شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
خوف واستغلال... عن العلاقات مع

خوف واستغلال... عن العلاقات مع "مضطربين نفسياً" في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 20 ديسمبر 202005:22 م

قد تُهدم العلاقات يوماً بسبب أن أحد الأطراف خائن أو بخيل أو كاذب، أو يتسم بأي صفة سيئة نحاول أن نبتعد عنها. البعض يتخطى تلك العلاقات ببساطة، ولكن ثمة علاقات، سواء كانت عاطفية أم علاقات عمل وصداقة، مع شخص مضطرب نفسياً، قد تصيبنا باضطرابات نفسية واكتئاب، وتتركنا بين مشاعر تتراوح ما بين الشعور بالذنب لتخلينا عنهم، أو إنقاذ أنفسنا، خاصة في حالة عدم الاعتراف بالمرض، أو إحجامه عن زيارة الطبيب النفسي المختص.

مها (42 عاماً)، مترجمة تسكن في القاهرة، تزوجت شخصاً مضطرباً نفسياً، كانت علاقتهما "مؤذية لأقصى درجة"، بحسب تعبيرها، فلقد كانا متقاربين جداً، واستغرقت زمناً طويلاً. تقول لرصيف22: "كنت متزوجة في سن 22 عاماً، ومنذ بداية الزواج ونحن نعيش في بلد خليجي".

"رحلة إنقاذ نفسي"

أثناء ولادة مها الثانية، تصادف أنها كانت في نفس توقيت مرض أخت زوجها، ورغم أن ولادتها الثانية لم تكن سهلة أو سلسة، تقول: "كنت على مشارف الموت، وتم نقلي لغرفة العمليات وإنقاذي بأعجوبة، إلا أنه اتهمني أنني تعمدت أن ألد في هذا التوقيت حتى أمنعه من السفر إلى مصر ليطمئن على أخته، ورغم أن الأمر مضحك عندما أحكيه الآن، إلا أنه كان مؤذياً لأقصى درجة وقتها".

تكمل مها: "لم تتوقف العلامات على اضطرابه النفسي عند تلك المواقف، وإنما كان هناك تصرفات عدة أخرى، من بينها أنه يتخيل أحداثاً ومواقف وأحاديث لم تحدث من الأساس، ويظل بسببها يضرب في السيارة ونحن بداخلها، ويصرخ ويجن جنونه، لدرجة إنني كنت أخاف أن يضربني أنا شخصياً".

تعرض زوج هبة للاستغلال والإهانة من عائلته بسبب اضطرابه النفسي، ولكنها أحست بالخطر عندما صدم شاب بسيارته لأنه بصحبة فتاة، ونشر شائعات أنها تراودها فكرة الانتحار

طلبت مها من زوجها أن يستعين بأخصائي في طب النفس، أو استشاري علاقات زوجية، ولكنه رفض. ذهبت مها إلى الطبيب، وشخص حالتها بأنها مصابة باكتئاب: "كنت مدمرة نفسياً منه، وأخذت سنيناً طويلة للتعافي والعلاج، مع العلم أن ذهابي لطبيب نفسي كان أمراً سرياً، لأنه كان رافضاً تماماً لتلك الخطوة".

بدأت مها حينها ما تسميه "رحلة إنقاذ نفسي" لها ولأولادها وبناتها، فعملت على استقلالها المادي بعيداً عنه وعن أهلها على حد سواء، نظراً لرفضهم فكرة انفصالها عنه، رغم علمهم بحالته واضطراباته.

في النهاية، تقول مها: "بالفعل كان قرار الطلاق هو طوق النجاة لي، فانتهت علاقتي به، واقتصرت على ما يخص الأولاد".

"استفقت من الكابوس"

دخلت هبة (ثلاثينية تسكن في القاهرة، ولا تعمل) هي الأخرى في علاقة زواج بمضطرب نفسياً، تقول لرصيف22: "كان عمري 23 سنة وقت تلك الزيجة، طبعاً لم يصارحني أحد من أهله أو عائلته باضطرابه، ورغم أنه كانت هناك تصرفات مريبة من جانب أهله قبل الزواج، في فترة الخطوبة بالأخص، لكن لم يخطر على بالي أنه مضطرب نفسياً، من بينها عدم احترام أحد منهم له، وحتى في أمور تحضيرات الزواج الخاصة بنا، كانوا يستشيرون أخاه، يلجؤون إليه ويحترمون رأيه، رغم أنهما توأمان".

اكتشفت هبة بعد الزواج تلك الحالة من الاستغلال، التي يرزح تحت وطأتها شريكها، فمرتبه تستلمه والدته أو أخوه التوأم، ويخرجون منه مصروفاً يومياً له، ولكن صدمها شيء آخر: هياجه العصبي. ثم توالت الصدمات عندما أخبرها بعد الزواج أنه كان مصاباً بالتبول اللاإرادي حتى مرحلة الثانوية العامة، وكيف كان والده يجبره على إخراج مراتب السرير في الشمس أمام الجيران.

"في واقعة أخرى أتذكرها جيداً، وكانت هي التي وضعت ملامح نهاية علاقتنا وجعلتني أدرك أنني في خطر معه، حيث كنا في يوم ما داخل سيارته، فرأى شاباً وفتاة يبدو من مظهرهما أنهما مندوبا تسويق أو شيء كهذا، فأصر على صدم الشاب ثم سار بشكل عادي وكأنه لم يفعل شيئاً. الغرابة في الموقف كانت في رد أخته عليه عندما روى الموقف، فوجدتها تقول له: مش قلنا لك حرام كدة، بطل الحركة دي، فرد عليها: علشان يحترم نفسه، ماشي مع واحدة في الشارع ليه".

أحست هبة بالخطر على نفسها عندما كان يرفض خروجها من المنزل نهائياً، ونشر شائعة لكل من حولهما أنه يخشى عليها من أن تنتحر، شعرت أنه يمهّد لقتلها. تقول: "وأخيراً استفقت من هذا الكابوس، بعد أن انتهت علاقتنا، وكسبت قضية الخلع التي رفعتها عليه".

"نرجسي ومتشكك"

بخلاف هبة، كانت لمها عبد العظيم (35 عاماً)، مسوقة عقارية من الجيزة، علاقة عمل مع مضطرب نفسياً، تحكي لرصيف22: "رغم أنها لم تكن علاقة زواج، وكانت علاقة عمل فقط، ولكن أحد مدرائي السابقين في إحدى المؤسسات العقارية التي عملت بها، كان مثالاً حياً للاضطراب النفسي، وأعتقد أنه لم يكن يعلم أو أنه حاول الذهاب لطبيب نفسي، ولكن تصرفاته طوال الوقت كانت تتمحور حول حديثه عن مدى روعته كمدير، ومدى عظمة حظوظنا، نحن العاملين معه، بأن الله أوقعه في طريقنا، وكان يظل يسألنا عن رأينا فيه، رغم إنه يعلم تمام العلم إننا لا نملك الشجاعة لمصارحته، وأننا مضطرون لمجاملته نظراً للتدرج الوظيفي".

ولكن مشكلة مها لم تكن نرجسيته المفرطة، ولكن شعوره الدائم بأن الموظفين يخونونه، وأنهم يسربون بيانات العملاء أو أسرار الشركة لمنافسيه، وكان مشغولاً طوال الوقت بمراقبتهم ومعرفة ما إذا كانوا يتواصلون مع أي زميل من شركة أخرى أم لا.

"كل هذا كان يسبب لنا ضغطاً عصبياً ونفسياً، وشعوراً لا ينتهي بأننا مراقبون، ومنتهَكون طوال الوقت، ورغم أنني كنت وصلت لمركز جيد في الشركة، ولكن فور أن وجدت فرصة عمل في شركة أخرى تركت عملي معه، وكنت سعيدة جداً إنني هربت من كل هذا التوتر"، تقول مها.

الاكتشاف المبكر

"ليس كل الاضطرابات النفسية من اللازم البوح بها"، يقول الطبيب النفسي، مينا جورج. ويضيف في حديث لرصيف22: "أحياناً بعض الاضطرابات النفسية لا تصل لمرحلة الأذى النفسي، ولكن طبعاً لو تسبب تلك الاضطرابات في تصرفات مؤذية لشريك في العلاقة لابد من البوح والتحدث عنها بصراحة، خاصة لو كانت مثل الاكتئاب، السيكوباتية والنرجسية، والفيصل هنا هو رأي المختص النفسي".

ويشير جورج إلى أن المجتمع نفسه المحيط بالمضطرب نفسياً لا يملك الوعي الكافي للتعامل مع هذه الحالة، يوضح: "أحياناً يوجد من يستغلون اضطراب الطرف الآخر النفسي ليتنصلوا من مسؤوليتهم، ويأخذونه شماعة لتعليق أخطائهم هم أنفسهم، فيصبح كل رد فعل منه سببه اضطرابه هو فقط، في حين أن هذا ليس منطقياً بالطبع".

"تصرفاته طوال الوقت كانت تتمحور حول حديثه عن مدى روعته كمدير، ومدى عظمة حظوظنا، نحن العاملين معه، بأن الله أوقعه في طريقنا، وكان يظل يسألنا عن رأينا فيه"

ويشدد جورج على أنه ليس كل شخص مضطرب نفسياً مؤذياً للآخرين، يوضح: "هناك حالات نفسية مؤذية كالإصابة بالسيكوباتية، اضطراب الشخصية الحدية أو الشخصية الوسواسية، كل هذه اضطرابات قد تكون مؤذية للآخرين، على عكس بعض الاضطرابات التي قد تسبب نوبة هوسية لمدة أسبوعين، ولكن بعدها يعود الشخص للتفاعل بشكل طبيعي مع المجتمع المحيط به".

وينصح جورج المقبلين على الزواج، في حالة شكهم في اضطراب الطرف الآخر، باللجوء إلى أماكن متخصصة لعمل تقييم نفسي للمقبلين على الزواج، وأن تتم خلال فترة طويلة، وألا تقل فترة الخطوبة عن سنة، حتى يرى الشريك/ة شريكه/ها في كل حالاته، وتقلباته المزاجية.

أما عن تأثير إخفاء الاضطرابات النفسية على صاحبها نفسه، فيقول دكتور مينا، في نهاية حديثه: "لابد من الإشارة بأن الأمر يسبب حيرة للشخص المضطرب نفسه، وخوفاً دائماً من رد فعل الشريك في حالة اكتشافه هذا، من أن ينفره أو يرفضه، وكذلك عدم تقبل المجتمع المحيط نفسه له، لذلك فإن الحل الأسلم والأمثل، عندما يعرف الشخص ماهية اضطرابه النفسي، أن يلجأ الاثنان لطبيب أو مختص نفسي، ليتحدث معهم عن طبيعة الاضطراب وكيفية التعامل معه. وبالطبع فإن هذا أفضل من اكتشافه متأخراً، فيشعر الطرف الآخر بالخيانة وانعدام الثقة والغش".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard