شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"يمنع توظيف الحوامل"... سياسة التشغيل في مصر تطيح بأحلام المتزوجات حديثاً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 3 سبتمبر 202102:03 م

"يمنع توظيف الحوامل".

بطبيعة الحال، لا تُكتب هذه الجملة ضمن إعلانات التوظيف، في الصحف والمواقع، لكنها تعبر عن واقع حقيقي، واتجاه أصبح سائداً مؤخراً في العديد من الشركات والمؤسسات في مصر، نحو عدم توظيف الحوامل، وحديثات الزواج، هرباً من تحمل أعباء إجازة الوضع، وغيرها من الامتيازات التي يقرها القانون للمرأة.

قصص حزينة ترويها نساء مصريات، عن صعوبة الحصول على وظيفة، خلال فترة الحمل، أو بداية الزواج، فأصبحت الأفضلية في هذه الحالة للرجال، أو لغير المتزوجات، وأصبح الأمر أشبه بالعرف بين الشركات.

"شعرت وكأنني أعاني من مشكلة، أو أن لدي ما يمنعني من العمل". هكذا عبرت الصحافية رحمة ضياء (29 عاماً)، عن غضبها، بعد رفضها في وظائف عدة، قبل توقيع العقد مباشرةً، خاصةً أنها اجتازت الاختبارات كلها بنجاح، مؤكدة أن الاعتذار عن الوظائف التي تقدمت لها، كان يتم بعد معرفتهم بأمر حملها، الأمر الذي خلف لديها شعوراً بالإحباط.

قصص حزينة ترويها نساء مصريات، عن صعوبة الحصول على وظيفة خلال فترة الحمل أو بداية الزواج.

وتنص المادة 92 من قانون العمل 12، لسنة 2003، على أنه "يحظر على صاحب العمل فصل العاملة في أثناء إجازة الوضع، ولصاحب العمل حرمانها من التعويض عن أجرها الكامل، عن مدة الإجازة، أو استرداد ما تم أداؤه منه، إذا ثبت اشتغالها خلال الإجازة لدى صاحب عمل آخر".


تمييز وفقدان أمل

كانت رحلة البحث عن وظيفة شاقة، ومرهقة، بالنسبة إلى رحمة، على الرغم من امتلاكها المهارات، والمؤهلات المطلوبة، إلا أن النتيجة كانت واحدة في كل مرة حاولت فيها الالتحاق بوظيفة، في مؤسسات عربية، أو مصرية، خلال فترة حملها، حتى فقدت الأمل، وقررت العمل بنظام اليومية، أو القطعة، كما تخبر رصيف22.

وفي أثناء عملها هذا، سافرت رحمة إلى محافظات بعيدة، متجاوزة ما يُشاع عن عدم التزام المرأة الحامل في العمل، أو عدم قدرتها على تحمل مشقته، وحققت نجاحاً رشحها لنيل جوائز عدة.

وتشير رحمة إلى أن التمييز ضد الحوامل، في العمل، والترقي، والأجور، بات أشبه بظاهرة عالمية، كما يُعاملن على أنهن عبء، وغير كفؤات، أو يتم إيهامهن بذلك، للضغط عليهن، بهدف ترك العمل.

تشابهت ظروف رحمة مع سارة سعيد (28 عاماً)، لكن القصة تختلف في بعض تفاصيلها. تروي سارة لرصيف22 معاناتها بعد الزواج، قائلةً: "بمجرد زواجي، تغيرت معاملة المديرين معي تماماً، تقريباً بعد عودتي من إجازة الزواج، بأيام".


سياسات الإدارة

وتضيف سارة، التي عملت في خدمة العملاء في إحدى شركات إصدار تأشيرات السفر: "في البداية، لم أفهم سبب اضطهادي، وتوجيه اللوم إليّ دائماً، والتقليل من العمل الذي أقوم به، على الرغم من أنني أعمل في الوظيفة نفسها منذ سنوات، وأتقنتها جيداً، حتى أصبحت مسؤولة عن فريق، إلا أن الإدارة فعلت كل شيء لإجباري على الاستقالة، بشكل غير مباشر، وعندما لم أستجب، طلبت مديرتي مني ترك العمل، لأنني لا أقوى عليه".

وتابعت: "أدركت أن الإدارة لا تفضل استمرار العاملات الحوامل، أو المتزوجات حديثاً، نتيجة الخوف من احتمال حدوث حمل في المستقبل، وهي بذلك لا تلتزم ببنود قانون العمل، في ما يتعلق بالإنجاب، والضمانات التي يتيحها للمرأة المرضعة".

وبالفعل، تركت سارة العمل، بعد هذه الضغوط كلها.

وطبقاً للمادة 70 من قانون الطفل المصري، تُخفض ساعات العمل اليومية للمرأة الحامل، ساعة على الأقل، بدءاً من الشهر السادس للحمل، في القطاعين العام والخاص، ولا يجوز تشغيلها ساعات عمل إضافية، طوال مدة الحمل، وحتى نهاية ستة أشهر من تاريخ الولادة، ولا يترتب على تخفيض ساعات العمل أي تخفيض في الأجر، فهذا تمييز إيجابي للمرأة العاملة الحامل.

"أدركت أن الإدارة لا تفضل استمرار العاملات الحوامل، أو المتزوجات حديثاً، نتيجة الخوف من احتمال حدوث حمل في المستقبل، وهي بذلك لا تلتزم ببنود قانون العمل، في ما يتعلق بالإنجاب، والضمانات التي يتيحها للمرأة المرضعة"


التحايل على القانون

يكشف الواقع أن الجهات الحكومية فحسب، هي من تلتزم بالقوانين المذكورة، التي تضمن حقوق الحوامل، في إجازات الوضع، وساعات الرضاعة والترقي، إلا أن الكثير من شركات القطاع الخاص، تمارس أشكال التحايل كلها للإفلات منها.

في حالة سلمى أحمد (اسم مستعار)، وهي معلّمة ثلاثينية، اتخذت المدرسة إجراءات متعنتة، من خلال لائحة داخلية تنص على إجازة وضع مدفوعة، لمدة ثلاثة أسابيع فقط، ولا تحصل المرأة بموجبها على أي حقوق أخرى.

وتوضح سلمى أنها اضطرت إلى التوقيع على اللائحة، حتى لا تخسر وظيفة مضمونة، مؤكدة أنها بالفعل تشعر بالظلم والمعاناة، لأنها تركت رضيعها بعد أقل من شهر، وبعد ذلك اضطرت إلى طلب إجازة من دون مرتب، لرعايته.

وتقول الدكتورة أمل زكي عمر، استشارية أمراض النساء والتوليد، إن المرأة الحامل، يمكنها القيام بالمهام اليومية كلها في العمل، والمنزل، على أكمل وجه، إذا لم توجد مضاعفات تستدعي البقاء في السرير، مستثنيةً الأشهر الثلاثة الأخيرة.

الكثير من شركات القطاع الخاص تمارس كل أشكال التحايل على قانون العمل لتفادي توظيف الحوامل.

وأكدت لرصيف22 أن العمل خلال فترة الحمل، يحسّن من نفسية المرأة كثيراً، ويساعدها على تجاوز أي متاعب.

ويقول مدير عام مؤسسة عربية خاصة، طلب عدم ذكر اسمه، إن المؤسسة لا تفضل تشغيل النساء الحوامل، لأن معظمهن لا يحرصن في هذه الفترة على مصالح العمل، ولا يلتزمن بالحضور في المواعيد المحددة، لكن فرص التشغيل متاحة للجميع.

ويوضح المتحدث لرصيف22 أن المؤسسة لا تخالف القوانين، فحتى لو أُنهي عقد أي موظفة، تُعوض مادياً وفق قانون العمل، والملاك يضعون مصلحة المؤسسة وسياستها، فوق كل اعتبار.


تعنت القطاع الخاص

بدورها، تشير الباحثة النسوية منى عزت، إلى أن الأزمة الحقيقية تواجه النساء العاملات في القطاع الخاص، والذي يمثل نسبة كبيرة من سوق العمل، ورأت أن حقوق المرأة الحامل التي تنص عليها القوانين مهضومة، ولا توجد أي ضمانات لتنفيذها.

وأوضحت عزت، التي عملت في ملف "المرأة العاملة"، في مؤسسة "المرأة الجديدة" الحقوقية، بأن المخالفة التي أقرها القانون على صاحب العمل، في ما يتعلق بالاعتداء على حقوق المرأة الحامل، هي غرامة مالية قدرها 100 جنيه فقط (6 دولارات)، وهو مبلغ هزيل لا يصلح كعقاب رادع.

وطالبت في حديثها لرصيف22، برقابة فعالة من قِبل مكاتب العمل التي لا تقوم بدورها، لوقف هذه الممارسات، من قِبل أرباب العمل في الهيئات الخاصة، موضحة أن هناك قطاعات تشترط للالتحاق بالعمل، ألا تكون المرأة متزوجة، كي لا تتحمل المؤسسة أعباء حملها، وولادتها.

وقالت إن تعيين النساء يكون بعقد مؤقت، وأحياناً تجبَر المرأة على التوقيع على استمارة الاستقالة، وبمجرد زواجها تُفصل من العمل، وتُلغى تأميناتها، أو يتم الضغط عليها من أجل ترك العمل، ويحدث ذلك تحت مرأى مكاتب العمل ومسمعهم، التي لا تقوم بدورها في مساندة المرأة العاملة، لصالح أصحاب الأعمال.


أين دور مكاتب العمل؟

ويعلق المحامي الحقوقي أحمد أبو المجد، مؤكداً أن ما يحدث مع النساء الحوامل، مخالف لقانون العمل، ويحتاج إلى تحرك من وزارة القوى العاملة، لأن هذه السياسة غير معلنة، ولكنها متّبعة داخلياً في الشركات، وتالياً تبدو أسباب الرفض، بعيدة عن كونها حاملاً.

وأشار خلال لقاء مع رصيف22، إلى أن الأزمة الحقيقية، هي علاقات العمل غير الثابتة (من دون عقود)، لذا تضيع حقوق العاملات كلها، فلا يمكنهن الشكوى بمكاتب العمل، لصعوبة إثبات علاقة العمل، ولا توجد حتى مكافأة نهاية الخدمة، في حالة الاستغناء، إذ يلجأ صاحب العمل إلى إجبار الموظفة على توقيع استمارة الاستقالة، مع عقد العمل لتأمين نفسه، وسهولة الاستغناء عنها، من دون مشاكل قانونية.

أحياناً تجبَر المرأة على التوقيع على استمارة الاستقالة، وبمجرد زواجها تُفصل من العمل، وتُلغى تأميناتها، أو يتم الضغط عليها من أجل ترك العمل، ويحدث ذلك تحت مرأى مكاتب العمل ومسمعهم، التي لا تقوم بدورها في مساندة المرأة العاملة

ويضيف أبو المجد أن المتضررات يجب أن يلجأن إلى تحرير محاضر في مكاتب العمل، والضغط من أجل مواجهة هذه السياسية السائدة، موضحاً أن الحمل والإنجاب، لا تتحمله المرأة وحدها، ولكنها مسؤولية مجتمعية يجب أن يرعاها المجتمع بأكمله.

ومكاتب العمل، هي الجهة المختصة بتلقي الشكاوى المتعلقة بمخالفات أصحاب العمل، وأنشئت عام 1962، ومن مهامها مراقبة التزام المنشآت المختلفة بأحكام قانون العمل، واتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على استقرار علاقات العمل، من خلال توعية الطرفين بحقوقهما، والتزاماتهما.

ويبلغ عدد مكاتب العمل ما يزيد عن 480 مكتباً مختصاً بمراقبة التزام المنشآت المختلفة، بأحكام قانون العمل والقرارات الوزارية الصادرة تنفيذاً له، لكنها تعاني من نقص القوى الوظيفية، خاصةً في ما يتعلق بمفتشي العمل الميدانيين الذين يقومون بالتفتيش على الجهات المخالفة للقوانين، والتي لا تؤمن على العامل، أو توظفه، من دون عقد، وبذلك لا تبدو قادرة على أداء مهامها بالشكل المطلوب.

وهذه المكاتب، هي الجهة الوحيدة التي تثبت حق العاملة في حال وقوع مخالفة، كما يؤكد أبو المجد، إلا أنها لا تنصفها، فغرامة فصل المرأة الحامل هزيلة للغاية، لكن في الوقت نفسه، فإن الشكوى تثبت حقها في حال اللجوء إلى القضاء، إذ تُعد بمثابة إثبات حالة.

ويوضح المحامي أن هناك فرصة لحصول المرأة الحامل على حقوقها المادية، من خلال التقاضي، لكن حكم المحكمة يستغرق وقتاً طويلاً، ولا يعيد لها سوى حقوقها المادية، ولا يضمن الرجوع إلى عملها مرة أخرى.

وعن إجراءات تقديم شكوى في مكتب العمل، تشير أمنية حسين، التي فُصلت من عملها عام 2017 عندما كانت حاملاً، إلى أنها حررت محضراً في قسم الشرطة، وشكوى في مكتب العمل، ولم تحصل سوى على رقم الشكوى. "لم يُتخذ أي إجراء يذكر، من قبل المكتب، لذا لجأت إلى التقاضي، وما زالت القضية منظورة في المحاكم"، تقول السيدة لرصيف22.


قوانين منصفة؟

في الفصل الثاني من الباب الخامس من كتاب "حماية المرأة في قوانين العمل والوظيفة العامة"، يحدد المجلس القومي للمرأة في مصر حقوق الأم العاملة، وهي متعلقة بشكل أساسي أيضاً بحقوق الطفل.

وفق الكتاب، تحدد إجازة الوضع للعاملة في الدولة، والقطاعين العام والخاص، سواء أكانت تعمل بصفة دائمة، أو بطريقة التعاقد المؤقت، بثلاثة أشهر بأجر كامل، وتستحقها المرأة لثلاث مرات، طوال مدة خدمتها.

ويقر النص مكتسباتٍ جديدة للمرأة العاملة، فلا يشترط مضي مدة معينة على التحاق العاملة بالخدمة، كي تتمتع بإجازة الوضع، كما يشمل العاملة بطريق التعاقد المؤقت، ويحدد عدد مرات استحقاق إجازة الوضع بثلاثة، ويقرر إجازة الوضع بأجر كامل، ويحظر فصل العاملة في أثناء إجازة الوضع.

هذه القوانين التي تسعى إلى إنصاف المرأة، هي نفسها سيف مسلط على رقبتها، فهي سبب رئيسي في الإحجام عن توظيف الحوامل، أو إجبار الحامل على توقيع تنازل عن حقوقها المادية، وإجازة الوضع مقابل التعيين.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard