة تعيش وحدها، لماذا لا أبقى مصرة على موقفي ولا أخجل بأن أقول وبصوت عال: إنني فتاة عزباء تعيش وحدها؟ أليس هذا انهزام أمام هذه النظرة الظالمة؟"، تسأل وتختم نور حديثها.

"ما العيب في ذلك؟"

ربما يخطر ببال من يقرأ التقرير السؤال، الذي للأسف هو اعتيادي، ما الذي يجعل فتاة تعلن أنها تسكن وحدها؟ تجيب مروة (اسم مستعار)، 34 عاماً، على هذا السؤال من واقع تجربتها الخاصة، فمروة ثلاثينية أيضاً تعيش وحدها في العاصمة عمان منذ العام 2014، في الوقت الذي تعيش فيه عائلتها في محافظة أخرى، استمرت بإخفاء معلومة حياتها كعزباء وحيدة تعيش في منزلها، إلى قبل عامين من الآن، عندما "قررت أن أنتفض في وجه ما يحسبون أنه عيب، وأقولها بالفم الممتلئ ودون خجل: إنني أعيش بسكن لوحدي، ما العيب في ذلك من شان الله قولوا لي؟"، تصرخ مروة.

التحدي الأكبر بالنسبة لها أنها اختارت العيش وحدها في نفس البلد الذي يعيش فيه أهلها، وتتابع وهي تقلّد النبرة الذكورية في الحديث: "ينظرون إليّ وكأني عاهرة"، مشيرة إلى أن هذه العبارات تخرج من نظراتهم عند سماعهم أنها انسلخت عن الحياة مع أسرتها، واختارت تعيش وحدها: "أووف شو هالبنت الـشـ... شو اسمها هاي الي بتعمل هيك بكل جرأة؟".

تقول مروة عن ذلك التوصيف بأنه أشبه بالمعادلة: "بنت تعيش وحدها وأهلها موجودون، أي بنت عاهرة"، ولم تسلم، لا من زميل ولا من معرفة سطحية على مواقع التواصل الاجتماعي، من "حركشات" هنا وهناك، سعياً لجعل منزلها "مرتعاً للسهرات"، حتى أن من بينهم مسؤول "وزير سابق"، طلب منها أن ترسل موقع منزلها "بسرعة لأنه ليس لديه وقت".

هنا تضحك مروة وتقول: "وصلني كم هائل من الرسائل التي تطلب مني إرسال موقع منزلي بكل ثقة، حتى أن معاليه وعندما رفضت طلبه تقريباً 'حرد' مني"، وبعد ضحكتها هذه، تسأل نفسها بصوت عال: "ما الذي خرج مني من فعل أو قول يجعل تلك الأشكال تتواقح وتطلب عنوان منزلي؟" وتختم: "إحنا والله بنات عالم وناس يا عالم!".

ذات السؤال الذي كان تسأله سماح لنفسها قبل أن تستسلم، كما تقول لرصيف22، إنه باختصار هناك نظرة مجتمعية ذكورية وعامة تنتهك كرامة كل امرأة وكل فتاة تعيش وحدها، وكأنه فعل "يمس بالعار وشرف الأمة!".

ومن المواقف التي تعرضت لها عندما تصدت لجرأة أحد زملائها الذي طلب منها، وأثناء وجودهم في مناسبة عمل، أن ترسل له عنوان منزلها، قالت سماح (اسم مستعار): "عندما انتقدته على هذا الفعل وضع اللوم على لباسي في ذلك اليوم، وقال لي: إذا سايقة فيها الشرف ما تلبسي هيك، لبسك اللي شجعني أطلب أزورك بالبيت"

"إذا سايقة فيها الشرف ما تلبسي هيك"

سماح (اسم مستعار)، 42 عاماً، أم عزباء لأربع فتيات، تقول وهي تتحدث عن المواقف الشبيهة التي تعرضت لها كل من نور ومروة: "المشكلة أنه عندما يتجرأ شخص بطلب عنوان منزلي يشعرني أنه يتفضل علي، ولا يتلفت إلى أن ما يقوم به تحرشاً مباشراً أستطيع أن أحاسبه قانونياً عليه"، وتضيف أن الأمر لا يتوقف فقط على أن هناك شيء من شعور أنه يمنن علي بـ'خدمة' بل يصحبه ذلك اللعب على وتر 'الوحدة' وأنني، وبسبب ظروفي كعزباء تعيش وحدها مع بناتها المشغولين بدراستهم، أستحق من يسد هذه الوحدة!".

ومن المواقف التي تعرضت لها عندما تصدت لجرأة أحد زملائها الذي طلب منها، وأثناء وجودهم في مناسبة عمل، أن ترسل له عنوان منزلها، قالت سماح: "عندما انتقدته على هذا الفعل وضع اللوم على لباسي في ذلك اليوم، وقال لي: إذا سايقة فيها الشرف ما تلبسي هيك، لبسك اللي شجعني أطلب أزورك بالبيت".

"كلها تبدأ بطلب موقع المنزل وشرب القهوة من يدي"، تضحك سماح وفي نبرتها شيء من الغضب، وتصر على الإشارة إلى أن أكثر الفئات من الرجال الذين "يستغلون" وضعها كمطلقة تعيش بعيداً عن أهلها، هم الرجال المتزوجون، وعلاوة على تشابه طلبهم لموقع منزلها وشرب القهوة، فهم يتشابهون أيضاً بحججهم، بأنهم أزواج بائسون من عدم اهتمام زوجاتهم بهم: "حتى زوجاتهم لم يسلموا من المس بكرامتهن"، تختم سماح.

أختم التقرير بتجربة شخصية، عندما نشرت تغريدة قبل أيام انتقدت فيها النظرة الذكورية الممارسة على فتاة تذهب إلى محطة الوقود لغسل سيارتها، أجابني أحدهم، اعتقد أنه ينتقد هذا الفعل، بقوله: "أنت رايحة تغسلي سيارتك ولا رايحة تعيشي لحالك؟!".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image