شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"الفتاة التي تشتم هي مسترجلة"... يمنيّات يتساءلن لماذا يُفرض عليهنّ ما لا يفرض على الذكور

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 28 يناير 202102:46 م

يصعب على مجتمع قبلي محافظ كالمجتمع اليمني تقبّل آراء مخالفة له بل يعتبرها نشازاً، فلا يزال حديث اليمنيات لوسائل الإعلام أمراً محرماً، وامتلاكهن منصات على مواقع التواصل الاجتماعي عيباً، ولعل من أهم الممنوعات عليهن هو اختيار ألفاظهن، وضرورة أن تكون هذه الألفاظ مراعية للقواعد الاجتماعية السائدة، ولا تندرج ضمن إطار "الشتائم" التي هي قائمة طويلة من الكلمات التي لا ينبغي للنساء في اليمن قولها أو حتى الاقتراب منها.

"من له الحق في تحديد الشكل الذي نظهر عليه؟ ولماذا تقتصر هذه القوانين على الفتيات دون الفتية؟"... هذه عيّنة من أصوات فتيات يمنيات علت خلال سنوات الحرب الأخيرة، فكسرن حاجز العادات والتقاليد متجاهلات آراء الآخرين، ومصرات على حقهن في اختيار نمط حياتهن بما في ذلك الألفاظ التي يستخدمنها، في خطوة يراها كثيرون تجاوزاً لقيم مجتمع محافظ. وبين متقبل ومستنكر للأمر نعرض في هذا التقرير وجهات النظر المختلفة.

من أهم الممنوعات على الفتيات اليمنيات اختيار ألفاظهن، وضرورة ألا تندرج هذه الألفاظ ضمن إطار "الشتائم".


اختلال المعايير بين الرجل والنساء

تعرضت نجوى علي، وهي طالبة جامعية، لمواقف كثيرة، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، استدعت منها إطلاق بعض الشتائم كي توقف أشخاصاً معينين عند حدهم. وتشرح الأمر لرصيف22: "كثيراً ما أُفاجأ بتعليقات تقلل من قيمتي على منشورات لي أبدي من خلالها رأيي الشخصي في قضية ما، لتكون الشتيمة حلاً كي لا يظن المعلقون أنني ضعيفة ويتمادون أكثر، والشتم أيضاً هو الحل الأنسب للتعامل بشكل خاص مع المتحرشين".

وتتساءل عن معايير المجتمع في وضع إطار الأدب والأخلاق: "غالبية الناس في مجتمعنا تحصر الفتاة في قالب واحد، ومن لها رأي مخالف تتعرض للتنمر وتوصف بالمسترجلة. من الذي يحدد اللائق وغير اللائق؟ المجتمع الذي يريد تقييد الفتيات لأنه يستعر منهن؟ وهل العيب في لفظ أذكره لأشخاص يستحقونه أم العيب في اختلال المعايير بين الرجال والنساء؟ هو مجتمع يدعي المثالية ولا يهمني رأيه لأنه لا ينصف النساء".

وتضيف أن وضع الفتيات اليوم، ولأسباب لم يستطع العلم تفسيرها حتى الآن، لا يختلف كثيراً عن العصر الجاهلي، فالمجتمع العربي لا يرى في النساء بشكل عام سوى العيب والخزي، ويعطي للرجل ولاية على المرأة دون مراعاة سنّها أو مستوى تعليمها: "قد يكون أخي أصغر مني ولم يكمل تعليمه والمجتمع يعطيه صلاحيات التدخل في شؤون حياتي!".


دفاع عن الذات

بالنسبة لأحلام مثنى، وهي خريجة تسويق، فالشتائم مثلها مثل المديح، فمن يعمل بشكل جيد يقال له "أحسنت" ومن يخطىء يجب أن يجازى بما يستحق.

وتضيف لرصيف22: "استخدام الشتائم لا يكون إلا لمن يستحق. أنا لا أشتم جزافاً، وكل الناس تقوم بالأمر ذاته وتتلفظ بهذه الكلمات. لماذا حين نستخدمها نحن الفتيات تصبح عيباً وجرماً وغير لائقة؟ حين أجد مضايقات لن أصمت، فالعيب ليس في كلامي وردعي، بل في التصرفات التي تجعلني أستخدم الشتائم".

ومن المواقف التي تدفع أحلام لإطلاق الشتائم تعرضها للتحرش في الشارع أو عبر فيسبوك، وتعطي مثالاً عن منشور تحدثت فيه عن موقف تعرضت له مع صديقاتها من شخص كان يضرب كل من يصادفه في الشارع، ووصفت مشهد الهلع الذي أصاب الموجودين، لتتلقى تعليقات مستفزة وباطنها التحرش من قبيل "لو كان ضربك كان برد قلبي" أو "ليتني كنت هناك لتختبئي منه في معطفي".

وتضيف أحلام أن أكثر ما يدفعها للشتم هو الواقع الذي تعيش فيه: "نحن في الجحيم. ما هو شعور أهل الجحيم؟ لدينا حكومتان وليس لدينا راتب. لدينا ثلاثة رؤساء ولا تتوفر لنا فرص عمل. لدينا الآن عملتان وارتفاع جنوني لكل شيء. لا أقول إلا أننا شعب تنقصه العاطفة".


تفريغ نفسي

اللجوء للشتم قد يكون بمثابة التفريغ النفسي للرجال والنساء على السواء كما يوضح منصور الجرادي رئيس مؤسسة وجوه للإعلام والتنمية: "ربما تدفع الضغوط النفسية الناتجة عن الحرب بالفتيات لاستخدام هذه اللغة التي لا يربطها المجتمع عادة بالمرأة، وهو تفريغ نفسي لكن في غير محله، وباتت هناك لا مبالاة أوجدتها الحرية التي أتيحت للجميع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ضاربة بالعادات الاجتماعية والأخلاق وكذا بتعاليم الدين عرض الحائط، الأمر الذي ينبئ بوجود خلل بما يتعلق بالتربية والتعليم".

استخدام الشتائم لا يكون إلا لمن يستحق. أنا لا أشتم جزافاً، وكل الناس تقوم بالأمر ذاته وتتلفظ بهذه الكلمات. لماذا حين نستخدمها نحن الفتيات تصبح عيباً وجرماً؟ حين أجد مضايقات لن أصمت، فالعيب ليس في كلامي وردعي، بل في التصرفات التي تجعلني أستخدم الشتائم

ويضيف لرصيف22: "من المؤسف أن نرى عدداً كبيراً من الفتيات ذوات التعليم العالي يرددن الشتائم عبر وسائل التواصل، ولم يعد الأمر مقتصراً على الذكور كما كان قبل الحرب بل تعداه للإناث اللواتي لا يشعرن اليوم بالخجل من الشتم أمام الناس".

ويشير الجرادي إلى أن المجتمع منقسم اليوم بين ساخط ورافض لهذا السلوك الذي يصفه بـ"الشائن"، وبين غير مكترث للأمر وهم الأغلبية، متابعاً: "لذلك ينتشر السلوك أكثر فأكثر بين الفتيات، ومواقع التواصل شكلت ستاراً لهن لعدم احمرار الوجه بعد نشر شتيمة على حائطهن لعدم شعورهن بمواجهة بشر حقيقيين وإنما عالم افتراضي فقط، وأعتقد أن الأمر سيؤثر سلباً على المجتمع على المدى الطويل".


التخفي وراء مواقع التواصل

يرجح تامر المليكي، وهو ناشط شبابي أسباب خروج الفتيات عن المألوف في المجتمع اليمني إلى الحالة النفسية التي تسببت بها الحرب، ويقول لرصيف22: "في الحروب يكون الجو العام للبلد مشحوناً بطاقات سلبية، فتتشكل حالة من اليأس والإحباط والفشل عند عامة الناس، وهذا ما يسبب انهياراً في منظومة القيم والأخلاق، والفتيات والشباب هم شريحة تتأثر بشكل كبير بالمحيط الاجتماعي حولهم".

ويشير الصحافي يوسف هادي إلى أن الرجل والمرأة على السواء، وعندما يصلان لمرحلة يائسة بسبب الأوضاع الصعبة والضغوط الاجتماعية والنفسية والمحيط "المقرف" حسب وصفه، يشعران بعدم الحاجة لانتقاء ألفاظهما، بل بالارتياح حين التكلم بحرية خاصة عبر مواقع التواصل، على عكس الواقع الذي قد يجدان فيه ردعاً معيناً وتبعات قد لا يتوقعانها. ويتابع في حديثه مع رصيف22: "التخفي بمواقع التواصل الاجتماعي يدفع الناس لإخراج الكبت والأحاسيس المناقضة لواقعهم، فيشعرون بالسعادة لمخالفة السائد".

اللجوء للشتم قد يكون بمثابة التفريغ النفسي للرجال والنساء على السواء.


فهم مخطئ!

تختلف البيئة اليمنية من أسرة لأخرى، فهناك أسر تربي بناتها على عدم الرد على الكبير أو الغريب، وهناك أسر لا تسمح لبناتها بإطلاق أي لفظ يسيء لهن كونهن من أسرة فلان، وهذا ما تعكسه الصورة النمطية لها على مدى سنوات طويلة، إلا أن للجيل الحالي كلمته. هذا ما تتحدث عنه الباحثة بالقضايا الإنسانية والحقوقية سمية الحسام لرصيف22، مرجعة أسباب انتشار الشتائم بين الفتيات اليمنيات للفهم المخطئ للانفتاح الذي ظهر أخيراً سواء في اللباس أو استخدام ألفاظ جديدة أمام الآخرين من دون مبالاة.

وترى أن الجانب النفسي الذي تعانيه الفتاة يعكس ردة فعلها، فإذا صادفت تحرشاً لفظياً تضطر للرد بنفس الأسلوب كي تردع المتحرش، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي سواء باستخدام حسابها الحقيقي أو حساب وهمي، إذ باتت هذه المواقع "السيف القاطع الذي تعبر الفتيات من خلاله بأريحية ويقلن ما لا يمكن قوله مباشرة أمام الناس".

إضافة لذلك، تقول الباحثة إن المشاكل الاجتماعية والأسرية والمهنية والاقتصادية تترك حالة من اللامبالاة لدى الأشخاص الذين يمرون بها، وبالتالي ما عادوا يلقون بالاً لطرق تعاملهم مع الآخرين أو نظرة الناس إليهم حتى لو تمت معاتبتهم أو التحدث عنهم بشكل سيئ، ولا يهتمون لخسارة أي شخص من حياتهم. وتتابع: "أصبح كثيرون مزاجيين ومتبلدي المشاعر وقساة القلوب ولا يندمون على أي أسلوب في التعامل مع الآخرين".

وتضيف: "حين تتلفظ الفتيات بهذه الألفاظ يعتقدن بأنهن قويات الشخصية أو أن الأمر نوع من فن القيادة، وهذا غير صحيح، فالأمر ينعكس على أسرتهن والبيئة التي يعشن فيها، ومجتمعنا محافظ قائم على العادات والتقاليد، وهذه الألفاظ لا تعكس أي تحضر أو رقي، بل أرى أنها مؤشر اجتماعي خطير وسيغير في طريقة تربية الأجيال المقبلة".


الرجل والمرأة على السواء، وعندما يصلان لمرحلة يائسة بسبب الأوضاع الصعبة والضغوط الاجتماعية والنفسية والمحيط "المقرف"، يشعران بعدم الحاجة لانتقاء ألفاظهما، بل بالارتياح حين التكلم بحرية خاصة عبر مواقع التواصل، على عكس الواقع الذي قد يجدان فيه ردعاً معيناً

هل هو سلوك مخجل حقاً؟

أخذُ الأمور ببساطة والابتعاد عن الرسميات في عداد الأسباب التي استدعت من دعاء عبد الواحد، وهي طالبة جامعية، تغيير طريقة حديثها. تقول لرصيف22: "في السابق لم أستخدم الشتائم، وحين اختلطت بصديقات أعجبت بطريقة حديثهن البسيطة البعيدة عن التكلفة. لمَ الخجل من استخدام مصطلحات يستخدمها الكثير من الناس؟ حين كنا صغاراً قالوا لنا من العيب التلفظ بها، ومع ذلك نسمعها من الكبار بشكل يومي".

وضمن هذا السياق تقول الباحثة في الشؤون الاجتماعية بجامعة صنعاء إيمان باصيد، إن هناك فتيات ذوات تعليم جامعي يستخدمن هذه الألفاظ للصديقات المقربات ظناً منهن أنها تلغي الحواجز، ثم تتحول لسلوك دائم لديهن.

وتبرئ عبد الواحد في حديثها لرصيف22 وسائل التواصل الاجتماعي من جرم التأثير على الفتيات بما يخص موضوع الشتائم: "هذه الوسائل لم تخلق التأثير الذي يظنه كثيرون، فالفتيات اليمنيات اليوم يستخدمن هذه المصطلحات في جلساتهن الخاصة، بذلك قد لا يكون التحدث بأريحية في منصات التواصل هو الباب الأول لبروز هذه الظاهرة، وإنما باتت سلوكاً منتشراً على نطاق واسع، وهو يتعارض مع الذوق العام ويخفض من قيمة من تتحدث به".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard