رحلتنا مع أطفالنا ليست سهلة، وكثيراً ما نخطئ خلالها بسبب الجهل أحياناً، وبسبب اليأس أحياناً أخرى، فنرفع سريعاً الراية البيضاء غير مدركين أن التربية ليست فقط أن تشترى متطلبات الطفل أو تهدهده، ولكن لها أصول وقواعد تحكمها.
يرى خبراء التربية أن داخل كل طفل صندوق أسود هو اللاوعي. وهذا الصندوق يمتلئ بمعلومات يأخذها الطفل منذ ميلاده ويتلقاها من والديه والبيئة المحيطة به. ولا بد أن نعي جميعاً، كماً وكيفاً، أن المعلومات التي نعطيها لأبنائنا من خلال تصرفاتنا، إرشاداتنا، عباراتنا، جميعها أشياء تتكون في اللاوعي لدى الطفل ويستدعيها لاحقاً. ولذلك لا بد من أن نحذر مما نملأ به لاوعي أطفالنا، لأنه سيشكل في النهاية إدراكهم وكينونتهم مستقبلاً.
ويرى الخبراء أن العوامل الجينية التي يرثها الطفل من الأبوين وتولد معه وتتحكم في طباعه لا تمثل أكثر من 40% من مجمل سلوكياته، أما باقي الـ60% فهي سلوكيات يكتسبها الطفل من البيئة المحيطة به، وعلى رأسها الأبوين. وبالتالي نصل إلى نقطة هامة، وهي أن جميع سلوكيات الإنسان تعتمد بشكل أساسي على طريقة تربيته وتنشئته.
ويقع كثير من الآباء والأمهات في أخطاء شائعة عند القيام بأدوارهم تجاه أبنائهم، سواء كانت بقصد أو بغير قصد. ويكشف لنا خبراء عن بعض هذه الأخطاء الشائعة لنتلافاها ونحن نربي أبناءنا.
1- التفرقة في المعاملة بين الأبناء والمقارنة بينهم
يرى الدكتور ياسر نصر، مدرس الأمراض النفسية والاستشاري التربوي، أن التفرقة في المعاملة بين الأطفال كارثة بكل المقاييس. وبرغم نفي معظم الآباء والأمهات لهذه التفرقة، إلا أن أبناء كثيرين يشعرون بها، والمطلوب هو التوازن والعدالة عند قدوم الطفل الثاني الذي غالباً ما يكون أكثر هدوءاً وجاذباً للانتباه نتيجة اكتساب الأبوين لخبرة في التربية. ومن هنا تبدأ التفرقة، سواء المعنوية أو المادية. ويضيف أن المقارنة بين الإخوة طريقة غير عادلة في التربية، لأن الفروق بين الأولاد ستبقى موجودة دائماً. وتؤدي المقارنة إلى زرع المرارة بينهم، والحط من قدرات الأقل تقديراً، لافتاً إلى أن قول الأم "أنا أقارن لكي أحفّز" غير صحيح من خلال الواقع العلمي، وإنما تكون المقارنة من خلال سرد قصص الأشخاص النابغين بطريقة هادئة وبدون انفعال.2- معايرة الطفل بالتبول اللاإرادي
وشدد نصر على أن التبول اللاإرادي مشكلة تواجه بعض الأطفال، ويستلزم التخلص منها شهرين تقوم خلالهما الأم بتعويد الطفل على التبول في مواعيد متباعدة منتظمة، أي أن عليها مطالبة الطفل بالتبول كل ساعة مثلاً أو حسب معرفة الأم باحتياجات طفلها، ليتعود على التبول بصورة منتظمة. ويجب ألا يُعيّر الطفل بذلك أمام آخرين، لأنه يسبب الألم النفسي له ويزيد من حدة المشكلة.3- الإهمال وعدم إشباع حاجة الطفل للرحمة والحب والحنان
ولفت إلى أن هنالك نوعاً من الآباء يتعاملون مع أبنائهم بقسوة وعنف كأنهم عسكريون أو ماكينات، فيوبّخونهم وينتقدونهم في كل صغيرة وكبيرة. وأوضح أن هذا الخطأ يترك في نفس الطفل آثاراً سيئة، لذلك يجب أن تكون هنالك دائماً مساحة من المرح والترويح مع التعامل الهادئ المطمئن بحب وحنان ليسود التفاهم بين الجميع. وتابع نصر أن إهمال الأبناء أيضاً يؤثر على الأسرة بأكملها، ويجعل الطفل يشعر بالغيرة من أقرانه الذين يحظون باهتمام والديهم، وينعكس ذلك على تصرفاته التي تتسم بالعدوانية في مدرسته من أجل أن يلفت الانتباه إلى نفسه.4- العناد
ومن جانبه، رأى الدكتور محمد السعيد، أخصائي العلاج الطبيعي وتنمية مهارات الأطفال أن العناد هو أحد الأخطاء الجسيمة التي نرتكبها بحق أبنائنا، فأحياناً يكون الأب عنيداً والأم عنيدة، فنجد أن الطفل تربى على العناد وتعلّم أسلوب والديه، وبالتالي سيدخل معهما في صدام ويكون أيضاً شخصية عنيدة. وقد يعاندك طفلك لأنّه يشعر بحاجته إلى احترامك له وإثبات ذاته. وبالتأكيد فإن تفهّمك له وتعاطفك مع رغباته، حتّى لو لم تحقّقها له، سيساعدك في التعامل معه. فمثلاً إن صمّم ابنك على أمر أنت تراه غير مناسب تماماً، لست مضطراً إلى الموافقة لتنهي الأمر، لكنك تستطيع أن توفّر له التعاطف والتفهّم. فإذا أصر صغيرك على ارتداء زي سوبرمان للمدرسة، فأنت لا تستطيع السماح له بذلك، لكن يمكنك إظهار تفهّمك واقتراح حل بديل: "أنت تحب هذا الزي وتتمنى لو استطعت ارتدائه دائماً أليس كذلك؟ لكن للمدرسة زي خاص ولا يمكننا تغييره، لذا لا تستطيع ارتداءه للمدرسة، لكن ما رأيك لو أخذناه معنا لترتديه في طريق العودة للبيت؟".5- الضرب
وسيلة الضرب غير مقبولة على الإطلاق، لأنها تعكس شخصية قليلة الحيلة لا تجد إلا الضرب وسيلة للتقويم، في حين أنه لو فكرنا فسنجد وسائل بديلة لتحقيق الهدف بدون أن نترك انطباعاً سيئاً في نفوس الأبناء. لذا عندما تعاقب طفلك أنت تحرمه من أمر مهم جداً، وهو مواجهة أخطائه داخلياً مع نفسه. وينصح السعيد باستغلال الموقف لتعليم الطفل وليس لعقابه، فمثلنا جميعاً، الأطفال لا يتعلّمون وهم في حالة المواجهة أو الفرار، وكل طفل لديه الرغبة بإسعاد أهله، لكن كلما عاقبته وخضت حروباً معه، كلّما قللت من هذه الرغبة. وعندما يبدي صغيرك غضباً وانزعاجاً اصبر وساعده على التعبير عمّا يشعر به، فهذا سيبدد تلك المشاعر، وعندما يهدأ ويصير قادراً على سماعك ذكّره بحدودك وقوانين بيتك.6- عدم تناول وجبة الإفطار وتناول الوجبات السريعة
ويضيف السعيد أن من العادات غير الصحية أيضاً، والتي تسبب أضراراً لأبنائنا عدم تناول وجبة الإفطار. فالأطفال الذين لا يتناولون وجبة الإفطار سوف ينخفض معدل سكر الدم لديهم، وهذا يقود إلى عدم وصول غذاء كافٍ إلى خلايا الدماغ، ما يؤدي إلى انحلالها. ولذلك لا بد من الحرص على إعطاء الأطفال وجبة غذائية متكاملة في الإفطار تحتوي على فواكه وعصائر طازجة حتى تنبه العقل للقيام بالأنشطة الحركية