شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"أسمع نباح الكلاب فأشعر باقتراب نهايتنا"... عائلات تركت منازلها في غزة لأسباب اقتصادية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 28 فبراير 202104:30 م
Read in English:

“I Hear the Barking of Dogs, and Feel the End is Near” - Homeless in Gaza

"عارفين إيش معنى إنك تكون بلا سكن، يعني إنك أصبحت تشبه آباءك وأجدادك الذين طردهم الاحتلال من بيوتهم في نكبة 1948، وقد ورثتَ منهم القهر والشتات والضياع، لكن الفرق هم مناضلين واحنا مخترقين القانون"، يقول أبو خالد، بعد طرده من منزله لعدم سداده مستحقات الإيجار.

يعمل أبو خالد (40 عاماً) بائع ملابس بالسوق الشعبي في غزة، وبسبب سوء الأحوال الاقتصادية، تراجعت أحواله المادية، ولم يستطع دفع مستحقات إيجار المنزل حتى طُرد منه، هو وأسرته.

"لا أصحاب عقار ولا قادرين على الإيجار"

"ضاقت الدنيا بحالي، وسُدَّت كل الأبواب بوجهي، فلم نجد مكاناً نسكن فيه. لا نحن أصحاب عقار، ولا قادرين على الإيجار"، يقول أبو خالد لرصيف22.

لجأ إلى منتزه السرايا، رغم رفض زوجته، قالت له: "عجبك نصير فرجة للناس"، فرد عليها: "كمان عجبك إنتى نضل نايمين في الشارع".

واستطرد قائلاً لرصيف22: "وصلت إلى السرايا، وبالفعل كان لي ما سعيت إليه، نصبت الخيمة، وعشت فيها مع زوجتي وأولادي، وأصبحت جدرانها هي أثاث بيتنا البسيط".

يتابع وقد تغير لون وجهه: "كنت أدوّر على سلك أربط باب الخيمة، عندما سمعت صوت ابني الصغير، وهو يقول: نحنا عايشين هون".

يضيف: "فزّيت زي المصروع وأنا بقول: أيش في يا حبيبي، فوجدتُ أحد أفراد الشرطة، وقد أوقفه يسأله عن سبب وجوده في هذا الوقت المتأخر بميدان عام، كمنتزه السرايا".

"عارفين إيش معنى إنك تكون بلا سكن، يعنى إنك أصبحت تشبه آباءك وأجدادك الذين طردهم الاحتلال من بيوتهم في نكبة 1948، وقد ورثت منهم القهر والشتات والضياع، لكن الفرق هم مناضلين واحنا مخترقين القانون"

يقول أبو خالد أنه أخبر رجل الأمن بنصبه لخيمة كمسكن "حتى ربنا يفرجها"، لكن رجل الأمن استهجن ذلك، قائلاً: "والله عذر أقبح من ذنب، هيك أصبح موضوعك مش عنا بس، مع شرطة البلدية".

واستكمل أبو خالد كلامه، ضاحكاً بحزن: "والله يلّي مالو بخت لا يتعب ولا يشقى، ما غادرت المركز قبل أن أوقع تعهداً بإزالة الخيمة، ولمَّن رفعتها كإني خلعت قطعة من جسدي، لأنها شاهد على المأساة التي نعيشها".

وختم حديثه قائلاً: "اختصرتُ على نفسي المرمطة والبهدلة، ورجعت أسكن أنا و10 أفراد في غرفة قديمة في بيت العائلة. نصف البلاء ولا البلاء كله".

خيالات الشمعة ونباح الكلاب

لا تختلف حياة أم عزيز (30 عاماً) من غزة عن أبو خالد، فهي أم لأربعة أطفال صغار، أكبرهم في الثانية عشر من عمره، لم تجد بدلاً من خيمة الزينكو، لتعيش بداخلها هي وأطفالها، بعد سَجْن زوجها لتخلفه عن دفع إيجار المنزل لمدة أربعة أشهر.

"طلبتُ من زوجي قبل أن يذهب إلى السجن أن يدبر لنا سكناً، فرد عليَّ، والله مالنا غير حاكورة أبو العبد ابن عمي، هو مسافر وهي متروكة، ببيع بعض الأثاث وبشتري مستلزمات بناء خيمة من الزينكو، نعيش فيها أفضل من التشرد والعيش على أرصفة شوارع المدينة".

وتواصل أم عزيز: "صعب تكون عايش في القرن الواحد والعشرين بنظام بدائي، في الشتاء مثل البِركة والصيف فرن. لا كهرباء ولا مياه، كأنك عايش في صحراء. بيتك يزدحم بالكثير من القوارض والفئران التي تسير فيه بكل أريحية، كما أنه خالٍ من الخدمات، لكن ما باليد حيلة".

تتابع قائلة: "كل شيء في البيت مرعب، حتى الشمعة يلي يفترض تكون مصدر للضوء صارت عندي كابوس يؤرقني، أخاف تحرقني وأطفالي. واحنا نايمين كمان بتخيل أي جسم أمامي كأنه حيوان مفترس قادم لالتهامنا. ومع نباح الكلاب تشعر، وأنه قد اقتربت نهايتك".

وعن أصعب المواقف التي مرت بها أم عزيز، تقول لرصيف22: "يوم سقط حجر على رأس ابنتي، شفتها غرقانة بدمها. فكرتها ماتت، لكن ربنا كتب لها عمر جديد".

تختتم حديثها، قائلة: "والله حالنا لا بيسرّ حبيب ولا بيغيظ عدو، لكن الأمل بوجه الله الكريم".

"هدموا بيتنا"

بسبب عدم اتساع بيت العائلة، اضطر الشاب العشريني، أحمد أبو خشبة، يعمل موظفاً، إلى الزواج بشقة للإيجار، تجاوز إيجارها (150 دولاراً أمريكياً)، وهي تكلفة مرتفعة مقارنة بالراتب الذي يتقاضاه، فلم يستطيع الاستمرار في شقته المستأجرة.

يقول أحمد لرصيف22: "بعت مصاغ زوجتي الذهبي، لأتمكن من بناء بيت صغير على أراض حكومية".

وأضاف: "لكن للأسف، يا فرحة ما تمّت، فبعد شهر من السكن، داهمت قوّة من الشرطة برفقة كادر من سلطة الأراضي، منزلنا، وأمرتنا بإخلائه لتنفيذ عملية الهدم، وذلك بعد عدد من الإخطارات بإخلاء الأرض الحكومية".

واستكمل: "فشلت كل التوسلات المنطلقة من الحناجر المنكسرة في الوقوف أمام الجرّافات التي جاءت كالثور الهائج، الذي يسحق كل ما يعترض طريقه من أمل وإنسان وحجر".

ويختم: "هدموا بيتنا، وأصبح كومة تراب لا يغني عن المنزل ولا يحمي من الأخطار. يا حسرتي، لا أخذنا عنب الشام ولا بلح اليمن، راح ذهب الزوجة والسكن".

 "كل شيء في البيت مرعب، حتى الشمعة اللي المفترض تكون مصدر ضوء، أخاف تحرقني وأطفالي. واحنا نايمين بتخيل أي جسم أمامي كأنه حيوان مفترس قادم لالتهامنا. ومع نباح الكلاب أشعر كأن نهايتنا اقتربت"

يعلق الدكتور إبراهيم سعد، أستاذ الصحة النفسية، لرصيف22، على حالة المواطنين بلا سكن، ويقول: "يمثل فقدان السكن تجربة قاسية، وصعبة، وتولد إحساساً بالظلم والاضطهاد والغضب، لاسيما لدى الأطفال، لأنها تقتلعهم من بيئتهم وتعرّضهم لمخاطر متعددة، في الوقت الذي يكونون في بأمس الحاجة للحماية والاستقرار".

"الذين يعيشون بعيداً عن منازلهم وأحيائهم، غالباً ما يشعرون بالضياع والتشتت الذي يسهم في فقدانهم لثقتهم بذاتهم، كما ينتج عن ذلك تمتعهم بالسلوك العدواني".

ويشير وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان بغزة، ناجي سرحان، أن القطاع يعاني من عجز في الوحدات السكنية يقدر بـ 120 ألف وحدة، إضافة إلى حاجته لـ 14 ألف وحدة سكنية سنوياً لتلبية الزيادة السكنية الطبيعية.

ويُرجع سرحان تفاقم معاناة الأسر التي تعيش في منازل مستأجرة إلى الوضع الاقتصادي الصعب، والإجراءات العقابية على غزة، والتي شملت عدم صرف رواتب كاملة لموظفي السلطة الفلسطينية، وكذلك عدم تلقي موظفي غزة رواتب منتظمة منذ سنوات.

ويضيف ناجي سرحان: "ولا تتوفر الإمكانيات والموازنات لدى الوزارة بغزة للسيطرة على هذه الظاهرة، فجزء كبير من الفلسطينيين يعيشون بمنازل مستأجرة".

وكخيار مؤقت، توفر وزارة الإسكان بعض "الكرفانات" لعدد قليل من العائلات.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image