بعد نجاح مسلسل "ما وراء الطبيعة" في تصدّر اهتمامات الجمهور على السوشال ميديا لمدة أسبوعين، إثر بدء عرضه على منصة نتفلكس، أعلنت منصّة شاهد عن إنتاج مسلسل آخر مأخوذ عن إحدى روايات الرعب التي كتبها أحمد خالد توفيق، في خطوة تعبّر عمّا هو أبعد من مجرد التنافس على أعمال المؤلف الراحل.
المسلسل الجديد سيكون مقتبساً عن رواية "سر الغرفة 207"، وهي رواية رعب من خارج العالَم الأشهر الذي أسسه توفيق في سنواته الأولى في سلسلة "ما وراء الطبيعة"، وتدور أحداثها حول غرفة فندق تحتفظ بسجل قديم من الأهوال التي تلتهم مَن يجرؤ على دخولها.
من المقرر أن يكتب تامر إبراهيم سيناريو المسلسل، وهو أحد تلامذة توفيق، وسبق أن قدّم أوراق اعتماده الأدبية عبر مجموعة قصص رعب وتشويق قصيرة بعنوان "قوس قزح"، اشترك في كتابتها مع أحمد خالد توفيق.
اختيار إبراهيم يعبّر على الأغلب عن رغبة منصة شاهد في الحفاظ على روح الرواية الأصلية، بعكس معالجة فريق نتفلكس الذي فكك عالم "ما وراء الطبيعة" لبناء دراما مختلفة، وعن رغبتها في تجنب الجدل الذي أثاره جمهور سلسلة "ما وراء الطبيعة"، كي تستفيد من الزخم الذي يوفّره هذا الجمهور.
لأن الرعب أجمل... لن ننتظر
قدّمت نتفلكس علامة مبكرة على إدراكها لتعطش العرب إلى دراما الرعب باللغة العربية. أدخلت مؤخراً ضمن خططها إنتاج مسلسلات أصلية بالعربية، تقدّمها مسلسل الرعب الأردني "جن"، والذي نال شهرة محدودة بسبب إنتاجه بقوالب غربية استفزت الجمهور الأردني ولم تجذب العرب.
لم تكتشف نتفلكس وحدها هذا التعطش، فقد سبقتها منصة VIU بشهور عندما قدّمت عام 2019 "زودياك" كأول عمل أصلي لها بالعربية، وهو أيضاً مسلسل مقتبس عن إحدى قصص توفيق، لكنها ليست بشهرة "ما وراء الطبيعة"، ولهذا لم يجذب "زودياك" جمهور توفيق للمنصة التي التزمت الحذر أثناء دخولها الأسواق العربية، آتيةً من جنوب شرق آسيا، من هونغ كونغ.
وفي الزمن السابق لمنصات عرض الأفلام والمسلسلات، ظهر مسلسل "أبواب الخوف" الذي عُرض عام 2011، والذي استدعاه الجمهور، خلال عرض "ما وراء الطبيعة"، في مقارنة مالت نسبياً للأول من حيث إخلاصه لطقوس الرعب المحلية، وهو من تأليف محمود دسوقي وأحمد خالد (المخرج)، بالاشتراك مع ورشة كتابة تضمنت تامر إبراهيم، ومحمد سليمان، وهو تلميذ آخر لتوفيق.
محاولات اختبار عوالم الرعب سينمائياً بدأت منذ عام 1945 بفيلم "سفير جهنم"، من إخراج وتأليف وبطولة يوسف وهبي الذي جسد دور الشيطان، في قالب غربي، وهو يحاول إفساد حياة أسرة فقيرة عبر إغراقها في النعيم.
وخلال الأعوام السبعين التالية، قُدّم العديد من أفلام الرعب، افتقد معظمها للإتقان الفني، ومُزج بعضها بألوان أخرى مثل الكوميديا، كما في فيلم "إسماعيل ياسين في متحف الشمع" (1956)، أو بالموسيقى والغناء كما فعل المخرج محمد شبل في فيلم "أنياب" (1981).
لكن في كل الأحوال، كان استقبال الجمهور لهذه النوعية دافئاً. بعض الأفلام احتفظت بجاذبيتها حتى الآن عبر العرض التلفزيوني مثل: "استغاثة من العالم الآخر" (1985) للمخرج محمد حسيب، "الإنس والجن" (1985) لمحمد راضي، و"التعويذة" لشبل (1987).
في السنوات الأخيرة، أصبح الجمهور أكثر تعرضاً لأفلام الرعب الهوليوودية، خاصة من النوع المعتمد على فكرة الاستحواذ الشيطاني، وهي التيمة الأكثر رواجاً في الثقافة الشعبية في كل البلاد العربية. ويُظهر الجدول التالي تطور إيرادات هذه الأفلام في دور العرض في مصر والإمارات، عبر بيانات موقعي "السينما.كوم" لمصر، و"Box-Office Mojo" للإمارات.
الرعب تحت أقدام الأفيال
عام 2014، أنهى فيلم "الفيل الأزرق" حقبة التقشف الفني لسينما الرعب، واكتسح عالم الإيرادات في مصر محققاً 31.4 مليون جنيه (4.4 ملايين دولار)، وتخطت إيراداته العالمية الخمسة ملايين دولار، وحصد 13 جائزة محلية في مهرجان جمعية الفيلم المصرية والمهرجان القومي للسينما، إضافة إلى جائزة لجنة التحكيم من مهرجان بروكسل للسينما الخيالية.
اعتمد الفيلم على رواية بنفس الاسم حققت أعلى المبيعات قبل عامين من صدوره، من تأليف أحمد مراد، وهو تلميذ آخر لأحمد خالد توفيق، وقد حوّلها مراد بنفسه إلى سيناريو قام بالعمل عليه المخرج مروان حامد لتقديم خلطة مثالية تلافت عيوب التجارب المحلية السابقة، مثل ضعف الخدع البصرية ومحاولة تطعيم الدراما بالوعظ ديني.
تُظهر الأرقام وجود طلب مستمر على أعمال الرعب العربية، لكن بنظرة أشمل، فإن التسلل الناجح للرعب إلى السينما، أتى عبر الأعمال الأدبية. وبشكل عام، لم يُخفق الأدب في أي مرة استُدعي فيها إلى السينما
وتكفل الإنتاج الضخم بعرض نفس تيمة الاستحواذ الشيطاني التقليدية، ولكن في قالب تشويقي، لشخصية طبيب نفسي يواجه قوى شيطانية قديمة تسعى للسيطرة على روحه.
نجاح الفيلم فتح الباب أمام إنتاج جزء ثان له بعد خمس سنوات، ليتكرر النجاح بشكل أكبر من خلال إيرادات محلية وصلت إلى 103.6 ملايين جنيه (6.2 مليون دولار)، وهي أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية كرقم مطلق، مع خطط مستقبلية لإنتاج جزء ثالث بنفس فريق العمل.
الرعب يغزو
في مهرجان كان السينمائي لعام 2016، نال فيلم الرعب الجزائري القصير "قنديل البحر" عرضه العالمي الأول، ثم حقق نجاحاً معقولاً في دور العرض العربية في عروض مجمعة مع أفلام قصيرة أخرى. وفي نفس العام، انطلق في لبنان مهرجان "مسكون"، كأول مهرجان عربي لأفلام الرعب.
في تونس، باع فيلم الرعب "دشرة" 200 ألف تذكرة في الشهر الأول لعرضه خلال عام 2019، وهو رقم ضخم جداً نظراً لعدد شاشات السينما التونسية الذي لم يكن يزيد عن 30 شاشة في تونس كلها خلال وقت عرض الفيلم. وفي نفس العام، شهد المغرب أول فيلم رعب محلي وهو "عاشورا" الذي فاز بجائزة دولية، كما أنتج الفيلم اللبناني القصير "قصة حقيقية".
وفي نهاية العام، خصص مهرجان مراكش حلقتين نقاشيتين في ورشة أطلس لمناقشة صعود وجذور سينما الجنر (من بينها الرعب)، وكان هذا أكبر اعتراف فني إقليمي بالموجة الصاعدة.
هذا العالم نشيّده فينهار رعباً
نجاح عوالم الرعب وتعلّق الجمهور بها، ربما يداري على فشل عدد من أعمال الرعب الأخرى التي تساقطت تباعاً، سواء عبر المنصات أو في دور العرض.
ففي نهاية عام 2019، وقبل أن تهدأ العاصفة التي أثارها "الفيل الأزرق 2"، لم يهتم الجمهور بعرض فيلم رعب آخر هو "بيت ست" الذي جمع نصف مليون جنيه بصعوبة.
وفي عام 2020، ومع إغلاق دور العرض بسبب انتشار فيروس كورونا، استثمرت منصة شاهد في أفلام الرعب، فمن بين ثلاثة أفلام مصرية عُرضت حصرياً على المنصة، كان فيلم الاستحواذ الشيطاني "الحارث" للمخرج محمد نادر وبطولة أحمد الفيشاوي وياسمين رئيس، وفيلم "خط دم" للمخرج الأردني رامي ياسين وبطولة نيلي كريم مع النجم التونسي ظافر العابدين، في أول تناول معاصر لتيمة مصاصي الدماء، وهو أيضاً أول فيلم أصلي لمنصة شاهد.
تلقى الفيلمان نقداً سلبياً قاسياً، في الأساس بسبب غرقهما في عوالم غربية، فصناع العملين أخلصوا لأصول الرعب الغربية أكثر من متطلبات الدراما المصرية.
ولم ينتهِ عام 2020 بدون المزيد من الرعب، فقد شهد الأسبوع الأخير من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر بدء العرض التجاري في مصر لفيلم الرعب "فيرس" للمخرج "أسامة عمر"، عبر 20 شاشة، ومن غير المتوقع تحقيق الفيلم لنجاح كبير، بسبب عدم شهرة طاقم عمله وأبطاله، إضافة إلى تشديد القيود على دور العرض وإغلاق بعضها تماماً بسبب الموجة الثانية من تفشي فيروس كورونا.
وخلال أسبوع الأول من كانون الأول/ ديسمبر ستستقبل دور العرض المصرية فيلم "خان تيولا" لوسام المدني، بطولة وفاء عامر ونضال الشافعي، ثم يتبعه "عمّار" للمخرج محمود كامل، بطولة إيمان العاصي وشريف سلامة، وسيُعرض الفيلم في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ضمن برنامج عروض منتصف الليل، ومن غير المتوقع أن ينال الفيلمان نجاحاً كبيراً.
تفضيل الأدب عن الرعب
تُظهر هذه الجولة وجود طلب مستمر على أعمال الرعب، لكن بنظرة أشمل، فإن التسلل الناجح للرعب إلى السينما، أتى عبر الأعمال الأدبية. وبشكل عام، لم يُخفق الأدب في أي مرة استُدعي فيها إلى السينما، كما يُظهر الجدول التالي لتقييم إيرادات أفلام مصرية مقتبسة من أعمال أدبية، وتحمل نفس اسم الأعمال، في السنوات الأخيرة:
الأفلام الأربعة في الجدول، ومن خلال موازنة إنتاج متوسطة، سجلت أداء على شباك التذاكر أفضل من معظم الأفلام في سنواتها: "هيبتا" المقتبس عن رواية رائجة أصبح أكثر فيلم رومانسي يحقق إيرادات في تاريخ شباك التذاكر المصري، ورغم التجارب السابقة المؤلمة لأفلام التشويق السياسية، فقد نجح "مولانا" و"تراب الماس" في جذب الجمهور.
