شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
حالات نفسية متنوعة في الدراما الرمضانية المصرية هذا العام... صور واقعية أم مبالغة؟

حالات نفسية متنوعة في الدراما الرمضانية المصرية هذا العام... صور واقعية أم مبالغة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 5 مايو 202102:30 م

اتخذت الدراما المصرية هذا العام منحى لافت، بتقديم عددٍ من الاضطرابات النفسية والسلوكية في سياق الأعمال الرمضانية. هو تحدٍ أصاب فيه من كان حقيقياً في التناول، وأخطأ من لجأ إلى التكرار واستسهال تناول نوعٍ من أشد أنواع الدراما تعقيداً، وهو الدراما النفسية.

في مسلسل "خلي بالك من زيزي" نرى اضطراب تشتت الانتباه وفرط الحركة، من خلال شخصية غير مفهومة بالنسبة لعائلتها وأصدقائها، ويتّسم سلوكها بالانفعالية الشديدة وعدم التركيز والغضب السريع. وفي مسلسل "اللي مالوش كبير" نشاهد اضطراب الشخصية النرجسية في أعلى درجاتها أذى وعدوانية، من خلال شخص مفرط الإعجاب بنفسه ولا يعبأ سوى برغباته. وفي "بين السما والأرض" نعيش مع شخصية أُجبرت على أن تكون مضطربة نفسياً ضمن سياق درامي غني ومختلف.

ضمن منحى لافت، قدمت الدراما المصرية هذا العام عدداً من الاضطرابات النفسية والسلوكية في سياق الأعمال الرمضانية.

إضافة لذلك، نرى شخصيات "حازم" و"هنا" في مسلسل "لعبة نيوتن"، و"يوسف" في مسلسل "حرب أهلية"، وهي تعاني من أنواع مختلفة من الحالات النفسية التي نرى تطورها مع تعاقب الحلقات.

وفي لقاء مع رصيف22، يتحدث الناقد الفني الدكتور خالد عاشور، عن تلك الشخصيات والأشكال التي تقدمها الدراما هذا الموسم. يقول: "قدمت السينما والدراما المصرية منذ عقود شخصية المضطرب نفسياً بأشكال مختلفة، منها ما كان مقتصراً على الكوميديا، كالاستعراض الغنائي 'عنبر العقلاء' لإسماعيل ياسين من فيلم 'المليونير'، تلاه بسنوات استعراض 'سلّملنا بقى ع التروماي' لنجاح الموجي. ذلك الجانب الكوميدي كان مقبولاً في زمنه، حيث الخلط الخاطئ بين مفهومي الاضطراب النفسي والجنون.



مرت بعدها الدراما والسينما في مصر، والعالم بشكل عام، بعرض الشخصيات المضطربة نفسياً بشيء من الدراسة والصدق في التناول، فابتعدت عن النمطية والكوميديا والوصم بالجنون، واتجهت الدراما المصرية نحو الجدية في عرض حالة الاضطراب النفسي بصورة مختلفة. من هذه الأعمال نذكر 'في كل أسبوع يوم جمعة' لآسر ياسين ومنة شلبي، وهذا العام أمامنا عدة أشكال جديدة".


تراكمات مختلفة

وفق حديث عاشور، فإن "خلي بالك من زيزي" أحد المسلسلات التي تناولت الاضطراب النفسي بصورة جادة ومختلفة. الشخصية الرئيسية "زيزي" وتؤديها أمينة خليل، مصابة باضطراب نفسي ناتج عن تراكمات سابقة وعدم ثقتها بنفسها، ما أنتج صورتها النهائية المضطربة، والتي أدت إلى مشاكل مع زوجها انتهت بالانفصال.

زيزي ليست الوحيدة المضطربة في المسلسل، فمع التدقيق في الشخصيات سنكتشف أن الجميع مضطربون بمن فيهم الطبيب المعالج لزيزي، محاميها وابنة خالتها التي تعاني من خوف مزمن من الأماكن الضيقة. هي اضطرابات ومخاوف نفسية قدمها العمل بحيادية ودون مبالغة.


حب الامتلاك

قدم خالد الصاوي في مسلسل "اللي ملوش كبير" شخصية الزوج العدواني والمصاب بحب الامتلاك والتلذذ بقهر زوجته بصور مختلفة، وتتقاطع هذه الشخصية، وفق حديث عاشور، مع شخصيته في فيلم "الفيل الأزرق"، وقد تعامل معها الممثل بذات الطريقة ونفس التعبيرات، مع المبالغة في استعراض اضطرابه النفسي الممزوج بعنف وتطورات نفسية سريعة غير منطقية، تختلف عن شخصية "زيزي" المحبوكة درامياً ونفسياً من حيث تصاعد الاضطراب عندها وعند باقي الشخصيات.

يتابع عاشور: "للأسف فإن صورة عابد لخالد الصاوي في 'اللي مالوش كبير' بها مغالطات نفسية وميل إلى الأداء المبالغ بالصوت والانفعالات، ما أدى لظهور الشخصية بصورة غير منطقية مفعمة بالعدوانية غير المبررة".


العاقل الذي أُجبر على الجنون

الشخصية الأهم والأكثر ثراء من حيث التقديم، برأي عاشور، هي التي قدمها محمد ثروت في مسلسل "بين السما والأرض". شخصية أجبرت على الاضطراب النفسي، وعلى التنازل عن أحلامها لصالح الغير بالقوة، فكانت النتيجة الزجّ بها في مستشفى الأمراض العقلية ووصمها بالجنون، ما آل بها إلى المرض النفسي لعدم استطاعة عقلها تحمل الظلم الواقع عليها.

قُدمت الشخصية بخفّة، وكُتبت بمشاعر واضحة دون الوقوع في فخّ نمطية التناول كما يقول عاشور، كما أن بها مسحة من الكوميديا المقبولة درامياً دون إسفاف أو إهانة للمريض ذاته.

"المسلسل ذكرني بتجربتي مع ابني"

"أثار فضولي ما أثير حول تناول اضطراب ADHD أو تشتت الانتباه وفرط الحركة في مسلسل خلي بالك من زيزي"، تحكي مها السباعي، وهي ربة منزل أربعينية، لرصيف22، وتكمل: "عندما شاهدته تذكرت تجربتي مع ابني نور على مدار 17 عاماً، وهو لم يكف عن الحركة المفرطة منذ ولادته".

وتشرح السيدة عن حالة ابنها: "في بداية التحاقه بالمدرسة بدأت ألاحظ تورطه في معارك مع أقرانه، ثم مشكلات مسك القلم أثناء الكتابة". وتستطرد أنه في الصفوف الأولى كان دائم التهرب من الفصل، فكان يطلب الذهاب لدورة المياه ويغيب لفترات طويلة، حتى تجده المعلمة أو إحدى المشرفات وهو يلعب في ساحة المدرسة، وعندما يحاولون إرغامه على العودة يتصرف بجنون كي يتركوه يفعل ما يحلو له.

وتتابع: "كان لديه من الذكاء الاجتماعي ما يدهشني، وكان يفهم كل ما يقدم إليه من مواد دراسية من المرة الأولى ويملّ من التكرار. لا يحب أن يشل حركته أحد، لدرجة أن معلمته قرّرت مرة أن تحكم جلسته على الكرسي وتراقبه، ففقد أعصابه وراح يقذفها بكل شيء أمامه حتى انهارت. عندما ذهبت في اليوم التالي للمدرسة نصحوني باللجوء لمعالج نفسي، ورشح لنا العلاج النفسي السلوكي مع بعض الأدوية. دأبت على البحث عن نقاط تميزه لأنمّيها، خاصة أنه لا يحب الدراسة. الآن أتم السابعة عشرة من عمره، تعلم الطبخ ويريد أن يصبح مصمم غرافيك".

تقديم مثل هذه الاضطرابات يرفع من الوعي، خاصة لدى الفتيات اللواتي يجدن صعوبة في التواصل مع الأطباء، وتشخيصهن أو تشخيص ذويهن

في البداية كانت مها قلقة من كيفية تقديم هذه الحالة المرضية الشائكة درامياً، لذلك تابعت المسلسل باهتمام، وتضيف: "ارتحت كثيراً لكونه أجاد التعبير عن معاناة أصحاب هذا الاضطراب وذويهم بشفافية ودون تصنُّع أو إسفاف".


"رأيت حياتي مع زوجي السابق"

"ربنا نجاني منه أنا وولادي". هكذا تبدأ س. م (38 عاماً) حديثها عن علاقتها بزوجها الذي تطلقت منه بصعوبة شديدة، بعدما اكتشفت أنه مصاب باضطراب الشخصية النرجسية. عانت السيدة التي تعمل موظفة ويلات هذه الحالة النفسية خلال 13 عاماً هي مدة زواجها، ومع قراءتها عن الحالة على مواقع إلكترونية، عرفت أن ما يعاني منه هو اضطراب نفسي، وليس "رجولة" كما كان يدعي مبرراً ثوراته وغضبه وضربه لها أحياناً.

وعندما عُرض مسلسل "اللي مالوش كبير" رأت تشابهاً كبيراً بين ما عانته البطلة "غزل" وما اختبرته هي، مع اختلافات بسيطة تخُصّ الطبقة الاجتماعية وأسباب ثورات الغضب المفاجئة بدعوى الحب والخوف عليها.

وتشير س. خلال حديثها لرصيف22 بأن تقديم مثل هذه الاضطرابات يرفع من الوعي، خاصة لدى الفتيات اللواتي يجدن صعوبة في التواصل مع الأطباء، وتشخيصهن أو تشخيص ذويهن، وتتمنى أن يتحرّى صُنّاع الدراما دائماً الدقة والعمق والشفافية، لأن الدراما المصرية لها قاعدة جماهيرية كبيرة.

على صُنّاع الدراما تحري الدقة والعمق والشفافية، لأن الدراما المصرية لها قاعدة جماهيرية كبيرة.


أهمية التناول الدرامي للصحة النفسية

يقول علي يحيى، وهو طبيب للأمراض النفسية والعصبية، أن مسلسل "خلي بالك من زيزي" تناول بالفعل اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه متجسداً في شخصيتي زيزي وتيتو، وهو اضطراب يرجح أن تكون أسبابه العوامل الوراثية والتاريخ العائلي وإصابات الحمل والولادة، ويظهر منذ الطفولة، فنرى طفلاً كثير الحركة ضعيف الانتباه والتركيز على شيء واحد، لا يهتم بالانتهاء من شيء إذا بدأه، ولا يعبأ بالتفاصيل، وكذلك نرى ضعف التحصيل المدرسي، لكنه يتمتع بالذكاء فى مجالات أخرى.

"هذا الاضطراب بالفعل منتشر، والوعي به مبكراً يحدد نوع العلاج الملائم سواء كان دوائياً أو سلوكياً، وإن أُهمل يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات أخرى كالشخصية الحدية. شيء مبشر كون الدراما أصبحت ترفع من وعي الناس بهذه الاضطرابات كي تُكتشف مبكراً"، يتابع يحيى في حديثه لرصيف22.

ولاضطراب الشخصية النرجسية عدة مستويات، وهو اضطراب سلوكي يظهر منذ الصغر على الطفل الذي لا يجيد الاعتذار، ويفضّل رغباته على حساب الآخرين، يولي مواهبه مبالغة كبيرة ويرى نفسه دائماً صاحب الحق. ووفق حديث يحيى، نرى إحدى درجات هذا الاضطراب في مسلسل "اللي مالوش كبير" بشخصية عابد تيمور، لكنه لم يقدّم لنا مسببات للمرض، ولا ظروف نشأة البطل، كما أنه أظهر مبالغة غير مبررة في العدوانية المفرطة.

هذه الاضطرابات بالفعل منتشرة، والوعي بها مبكراً يحدد نوع العلاج الملائم سواء كان دوائياً أو سلوكياً، وإن أُهملت يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات أخرى. شيء مبشر كون الدراما أصبحت ترفع من وعي الناس بهذه الاضطرابات كي تُكتشف مبكراً

ويضيف يحيى: "كغيره من الاضطرابات، هذا الاضطراب إن لم يُلاحظ منذ الصغر سيُنتج شخصاً متعاظم الشعور بالذات، يدفع الآخرين للاحتياج إليه وينتشي بالإعجاب بنفسه والتفاخر بصفاته المتضخمة، حتى لو اقتضى ذلك إلحاق الأذى بالآخرين من أجل تحقيق رغباته لإرضاء غروره. كما أن لديه شعوراً دائماً بالاستحقاق بدون مبرر، ويرى أن ما يطلبه أمر لا جدال فيه، حتى وإن اقتضى إبراز العداوة مع البعض والاستغلال للحصول على ما يريد".

وعن شخصية "جلال أبو الوفا" التي قدّمها الفنان محمد ثروت في مسلسل "بين السما والأرض"، يلفت يحيى إلى أنها مصابة باضطراب ما بعد الصدمة، نتج عن اكتئاب شديد أعقبته صدمة نفسية أفقدت الشخصية صوابها، خاصة عندما لم يُعالج بل أُودع مصحّة للأمراض العقلية كنوع من التجاهل والإمعان في إذلاله.

رغم بعض الإخفاقات، هي محاولات تحسب للقائمين على الأعمال الدرامية الرمضانية هذا العام، كسعي لتجديد مسار الدراما، وضخّ دماء جديدة تفيد على مستوى توعوي مجتمعياً وممتع درامياً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image