شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"اطلعوا خارج غرفة نومي"... معاناة موظفات متزوجات ومطلقات في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 5 يناير 202006:04 م

عانيت كثيراً في مكان عملي من المضايقات، مثل كثير من زميلاتي وصديقاتي العاملات بالصحافة ومهن أخرى، عانيت من نظرات، همسات، وأحياناً لمسات أيضاً، كلمات تحمل أكثر من معنى يصعب إثبات الملمح الجنسي المقصود بها لزملائي ورؤسائي، ولكوني فتاة تدرك جيداً معنى هذه النظرات، ظلّ يتملكني شعور ساذج أنه ربما تنتهي هذه المضايقات بعد أن أصبح امرأة متزوجة، نزولاً إلى مستوى التفكير الذكوري لهؤلاء، فربما يقولون: حسناً، الآن هي امرأة متزوجة، لا بد من التوقف عن مضايقتها، وعندما أفصحت عما أفكر فيه لصديقي رد عليّ نصاً: "العكس هو ما سيحدث، بعد الزواج نظرتنا للنساء تكون دون ملابس تقريباً".

في عام 2009 أجرت مؤسسة المرأة الجديدة، وهي إحدى المنظمات المجتمع المدني في مصر، دراسة ميدانية حول التحرش الجنسي في أماكن العمل في محافظات مصرية عدة، كشفت عن وجود أشكال عدة للاستغلال الجنسي للنساء في أماكن عملهن، سواء كانت تلك الأماكن حكومية أو خاصة، كما أظهرت شهادات النساء في الدراسة أن التحرشات التي يواجهنها من الممكن أن تكون نظرات فيها إيحاءات ألفاظ وعبارات جنسية صريحة، إو إيحاءات أو حتى لمس ومضايقات،

معاملة مختلفة بعد الزواج

سمر، اسم مستعار، (30 عاماً)، تقيم في الإسكندرية، وتعمل في المجال الإعلامي، تقول لرصيف22: "أعمل في إحدى المؤسسات الصحفية المعروفة، ولي أصدقاء كثيرون، لكن علاقتنا لم تتجاوز المساحات الشخصية، فقط علاقة عمل، لكني فوجئت بعد رجوعي من إجازة الزواج بتعامل مختلف تماماً من زملائي الرجال والنساء معاً، إذ أصبح الرجال أكثر تجاوزاً معي في الحديث، وأصبح من المعتاد أن يحدثني أغلبهم بمصطلحات تحمل إيحاءات جنسية واضحة، مثل التعليق على تأخري في العمل، أو حتى إذا شاهدني أحدهم أحتسي القهوة فلا أنجو من مقولات مثل: اتأخرتي ليه؟ السهرة للصبح بقى.. أو تعليقات من نوعية: لسة بدري على يوم الخميس، مع ابتسامة بلهاء، وتعليقات أخرى على جسدي وعصبيتي أحياناً بأنني أعاني من لخبطة هرمونية جديدة".

وعن تأثير تلك الكلمات على نفسيتها، توضح سمر: "في البداية شعرت بالاستياء والخجل الشديد، ولم أملك القدرة على الرد، لكن مع الوقت، وتزايد الأمر، أصبحت أستشيط غضباً وأحرجهم أيضاً، لكن الغضب لم يجد نفعاً، وقررت أن أشكو لمديرتي في العمل، لكن رد فعلها أن زملائي سعداء من أجلي وهذه محاولاتهم لتقرب مني!".

مطلقة تعني "سيئة السمعة"

تختلف اللغة الموجهة للمرأة في العمل باختلاف حالتها الاجتماعية، ولكل حالة معاناتها الخاصة، فالمطلقة تعاني بشكل مختلف من هذا الأمر عن كونها عزباء أو متزوجة.

آلاء، اسم مستعار، (32 عاماً)، من محافظة الفيوم، روت لرصيف22 كيف تم التعامل معها بمجرد معرفة أنها امرأة مطلقة: "تعلمت أن أخفي حالتي الاجتماعية، باعتباري مطلقة، عن مكان عملي، لما تعرضت له من قبل في أماكن عمل سابقة دفعتني لترك وظيفتي أكثر من مرة".

"يحدثني المدير عن علاقاتي الجنسية قائلا: اللي داق مش  زي اللي مداقش".

"أنا في نظر زملائي ومديري امرأة سيئة السمعة، والحديث عن مدى تحضر العقول التي أتعامل معها هو مجرد هراء لا يمثل الواقع، فلم أنج من الجمل المكررة مثل: انتي اتطلقتي ازاي؟ ربنا يعوض عليكي!، فضلًا عن المعاملة التي لا تخلو نهائياً من النظرات الجارحة والكلام عن العلاقات الجنسية بين زملائي في العمل أمامي، ولا سيما حديث مديري معي عن احتياجاتي الجنسية بعد الطلاق، وكيف يمكنني تحمل عدم إقامة علاقة جنسية بعد الطلاق بمقولة: اللي داق مش زي اللي مداقش".

تستكمل آلاء: "لم أنج من شبح التحرش داخل مقر العمل، وفي إحدى المرات عرض عليّ مديري دون حرج إقامة علاقة جنسية، بحجة أنني 'صاحبة تجربة' وليس لدي ما أخسره بعد حصولي على أوراق الطلاق، تلجمت حينها، ولم أستطع غير الرفض دون امتلاك القوة على محاسبته على عرضه الجنسي أو محاولة فضحه، كل ما استطعت فعله هو تقديم استقالتي، بعد إدراك أنه لا سبيل لي في هذا العمل مرة أخرى".

"لكني تعلمت المراوغة والكذب بشأن حالتي الاجتماعية"، تستكمل آلاء، "فهذا ما أحتاج إليه في المجتمع حتى أقدر على مواصلة حياتي".

كل الطرق تؤدي إلى الجنس

"بعد عودتي من إجازة الزواج تغيرت نبرة الحديث معي من جميع أصدقائي رجالاً كانوا أو نساء"، هكذا بدأت مي عاطف (27 عاماً) من محافظة القاهرة، تعمل في إحدى شركات السياحة، حديثها.

تقول مي لرصيف22: "عندما استأنفت إجازة الزواج شعرت أنني تخلصت من كابوس كان يجثم على صدري، وأنني سأبدأ مرحلة أخرى من حياتي، وأتجاوز كل المشاكل التي عشتها خلال فترة ما قبل الزواج، من مضايقات من زملاء ومديرين ينظرون لي نظرة المجتمع الذكورية، لأنني الآن في عصمة رجل، ولا يصح التجاوز معي لكني كنت ساذجة".

"بعد رجوعي من أجازة الزواج إذا شاهدني زميل أحتسي القهوة، يقول كلمات مثل: اتأخرتي ليه؟ السهرة للصبح بقى.. أو  لسة بدري على يوم الخميس، مع ابتسامة بلهاء، وتعليقات أخرى على جسدي وعصبيتي أحياناً بأنني أعاني من لخبطة هرمونية جديدة"
"أنا كمطلقة في نظر زملائي امرأة سيئة السمعة، لم أنج من الجمل المكررة مثل: انتي اتطلقتي ازاي؟ ربنا يعوض عليكي!، فضلًا عن المعاملة التي لا تخلو نهائياً من النظرات الجارحة"

تكمل مي حديثها، بنبرة تملؤها الحسرة والقهر: "لم أكن أدري أن ما ينتظرني سيعكر صفوي هكذا، إنها حياة ما بعد الزواج ونظرة العاملين إلي، لحظت اهتماماً كبيراً من مديري المباشر في الشركة، اهتمام اعتبرته في البداية عادياً وربما في إطار التواصل والتهنئة، ولكن تبيَّن لي بعد ذلك أن الأمر يتعلق بمحاولة الإيقاع بي، ودفعي للحديث عن علاقتي الجنسية مع زوجي، وأصبح محور الحديث كله في هذا الإطار، إذا كنت غاضبة يوماً يفسرون ذلك بأن زوجي يهملني في العلاقة، وإذا كنت سعيدة فبالتأكيد لأنني حظيت ليلة أمس بعلاقة رائعة، فجميع التلميحات كانت لذلك الأمر، ما جعلني أشعر بالاشمئزاز، ودفعني للصراخ في الجميع، إذ ربما يخرجون بره غرفة نومي".

تقول مي: "في إحدى الأيام كنت أرتدي سكارف أثناء ذهابي للعمل، وبمجرد أن رآني زملائي حتى بدأت الهمسات والغمزات، وعندما تساءلت عن سبب ذلك، كان الرد مفاجئاً لي، فقد اعتقدوا أن السكارف فقط حتى أخبئ 'love bite' في عنقي، ما دفعني للجنون، وبقيت أبكي لساعات من هذا الإطار السخيف، ومحور الحديث الجنسي، فضلاً عن حديث زميلاتي معي كوني 'احلويت واتدورت' و'أصبح جسدي أجمل' بعد الزواج، واضطررت لطلب نقلي لفرع آخر للشركة كحل وحيد".

وتشير مي، وأخريات ممن تحدث رصيف22 إليهن، أنه من أكثر المرات التي تلقت فيها العروض الجنسية "كأنها مزحة"، كان داخل محل عملها، حيث قال لها زميل: "متأنقة هكذا فأين تذهبين؟" فأجابته: "مع زوجي"، ففاجأها بالرد قائلاً: "بكرة تحبي تغيري"، وتضيف، "عندما اشتكيت للمدير قرر أن يحل المشكلة بلفت نظر.. فضلاً عمن يأتي يشكو حاله مع زوجته الحامل، وعدم قدرتها على تلبية احتياجاته الآن، في إشارة إلى حسن حظ زوجي بعدم الحمل وأني بالتأكيد قادرة على إمتاعه".

"حامل! دي آخرة اللعب بالليل"

تظل المرأة المصرية تعاني من المساومة والتتبع في كل خطوات حياتها، فلن تُرحم من التحرش والوصم، سواء كانت عزباء، متزوجة، مطلقة، أرملة، حامل أو حتى لا تنجب.

تقول منى حسن (29 عاماً)، من سكان محافظة الجيزة، وتعمل في إحدى شركات صناعة المنسوجات: "أصبحت حاملاً بعد ثماني أشهر من زواجي، وكنت لم أنته بعد من تلميحات زملائي الجنسية، النساء قبل الرجال في العمل، حتى علموا بأمر حملي، وبدأ أسلوب الهزار يختلف تماماً وأصبح من نوعية: الله يسهلوا، تسلم أيده والله، أو دي آخر اللعب بالليل، في إشارة لزوجي".

وتوجز مي حالة المرأة العاملة المتزوجة في مصر: "أن تكوني متزوجة حديثاً فعليك أن تضعي عينك وسط رأسك دائماً، فلتنتبهي لطريقة مشيك، حديثك، صوتك، وحتى ضحكتك، وبالتأكيد لما ترتدين".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image