تنتظر الحاجة مليكة دورها هنا في مركز اللقاح في مدينة خريبكة (تبعد 120 كيلومتراً عن الدار البيضاء)، وبين الفينة والأخرى توجه كفيها إلى السماء وتتمتم بلهجة أهل المنطقة "الله يبعد منا الجايحة والله ينصرنا".
كل من جاء إلى المركز الذي تشرف عليه وزارة الصحة المغربية، ينبهر بعزيمة هذه السيدة التي يؤكد حفيدها أنها تجاوزت الـ105 أعوام، ويقول: "استيقَظَت باكراً لأننا أخبرناها أنها قادمة لتلقي ′الجلبة′ وظلت تزغرد طوال الطريق".
يُخبر حفيد الحاجة مليكة رصيف22 أن جدته تعاني من السكري وكانت عائلتها تمنعها من الخروج طيلة العام الماضي، خوفاً من إصابتها بعدوى كورونا، لذلك و"فور إعلان عون السلطة (المقدم) المكلف عن بدء تسجيل أسماء الراغبين في تلقي اللقاح خلال المرحلة الأولى بادرنا إلى تسجيلها والحمد لله ها هي هنا تنتظر دورها".
قدور السرغيني (80 عاماً) يوضح بدوره لرصيف22 أن ابنه الأصغر الذي يعمل ممرضاً في مصحة خاصة في العاصمة الرباط شرح له فوائد اللقاح ما جعله ينتظره بفارغ الصبر، خاصة أنه "الحل الوحيد للتخلص من الجائحة... فمرحبا به ونشكر الملك لأنه جعله لنا ′فابور′"، يقول.
وكان بيانٌ صادر عن الديوان الملكي في المغرب قد أعلن أن عملية التطعيم ستكون مجانية لجميع المواطنين، وستتم بطريقة تدريجية، ويستفيد منها المغاربة والأجانب المقيمين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 17 وما يزيد عن 75 عاماً.
وانطلقت حملة التطعيم الخميس الماضي، في 28 كانون الثاني/ يناير الماضي، وذلك بعد تلقي المملكة الجمعة في 22 كانون الثاني/ يناير الماضي أول شحنة من لقاح "أسترازينيكا" المصنع في الهند، بينما وصلت الأربعاء في 27 كانون الثاني/ يناير الدفعة الأولى من لقاح "سينوفارم" الصيني.
وحسب تصريحات مندوب الصحة مولاي السهيد لرصيف22، فإن الأولوية في حملة التطعيم في مرحلتها الأولى ستُعطى للأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بكوفيد 19 ومضاعفاته وهم: العاملون في مجال الصحة البالغون من العمر 40 عاماً وما فوق، والسلطات العمومية والجيش الملكي، وكذا نساء ورجال التعليم ابتداءاً من 45 عاماً، بالإضافة إلى الأشخاص المسنين البالغين 75 عاماً وما فوق. كما ستشمل عملية التلقيح، في مرحلة أولية، المناطق التي تعرف مقارنة بغيرها نسباً مرتفعة من حالات الإصابة بفيروس كورونا.
بين الثقة والتشكيك
لم يمر وقت على إعلان المغرب عزمه بدء عملية تطعيم جماعية، حتى بدأ عدد من المغاربة يشككون في فعالية اللقاح، خاصة بعد شروع وسائل إعلام في ترويج أخبار تدور رحاها حول تسبب بعض أنواع اللقاحات في آثار جانبية، من بينها العقم.
في هذا السياق، توضح زهيرة الباوي (29 سنة)، في حديثها لرصيف22، أن تأخر وصول اللقاح الصيني إلى المغرب وصمت وزارة الصحة دون تبرير جعل الشك يتسلل لنفوس بعض المغاربة وهي منهم، وتقول: "لن أتلقى اللقاح... لا الصيني ولا البريطاني، لأن الفيروس الذي أرهب العالم لا يمكننا مقاومته بجرعتين، فالأمر غير منطقي بتاتاً".
"الله يبعد منا الجايحة والله ينصرنا"، تقول الحاجة مليكة التي تخطى عمرها المئة عام وهي تنتظر دورها لتلقي اللقاح في مدينة خريبكة المغربية بعدما انطلقت حملة التطعيم قبل أيام. هي من الفئات الأربع التي شملتها المرحلة الأولى من اللقاحات في المغرب
لا يثق محسن الناجي (33 عاماً) في اللقاح الصيني بدوره، معلقاً: "أتابع موضوع اللقاح باستمرار، وقرأت أن خبراء وأطباء يحذرون من النوع الصيني، لأن نتائجه غير واضحة ويمكن للآثار الجانبية أن تظهر على المدى البعيد".
في المقابل، رفض طبيب الأسنان كمال بنمنصور التشكيك في فعالية اللقاح، قائلاً: "لا معنى للتشكيك ولا فائدة له في الوقت الحالي، خاصة بعد ظهور الملك محمد السادس وهو يتلقى جرعته أمام كاميرات وسائل الإعلام".
ودعا بنمنصور الذي تلقى اللقاح في الدار البيضاء، إلى جانب العشرات من زملائه الأطباء والكوادر الصحية، المغاربة للإقبال على اللقاح في المراحل المقبلة، وذلك بغية مساعدة البلاد على تجاوز هذه الأزمة التي تسبب فيها انتشار فيروس كورونا.
ينفي الطبيب المغربي أن يكون اللقاح قد خلّف آثاراً جانبية كما روّج البعض على وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية، مؤكداً أنه في حالة جيدة ومتفائل بما سيأتي مستقبلاً، خاصة أن المغرب كان أول بلد إفريقي يبدأ حملة التطعيم الجماعية رغم أن إمكانياته الـ"متوسطة".
وحتى الآن، لم يجبر المغرب الذي أقر اللقاح الصيني والبريطاني رسمياً مواطنيه على تلقيهما، وجاء اختيار بنمنصور من قبل وزارة الصحة المغربية بعد ملئه استمارة والتأكد من توفر شرط تجاوزه الـ40 عاماً.
آثار جانبية... 4 حالات حتى الآن
في إطار المخاوف من الآثار الجانبية للقاحات، يشير الباحث المغربي في علم الأوبئة في كندا مروان بوخريص، في تصريح لرصيف22، إلى أن لقاح "سينوفارم" الصيني الذي جرى تصنيعه في معهد بكين للمنتجات البيولوجية حقق نجاحاً كبيراً في الأوساط الطبية، حيث أظهرت نتائج دراسة أجريت على 1120 شخصاً ممن حصلوا على اللقاح أن جميع المتطوعين كوّنوا أجساماً مضادة تقاوم العدوى الفيروسية بعد 4 أسابيع من الحقن، بينما من تزيد أعمارهم على 60 عاماً فقد كونوا الأجسام المضادة بعد 7 أسابيع من الحقن.
يردف الباحث المغربي بالقول: "من الطبيعي حدوث تفاعلات معينة بعد التطعيم، مثل الاحمرار أو التورم، أو ألم حول موقع الإبرة، والتعب والحمى، والصداع وآلام الجسم في الأيام الثلاث الأولى... وهذه التفاعلات عادة ما تكون خفيفة وتهدأ بعد بضعة أيام، وتعني أن اللقاح فعال وبدأ بالعمل".
من ناحية أخرى، يشير رشيد بزاد، وهو عضو اللجنة العلمية الوطنية للتلقيح، في تصريحه لرصيف22 إلى رصد أعراض جانبية للقاحات ضد فيروس كورونا على 4 حالات فقط منذ بدء التطعيم.
ويقول البروفيسور المغربي إن الأعراض الجانبية "خفيفة"، وظهورها على 4 حالات فقط من بين آلاف الاشخاص الذين تلقوا اللقاح في الأيام الماضية "مطمئن"، موضحاً أن هذه الحالات تلقت العلاجات الضرورية داخل مركز التلقيح.
ويلتقي كل مستفيد من اللقاح بطبيب قبل تلقي الجرعة، بغرض استفساره عن الأمراض المصاب بها أو حساسية على نوع معين من الأدوية، كما يتم الاحتفاظ به في غرفة لمدة 30 دقيقة بعد الجرعة.
المغرب العميق
مندوب وزارة الصحة مولاي السهيد كان أيضاً ضمن 10 كوادر صحية تلقت اللقاح في زاكورة (تبعد ما يزيد من 680 كيلومتراً عن العاصمة المغربية)، ويكشف لرصيف22 أن ما حفزه على تلقي اللقاح كان الحالة الوبائية للبلد بعد عيد الأضحى، حيث كثر عدد المصابين بالفيروس وحالات الوفيات والحالات الحرجة أيضاً.
يقول المسؤول المغربي إن العديد من سكان إقليم زاكورة هم من ذوي الأمراض المزمنة والمسنين الذين تجاوز عمرهم الـ75 عاماً، وقد أقبلوا على التسجيل في لوائح الراغبين في تلقي اللقاح في المرحلة الأولى والتي وضعت وزارة الصحة المغربية رهن إشارتهم رقماً مجانياً (1717) وبوابة إلكترونية، كما تم الاعتماد على أعوان السلطة (المقدمين) لتسجيل من تتوفر فيه الشروط ويجهل طريقة التسجيل عبر الرسائل النصية أو الاستمارة الإلكترونية.
ولتشجيع المغاربة على حملة التطعيم، كانت وزارة الصحة قد أطلقت حملة واسعة عبر وسائل الإعلام الرسمية، للحديث عن أهمية اللقاح ودوره في بناء مناعة جماعية ضد الفيروس الذي راح ضحيته ما يزيد عن 8275 مغربياً.
حملة التطعيم بالأرقام
كشفت وزارة الصحية المغربية، مساء الاثنين في الأول من شباط/ فبراير الحالي، أن عدد المواطنين الذين استفادوا من التلقيح ضد فيروس كورونا تجاوز إلى غاية الساعة السادسة مساءاً الـ200 ألف مستفيد.
كما من المنتظر أن يتلقى أكثر من 25631 فرداً من الطواقم الطبية والتمريضية اللقاح، في المراكز والمؤسسات الصحية الحكومية والخاصة، والهلال الأحمر المغربي، مع إمكانية الاستعانة بأطباء من القطاع الخاص وطلاب الطب والمؤسسات المهنية لتكوين الممرضين والهلال الأحمر والمنظمات الكشفية (7127 فرداً).
يهدف المغرب لتلقيح 25 مليون مغربي، أي 80 في المئة من المواطنين فوق 18 عاماً، بمعدل لقاحين لكل مواطن، والفرق بين الجرعة الأولى والثانية ثلاثة أسابيع أي بمعدل 150 إلى 200 ملقح يومياً في كل محطة تلقيح
وسيتم تنفيذ استراتيجية التلقيح على مدى 12 أسبوعاً، بوتيرة 6 أيام من العمل في الأسبوع، وفي 4 فترات، تبلغ كل فترة منها 21 يوماً بمعدل يبلغ ما بين 150 و200 لقاح في اليوم لكل عامل صحي، وكذا وضع نظام مداومة لضمان السير العادي للخدمات الصحية الأخرى.
خروقات ثمانية مسجلة
رغم أن وزارة الداخلية جندت لعملية التطعيم عدداً من موظفيها للحرص على مراقبة لوائح المستفيدين من التلقيح واحترام الإجراءات الصحية في المراكز، إلا أنه تم ضبط استفادة 8 أشخاص من الجرعة الأولى، في مركز مدينة تازة، على الرغم من عدم استيفائهم للشروط الضرورية ضمن الفئات المستهدفة بالمرحلة الحالية من حملة التلقيح الوطنية، وذلك وفق ما جاء في بلاغ للوزارة المذكورة.
وأضاف مصدر مسؤول في وزارة الداخلية (طلب عدم ذكر اسمه) أنه تم، تبعاً لذلك، توقيف مسؤولين اثنين عن العمل، كما تم إنهاء مهام الأشخاص المشرفين على تسجيل وضبط الفئات المستهدفة في المركز.
وفي نفس السياق، أوضح المصدر لرصيف22 أن وزارة الداخلية شرعت منذ اليوم الأول للحملة في مراقبة مراكز التلقيح، قائلاً: "لن يتم التسامح مع أي شخص تجاوز القانون".
وتابع المتحدث ذاته: "هناك تعليمات بأن تتم معاقبة كل من شارك في الخروقات التي تسجل خلال عملية التلقيح، وسيتم تكوين لجان مخصصة للوقوف على التحقيق في ملابسات الوقائع... لأن اللقاح ليس لعبة أو سباقاً".
المرحلة المقبلة
يهدف المغرب لتلقيح 25 مليون مغربي، أي 80 في المئة من المواطنين فوق 18 عاماً، بمعدل لقاحين لكل مواطن، والفرق بين الجرعة الأولى والثانية ثلاثة أسابيع أي بمعدل 150 إلى 200 ملقح يومياً في كل محطة تلقيح يبلغ إجماليها 2867 أي بمعدل أكثر من نصف المليون و73 ألف مغربي سيتلقون التلقيح يومياً، وذلك حسب ما يوضح حمزة الإبراهيمي، المسؤول في النقابة الوطنية للصحة العمومية، في تصريح لرصيف22.
ويشير الإبراهيمي إلى أن استكمال العدد الإجمالي للجرعات اللازمة سيستغرق 87 يوماً بالتحديد، دون احتساب أيام الآحاد التي لن تعمل خلالها محطات التلقيح.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع