"ضقت ذرعاً بالعمل لدى الغير، فرغم عملي على مدار 12 ساعة يومياً لم أكن أتقاضى أكثر من ثلاثة آلاف جنيه شهرياً (190 دولاراً). بحثت عن عمل كثيراً ولم أجد أجراً يناسب إمكانياتي يفوق هذا المبلغ، لذا قررت تأسيس مشروعي الخاص لكنّي لم أكن أعرف كيف أبدأ".
هكذا يلخّص أحمد علوان (26 عاماً) أزمته في سوق العمل المصري. أحمد هو واحد من 2.5 مليون مصري يعانون من البطالة، ويبحثون بشكل حثيث عن عمل دون جدوى.
استمر حاله هكذا حتى صادف إعلاناً على فيسبوك عن دورة تدريبية مجانية للشباب حول كيفية دراسة السوق وإيجاد فكرة مشروع خاص، تنظمه مؤسسة "آل قرة" للتنمية المستدامة. قدّم أحمد للمشاركة في الدورة وقُبل، ومن هناك وضع قدمه على أول درجات سلم إنشاء مشروعه الخاص.
تقول المديرة العامة لمؤسسة آل قرة للتنمية المستدامة، الدكتورة منال الجميل، إن المؤسسة تستهدف زيادة الإنتاجية والتنافسية وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة من خلال التركيز على قضايا الشباب وتوفير فرص عمل لهم، لمساعدتهم في علاج مشكلة البطالة والحد منها.
ويجري ذلك عبر تحسين مهارات الشباب وتحسين فرصهم التنافسية في سوق العمل، "فنساعد الراغبين منهم في تأسيس مشروعاتهم الخاصة، وندرّب أيضاً الراغبين في العمل لدى الغير عن طريق تعليمهم ثقافة وأخلاقيات العمل، وتعريفهم على المواقع التي توفّر فرص العمل المناسبة لهم، وكيفية كتابة السيرة الذاتية وكيف يمكن التأقلم مع بيئة العمل وتأهيلهم للتعامل مع المراسلات والمكاتبات الرسمية".
وتضيف لرصيف22: "على الجانب الآخر، تدعم المؤسسة الشباب الراغبين في تأسيس مشروعاتهم بتدريسهم منهج منظمة العمل الدولية لرواد الأعمال، وينقسم إلى ثلاث دورات تدريبية: كيف تبلور فكرة مشروعك؟ كيف تبدأ هذا المشروع وتعدّ دراسة جدوى ناجحة؟ كيف تُكبّر وتُوسّع مشروعك؟".
ووفقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وصل عدد العاطلين عن العمل في مصر خلال عام 2020 إلى 2.5 مليون شخص، بينهم 1.9 مليون ذكر، و640 ألف أنثى، وبلغت نسبة البطالة في الفئة العمرية بين 15 و29 سنة 60.5% من إجمالي العاطلين عن العمل.
تدريب وتأهيل
يروي أحمد لرصيف22 أنه حصل على تدريبين ضمن هذا البرنامج قبل ثلاث سنوات، مكّناه من توليد مقترح مشروعه وعلّماه كيف يعدّ دراسة جدوى ويبدأ العمل بنجاح، وهو ما ساعده في إنشاء ورشة لتصنيع المسامير بمختلف أنواعها.
يقول إنه بدأ مشروعه الصغير بإمكانيات محدودة جداً، وواجه صعوبات في البداية لكنه تغلب عليها لاحقاً، وقدّمت له المؤسسة الدعم الفني اللازم خلال مراحل التنفيذ.
يقول الدكتور باسم عوض الله، المدرب الرئيسي لبرنامج "ابدأ وحسن مشروعك"، إن مؤسسة آل قرة للتنمية المستدامة تنظّم وتمول هذا البرنامج بدعم من منظمة العمل الدولية التي قدّمت الدعم الفني اللازم له في جميع مراحله، فمنحت المؤسسة حق استخدام موادها التدريبية ودربت مدربين شباباً حتى يكونوا على مستوى الكفاءة المطلوبة.
"ضقت ذرعاً بالعمل لدى الغير، فرغم عملي على مدار 12 ساعة يومياً لم أكن أتقاضى أكثر من 190 دولاراً. بحثت عن عمل كثيراً ولم أجد أجراً يناسب إمكانياتي يفوق هذا المبلغ، لذا قررت تأسيس مشروعي الخاص لكنّي لم أكن أعرف كيف أبدأ"
ويلفت إلى أن جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، وهو جهاز حكومي مصري، هو أحد شركاء المؤسسة، إذ يقدّم الدعم المالي اللازم لخريجي البرنامج بعد إعداد دراسة الجدوى، علاوة على تقديم الدعم الفني الذي يحتاجه المشروع، وتقديم تسهيلات على عدة مستويات خاصة متعلقة بتقنين المشروع.
ويضيف لرصيف22: "بدأ المشروع عام 2015، ويدرّب ما بين 500 إلى 700 شخص سنوياً"، مشيراً أن قرابة 40% من خريجي البرنامج نفّذوا مشروعاتهم الخاصة بعد الانتهاء من البرنامج بمدد زمنية قصيرة.
دعم مالي وفني
يقدّم البرنامج الدعم الفني اللازم للشباب أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة بمساعدة شركائه. تعدّ إدارة المؤسسة ملفات لجميع خريجي البرنامج وتظل على تواصل معهم، وتقدّم لهم استشارات كثيرة خلال عملهم والدعم الفني الكامل، وفقاً لعوض الله.
وعن تأثير هذه المبادرات في القضاء على البطالة وتحقيق تنمية اقتصادية، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور كريم عادل إن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تُعتبر حلاً سريعاً ومباشراً لمساعدة الشباب الراغبين في العمل، فكل مشروع صغير يوفّر عدّة فرص عمل، علاوة على أنها تساعد في خلق مجتمع منتج من الشباب، يثق في قدراته ويؤمن بالعمل الحر، إضافة إلى دورها في تحقيق العدالة في التنمية الاجتماعية المتوازنة بين مختلف فئات المجتمع.
80 مليار جنيه من القروض
وذكر بيان صادر عن جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر أنه موّل 1.4 مليون مشروع صغير ومتناهي الصغر، بإجمالي 32.3 مليار جنيه خلال السنوات السبع الماضية، أتاحت ما يزيد على مليونيْ فرصة عمل، وأن محافظات الوجه القبلي حظيت بنسبة 44% من إجمالي التمويل المتاح، كما حظيت القروض الموجهة للمرأة بنسبة 46% منه.
وأضاف البيان: "قدّم الجهاز 400 ألف خدمة بجميع المحافظات لمساعدة أصحاب المشروعات في إجراءات تأسيس المشروع واستخراج التراخيص اللازمة، ونظم 878 معرضاً داخلياً وخارجياً بمشاركة ما يزيد على 18 ألف عارض حققوا مبيعات بلغت 360 مليون جنيه".
"المشروعات الصغيرة والمتوسطة تُعتبر حلاً سريعاً ومباشراً لمساعدة الشباب الراغبين في العمل، فكل مشروع صغير يوفّر عدّة فرص عمل، علاوة على دورها في تحقيق العدالة في التنمية الاجتماعية المتوازنة بين مختلف فئات المجتمع"
من جانبها، أعلنت رئيسة مجلس إدارة الاتحاد المصري للتمويل متناهي الصغر منى ذو الفقار أن حجم تمويل المشروعات تضاعف أكثر من ثلاث مرات خلال أربع سنوات، وسجل 48 مليار جنيه في كانون الأول/ ديسمبر 2020، مقارنة بـ10.9 مليار جنيه خلال عام 2017، موضحةً أن عدد العملاء ارتفع من 2.5 إلى أكثر من أربعة ملايين مستفيد.
تحدّيات كثيرة
يقول باسم عوض الله إن أبرز التحديات التي تواجه المؤسسة الآن هي أن أكثرية المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر التي يؤسسها الخريجون ليست رسمية وغير مُقننة ولم تحصل على التراخيص اللازمة، ويضيف: "نتطلع لإقناعهم بالعمل ضمن الاقتصاد الرسمي".
علاوة على ذلك، يتابع، يواجه بعض الخريجين مشكلة في الحصول على قروض لبدء مشروعاتهم، فضمانات الإقراض كبيرة وكثيرة ولا يتمكن كثيرون من توفيرها، لافتاً إلى أن المؤسسة تعاني من ضعف إقبال الشباب على الالتحاق بالبرنامج، لانشغالهم بالبحث عن وظيفة.
وللمساعدة في حل مشكلة عدم تقنين المشروعات الصغيرة والمتوسطة، قدّمت الحكومة قانون تنمية المشروعات رقم 152 لعام 2020 الذي تضمّن حزمة تيسيرات وحوافز لدعم قطاع المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، والتوسع في تمويلها وفي تقديم الخدمات غير المالية من تدريب وتسويق لضمان استمرار هذه المشروعات ونجاحها، وتشجيع الشباب على العمل الحر وريادة الأعمال، بالإضافة إلى تقديم العديد من الحوافز للمشروعات العاملة في القطاع غير الرسمي لتشجيعها على الانضمام إلى القطاع الرسمي وتطوير منتجاتها وقدراتها التنافسية.
ركود الأسواق يهدد المشروعات
أكد أحمد أنه حقق انتشاراً كبيراً جداً خلال السنوات الماضية بفضل التدريب الذي حصل عليه، بينه تجزئة السوق وتشريح العملاء وآليات التسويق الفعالة، وأكد أنه وصل إلى طاقة إنتاجية يومية بلغت ثمانية أطنان، وعبّر عن امتنانه لمؤسسة آل قرة بسبب التدريب الذي حصل عليه وأهّله لدخول سوق العمل، وبدء مشروعه الخاص، علاوة على الدعم الفني الذي قدّمته له المؤسسة خلال فترة عمله.
ولكن أحمد يشكو من ركود الأسواق خلال الفترة الحالية، ما أثّر على عمله وانتشاره وتراجع إنتاجيته لتصل إلى ستة أطنان فقط يومياً، آملاً أن تعود الأوضاع إلى سابق عهدها قريباً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...