تتسم الشخصية النرجسية بصفات سوداوية تجعل صاحبها يستغل الطرف الآخر بكل ما أوتي من قوة، وكأنّ ما يأخذه من الآخر هو حق له، إضافة إلى أنه لا يشعر بآلام الآخرين، لا يهتم إلاّ بنفسه وبأن يكون هو المسيطر في علاقاته مع من حوله.
والنرجسية هي اضطراب في الشخصية تجعل صاحبها يشعر بأنّ من حوله دونه، أي ينظر للآخرين بنظرة دونية حتى لو لم يكن يمتلك أدنى مقومات التفوق، التميز أو الثقافة. بارع في انتقاد الآخر، يستخدم أسلوب الإسقاط في حل مشاكله، أي يسقط سبب المشكلة على الآخر، ولديه ثقة مفرطة بنفسه بالرغم من هشاشة داخله.
يُستفزّ بسرعة، فيلجأ للسلوك العدواني كطريقة للدفاع عن النفس ولقهر الآخر. عنيد، لا مبالي، عصبي، من وسائل دفاعه عن نفسه عقاب الآخر وإهانته والسخرية غير المبررة، وهو شخص غير مبادر.
وعلينا أن نفصل بين السلوك العدواني والسلوك النرجسي، فليس بالضرورة أن كل من استخدم سلوكاً عدوانياً سيكون شخصاً نرجسياً، لكن كل شخص نرجسي هو عدواني بطبعه.
الانتقاد للتحكم في الآخر
يشير البروفيسور الأمريكي بيرستون ني، في كتبه التي ألفها حول الشخصية النرجسية، إلى عدة علامات تميز الشخص النرجسي من غيره، ومنها:
الإسقاط، أي إلقاء اللوم على الآخر وجعله يشعر بالذنب لإخفاء فشله، إضافة لنقده الدائم للأشخاص والأفكار والتوقعات والظروف التي تحيط به، وإهانة الطرف الآخر بمعاملته كطفل، وكل ذلك سعياً للشعور بالهيمنة والتميز والتحكم، من خلال توجيه النقد الدائم كي يكون هو المسيطر على العلاقة. كما نلاحظ عليه السخرية اللاذعة بحجة أنه يمزح، كالسخرية من ثقافة وفهم الآخر ولباسه وتصرفاته وسلوكه وقراراته التي يعتبرها غير صائبة وسخيفة، ما يُشعر الآخر بإهانة إنسانيته وكرامته.
الرجل النرجسي الذي يعتقد أنه يمتلك قوى جنسية خارقة وأنه قادر أيضاً أن يشبع الرغبات الجنسية لأي امرأة، قد يكون أكثر ميلاً من غيره للخيانة
الأنانية المفرطة هي التي توسم الشخصية النرجسية، ما يجعل استمرار العلاقة مستحيلة أو شبه مستحيلة. والشخصية النرجسية تتمثل في "حب الشخص لذاته بشكل زائد عن الحد، وممارسة هذا الحب في علاقاته مع الآخرين، وأولهم الشريك الذي يكون الضحية الأولى له".
يقال في كثير من الدراسات النفسية والتربوية إنّ اضطراب الشخصية النرجسية يصيب الرجال أكثر من النساء، فمقابل ما نسبته 8% من الرجال هناك 5% من النساء يتسمون بهذه الشخصية.
هناك دراسة أمريكية أجريت في جامعة "بافالو" الأمريكية، واستمرت لمدة أكثر من ثلاثين سنة، نتج عنها دراسة بيانات 475 ألف شخص من النساء والرجال، تبين أنّ الرجال هم أكثر نرجسية من النساء، ولذلك هم أكثر استغلالاً من النساء للآخرين، وكشفت أن لا علاقة للعمر بذلك، معتمدة على ثلاث سمات لقياس الشخصية النرجسية، وهي القيادة، التباهي واستحقاق الامتياز.
وأوضحت المشرفة على الدراسة، الباحثة إميلي جريجالفا، أن "النرجسية مرتبطة بمختلف الاختلالات الشخصية، بما في ذلك عدم القدرة على الحفاظ على علاقات صحية على المدى الطويل، والسلوك غير الأخلاقي والعدوانية"، وقالت إن "الرجال يمارسون باستمرار كافة أشكال الأنانية والتسلط كنوع من تعزيز الثقة بالنفس، والاستقرار العاطفي والميل للظهور كزعماء".
ونجد أن أصحاب الشخصيات النرجسية لديهم رغبة بشكل دائم في تعزيز مظهرهم الجسدي وجاذبيتهم الجنسية، والعلاقة الطبيعية بين الزوجين تتسم بالغيرية وتبادل المحبة وفهم الآخر وتقديره، بينما أي علاقة جنسية أو زوجية بين شخص نرجسي وآخر طبيعي ستعتمد على مبدأ الأخذ فقط دون العطاء، وإن تم العطاء يتم على مبدأ تذكير الآخر بذلك، إضافة إلى حب الذات الزائد، وهنا ستتجه العلاقة إلى الهاوية، فلا أحد يقبل أن تهان كرامته وإنسانيته، وأن يعطي دون تقدير عطائه، بل إضافة لذلك نشعر بأنّ النرجسي يأخذ كل شيء على مبدأ أن هذا من حقه، فيكون العطاء من طرف واحد وكذلك الأخذ .
