شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
برنامج الدولة يضعف البرامج الانتخابية للأحزاب في المغرب

برنامج الدولة يضعف البرامج الانتخابية للأحزاب في المغرب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 30 أغسطس 202101:07 م

انطلقت الحملة الانتخابية للاستحقاقات التشريعية والجماعية (برلمان وبلديات)، التي ستنظَّم في الثامن من أيلول/ سبتمبر القادم، في المغرب. ما يلاحَظ في هذه الحملة، هو غياب نقاش الأحزاب السياسية لبرامجها الانتخابية، وشرحها للمواطنين، وتعتمد بدلاً من ذلك، على إقناع الناخبين للتصويت لها، عبر تقديم مرشحين من نجوم السينما، أو الموسيقى، اختارتهم لتمثيلها، وعبر التواصل مع الناخبين باستعمال لغة بسيطة، ووعود شكلية تتماشى مع احتياجات كل دائرة انتخابية على حدة، إلى جانب اللجوء إلى شركات تواصل تصمم لها برامج "على المقاس"، وتكرر مصطلحات السلطة، ولغتها.

شركات تواصل سياسي

تراجع العمل السياسي، والنخب السياسية، في المغرب، وحلول التكنوقراطيين محلها، زاد من إضعاف البرامج الانتخابية للأحزاب، التي غالباً ما تكون بعيدة عن المغاربة، وانشغالاتهم، وتقديم أجوبة لقضاياهم اليومية.

وفي الوقت الذي كانت فيه الأحزاب السياسية، تعتمد على مناضليها، وعلى قيادات بشخصيات كاريزمية، لصياغة برنامجها الانتخابية، ثم الترويج لها، وفقاً لمرجعية الحزب الفكرية والأيديولوجية، أصبحت أغلبية الأحزاب اليوم تلجأ إلى "مراكز الدراسات" (شركات خاصة)، من أجل إعداد برنامج انتخابي تنافس به خلال الاستحقاقات الانتخابية.

بدل نشر برامج انتخابية تعكس مشروع وإيديولوجيا الحزب، أصبحت الأحزاب المغربية تلجأ إلى شركات تواصل، تنجز برامج انتخابية تعكس خطاب الدولة. هكذا تتغير الألوان والفكرة واحدة

هذه الظاهرة الحديثة في المشهد السياسي المغربي، والتي أتى بها رجال أعمال، التحقوا بالحياة السياسية في العقد الأخير، يجعل غالبية هذه البرامج تقنية، ومتشابهة في المضمون، والاقتراحات، ويصعب تفريقها عن بعضها البعض، إذ تركّز على القطاعات الاجتماعية، وتفقد بُعْدَها السياسي الذي هو جوهر العمل السياسي التقليدي.

كنتيجة لاعتماد الأحزاب على برامج انتخابية نمطية، أصبح الفاعل السياسي لا يعول كثيراً على تسويق برنامجه عند الناخب المغربي، بقدر ما يركز على التواصل، والخطاب المباشر. إذ تعي الأحزاب أنه ليست لديها القدرة على تطبيق هذه البرامج، وذلك بسبب طبيعة النظام الانتخابي المغربي الذي لا يمكّن الأحزاب من الحصول على الأغلبية البرلمانية، لترجمة برامجها في مشاريع ملموسة، عند وضع البرنامج الحكومي، فضلاً عن تسليمها بأن الحكومة هي هيئة تنفيذية لبرامج الدولة.

ويظهر تسليم النخب السياسية بوجود برنامج ثابت للدولة، ومركزي، يُعدّ بعيداً عن الأحزاب، وعن الاستحقاقات الانتخابية، من خلال اضطرار الأحزاب إلى إعادة النظر في تصوراتها، واقتراحاتها، بعد أن تكون قد وضعت اللمسات الأخيرة على برامجها الانتخابية.

فقبل أشهر قليلة من الانتخابات، أُعلن عن إصدار تقرير "النموذج التنموي الجديد"، الذي كان ترأس لجنته الوزير السابق وسفير المغرب في فرنسا شكيب بنموسى، وضم شخصيات من خارج المجال السياسي، وضع خطة طريق للسياسات العمومية، على مدار الـ15 سنة القادمة، وهي الخطة التي أصبحت الأحزاب مجبرة على ملاءمة "برامجها" معها، بحكم أن الأحزاب عاجزة عن منافسة المؤسسة الملكية، في ما يخص تسطير السياسات العامة، وهي السياسات التي تُعدّ حكراً عليها.

"المستقبل" خارج الحكومة

يفسر أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الأول في وجدة، عباس بوغالم، لرصيف22، عدم اهتمام الأحزاب السياسية ببلورة برنامج انتخابي قوي، بكونها "غير مقتنعة أن لديها القدرة، والقابلية، لبلورة برنامج سياسي، وإيجاد هامش لتنفيذه"، موضحاً أن "طبيعة النظام السياسي في المغرب يحدد للأحزاب وظائف تدبيرية، وإجرائية، لما يُطلق عليه ‘برنامج الدولة’، وليس بلورة المشاريع السياسية والانتخابية".

وأضاف أن الأحزاب السياسية "تدخل غمار الانتخابات، منطلقةً من أن التوجهات والسياسات الكبرى مُحَدَّدَة سلفاً"، وأضاف أنها ليست ظاهرة جديدة، وحسب تحليله، أنه "حتى في السابق، كانت الأحزاب السياسية تشتغل كأداة شكلية تواصلية، تعبّئ المواطنين من خلال مشروع سياسي، وليس مجتمعي، وتحاول التمايز به عن الأحزاب الأخرى، خلال مرحلة الانتخابات، للتسويق لنفسها، وإعطاء هوية لحزبها".

"قبل دستور 2011، كان واضحاً أن الحكومة تُعيَّن لتنفيذ المشروع الملكي، لكن بعد سنة 2011، سيصبح لدينا للمرة الأولى توزيع للسلطة بين المؤسسة الحكومية، والمؤسسة الملكية، والمفروض أن وضع السياسات العامة من اختصاص الحكومة، على الرغم من أن المصادقة على القضايا الإستراتيجية تتم من قِبل المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك. لكن وعلى الرغم من هذه الصلاحيات التي أعطاها الدستور للأحزاب، إلا أنها تبقى عاجزة عن إعداد برنامج انتخابي يمكن تنفيذه، عندما تصل إلى السلطة" يشرح بوغالم.

وكان دستور 2011 محصلةً لحراك "20 شباط/ فبراير"، الذي أتى في خضم الربيع العربي، ودفع المغرب إلى إعلان إصلاح دستوري يمنح صلاحيات جديدة للحكومة، لم تكن تملكها في السابق.

أصبحت الأحزاب المغربية عاجزة عن إنتاج برامج انتخابية تحيل على "هوية سياسية" واضحة. وتلجأ إلى شركات اتصال تبلور مشاريع فضفاضة. فيما خطاب الدولة الرسمي هو السائد لدى مختلف الحزبيين. 

هذا العجز، يفسره الأستاذ الجامعي بكونه ينبع من عائق ذاتي، إذ إن الأحزاب لا تمتلك هذه القدرة على بلورة برنامج انتخابي واقعي. وذلك لافتقارها إلى الأطر والكفاءات، إذ كان مناضلو الأحزاب سابقاً، يصوغون البرنامج الانتخابي الذي يظهر التمايز في الهوية الأيديولوجية بين الأحزاب، واستغلال الهامش الذي تتركه لهم السلطة، الذي كان دائماً يتمركز حول القضايا الاقتصادية. غير أنه اليوم لم يعد هناك تباين بين الأطروحات الاقتصادية، وعادت اللعبة السياسية إلى ما قبل سنة 2011".

أما العائق الثاني الذي تحدث عنه بوغالم، فهو عائق موضوعي، إذ "إن المنظومة الانتخابية في المغرب، لا تسمح بأن يطبق الحزب الفائز في الانتخابات برنامجه الانتخابي"، لأنه لا يكون قادراً على تشكيل الحكومة، "بأغلبية مريحة، ويجب عليه أن يدخل في تحالفات، وبهذا نكون أمام حكومة مشكلة من أربعة أحزاب، أو خمسة، ذات مرجعيات مختلفة، وعليه تنصهر البرامج الانتخابية في البرنامج الحكومي، وتحضر فيها الأحزاب كلها، وهو ما يفقد برامجها المعنى".

"برنامج للتنفيذ"

من جانبه، يرى الصحافي يونس مسكين، المختص في الشأن السياسي، في حديثه لرصيف22، أن "مسألة البرامج الانتخابية، هي العنصر الذي يعبّر، بأكبر قدر من الوضوح، عن طبيعة الانتخابات في المغرب، أي ضعف حجم الرهانات السياسية فيها"، موضحاً أن "العملية تبدو أشبه بتوزيع المقاعد، والمواقع، من طرف السلطة، على أحزاب هي أشبه بزبائن النظام السياسي، بدل أن تكون متنافسةً سياسياً".

وأضاف مسكين: "الطبيعة التنفيذية للنظام الملكي في المغرب، تجعل الانتخابات محطةً لإعادة انتشار الفاعلين أنفسهم، وبالأهداف نفسها. أي احتواء المطالب، والانتظارات الشعبية، وتصريف الخيارات الإستراتيجية الموضوعة سلفاً، كما هو الحال الآن مع النموذج التنموي الجديد، الذي تم اعتماده عشية الانتخابات، كي تتبارى الأحزاب السياسية في تصريفه، عبر برامجها الانتخابية التي يُفترض أن تكون مختلفةً".

ويرى مسكين أن "الانتماءات الأيديولوجية والفكرية للأحزاب السياسية، تصبح في هذا السياق، أشبه بالتوابل التي تضاف في نهاية الطبخة، أو بمساحيق التجميل التي تمنح لوناً معيناً، أو بريقاً ما، لشيء موجود أصلاً"، ويستشهد بمثال حي، عاشه في أثناء تغطيته تشكيل حكومة مغربية سابقة، قائلاً: "أذكر مرة أنني اتصلت كصحافي، بأحد زعماء الأحزاب، بعد تعيين حكومة تألفت من أحزاب متناقضة، بالإضافة إلى التكنوقراط، وسألته كيف ستتمكنون من وضع برنامج حكومي، وتنفيذه، مع هذا الخليط الحزبي، فكان جوابه صادماً بالنسبة إلي، إذ رد قائلاً: ʼالبرنامج موجود أصلي، وقد وضعه جلالة الملك، فما حاجتنا إلى البرامج، نحن نحتاج إلى من ينفذ، فحسبʽ".

برامج تعدها مراكز الدراسات

غالبية الأحزاب السياسية المغربية، وخصوصاً الأحزاب التي توصف بـ"الإدارية"، أي التي صنعتها "وزارة الداخلية"، أصبحت تتوجه إلى مراكز الدراسات، من أجل إعداد برامجها الانتخابية التي ستدخل بها غمار الاستحقاقات الانتخابية، وهو ما لم يكن متاحاً قبل سنوات. إذ إن البرامج الانتخابية كانت تُطبخ على نار هادئة داخل دواليب الأحزاب.

ويفسر بوغالم هذا التوجه الجديد، بأنه تم "إدخال تقنيات حديثة على الممارسة السياسية، على غرار المجالين الاقتصادي والاجتماعي، إذ إن هذه الأحزاب تلجأ إلى وكالات متخصصة، لتسطير برامجها الانتخابية، مدعومة بأرقام ودراسات، وهو ما لا يتوفر للأحزاب".

وأضاف أنه "عملياً، البرنامج الانتخابي يبقى شكلياً، ورهان الأحزاب يكون على التواصل المباشر مع المواطنين، وكسب أكبر عدد من الأصوات، والمقاعد، في الهيئات التمثيلية"، موضحاً أن "النموذج التنموي الجديد يضع رؤية إلى غاية سنة 2030، وعليه، لم يعد هناك أي هامش للأحزاب، لبلورة برامج انتخابي جاد، وأن برنامجها يجب أن يتماهى مع رؤية النموذج التنموي".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image