شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
لماذا معظم الشتائم الجنسية مأخوذة من جسد المرأة لا الرجل؟

لماذا معظم الشتائم الجنسية مأخوذة من جسد المرأة لا الرجل؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 10 أكتوبر 202004:19 م

622

الشتيمة نوع من التفريغ اللفظي للغضب والاستياء الموجود داخلنا، وكثيراً ما نشعر بالارتياح بعد قولها وكأننا قد أخذنا حقنا المسلوب منا، أو عاقبنا مَن أغضَبَنا، ولذلك ربما نستطيع اعتبارها سلوكاً انفعالياً لازماً في حياتنا بنسبة معينة، لاسيما وأن هذا السلوك يخفف حدّة التوتر في نفوسنا. ولكن لكل إنسان مفرداته الخاصة التي يستعملها، فمنها ما هو مقبول عند فئة معينة، ومنها ما هو غير ذلك.

هناك عدد كبير من الناس ممن لايقبل سماع الشتائم، وعدد أكبر ممن يتقبلها، ولكنْ إنْ تقبلنا سماع الشتائم المأخوذة من صفات الشخصية والحيوانات، قد لا نتقبل سماع الشتائم الجنسية التي قد تمسنا بشكل أو بآخر، أو نشعر بأنها تجاوز وقح لحدود اللباقة، وخطاب عدوانيٌّ موجهٌ نحونا. وإن تمعنا قليلاً في هذه الشتائم سنجد أن أغلبها يمسّ المرأة أكثر من الرجل، ونجد أن معظم شتائم الرجل الجنسية مأخوذة من جسد المرأة أكثر مما هي مأخوذة من جسده، فهل جسد المرأة أكثر إباحة للمجتمع كي يستمد منه شتائمه ويستعملها في أبسط جملِهِ؟! لماذا لايكتفي الرجل بالشتائم المرتبطة بأعضائه الجنسية ويترك جسد المرأة للمرأة؟

في الغالب لاتكون هذه الشتائم مجرد تفريغ غضب واستياء، وإنما قد تكون أيضاً تفريغاً للكبت الجنسي الذي يعيشه أو عاشه عدد كبير من أفراد المجتمع، فيجد في ذكر أعضاء جسد المرأة على الملأ متعةً أكبر في التفوه بها، ولذةً في تصوّر مشهد الشتيمة أحياناً، بالإضافة إلى اعتباره أنها الشتيمة الأكثر تأثيراً؛ لأنها تمس (شرف إناث المشتوم) وكأنه بهذه الشتيمة قد لمس أو كشف جسد المرأة التي يشتمها!

وعلى الرغم من أن معظم الشتائم الجنسية تمس جسد المرأة، إلا أننا مع ذلك نجد أن المرأة نفسها لا تتحفظ عن التلفظ بها، وكأنها تقول مادام الرجل يستبيح خصوصية جسدي؛ فأنا أولى منه في ذلك! وتجد منهن أن الأمر عاديٌّ ويفرّغ انفعالاً أكثر مما لو كانت الشتيمة عادية، وفي الوقت ذاته نجد نساء أخريات تنتفضُ آذانهنّ لدى سماعهن هذه الشتائم ويعتبرنها مساساً بهنّ وإقلالاً من احترامهنّ، وازدراءً لشخصياتهنّ، ويرين أنه لا يحق لأي ذكر المناداة بالشرف والحديث عنه طالما يشتم أخت أو أمّ أو زوجة شخص آخر، وإن كان هذا الشخص هو المسيء إليه فما ذنب عائلته؟

في الغالب لا تكون هذه الشتائم مجرد تفريغ غضب واستياء، وإنما قد تكون أيضاً تفريغاً للكبت الجنسي الذي يعيشه أو عاشه عدد كبير من أفراد المجتمع، فيجد في ذكر أعضاء جسد المرأة على الملأ متعةً أكبر في التفوه بها، ولذةً في تصوّر مشهد الشتيمة أحياناً

كثير من النساء يجدن في هذه الشتائم احتقاراً لهنَّ ولخصوصيتهنّ، واستباحةً لأجسادهنّ، وكأنها صارت مشاعاً للمساس بها، ويرين الشتيمة الجنسية لأجسادهنّ نوعاً من الاعتداء النفسي على خصوصية هذه الأجساد.

ولكن.... نحن لانجدُ هذه الاستباحة لدى الذكور؛ فالمجتمع يبقى متحفّظاً أكثر على جسد الرجل ولا يسمح المساس به كما جسد المرأة. حتى إن الشتائم المرتبطة بجسده قد صِيغَ أغلبها بحيث لا تستطيع المرأة استعمالها بينما صيغت الشتائم المرتبطة بجسد المرأة ليسهل استعمالها من قبل الطرفين!

وحتى في الكتب المدرسية نجد الاستفاضة بالحديث عن جسد المرأة أكثر من الرجل، كما نجد تحفّظاً في وصف جسده بألفاظ أكثر ملاءمة؛ فإن عدنا مثلاً إلى مادة العلوم لطلاب الثالث الثانوي نجد أن المعلومات التي تخص جسد المرأة أكثر من التي تخص جسد الرجل، وتكون أقل تحفظاً إن كانت للأنثى. كما أننا نجد الحديث عن بلوغ الأنثى مستفيضاً، ويتداول الناس لفظ (الدورة الشهرية) للدلالة على ذلك، بينما حين يتحدثون عن الذكر يقولون "بلوغه" ويتحفظون عن ذكر كلمة (الاحتلام) وكأنها خصوصية بحتة لا يتداولها سوى الذكور، حتى الأمهات يتجنبن قولها عن أولادهن بينما يتحدثن بأريحية عن الدورة الشهرية، فهل انقلبت الأدوار وصار جسد الرجل أكثر حرمة؟! وهل لا يُسمح حتى للأم بالاقتراب من جسد الذكر (ابنها) تحت سقف الذكورة؟!

إن عدنا عبر التاريخ إلى العصور القديمة سنرى أن هذا النوع من الشتائم لم يكن موجوداً تقريباً، بل ربما لم يكن إلا وصفاً لحوادث وحالات معينة، ونجد أن الأنثى في ظل سلطتها الأنثوية القوية كان بإمكانها الانتقام من الإهانات الموجهة إليها، فنحن نقرأ مثلاً في قصة "اغتصاب الإلهة (عشتار) من قبل (الفلاح) أنها "أقامت الدنيا ولم تقعدها" وأرسلت بلاءً وراء الآخر على الفلاح ومدينته انتقاماً منه بسبب انتهاك محرماتها كأنثى". كما نقرأ في قصة "سينيس؛ العذراء اليونانية الجميلة، ابنة إلاتوس، التي اغتصبها بوسيدون؛ أنها طلبت منه أن تصبح رجلاً، بحيث لا يتكرر الاغتصاب لها ثانية. فحوّلها إلى محارب لا يقهر، وانتقمت من الجنس الذي سبّب لها هذه الأذية، بأن قتلت كثيراً من الرجال في الحرب". (موسوعة الأساطير العالمية، حنا عبود، دار الحوار، ط1 – 2018، ص 186.)

هل وجد الذكر في محاولات تحرّر المرأة، وخروجها إلى العمل، ومخالطتها له، واستلامها المناصب المتعددة سبباً لانتهاك خصوصياتها، ومبرراً ليجعل جسدها من حقه، وتشريعاً ليكون الحديث عن – واستخدام صفات هذا الجسد من الأمور المباحة له؟

إذاً هل يجب أن تتحول النساء إلى رجال كي يحمين أنفسهن من قمع الذكورة وسلطتها؟ ألا يمكننا اعتبار أسطورة سينيس صورةً مبكّرة عمّا يسميه فرويد "الحسد القضيبي"؛ حيث ترغب المرأة بأن تكون رجلاً لتعوّض القوة والسلطة الذكورية التي تفتقدها، وبالتالي لحماية نفسها من الذكر؟!

أم إن الحل لإيقاف الانتهاكات ضد الأنثى أن تعود السلطة أنثوية في المجتمع لتحمي الأنثى، بعدما تبدّلت المباحات والمحظورات بانتقال مركز القوة إلى الذكر في المجتمع؟

إن تساءلنا عن سبب هذا التعدي على خصوصية المرأة ربما سنكتشف أن تطور المجتمعات هي التي أوصلت إلى هذه الحرية من الشتائم دون رادع، فهل وجد الذكر في محاولات تحرّر المرأة، وخروجها إلى العمل، ومخالطتها له، واستلامها المناصب المتعددة سبباً لانتهاك خصوصياتها، ومبرراً ليجعل جسدها من حقه، وتشريعاً ليكون الحديث عن – واستخدام صفات هذا الجسد من الأمور المباحة له؟

لا يمكننا إنكار أهمية التفريغ الانفعالي في حياتنا من خلال الشتائم التي تعدّ مسكِّناً لآلام النفس، ودواءً مريحاً يجعل الإنسان يتخطى سبب انفعاله وغضبه، ولكن هذا لا يبرر أن يكون جسد المرأة اليوم هو المنبع الذي تُستقى منه أكثر الشتائم استعمالاً، دون مراعاة لحق الأنثى في خصوصية جسدها، ورغبتها في عدم المساس به. وإن كان للمرأة الحرية في إزالة الحدود أمام المجتمع تجاه جسدها متى أرادت، فبالمقابل؛ لنساء أخريات الحرية في إبقاء هذه الخطوط الحمراء أمام المجتمع تجاه أجسادهن، بحيث لا يصبح هذا الجسد مباحاً في صفاته وتفاصيله. وبالتالي من المجحف تعميم الشتائم الجنسية المرتبطة بجسد المرأة مادامت كثيرات لم يوقّعنَ بعد على هذه الاستباحة للجسد.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image