كانت صورة واحدة له على فيسبوك كافية لتلهب حماسة منصات التواصل الاجتماعي، ووسائل إعلام نشرتها معتقدة بالخطأ أنه عامل نظافة بالفعل. عبد الله ويكمان، الشاب المغربي، استطاع أن يوصل رسالته بأفضل الطرق إلى الجمهور، حين اختار أن يناقش أطروحة الدكتوراه وهو يرتدي سترة لعمال النظافة تكريما لمن يسميهم بـ"مهندسي النظافة".
اختار أن يناقش أطروحة الدكتوراه وهو يرتدي سترة لعمال النظافة تكريما لهم. من هو الشاب المغربي الذي ألهب حماسة مرتادي وسائل التواصل الاجتماعي؟
في تصريح لرصيف 22 يعبر ويكمان عن سعادته بخلق مبادرته لضجة وثناء كبيرين على منصات التواصل الاجتماعي، وصفحات المواقع الإعلامية، قائلا: "لم أتوقع أن تحصل مبادرتي على كل هذا الاهتمام لكنني سعيد بذلك. خاصة أن الهدف الأسمى كان تكريم مهندسي النظافة (عمال النظافة) على مجهوداتهم، فلا يمكننا جميعا أن نتخيل مدينة أو قرية من دونهم. دورهم مهم جدا والأهم أن نقدرهم ونحترمهم".
ويكمان، إبن بلدة تيغسالين في جبال الأطلس المتوسط التي تبعد 288 كيلومترا عن العاصمة الرباط، اختار أن يحضر إلى نقاش أطروحة الدكتوراه السبت 20 آذار/مارس في كلية العلوم والتقنيات التابعة لجامعة السلطان مولاي سليمان بمدينة بني ملال، مرتديا زي عمال النظافة. الشاب الذي أعد أطروحة في مجال هندسة البيئة حول موضوع "التدبير أو التثمين الطاقيّ للنفايات المنزلية"، حصل على درجة الدكتوراه بميزة مشرف جدا، وإشادة اللجنة العلمية التي ناقشته أطروحته. وأكد بالموازاة مع ذلك على أن البحث العلمي، يمكن أن يجيب أيضا عن سؤال أخلاقي هام هو ضرورة أن يوضع الإنسان في صلب أي مبادرة تريد الحفاظ على البيئة.
حب للمهنة
وقال ويكمان أنه أتم مساره الجامعي في دراسة مجال تدبير النفايات من خلال بكالوريوس وماجستير في كيفية معالجة النفايات الصلبة من خلال برنامج جامعي أعد بشراكة ما بين كلية العلوم بمدينة مراكش، وجامعة دارمشتات الألمانية.
وعبر عن فرحه بالاحتفاء الذي لاقته صورته، قائلا إن هاتفه لم يهدأ منذ انتشار صوره مساء الأحد. وأضاف "توصلت بمكالمات من كل مكان ورسائل وتشجيعات. أنا سعيد بذلك، وأتمنى أن أكون قد سلطت الضوء على العاملين في قطاع النظافة ومعاناتهم"، مؤكدا "لست عامل نظافة كما أشارت عدة منابر إعلامية معروفة وصفحات فيسبوكية. كل ما في الأمر أنه وخلال عملي على بحث الدكتوراه ومن خلال نشاطي في المنظمات المدنية قبلها اقتربت من عالمهم وغصت فيه وأصبحت أقدر كل ما يفعلونه".
بدوره ثمن عزيز البدرواي وهو مدير مجموعة "أوزون" للنظافة مبادرة ويكمان، مشيرا إلى أنه كان على تواصل دائم معه. وقال في تصريح لرصيف 22 "عمال النظافة يستحقون ذلك، خاصة أنهم كانوا في الصفوف الأمامية خلال جائحة كورونا وفترة الحجر المنزلي لأشهر وأدوا دورهم بكل إخلاص وتفان. أشكر هذا الطالب المغربي الذي تخلى عن الفكرة المتعارف عليها إذ تعودنا أن نرى الطلاب الباحثين يرتدون بذلة رسمية خلال مناقشة الدكتوراه واختار بدل ذلك ارتداء زي مختلف لكنه يحمل معان كثيرة".
ودعا البدرواي لتخصيص يوم وطني يكرم فيه عمال النظافة في المغرب، مؤكدا أن شركته ستنظم حفل تكريم "للدكتور عبد الله خلال الأيام القليلة القادمة وبحضور عمال نظافة وذلك تعبيرا عن شكرهم له".
أما عامل نظافة بمدينة خريبكة (55 سنة)، طلب عدم ذكر اسمه، وبعد أن شرحنا له مبادرة الطالب الباحث، علق "شكرا له ولأمثاله ولكل المبادرات التي تحاول أن تنصفنا في مجتمع يرى أن عامل النظافة "بحال الزبل اللّي كيهز" (يشبه النفايات التي يحملها)، لكننا نحتاج لأكثر من ذلك. لأجور محترمة ولرعاية صحية خاصة".
ويضيف بسرعة قبل أن يكمل مهامه في تنظيف شارع المسيرة وسط المدينة "مثلا، لماذا لم نلقح مع الأطباء ورجال الشرطة في بداية حملة التلقيح؟ ألم نكن نعمل معهم خلال الجائحة والحجر الصحي، لكن حين وصل اللقاح تم إقصاؤنا".
اتهام بالاستعراض
ورغم أن مبادرة الطالب الباحث عبد الله لقيت استحسانا وإعجابا كبيرين من طرف رواد مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب والعالم العربي، إذ أن التعليقات على منشورات وسائل الإعلام الدولية الناطقة بالعربية أثنت عليه كثيرا، إلا أن البعض اعتبر الأمر استعراضا لإثارة الانتباه إليه، والصحفي المغربي محمد أحداد واحد من هؤلاء. إذ كتب على حسابه في فيسبوك "شخص يبدو بزي رجل عامل نظافة يقدم بحثا عن عمال نظافة. طيب، ما هو الملهم في هذا: لا شيء، الاستعراض".
تعودنا أن نرى الطلاب الباحثين يرتدون بذلة رسمية خلال مناقشة الدكتوراه أما هو فاختار بدل ذلك ارتداء سترة عمال النظافة. هذا يحمل معان كثيرة
وأضاف: "الاحتفاء برجال النظافة هو أن تكتب عنهم بحثا اجتماعيا نزيها بعيدا عن البهرجة. أن تقرأ أحوالهم دون مبالغة ودون تقزيم لا أن تأتي لمناقشة البحث بلباسهم. هذه لقطة استعراضية تسكن الخيالات المريضة. عمال النظافة ليسوا زيا تافها والجامعة ليست مكانا للبهرجة".
وفي نفس السياق، كتب المصور الصحفي أنس لغاندي "لو لم يقم الباحث بارتداء سترة عامل النظافة ما كنا لنعلم عن بحثه ولا عن اسمه حتى! الأمر يفضح واقعنا مع البحث العلمي أكثر من أي شيء آخر، في الوقت الذي أصبح الحديث عن الزي لا عن البحث وهنا تكمن الأزمة".
وتابع: "حتى تعاطفنا مع عمال النظافة يفضح واقع منظورنا لهذه المهنة. عادة التعاطف مع شخص ما دلالة على ضعفه وعامل النظافة ليس ضعيفا، في حواري مع أحدهم قال لي "أمقت نظرات التعاطف. غيِّر سلوكك في التعامل مع نفاياتك ولا تتعاطف معي فأنا أقوم بعملي فقط".
وختم: "لا أحب التعاطف فقط لأجل التعاطف. عامل النظافة مواطن والباحث مواطن والشرطي والطبيب والأستاذ كلهم مواطنون. الكل يشتغل لكسب قوته وفق المستطاع والمتاح والقدرة. وكفى".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...