أحمد مراد، وهو صاحب الحظ الأفضل في اقتباس كتبه للسينما والتلفزيون (فيرتيجو، الفيل الأزرق، تراب الماس)، له مشروع مقبل هو "كيرة والجن" المقتبس عن كتابه "1919"، وهو دراما تشويق تاريخية ستكون الأضخم إنتاجاً عند عرضها في 2021 كما هو مخطط.
محاولات اختبار عوالم الرعب سينمائياً بدأت منذ عام 1945 بفيلم "سفير جهنم"، من إخراج وتأليف وبطولة يوسف وهبي الذي جسد دور الشيطان، في قالب غربي، وهو يحاول إفساد حياة أسرة فقيرة عبر إغراقها في النعيم
اعتمدت هذه الأفلام على سمعة سابقة لروايات اعتلت قوائم مبيعات الكتب، بينما اتّجه الإنتاج التلفزيوني إلى كلاسيكيات أدبية لكبار الكتاب في مسلسلات: "موجة حارة" (2013) عن رواية لأسامة أنور عكاشة، "بنت اسمها ذات" لصنع الله إبراهيم (2013)، "أفراح القبة" لنجيب محفوظ (2016)، "لا تطفئ الشمس" (2017) لإحسان عبد القدوس، و"واحة الغروب" (2017) لبهاء طاهر.
اعتمد تسويق هذه المسلسلات على أسماء الروايات الأصلية وشهرة مؤلفيها، وعُرضت في المواسم الرمضانية التي تشهد ذروة التنافس التلفزيوني، وكلها نالت إشادات نقدية واهتمام الجمهور، وسيُضاف إليها المسلسل التاريخي المقتبس عن رواية "كفاح طيبة" لنجيب محفوظ، ويُنتظر أن يكون أضخم إنتاجات موسم رمضان 2021.
عمالقة من ورق
وراء قصة نجاح أول أفلام سلسلة "الفيل الأزرق" السينمائية، تأتي قصة نشأة شركة "الشروق للإنتاج الإعلامي" التي تتبع دار نشر "الشروق" التي كانت قد أصدرت الرواية عام 2012.
كان هذا هو العام العام المفصلي الذي ظهرت فيه شركة إنتاج "الشروق"، وحملت نفس اسم دار النشر، لاستغلال حقوق التحويل السينمائي والتلفزيوني التي تستحوذ عليها الأخيرة عبر اتفاقاتها الأولية مع المؤلفين وورثتهم.
فمن أصل عشر أعمال قدّمتها الشركة، هناك أربعة ذات أصول أدبية، مثل مسلسلات "عايزة أتجوز" (2010) المأخوذ عن كتاب كوميدي لغادة عبد العال وقامت بدور البطولة فيه هند صبري، "فيرتيجو" (2012) لأحمد مراد من بطولة صبري أيضاً، و"أفراح القبة" (2016) للمخرج محمد ياسين والمأخوذ عن رواية نجيب محفوظ، إضافة إلى الجزء الأول من "الفيل الأزرق"، بينما غابت الشركة عن الجزء الثاني من الفيلم لأن السيناريو الذي كتبه مراد للسينما مباشرة لم يعتمد على الرواية التي تحمل "الشروق" حقوق نشرها.
وكإشارة أخرى على القوة الجديدة الناشئة لدور النشر، فإن الإعلان عن إنتاج مسلسل "سر الغرفة 207" جاء من خلال دار نشر "كيان" التي تستحوذ على حقوق الاقتباس الدرامي للرواية. وحول هذا النوع من الحقوق يدور السباق الحقيقي الآن بين المنصات وشركات الإنتاج التي تنقّب عن الأصول الأدبية الصالحة للاقتباس.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...