الساعة الآن هي الحادية عشر صباحاً، طلبت مروة فنجاة قهوة "وسط" من كافتيريا الشركة التي تعمل بها. على الرغم من أن مروة، حسبما أخبرتني، لم تكن تشرب القهوة من قبل.
تترك مروة فنجان قهوتها كي يبرد ويختفي طعمها الذي لا تحبه، إلى أن تشربه برشفة واحدة وتقلبه.
بات فنجان القهوة الصباحي بمثابة طقس يومي، باستثناء يومي الجمعة والسبت أيام عطلتها، تحرص عليه مروة كما النساء اللاتي يحرصن على ما يحببن... كيف لا، وهو الطقس الذي يزهر لها أملها اليومي، وفق ما روته لرصيف22، عن تجربتها في اللجوء إلى التبصير الإلكتروني.
مروة، وفتيات أردنيات أخريات، انتقلن من زيارة البصارات أو الفتّاحات أو العرّافات، إلى ما يُسمى بالتبصير الإلكتروني. وهو عبارة عن تطبيقات إلكترونية Apps يستطيع أي شخص تحميلها على هاتفه النقّال، وتتيح له الفرصة بأن يتم قراءة فنجانه، بعد تصويره طبعاً، ورفع الصورة إلى التطبيق، وذلك فقط لمرة واحدة في اليوم، والأهم من ذلك كله أنه "ببلاش".
"سمعت عن هذه التطبيقات عن طريق صديقة دأبت على زيارة الفتّاحات، وعندما أخبرتني بأن التجربة تستحق الخوض فيها خصوصاً أنها نجحت معها، تشجعت"، تقول مروة، مبينة أن تحديين كانا بانتظارها، وهما شرب القهوة التي تكرهها، والآخر كيف ستخفي فنجانها أمام زملائها في العمل، بحيث لا يشكون أنها تقوم بحركات غريبة وهي تصور الفنجان، فهي مضطرة أن تشرب القهوة في العمل، لأنها إذا هي من قامت بها في المنزل فبالتأكيد سيكون طعمها "بقرف"، تضحك مروة وتبدي شيئاً من الخجل، وهي تتحدث عن تجربتها مع التبصير الإلكتروني.
"خيار الحب هو المفضّل"
الفكرة بالنسبة لمروة ليست ما إذا كان التبصير الإلكتروني وما يأتي منه، بعد إرسال صور الفنجان وانتظار الرد من البصارة أو البصار المجهولين، صحيحاً أم لا، الفكرة في شعور الشغف الذي يداهمها وهي تنتظر الرد والتخمين ما إذا هذه المرة "رح تصيب أو تخيب"، تحديداً في الشق العاطفي المتعلق بالحب، حسب تعبيرها.
فمروة، ورغم أن تطبيق التبصير يمنح خيارات قراءة الطالع في الجانب العملي والصحي والسفر، وحتى المواضيع العامة، إلا أن خيار الحب هو المفضل لديها، وتضيف: "من خلال استخدامي للتبصير الإلكتروني منذ أكثر من أسبوعين، فإن الأمل عاد وانغرس من جديد للقاء حبيبي الذي افترقنا عن بعضنا البعض قبل فترة".
وعن فكرة اللجوء إلى التبصير بشكل عام، بغض النظر ما إذا كان إلكترونياً أم لا، تبرر مروة بقولها: "الضغوطات الحياتية، سواء بالنسبة لي أو للمجتمع الأردني في تزايد، بحيث مع انتهاء كل يوم، يغرق المرء في التفكير بأحداثه اليوم كله، منتبهاً أنه كان مليئاً بالضغوطات المادية والمشاكل وفقيراً بما يسر الخاطر".
وتتابع: "فلا ضير أن نسر خاطرنا بأنفسنا حتى ولو على سبيل الأشياء البسيطة أو غير الواقعية، مثل أن نقلب فنجاننا الصباحي ونقرأ ماذا يخبئ لنا المستقبل".
"أستحق عن أكون سعيدة"
تمارا أيضاً تستخدم تطبيق التبصير الإلكتروني، وهي امرأة في الأربعين من عمرها، عن هذا تقول: "شارفت على اليأس من كل شيء، وبسبب كل شيء"، إلا أن ذلك لم يمنعها أن تمزج بين يأسها والبحث عن الأمل بين خطوط فنجان قهوتها.
وتضيف وهي تضحك: "التبصير الإلكتروني أقنعني أنني أستحق أن أكون سعيدة... حتى لو كان سوالف كلها تشذب بتشذب (كذب بكذب)".
تمارا التي باءت كل محاولات صديقاتها بالفشل في السابق في ضمها للزيارات السرية إلى العرّافات، أغرتها فكرة التبصير الإلكتروني، خصوصاً العامل الاقتصادي فيه، فهي تسمع من صديقاتها أنهن يدفعن مبالغ هائلة عندما يذهبن إلى فتّاحات، وهي مبالغ لا تقل عن العشرين ديناراً وقد تصل إلى أكثر من خمسين دينار.
وتعترف تمارا في حديث لها مع رصيف22، أن التبصير الإلكتروني ما هو إلا ضرب من الخرافات، فهي كصبية متعلمة وحاصلة على درجة الماجستير في العلوم السياسية، تدرك أن علم الغيب لا ترويه إشارات "تفل" القهوة، وتضيف: "لكنه ليس من الخطأ أن يكون التعامل مع التبصير الإلكتروني كأي تطبيق ترفيهي من تطبيقات الموبايلات، مثل لعبة كاندي كراش على سبيل المثال لا الحصر".
"لماذا ينتقدوننا نحن؟"
12 يوماً بقي على موعد "الإشارة" التي نبهت لها قراءة "طالع" خلود، التي تؤكد لرصيف22 دون أي خجل أنها باتت شبه مدمنة على التبصير الإلكتروني، كما أنها لا تخجل من أن يعرف ذلك أحد، وتضيف: "دخيلك شو بدهم يعملولي، عالأقل التبصير بفرحني مش زي كلام الناس الي بس بجرحني".
رغم اعترافها أنها باتت "مدمنة"، إلا أنها في الوقت ذاته لا تلجأ إلى التبصير الإلكتروني بشكل يومي، إنما مرة كل عشرة أيام حتى "لا يفقد الطالع قيمته ومنطقه" كما تقول، وآخر مرة قامت بالتبصير منذ يومين وهي بانتظار إشارة ستحقق "نقلة نوعية في حياتها بعد 12 يوماً"، هكذا قالت قراءة طالع فنجانها السادة، وها هي تنتظر.
وتضيف: "هناك طرق كثيرة يلجأ إليها الأردنيون لتعزيز طاقة التفاؤل لديهم، مثل الانخراط في دورات علم الطاقة واللايف كوتشينغ وغيرها، لماذا لا يتم انتقاد من يرتاد تلك الدورات وينتقدوننا لأننا نلجأ إلى التبصير؟".
وتتابع: "لا شيء مما ذكرت يزرع التفاؤل في النفس البشرية إذا لم يقم الشخص نفسه بتحفيز نفسه بأن يصبح متفائلاً، وأنا شخصياً لا أثق بتلك الدورات ولا حتى التبصير، لكن من حقي أن أزرع في نفسي أمل".
انتقلت أردنيات من زيارة الفتّاحات/ العرّافات، إلى ما يُسمى بالتبصير الإلكتروني. وهو عبارة عن تطبيقات إلكترونية Apps يستطيع أي شخص تحميلها على هاتفه النقّال، وتتيح له الفرصة بأن يتم قراءة فنجانه، مرة واحدة في اليوم و"ببلاش"
"هناك طرق كثيرة يلجأ إليها الأردنيون لتعزيز التفاؤل لديهم، مثل الانخراط في دورات علم الطاقة واللايف كوتشينغ وغيرها، لماذا لا يتم انتقاد من يرتاد تلك الدورات وينتقدوننا لأننا نلجأ إلى التبصير؟"... أردنيات يتحدثن عن التبصير الإلكتروني
"ارتفاع منسوب الأمل"
بالنسبة لعبير، فهذه هي المرة الأولى في تجربة التبصير الإلكتروني الذي وجدت أنها فكرة لطيفة وما يميزها الخصوصية، سيما وأنها غالباً وعندما تذهب إلى عرّافات تكون برفقة صديقاتها، أو تكون هناك زبونات لا تعرفهن في ذات غرفة التبصير.
كما أن أهمية التبصير الإلكتروني، بحسب تجربة عبير، أنك تتحكمين به وليس العكس، وتضيف: "وهو متاح طوال الوقت على عكس مواعيد الفتّاحات المزدحمة والتي تقيد وقتك وحركتك".
وتتابع: "إلا أن الغائب في التبصير الإلكتروني، هو عامل التفاعل. تجري العادة أنه وخلال قيام البصارة بقراءة الفنجان، تفتح باب السؤال للزبونة عن أشخاص أو أشياء معينة. صحيح أن التبصير إلكترونياً لا يوجد فيه ميزة -خذ وأعطي-، لكن فيه عبارات تزيد من الإيغو وبالتالي ارتفاع منسوب الأمل".
"خزعبلات... ولكن"
فيما تقرأ معنا ديما (36 عاماً) بعضاً ما يقول لها طالعها في تطبيق التبصير الإلكتروني، حيث جاء فيه: "هناك صوت عميق في داخلك يهمس لك ويؤكد لك بأن كل شيء على ما يرام، يمكنني القول إن هذا الصوت ليس مضللاً".
ويضيف طالع ديما الإلكتروني: "تقول جولييت لروميو: لقد ولد حبي من كراهيتي، قد يكون لديك بعض العدوانية عندما تقابلين أحدهم لكن يجب أن تدركي أنه هو الشخص المنشود!".
كل ما جاء في طيات طالع ديما، بحسب وصفها لرصيف22، هي بمثابة "عبارات محفزة لعودة الأمل من جديد، بعد غياب طويل"، فهي الفتاة التي استسلمت لحقيقة أنها تلك الفتاة العملية، وأن لا وقت للحب ولا طاقة له أيضاً، نظراً للظروف الحياتية الصعبة التي واجهتها خلال الأربعة أعوام الماضية، كما توضح.
تضحك ديما وتقول: "لم أكن أتوقع يوماً أن عبارات إلكترونية من جهة وشخص مجهول، ستضفي شيئاً من الأمل في نفسي، بعد أن عجز أقرب المقربين في إنعاشه بداخلي"، مؤكدة في الوقت ذاته أنها لا تؤمن بمثل هذه "الخزعبلات"، لكنها تعترف في الوقت ذاته أن ما قالته جولييت لروميو لمس قلبها مباشرة.
وفي استعراض لتجربة أولئك الفتيات في طرق أبواب إلكترونية، نجد أن السبب واحد وإن اختلفت وجوههن: البحث عن الأمل ولو كان إلكترونياً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...