والمجهود الذي يبذله الطفل طوال اليوم. ويحذّر السعيد من تناول الوجبات السريعة، فتعويد الطفل على تناول الحلوى والمأكولات التي تحتوي على سعرات حرارية عالية وتجاهل تقديم الخضر والفاكهة، وبالتالي اعتياده على تجاهلها في ما بعد، يجعله عرضة للإصابة بالبدانة، وهي من الأمراض التي يصعب التخلص منها، وخاصة حين يعتاد على هذه الطريقة الخاطئة في التغذية ويظل شبح البدانة يلازمه طوال حياته.7- الهزّ المستمر للطفل
ويضيف أخصائي العلاج الطبيعي، أن الهز المستمر للطفل يعتبر سلوكاً أقرب إلى العادة لدينا جميعاً، فنحن نعتقد أن هذا السلوك سيساعد على تهدئة الطفل ومنعه من البكاء ولكنّه يؤذي الطفل بشكل مباشر، وهو الخطأ الذي يؤثر بشكل سيء على الدماغ ويؤدي أحياناً إلى إصابة الطفل بفرط في الحركة وعصبية شديدة قد تؤثر عليه، وغالباً ما يعتادها الطفل، وبالتالي يزداد الإيذاء الذي يتعرض له.8- الألعاب الإلكترونية والكارتون
ويحذر السعيد من الألعاب الإلكترونية وأفلام الكارتون، ويرى أنها تقتل الذكاء الاجتماعي والذكاء اللغوي، وتسبب نزيف الدماغ لشدة التركيز، واستهلاك خلايا الدماغ قبل أوانها، وعندما يكبر الطفل فإنه يفتقد بعض المهارات. وأشار السعيد إلى أن هنالك عدداً كبيراً من الأطفال في غيبوبة عن العالم الواقعي بسبب الألعاب الإلكترونية، كما أن الألعاب الإلكترونية والكارتون يساهمان في إنشاء طفل عصبي وعنيف، العنف الذي أصبح ظاهرة في أفلام الكرتون المخصصة للأطفال، لذا أصبح شائعاً أن نجد الأطفال يأتون بأفعال عنيفة في التعامل. وما علينا فعله هو "القيام بقدر من الرقابة على ما يشاهده الطفل في الإعلام أو ما يلعبه من ألعاب إلكترونية، كما يجب علينا التحكم في أعصابنا وطرق تعاملنا مع الطفل أو مع الآخرين أمامه، وذلك حتى نوصل إليه رسالة مفادها أن الصوت العالي والعنف ليس من طرق التعامل بين البشر.9- الإقلال من شرب الماء
الدماغ يتكون من 85% من الماء، ويجب أن يتناول الطفل كوب ماء (قنينة صغيرة) كل خمس وأربعين دقيقة، خاصة أثناء اليوم الدراسي، فإذا لم يشرب الطفل يصدر الجسم حركات لا إرادية (كحة - عطس - تحريك الكرسي)، ويظهر للمربي أنه يفتعل الإزعاج.10- عدم تمكين الأطفال من عيش طفولتهم الطبيعية
ويختم السعيد بأن من الأخطاء الشائعة أيضاً عدم تمكين الأطفال من عيش طفولتهم الطبيعية، فمثلاً الكتابة على الجدران سببها عدم التمكّن من الكتابة الحرة في السنين الأولى. ومن الخطأ أيضاً تهميش الأطفال وأمرهم بالسكوت وتعنيفهم في المناسبات، وتحجيم حركتهم داخل المنزل أو خارجه، وكذلك السخرية من أفكار الطفل والتعليق غير التربوي على ما يقدمه من إنتاج وتقدم، فبذلك تصبح الدافعية لديه متدنية. كما أن قفل باب الحوار مع الطفل منذ الصغر بحكم العادات والتقاليد الخاطئة يقتل الذكاء اللغوي والاجتماعي لديه.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...