"انجب يا حيوان، يا قواد، يا حقير، يا لوطي، يا أزرق، يا لعين، يا عميل إيراني، يا ثور، يا حقير، يا وسخ، أنعل أبوك". هذه كلمات وجهها السياسي العراقي انتفاض قنبر من مقر إقامته في العاصمة الأمريكية واشنطن إلى محاوره جمعة العطواني الذي كان يشارك معه في حلقة تلفزيونية مباشرة.
ردّ قنبر، وهو سياسي متهم بـ"العمالة" لأمريكا، جاء بعد أن وجه المعلق السياسي جمعة العطواني "المحسوب" على المحور الإيراني كلامه له ووصفه بـ"قمة الدونية والانحطاط" وبـ"المأبون".
"الآكشن" المطلوب
على الأغلب، تكون البرامج التي تستضيف قنبر والعطواني فيها شيء من "الآكشن"، فتنتشر لكليهما بعد كل حلقة مقاطع فيديو فيها صراخ وتهديد. ويبدو أن هذا ما يرغب به كثيرون من المشاهدين.
هنالك مجموعة برامج تلفزيونية سياسية على وسائل الإعلام العراقية، وحتى تلك غير العراقية التي تتناول الحدث العراقي، عرفت أن بعض الضيوف يُمكنهم أن يرفعوا عدد المشاهدات، وهذا ما يعتبره مقدّم البرامج العراقي المعروف عدنان الطائي "طبيعياً"، فكل وسيلة إعلام تبحث عن رفع نسب مشاهداتها.
صارت البرامج السياسية التي تخلو من "الآكشن" وتبادل الشتائم والتشهير بين الضيوف غير متابَعة كثيراً، ولا يتم تداولها عبر السوشال ميديا أو عبر تطبيقات التواصل الأخرى، لكن تلك الممتلئة بها تلقى رواجاً كبيراً.
في الدقيقة الأربعين من هذه المقابلة، اندلع شجار كلامي بين ضيفين مختلفين في توجهاتهما. يوجّه الشاعر العراقي وليد الخشماني كلامه لضيفه أحمد عبد السادة، وهو أيضاً شاعر وإعلامي، ويقول له: "انت مو شريف".
لم ينتظر عبد السادة طويلاً ورد على الخشماني: "احترم نفسك، أنت المو شريف".
هذه الحلقة واحدة من عشرات حلقات البرامج العراقية التي تشهد عِراكاً وشتائم وتشهيراً بين ضيفين وربما أكثر. ولم تعد هذه المشاهد حالات مقتصرة على الفضائيات، بل تحولت إلى ظاهرة تدخل إلى كل منزل، فهي تنتشر سريعاً على السوشال ميديا وتطبيقات المراسلة الفورية.
الحلقة التي جمعت عبد السادة المتهم بالدفاع عن إيران وحلفائها، والخشماني المتهم بالوقوف ضد العملية السياسية العراقية والحشد الشعبي ليست الأولى، فهنالك عشرات الحلقات التي تشهد ما هو أقسى من ذلك.
يتظاهر بعض مقدمي البرامج بأنهم لا يريدون أن تشتعل حلقاتهم بعراك الضيوف ولكنهم يسارعون إلى تقطيع تلك اللحظات ونشرها على السوشال ميديا. أحد أصحاب صفحات فيسبوك المليونية في العراق يقول لرصيف22: "يرسلون لنا مقاطع العراك والشتائم واللحظات التي فيها آكشن من برامجهم"
يقول أحمد عبد السادة لـ"رصيف22": "أنا ضد الشتائم في أي حوار تلفزيوني ولكن أحياناً يسحبك أحد ضيوف البرامج التلفزيونية إلى منطقته المليئة بالشتائم والإساءات فتضطر حينها للرد بالمثل. هذا الأمر في حال حدوثه أحياناً معي فإنه يندرج ضمن الخيارات الاضطرارية".
ويضيف: "هنالك طبعاً خيط رفيع جداً يفصل بين الإساءة وبين الصراحة والجرأة بالطرح، وهناك طبعاً مَن لا يميّز بين الحالتين فيقوم بإضاعة الخيط الرفيع بينهما، الأمر الذي يحوّل بعض البرامج التلفزيونية إلى حلبة لتراشق الإساءات والشتائم".
في هذه الحلقة التي جمعت شخصيات من محافظة الأنبار هما الأمين العام لتجمع القوى العراقية للإنقاذ ورفض التوسع الإيراني عبد الرزاق الشمري، وابنه، في مواجهة رئيس مجلس إنقاذ الأنبار حميد الهايس، بقيت مقدمة البرنامج دقيقتين من دون أن تتخذ موقفاً تجاه شتى أنواع الشتائم التي أطلقت على الهواء.
عِراك يعني شهرة
يتظاهر بعض مقدمي البرامج بأنهم لا يريدون أن تشتعل حلقاتهم بعِراك الضيوف، ولكن فور حصولها يسارعون إلى تقطيع تلك اللحظات ونشرها على السوشال ميديا.
أحد أصحاب صفحات فيسبوك المليونية في العراق، رفض ذكر اسمه، يتحدث عن كيفية ترويج بعض المقدمين لبرامجهم، ويقول لرصيف22: "بعض مقدمي البرامج يرسلون لنا مقاطع العِراك والشتائم واللحظات التي فيها آكشن من برامجهم، فهم يعرفون بأن لا صيت لأغلب البرامج دون السوشال ميديا".
هنالك مجموعة برامج تلفزيونية سياسية على وسائل الإعلام العراقية، وحتى تلك غير العراقية التي تتناول الحدث العراقي، عرفت أن بعض الضيوف يُمكنهم أن يرفعوا عدد المشاهدات بعراكهم وبتبادلهم للشتائم
توسعت ظاهرة البرامج السياسية التقليدية المبنية على أساس رأيي طرفين مختلفين دون معلومات أو إثباتات أو حتى تحليل، فالخمسون دقيقة (الساعة التلفزيونية) غالباً ما تنتهي دون معلومات أو جديد.
عدنان الطائي الذي يُعَدّ أحد أبرز مقدمي البرامج السياسية في العراق، يقول لرصيف22: "ليست هناك علامة X على أي ضيف مهما كان متطرفاً، المشكلة ليست في استضافته، المشكلة أن تستضيف مَن يوجّه لك البندقية، لكن الرأي الذي لا يحمل البندقية نستضيفه، وهذا لديه جمهوره".
ويضيف الطائي الذي يقدّم برنامج "الحق يُقال" على قناة UTV من إسطنبول: "في بعض الأحيان آتي بغيث التميمي ومقابله نجاح محمد علي. جمهورا الطرفين يتهمانني بالمتطرف لأنني جئت بشخص لا يوافقهما الرأي، لكنني سأكون متطرفاً عندما لا آتي بهما".
يعتقد الطائي أن البحث عن رفع نسبة المشاهدات "ليس عيباً"، ويقول أيضاً: "لا يهمني الشو ولا التطرف ولا الضيوف، ما يهمني أن أختار مواضيع تهم الناس وضيوفاً يحكون بصراحة، لأننا في زمن المخادعة".
"كسر الهيبة"
لعدنان الطائي وجهة نظر خاصة في جلب ضيوف عادة ما يُتهمون بـ"الشعبوية" أو بـ"الساعين" للشهرة على حساب التحليل والمعلومة، لكن هنالك مَن ينزعج من وجود هؤلاء الضيوف في البرامج السياسية.
غيث التميمي وهو ناشط سياسي معروف بتصريحاته الخطيرة، كان يُقيم في لندن والآن في أربيل، ودائماً ما يُهاجم زعماء الجماعات المسلحة، يقول لرصيف22: "أنا شخص أنزعج من طبيعة اختيار الإعلام العراقي لضيوفه".
ويضيف: "الإعلام العراقي تعلّم من مدرسة فيصل القاسم المشوهة، وهذه المدرسة شكلت جزءاً من فهمهم الأساسي للإعلام، خاصة وأن تجربته (القاسم) مشوهة وغايتها تأجيج الرأي العام وتعبئته ليكون محتقناً ومستعداً للانفعال والتطرف. هذا هو الإعلام العراقي".
ويشير التميمي وهو دائماً ما ينفعل في المقابلات التلفزيونية إلى أن "انفعالاتي قد تكون مساجلة في بعض الأحيان. عندما يكون الآخر ميليشياوياً ويفرض صوته على الناس ويُخيفهم، فوظيفتي كسر هيبته الوهمية وتعريته أمام الناس، مهمتي أن أرفع سقف الحرية".
بحكم الأوضاع في العراق، يمتلك العراقيون الذين يعيشون في الخارج مساحة حرية تعبير أكبر، والتميمي واحد من هؤلاء، وهذا ما يُعطيه مساحة أكبر في توجيه الانتقادات وحتى الاتهامات في بعض الأحيان، لكن هذه المساحة تضيق على الضيوف الذين يظهرون من داخل العراق، خاصة في المحافظات غير المنضوية ضمن إقليم كردستان.
على مستوى الجمهور، فإنه على الغالب ووفقاً لما يظهر على السوشال ميديا، يرغب الكثيرون من العراقيين بهكذا نوع من البرامج، فربما يقول البعض ما لم يتمكنوا من قوله، لكن استفحال هذه الظاهرة تؤثر كثيراً على تغييب البرامج ذات البُعد المعلوماتي والتحليلي.
ريناس علي، وهو مقدم برامج معروف في العراق، يقدم برنامج "بتوقيت العاصمة" على شاشة قناة "العهد"، وهو برنامج قد يكون من أكثر البرامج التي تخلو من العِراك والمشادات الكلامية، يقول عن برنامجه: "ذلك لم يكن صدفة، بل نهج اتبعه".
ويضيف لرصيف22: "في الغالب لا أختار الضيوف على أساس تحقيق صراع على الهواء. لا أقول إن برنامجي لم تحدث فيه مشادات كلامية أو نوع من الصراخ لكنها لم تتجاوز بضع حلقات".
ويضيف: "للأسف أشاهد بعض الزملاء في اعتمادهم على هذا اللون الذي أصبح مملا جداً وفارغاً ولا أرى منه فائدة سوى انتشار مؤقت ليوم أو يومين على صفحات التواصل الاجتماعي. من حق مقدم البرامج تحقيق نوع من الانتشار لكن هنالك أساليب مهنية كثيرة يُمكنه الاعتماد عليها".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 17 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين