لا يزالُ بيت العدالة والتنمية، تحت صدمة نتائج الانتخابات التشريعية، التي أسقطتهم من حزب الغالبية، إلى مؤخرة الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، وأنهت إيمانهم بأن المغاربة يتمسكون بالحزب الإسلامي، الذي قاد الائتلاف الحكومي، عشر سنوات متتالية.
تكررت أوصاف نتيجة العدالة والتنمية في الاستحقاقات الانتخابية: "هزيمة كبيرة"، و"خسارة مُدوّية"، و"فاجعة انتخابية"، و"زلزال"، وجميعها تعكس الصدمة التي استيقظ عليها الحزب، بعد انتخابات 8 أيلول/ سبتمبر. فقياداته كانت واثقة حتى آخر ساعات الحملة الانتخابية، بحظوظه في الفوز بثالث ولاية حكومية، لكن "الشعب اختار أن يعاقبه"، حسب تعبير النائبة البرلمانية عن الحزب نفسه، أمينة ماء العينين، ما أدى إلى استقالة جماعية لأمانته العامة.
"الإخوان" يتهمون العثماني
الدعوة إلى تقديم الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، رئيس الحكومة المنتهية ولايته، سعد الدين العثماني، جاءت من داخل التنظيم السياسي، وكذلك الاتهامات الأولى؛ ولعلّ أشدها صرامة تلك التي أطلقها الزعيم الكاريزمي السابق للحزب، عبد الإله بنكيران، الذي قاده خلال الولاية الحكومية الأولى، وحافظ على مكانته الأولى، خلال الانتخابات التشريعية لعام 2016، قبل أن يُجبر على الانسحاب من رئاسة الحكومة حينها، بعد أن فرضت عليه بقية الأحزاب "شروطاً تعجيزية"، خلال مشاورات تشكيل الحكومة.
ووصف بنكيران نتائج الانتخابات الأخيرة بـ"الهزيمة المؤلمة"، محمّلاً المسؤولية للعثماني، في رسالة مخطوطة حملت توقيعه الشخصي، ونشرها على صفحته على فيسبوك، داعياً إياه إلى تقديم "استقالته من رئاسة الحزب، التي سيكون نائبه ملزماً بتحملها، إلى أن ينعقد المؤتمر، في أقرب وقت ممكن، لمواصلة الحزب تحمل مسؤوليته في خدمة الوطن، من موقعه الجديد".
وقالت القيادية والنائبة البرلمانية السابقة أمينة ماء العينين، المعروفة بانتقاداتها اللاذعة من داخل التنظيم: "حزبنا كان، طوال الفترة السابقة، حزباً كبيراً بقيادة صغيرة، وعلى الأخ الأمين العام أن يعترف بهزيمة الحزب، وأن يقدّم استقالته، ويدعو إلى وقفة تقييمية حقيقية"، داعيةً إياه إلى الاعتراف بالهزيمة، وتدارس أسبابها، بجرأة وشجاعة.
بعد الهزيمة المدوية في الانتخابات البرلمانية والبلدية استقالت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية المغربي. هل هذه بداية أفول الحزب الإسلامي؟
وفي الوقت الذي استنكرت فيه الأمانة العامة للحزب ما أسمته "استعمالاً للمال الانتخابي، وعدم تسليم المحاضر بعد نهاية التصويت"، من طرف وزارة الداخلية، أوضحت ماء العينين أن هذا السبب، "لا يمكن أن يُبرر بأي شكل من الأشكال هذا الاندحار المُحزن لحزب تسلمته القيادة الحالية كبيراً، وقوياً، ومتماسكاً، وتُسَلِّمه اليوم ضعيفاً منكسراً".
وبلهجة حادة، أضافت عضوة المجلس الوطني للحزب، في تدوينة على فيسوك: "لقد عاقب المغاربة حزب العدالة والتنمية. هذه هي الحقيقة التي يجب الاعتراف بها بشجاعة في البداية، للتصالح معهم، ومع الذات العليلة، ولنتأمل عدد الأصوات، وسلوك الناخبين في المدن، وعلى رأسها دائرة الرباط المحيط"، مضيفةً: "لقد شعر الناس بتخلي الحزب عن المعارك الحقيقية، وتخليه عن السياسة، مع قيادة منسحبة، وصامتة، ومترددة، في أغلب القضايا الجوهرية، فتخلوا عنه".
موقفُ ماء العينين أثار موجة من الدعم، من طرف الجناح الداعم للأمين العام السابق للحزب، عبد الإله بنكيران، وتوالت التدوينات والتصريحات التي جلدت العثماني.
العثماني يستقيل مباشرةً
بدورها، لم تتأخر الأمانة العامة للحزب، في عقد اجتماع استثنائي، أمس الأول الخميس، جدّدت فيه تأكيدها على "الخروقات التي عرفتها هذه الاستحقاقات، سواء في مرحلة الإعداد لها، من خلال إدخال تعديلات على القوانين الانتخابية مست بجوهر الاختيار الديمقراطي، بالإضافة إلى عمليات الترحال السياسي، أو ممارسة الضغط على مرشحي الحزب، من قِبل بعض رجال السلطة، وبعض المنافسين، وذلك من أجل ثنيهم عن الترشّح".
إلى جانب ذلك، استنكرت الهيئة نفسها، ما أسمته "الاستخدام المكثف للأموال، وتُوِّج ذلك بالتعسف ضداً بالقانون، بالامتناع عن تسليم المحاضر لممثلي الحزب، في عدد كبير من مكاتب الاقتراع، وطرد بعضهم الآخر، علماً أن المحاضر تُعدّ الوسيلة الوحيدة التي تعكس حقيقة النتائج المحصَّلة".
وبذلك، قررت الأمانة العامة، في بيان لها، تقديم استقالة أعضائها من الهيئة نفسها، مع استمرارها في تدبير شؤون الحزب، طبقاً لمقتضيات المادة 102 من نظامه الداخلي، داعيةً إلى عقد دورة استثنائية للمجلس الوطني، كونه برلمان الحزب، لتقييم الاستحقاقات الانتخابية، واتخاذ القرارات المناسبة، مع التعجيل في عقد مؤتمر وطني استثنائي، في أقرب وقت.
صراع بين تيارين؟
وفيما عدّ بعض المحللين، استقالة العثماني من الأمانة العامة، قراراً متأخراً، أشاد بعض المتابعين للشأن الحزبي، بهذه الخطوة، كونها "جريئة وشجاعة".
وفي هذا الصدد، قال الباحث في الحركات الإسلامية مصطفى بوكرن، إن "هذا سلوك استثنائي في المشهد السياسي المغربي، إذ لم نرَ قيادة حزبية فشلت في الانتخابات، وقدمت استقالتها".
وأوضح بوكرن، في تصريح لرصيف22، أنه "يجب التذكير بسياق بالغ الأهمية، وهو سياق الصراع بين تيارين داخل العدالة والتنمية: تيار كان يدافع عن التمديد لبنكيران لولاية ثالثة، بتعديل القانون الداخلي للحزب الذي يحدد المسؤوليات بولايتين، وتيار كان يرفض ذلك، ويدعو إلى الالتزام بمنهج تحديد المسؤوليات، الذي يمنع تحول القياديين إلى مرشدين للحزب".
من أكبر حزب في البرلمان المغربي لولايتين انكفأ حزب العدالة والتنمية المغربي إلى المرتبة الثامنة بـ13 مقعدا في مجلس النواب. الحزب يعيش أسوأ أيامه مع استقالة جماعية لقيادته. فهل هي بداية انهيار الحزب الإسلامي؟
بالنسبة إلى بوكرن، "كان الصراع حاداً، وغير مسبوق، وما يؤشر على ذلك، نتائج التصويت على مقترح التمديد في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، إذ تم رفضه بـ127 صوتاً، والدفاع عنه بمئة صوت وصوت، ونتائج التصويت للأمين العام سعد الدين العثماني في كانون الأول/ ديسمبر 2017، إذ فاز بنسبة تقارب 52 بالمئة".
هذه الأرقام، بالنسبة إلى المتحدث، "بينت للمرة الأولى، التصدع الحاد داخل الحزب، والذي لم يستطع الحوار الداخلي رأبه، ولذلك ينتظر تيار بنكيران، منذ كانون الأول/ ديسمبر 2017، متى سيقدّم العثماني، ومن معه، استقالاتهم، لأن بنكيران، بعد انتخاب العثماني، قال له: "حافظ على الحزب"، ويقصد بذلك، أنه سلمه له، بـ125 برلمانياً، وتماسك داخلي بين الأعضاء. ولذلك، ما إن ظهرت النتائج، بادر بنكيران، بأسلوبه في الكلام، إلى طلب الاستقالة من العثماني، في إشارة منه، إلى أنه لم يفِ بوعده في المحافظة على الحزب، وعليه أن يرحل، فبادرت الأمانة العامة إلى الاستقالة".
وعلى مستوى آخر، لفت الباحث إلى الصراع بين تياري العثماني وبنكيران، قائلاً إن "تيار بنكيران، كان يرى أن العثماني فُرض عليهم، من دون رغبة منهم، وقبلوا به على مضض رئيساً للحكومة، بعد إعفاء الملك محمد السادس بنكيران من مهامه، في آذار/ مارس 2017، لكن لم يتقبلوا أن يستمر فرضه عليهم أميناً عاماً، ولو كان إدريس الأزمي أميناً عاماً، والذي كان يدافع عنه تيار بنكيران. لا أظن أنه سيستقيل، أو سيطالب بنكيران الأزمي بتقديم استقالته، وسيتم تبرير الخسارة، بإغراق السوق الانتخابية بالمال الحرام، تحت أعين وزارة الداخلية".
وخلص بوكرن إلى أن "تقديم الاستقالة، ليس استجابة لرفض المواطنين للحزب في الانتخابات، بل استجابة لغضب المناضلين من قيادة الحزب، والعمل على المحافظة على الحزب، من أي انشقاق، أو تصدع جديد، بالتنفيس عن غضبهم".
الخروج إلى المعارضة
الخسارة المدوّية لحزب العدالة والتنمية، دفعت به إلى إعلان التموقع داخل المعارضة، ما دام الائتلاف الحكومي سيكون برئاسة حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يتهمه الإسلاميون بأنه حزب الليبرالية المتوحشة، وحزب يزاوج رئيسه بين المال والسلطة، وبذلك يرفض أي تحالف معه، على الرغم من أنه كان شريكه الحكومي، وتقلّد وزارات مهمة في تحالفات العدالة والتنمية.
هذا القرار السياسي، عدّته الباحثة في القانون الدستوري والعلوم السياسية مريم بليل، يستهدفُ بالأساس أعضاء الحزب على المستوى الداخلي، والمتعاطفين معه. أما على المستوى الخارجي، فلن يكون وزن للحزب، سواء في تشكيل الحكومة، أو في موقعه في المعارضة".
وأوضحت الباحثة في تصريح لرصيف22، أن أفول وزن الحزب الإسلامي، "يرجع بالأساس إلى عدد المقاعد التي حصل عليها، وهي 13 مقعداً لن تسمح له بالتفاوض على مستوى تشكيل الحكومة، ولن تسمح له بممارسة معارضة حقيقية، مضيفةً أنه "انتقل من أكبر فريق في تاريخ المغرب، إلى مجموعة نيابية، بالكاد ستستطيع التعبير عن موقفها في جلسات الأسئلة الشفهية الأسبوعية، والشهرية".
وعللت المتحدث تحليلها بالقول: "كما هو منصوص عليه في النظام الداخلي لمجلس النواب، فإن الوقت المخصص للجلسات العمومية في مجلس النواب، يُقسم على المكونات السياسية حسب تمثيلها. ومن جهة أخرى، على المستوى التشريعي، واللجان البرلمانية، سينتقل الحزب من 13 عضواً على الأقل في كل لجنة، إلى عضو واحد أو اثنين، في بعض اللجان، ما سيؤثر حتماً على دوره التشريعي تحت القبة البرلمانية".
وخلصت بليل إلى أن الاصطفاف في المعارضة، "قرار مستهدف به الصف الداخلي، والمتعاطفين مع الحزب، لإطفاء الغضب من نتائج الانتخابات التي تتحمل فيها الأمانة العامة المسؤولية السياسية".
نهاية الأحزاب الإسلامية في المغرب؟
تكررت في الآونة الأخيرة تحليلاتٌ كثيرة، تقارن تجربة العدالة والتنمية في المغرب، بتجربة حركة النهضة التونسية، وتتحدث عن نهاية تجربة صعدت مع موجة الربيع الديمقراطي، ولا بد من نهايتها.
وحول خسارة العدالة والتنمية، تقول بليل في تصريحها لصريف22، إنه "يمكن تفسير نتائج الحزب في انتخابات أيلول/ سبتمبر 2021، بالتغيير الكبير الذي طرأ على الكتلة الناخبة الثابتة للبجيدي"، مُرجعةً هذا المعطى، إلى ضعف حركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوية للحزب، وضعف "تأثيرها، وعدد المنخرطين فيها من جهة، ومن جهة أخرى تخلّي الحركة بوزنها الحالي، عن الحزب، لأسباب عدة يرجع أبرزها إلى موقفها من التطبيع مع إسرائيل".
المعطى الثاني، بالنسبة إلى الباحثة، يعود بالأساس إلى أن الحزب، "كان يُمثِّل، لجزء كبير من الشعب المغربي، صوتاً له في استحقاقي 2012 إلى 2016، والقوة السياسية الحية التي تدفع نحو الديمقراطية، وتدافع عن المواطنين"، مُستدركة أنه "بدءاً من تعثر تشكيل رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران للحكومة سنة 2016، حين ثم اعفاؤه، خفت وهج الحزب داخل المجتمع، خاصةً مع توالي التنازلات، وهشاشة الأغلبية".
وفي هذا السياق، شددت المتحدثة على "الانشقاق الداخلي في الحزب، الذي كان واضحاً كثيراً خلال الحملة الانتخابية"، موضحةً أن "قيادة الحزب نجحت في إخفائه طوال خمس سنوات، لكن الصورة الآن واضحة، ومن المتوقع أنه حتى أعضاء حزب العدالة والتنمية لم يصوتوا له".
من جانبه، أوضح بوكرن في تصريح لرصيف22، أن "التقييم الذي ينبغي أن يُركَّز عليه، في تجربة العدالة والتنمية في التدبير الحكومي، يتعلق بمؤشر التأويل الديمقراطي للدستور"، أي "ما مدى دفاع هذا الحزب عن الديمقراطية، من موقع رئاسة الحكومة، لأن حركة 20 شباط/ فبراير، وما عقبها من أحداث، كان هدفها هو الدفاع عن المزيد من الديمقراطية".
وأضاف الباحث في الحركات الإسلامية، أن "المنهج الذي اتّبعه النظام السياسي في تعامله مع الإصلاحيين الإسلاميين، جعلهم بالتدريج، يتخلون عن ميولهم الإخوانية، إلى أن تحولوا إلى حزب عادي، لا تستطيع أن تميز خطابه عن خطاب بقية الأحزاب السياسية، ووقعت تحولات كبيرة داخل الحزب نفسه".
وبذلك يوضح المتحدث أنه: "من الصعب أن ندرج حزب العدالة والتنمية الحالي، في ما يسمى بالإسلام السياسي، بل إن بنكيران صرح بنفسه قائلاً: إنني تمخزنتُ كثيراً"، مضيفاً أنه: "قد نجازف بالقول إن حزب العدالة والتنمية حزب مخزني محافظ، ولم يحتج إلى أحد ليضع حداً لنهايته، بل أنهى نفسه، بدءاً من سنة 2008، حين أجرى مراجعات أيديولوجية، وأبعد الخطاب الديني الدعوي عن خطابه السياسي، وكان لبنكيران دور محوري في ذلك، لكن من المفارقات، أن الدّين يحضر في عقيدته السياسية، حين يبرر علاقته بالنظام السياسي المغربي، فهو يتحدث عن ولي الأمر، وعن السلطان".
وفي السياق نفسه، أبرز المتحدث أن تجربة العدالة والتنمية، "تختلفُ عن الحركات الإسلامية المشرقية، بسبب تكيّفه مع النظام السياسي المغربي، وسلوك هذا النظام مع الحزب، يختلف جذرياً عن تصرف الأنظمة العربية، التي اختارت الدم والاستئصال".
"بل إن المغرب، قدّم وصفةً خاصة، إذ أدخل الإسلاميين عبر صناديق الانتخابات، وأخرجهم عبر الصناديق نفسها، لكن النظام السياسي المغربي، أشركهم في الحكومة، لا في الحُكم"، يوضح بوكرن الذي أكد أن "حزب العدالة والتنمية يقبل بذلك، لأنه تلقى تربية مَخْزَنيّة طوال عشرين سنة، وفهم موقعه ضمن النسق السياسي المغربي".
وفي انتظار أن يعقد الحزب مجلسه الوطني الاستثنائي، تتجدد الأصوات الداعية إلى النقد الذاتي، ومراجعة عقد من تجربة الحزب في اقتسام السلطة، فهل ينجح في رأب الصدع الداخلي؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 19 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت