لم يخطر يوماً في بال محمد الحفناوي، المقيم في محافظة البحيرة، في دلتا مصر، أن تصبح أملاك عائلته شبه مملوكة لغيره، إذ حصل عليها المستأجر "كإرث له ولأولاده"، نتيجة إجحاف قوانين الإيجار المصرية القديمة.
"للأسف، أجّرنا في الماضي وحدات سكنية بعقد قديم، لقاء حفنة من الجنيهات، وبات عليّ البحث عن وسيلة لشراء شقة، وتأمين مستقبل عائلتي، من دون الاعتماد على عائدات الإيجار، وهو حال الملايين من المصريين اليوم"، يقول الرجل الثلاثيني في حديثه لرصيف22.
يملك الحفناوي، الذي يعمل مهندساً، عقاراً مكوناً من 48 شقة، أجّرتها عائلته بمبالغ تتراوح بين 60 و100 جنيه (بين أربعة وستة دولارات تقريباً بسعر الصرف الحالي)، في وقت يساوي الإيجار اليوم نحو ألفي جنيه (127 دولاراً). ويتابع: "مِن بين المستأجرين من أغلقوا الشقق، قبل سنوات، رافضين إعادتها، وأحدهم فوجئنا، بعد وفاته، بابنه يطالب بتعويض مادي بنسبة 20% من ثمن الشقة كي يتركها، مستغلاً ثغرة قانون الإيجار القديم التي تمنع طرد المستأجر. يساوموننا على أملاكنا".
بالإضافة إلى ذلك، عمد بعض المستأجرين، وفق حديث الحفناوي، إلى تزويج أبنائهم في الشقق المستأجرة، في حين أن بعضهم يملك شققاً في أماكن أخرى، "ونحنا نخبط رؤوسنا في أتخن حيط".
قوانين مجحفة
يرى الحفناوي أن القانون المصري يحمي المستأجرين القدامى، بينما يجني على المالكين، مشيراً إلى قيام بعض مستأجري المحال التجارية بالتحايل، بعقود مزورة تحت بند "شراكة مع آخر"، وتأجير المحال لقاء آلاف الجنيهات، في وقت يدفعون فيه للمالكين مبالغ قليلة جداً.
"مفيش منطق يقول إن محل إيجاره 30 ألف جنيه في الواقع، يتم تأجيره بألف جنيه بالنظام القديم"، يقول الرجل شاكياً، ويضيف أن هناك مالكين لا يتمكنون من تدبير لقمة عيشهم: "نحن في حاجة لاستعادة أملاكنا المنهوبة، والدولة مسؤولة عن إيجاد حل للأمر".
القانون المصري يحمي المستأجرين القدامى، بينما يجني على المالكين.
وصدر قانون الإيجار رقم 11 لسنة 1920، ونص على تقييد أجور المساكن، بمبالغ باتت تُعدّ زهيدة للغاية، اليوم، وعلى عدم جواز قيام المؤجر بإخراج المستأجر من المسكن من دون حكم المحكمة، ولأسباب تتمثل في عدم سداد الإيجار خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ المطالبة، أو في حال عدم عناية المستأجر بالعقار. وعام 1941، إبان الحرب العالمية الثانية، صدر القانون رقم 151 الذي يمنع المالكين من زيادة الإيجار، وتمديد العقود تلقائياً، لمنع طرد المستأجرين، مراعاةً لظروف الحرب.
ومن ثم صدر القانون رقم 4 لسنة 1996، والمعروف بـ"قانون الإيجار الجديد"، الذي أطلق حرية التعاقد بين المالك والمستأجر، في ما يخص قيمة الإيجار، ومدة العقد، مع زيادة 10% سنوياً، تماشياً مع تعديل القانون عام 1997، وبهذا، توقف العمل بالقانون القديم. أما قبل هذا التاريخ، فلا تزال عقود الإيجار القديمة معمولاً بها، وتحتاج إلى تشريع برلماني لإلغائها.
ويقول عضو لجنة الإسكان في البرلمان المصري المهندس محمد الحصي، لرصيف22: "حتى وقتنا هذا، لم يناقش المجلس مشروع قانون الإيجار القديم، ولم تُحل هذه الأزمة، كما أن هذا الملف ليس على الأجندة التشريعية في لجنة الإسكان، حتى الآن".
الإيجارات الجديدة مشكلة أيضاً
وتتحدث هادية عبد الفتاح (30 عاماً)، وهي موظفة في شركة خاصة في القاهرة، عن نظام الإيجار الجديد الذي يستغله البعض لظلم المستأجرين، مشيرة إلى استئجارها شقة في مصر الجديدة بستة آلاف جنيه شهرياً (380 دولاراً)، وبسبب ظروف جائحة كورونا خفضت القيمة إلى 5500 جنيه، في حين تصل إيجارات شقق أخرى ضمن التجمع الذي تسكن فيه إلى ثمانية آلاف.
وأردفت هادية في حديثها لرصيف22: "الإيجارات الجديدة مبالغٌ فيها للغاية، إذ يحدد قيمتها المالك، وليس القانون، وهي لا تتناسب مع مستويات الدخل. لا بد من التشارك مع مستأجر آخر لتستطيع دفعها. نقيم أنا وشقيقتي معاً، لنكون قريبتين من مقرات عملنا، ونتقاسم الأجرة".
وتطالب الشابة بخفض أسعار إيجار الشقق: "المستأجر كده كده غلبان، ومضطر يأجر ليصبح بالقرب من مقر عمله، وأسعار الشقق التمليك مبالغ فيها، وما حدش يقدر عليها".
"الإيجارات الجديدة مبالغٌ فيها، إذ يحدد قيمتها المالك، وليس القانون، وهي لا تتناسب مع مستويات الدخل. لا بد من التشارك مع مستأجر آخر لتستطيع دفعها. نقيم أنا وشقيقتي معاً، لنكون قريبتين من مقرات عملنا، ونتقاسم الأجرة"
في سياق متصل، تقول سارة صلاح (39 عاماً)، وهي ربة منزل: "استأجر زوجي شقة بالنظام الجديد في مدينة دمياط الجديدة، وكل عام يرفع المالك الإيجار حسب مزاجه، ولا يتقيد بالنسبة المحددة ضمن القانون".
وتطالب صلاح في لقائها مع رصيف22، بأن تتم الزيادة وفقاً لقيمة تُحدد قبل كتابة العقد، مضيفةً: "أقل شقة إيجارها ألف جنيه، ومن دون فرش، في حين تتراوح أثمان الشقق بين 450 و700 ألف جنيه، وهي أسعار لا تتناسب مع الدخل الشهري لمعظم المصريين". ويبلغ الحد الأدنى للأجور في مصر 2400 جنيه (150 دولاراً).
وفي هذا السياق، يضيف البرلماني الحصي: "قانون الإيجار الجديد يحمي الطرفين، ويُعد العقد مفسوخاً في حال زيادة القيمة عما هو منصوص عليه، ويحق للمستأجر أن يقاضي المؤجر برفع دعوى قضائية عليه، ومتابعتها في المحكمة المختصة".
ويقول عمار القبرصلي، وهو محامٍ في الاستئناف العالي ومجلس الدولة لرصيف22: "ينص قانون الإيجار الجديد على أن العقد يُصاغ بتحديد المدة والقيمة، ولا يجوز أن تزيد مدة الإيجار عن سبع سنوات، مع زيادة 10% سنوياً. وفي حال قام المؤجر بزيادة القيمة، يُعد العقد ملغياً".
كما يطالب القبرصلي، بتدخل الدولة في تحديد قيمة الإيجار لكل وحدة سكنية، طبقاً للقانون الجديد، حتى لا يقع المستأجرون من محدودي الدخل، فريسة للمالكين، وبتشكيل لجان تابعة للمحافظات، لحل المنازعات التي تنشأ بين المالكين والمستأجرين، وإيجاد حلول سريعة، وتجنب الطرق القانونية العادية التي تطول مدتها.
"المستأجر ساومني ليترك الشقة"
يقول ث. أ.، وهو محامٍ ستيني يملك عقاراً في نطاق شبرا، في محافظة القاهرة: "الاسم أنني مالك عقار أنا وأشقائي، والواقع أن حقنا ضائع تماماً. العقار فيه تسع شقق مؤجرة إيجاراً قديماً، منها شقة توفي مستأجرها وزوجته منذ سنوات، وإذ بأبنائهما يغلقونها، وينقطعون عن سداد قيمة الإيجار، رافضين ترك الشقة".
عرضت على أحد المستأجرين تعويضه بما دفعه في الشقة، في سبيل تركها، وكان رده ‘تدفع لنا نصف ثمن الشقة، لنتركها لك’.
لم يرفع الرجل أي دعوى، لمعرفته بأن القضاء لن ينصفه، إذ يقف قانون الإيجار القديم في صف المستأجرين. ويتابع حديثه لرصيف22، قائلاً: "العائد من إيجار الشقق 145 جنيهاً، في حين ندفع 350 جنيهاً شهرياً، لتنظيف سلالم العقار، أي ما يزيد عن 200 جنيه شهرياً، من جيوبنا".
ويشير المتحدث إلى اضطراره إلى استئجار شقة، منذ أكثر من عشرين عاماً، وقد رُفع الإيجار تلقائياً، حفاظاً على حقوق المالك، ويضيف: "نطالب بتعديل القانون، وفسخ التعاقد فور إغلاق المستأجر الشقة لسنوات"، متابعاً: "عرضت على أحد المستأجرين تعويضه بما دفعه في الشقة، في سبيل تركها، وكان رده ‘تدفع لنا نصف ثمن الشقة، لنتركها لك’".
تعديلات باتت ضرورية
في شباط/ فبراير الفائت، تقدم النائب أحمد عبد السلام قورة، إلى مجلس النواب بمشروع لتعديل قانون الإيجار القديم، بهدف "رفع الظلم والافتراء عن المالكين، إذ سمح بتوريث أملاكهم للمستأجرين، من دون وضع قواعد تراعي زيادة قيمة الإيجارات مع معدلات التضخم".
وأعلن النائب، حينها، أن عدد شقق الإيجار القديم، وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، يبلغ ثلاثة ملايين و20 ألف وحدة، من بينها أكثر من مليون وحدة مغلقة من دون استغلال.
ويتضمن مقترح قورة، إضافة حالات لإخلاء الوحدات المؤجرة، فور إغلاقها مدة ثلاث سنوات لغير غرض السفر، أو مرور المدة نفسها على استخراج ترخيص بناء جديد باسم المُستأجر، أو عائلته، أو استفادته من برامج الإسكان التي تُقدمها الدولة، مع وضع حد أدنى للأجرة، لا يقل عن 200 جنيه، وبما يتناسب مع مكان الوحدة السكنية، مع زيادة تدريجية بمقدار 10% سنوياً.
ويعود هذا النقاش في البرلمان إلى الواجهة، بين الحين والآخر، من دون إقرار أي تعديلات فعلية.
"تجب إعادة صياغة العقود، ليستفيد المالكون من ممتلكاتهم، بما يتناسب مع قيمتها، بالإضافة إلى توفير بدائل للمستأجرين من ذوي الدخل المحدود، الذين لن يجدوا سكناً ملائماً لهم، ولأولادهم"
وفي تصريح لرصيف22، طالب عضو جمعية حقوق المتضررين من قانون الإيجار القديم التي تأسست عام 2006، وتعنى بالدفاع عن حقوق المالكين، إبراهيم علام، بإلغاء الامتداد إلى ورثة المستأجرين، بتحرير عقود إيجار بصيغة تنفيذية محددة المدة والقيمة، مع زيادة سنوية تتراوح بين 10% و15%.
وأشار علام إلى وقوعه هو الآخر في مشكلة إيجار قديم، إذ استأجرت شركة حكومية عقاراً لعائلته على كورنيش النيل، بألفي جنيه شهرياً، في وقت تتخطى قيمة الإيجار وفقاً للواقع الـ200 ألف جنيه، وفي الوقت ذاته يتقاضى قيمة إيجار قدرها ثلاثة جنيهات عن شقق سكنية مؤجرة منذ عام 1965.
من جهته، يرى مالك العقار محمد الحفناوي، أن الحل يتلخص في إصدار تشريع برلماني ينص على إلغاء عقود الإيجار القديم، وإجراء حصر شامل للشقق المغلقة منذ ثلاث سنوات فأكثر، مع إلزام كل مستأجر قديم بتقديم إقرار ذمة مالية، لمعرفة إن كان مستحقاً للإيجار، أم لا، مختتماً حديثه بالقول: "أنا، كمالك عقار، مش مطلوب مني أن أدعم المستأجر، فهذا دور الدولة".
وفي هذا السياق، يقول المحامي عمار القبرصلي: "المقترحات التي عرضها بعض النواب قد تؤدي إلى مشكلات جديدة، منها عدم تمكن المستأجرين من إيجاد بدائل سكنية. تجب إعادة صياغة العقود، ليستفيد المالكون من ممتلكاتهم، بما يتناسب مع قيمتها، بالإضافة إلى توفير بدائل للمستأجرين من ذوي الدخل المحدود، الذين لن يجدوا سكناً ملائماً لهم، ولأولادهم. كما يجب إلزام أصحاب الوحدات السكنية غير المأهولة، بتأجير هؤلاء مقابل مبالغ تتدخل الدولة في تحديدها".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com