"النرجسيون هم الأكثر ميلاً للخيانة".
وأوضح الباحث جيمس ك. ماكنولتي، من جامعة فلوريدا، في دراسة أخرى، أنّ الرجل النرجسي الذي يعتقد أنه يمتلك قوى جنسية خارقة وأنه قادر أيضاً أن يشبع الرغبات الجنسية لأي امرأة، قد يكون أكثر ميلاً من غيره للخيانة، حيث قال: "الرجال الذين يملكون مستويات عالية من النرجسية الجنسية، هم الأكثر ميلاً للخيانة من غيرهم من المشاركين".
أما المؤلفة لورا ويلدمان، والمشاركة في هذه الدراسة، فقالت: "لقد أشارت نتائج الدراسة الأولية إلى أن الأزواج الذين كانوا أكثر ثقة حول مهاراتهم الجنسية، كانوا أكثر ميلاً لارتكاب الخيانة الزوجية".
وتمّ خضوع 123 مشاركاً من المتزوجين حديثاً، على مدى الأربع سنوات الأولى من الزواج، لدراسة طُلب منهم فيها الإجابة عن أسئلة تتمحور حول النرجسية الجنسية، والتي تعرف بأنها "شعور مفرط بالقدرة على الأداء الجنسي، المهارات الجنسية، الاستغلال الجنسي، الاستحقاق الجنسي وعدم التعاطف الجنسي"، وبعد مضي مدة الدراسة اكتشف الباحثون أن الأزواج الذين يميلون لاستغلال شركائهم جنسياً، ويشعرون بأن الحصول على الجنس حق مكتسب لهم، كانوا الأكثر ميلاً للخيانة، ويحتاجون إلى علاج نفسي.
النرجسية والرجال
يؤكد الدكتور مدحت عبد الهادي، أخصائي العلاقات الزوجية والأسرية في مصر، أن النرجسية تظهر بشكل أوضح مع الرجال، بسبب الثقافة العربية التي رسخت في الرجل الشرقي حبه لذاته وأن تأتي أولوياته في المقام الأول، فتلك الثقافة عززت في الرجال منذ صغرهم إعلاء الذات وشعورهم بأنهم في المرتبة الأولى ثم تأتي الزوجة لتكون في المرتبة الثانية.
ويستطرد عبد الهادي لرصيف22: "هناك زوجات يتمتعن أيضاً بقدر كبير من النرجسية، فيختلين بأنفسهن ويصبحن غير راضيات عن أزواجهن أو حياتهن الزوجية، ودائماً ما يمارسن التعالي على هذا الزوج وإشعاره بدونيته، معتقدات أن هذه الزيجات ليست متكافئة، وأنهن تنازلن كثيراً حينما وافقن عليها".
"النرجسيون يسعون لمحو شخصية الزوجة بالكامل".
كما يرى عبد الهادي أن كثيراً من الأزواج النرجسيين يسعون بشكل ممنهج، منذ اليوم الأول من الزواج، لمحو شخصية الزوجة بشكل كامل، وإشعارها المستمر بالذنب والدونية، وما عليها إلا تنفيذ رغباته وأن تخضع له ولمتطلباته، دون أن يقدّم أي تنازلات لها، ليظهر بمظهر الجبار القوي أمامها وليشبع غريزته النرجسية، معتقداً أنه السيد في كل شيء، وعلى زوجته الخضوع والخنوع له وأن تسخر كل قوتها واهتماماتها لإرضائه ولما فيه مصلحته فقط، وذلك لتحافظ عليه وعلى علاقتهما، ما يؤدي إلى انفعالات واضطرابات فكرية وعاطفية لديها.
"منشأ النرجسية يعود بشكل كبير إلى التربية الخاطئة للأهل، تلك التربية التي عمدت إلى تعزيز إعلاء الذات في الطفل منذ ولادته، وشعوره بأنه متميز وأفضل من الجميع، إضافة إلى أنّ الكثير من الأهل يفضلون الذكور على الإناث، لذلك يدللونهم بشكل زائد ويقدمون لهم امتيازات لا تحصل عليها الأنثى، بل يوهمون الصبي بأنّ أخته خلقت لخدمته، ما يعطيه الحق في الهيمنة عليها، فيكبر وتترسخ فيه فكرة أنّ زوجته من واجبها خدمته وطاعته"، بحسب عبد الهادي.
الانجذاب الجنسي
الغريب في الأمر أنّ الشخصية النرجسية تكون شخصية جاذبة ننبهر فيها للمرة الأولى انبهاراً شديداً، ولديها القدرة على الظهور كشخصية لطيفة وذكية لذلك ننجذب إليها جسدياً، لكن كلما اقتربنا من هذه الشخصية أكثر كلما ابتعدنا عنها مع الأيام، وذلك بسبب قدرة هذه الشخصية على إخفاء عيوبها حينما نقابلها للمرة الأولى، ومع أول اصطدام معها نبدأ باكتشاف سوداويتها وغرورها وأنانيتها وحبها للسخرية من الآخر وإهانته أمام نفسه والآخرين، غير عابئة بالأذى النفسي الذي تسببه لهم، ويُعرف عن هذه الشخصية أنها غالباً ما تتجنب العلاقات الطويلة الأمد.
يبدو أن سلوكنا الجنسي لا يظهر تركيبنا النفسي الجنسي فقط بل مجمل شخصيتنا، حيث يُعتبر الجنس عالماً بحد ذاته، يتضمّن سلسلة كاملة من العواطف والإدراك والتربية والمشاعر والأحاسيس والسلوك المتعلّم والمكتسب، أو ما قد يرثه النرجسي من سلوك عن طريق تربية أهله له وعن طريق معاملة والديه له، وسلوكنا الجنسي لا يظهر شخصيتنا النفسية الجنسية فقط وإنما يظهر شخصيتنا بالمجمل.
النرجسي يستخدم جسد شريكه للاستمناء عليه فقط ولتحقيق ملذاته الجسدية، وحالما ينتهي من العملية الجنسية ينسحب من الفراش، دون التأكد من أنّ الشريك قد استمتع مثله
الأشخاص الطبيعيون ينظرون إلى الجنس كشيء مقدّس أو كعملية من حق الطرفين أن يستمتعا بها، بينما الأشخاص الذين يتسمون بالشخصية النرجسية غالباً ما ينظرون إلى الجنس كحق لهم فقط، ويستمتعون بجسد الآخر دون مراعاة الحقوق الجنسية لهذا الجسد في الاستمتاع. وكثيراً ما ينبذون شركاءهم، وينسحبون من علاقتهم معهم بعد بلوغ الهدف الجنسي معهم، ليبحثوا عن ضحية أخرى أو شريك آخر، غير آبهين بالأذى النفسي الذي تسببوا به للشريك الأول.
ونلاحظ أن النرجسي يستخدم جسد شريكه للاستمناء عليه فقط ولتحقيق ملذاته الجسدية، وحالما ينتهي من العملية الجنسية ينسحب من الفراش، دون التأكد من أنّ الشريك قد استمتع مثله جنسياً أو تمت إشباع رغبته، على العكس من ذلك يرى أنّ على الشريك تحقيق كل رغباته الجنسية دون تذمر أو شكوى، لاعتقاده بأنه عملة نادرة تجب معاملته معاملة مغايرة فيها تنفيذ كل ما يرغب.
إن شريك الشخص النرجسي يمكن أن يتحمل إساءاته لفترة طويلة على أمل تحسنه أو تحسن العلاقة بينهما، لكن كل الطرق المتبعة لذلك تفشل، وكلما حاول الشريك تحسين العلاقة بينهما كلما زادت الفجوة، كون الشخص النرجسي من صفاته تعذيب الآخر، ما ينتج عنه شريك محبط يحتاج إلى علاج.
وقد يلجأ شريك الشخصية النرجسية، وغالباً هو من النساء، كون نسبة الرجال النرجسيين أكثر منها لدى النساء، لإدمان المشروبات والمخدرات للهروب من واقعهم الأليم، ما يسبب لديهم الاكتئاب، وينتج عنه محاولات للانتحار أو محاولات للانتقام من هذه الشخصية النرجسية.
العلاج
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: من سيعالج الطبيب؟ فهو أمام شخصية نرجسية تحتاج إلى دراسة عميقة، وعلاج نفسي إرشادي غالباً ما تمتنع عنه هذه الشخصية، بسبب اعتقادها أنها مميزة وأنّ العالم خارجها لا قيمة له، وهو أيضاً أمام شريك محبط، مكتئب، مدمن، يصل به الأمر أحياناً إلى محاولة الانتحار.
هنا يمكن للطبيب النفسي أن يطرح الحلول أو العلاج، وذلك عن طريق دراسة حالة المصاب بالاضطراب النرجسي، أو من خلال مراقبة ميوله الجنسية، وما ينتج عنها من أفعال أو ردود أفعال.
ويكون العلاج للشريك بالابتعاد عن هذه الشخصية، لأن الاستمرار معها سيسبب خسارة المكانة الاجتماعية والشعور بالإنسانية والتوجه إلى خداع الرجال (أو النساء) بحجة الانتقام من الشريك، وفي حالات الإدمان يجب على الشريك التحدث بكل صدق للطبيب النفسي عن هذه التجربة، لأن إخفاءها قد يؤدي إلى تشخيص الحالة على أنها اكتئاب مزمن.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...