على مدى أكثر من 10 أشهر من تبادل الاتهامات، تصاعد الخلاف الأكثر خطورة في الشرق الأوسط، بين اثنين من أقوى قادة المنطقة: الحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
المنافسة بين بن زايد، أحد أقرب الشركاء العرب للولايات المتحدة، وأردوغان، أحد أعضاء حلف الناتو، ترددت أصداؤها من الخليج إلى القرن الأفريقي وحتى الخطوط الأمامية للحرب الأهلية الدائرة منذ نحو تسع سنوات في ليبيا، وأدت إلى زيادة التوتر في شرق البحر المتوسط.
يقول إميل حكَيِم، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية: "إنه الصراع الذي يحدد مسار السياسة في الشرق الأوسط في الوقت الحالي. إنه تنافس يحدث بشكل مباشر وبالوكالة في العديد من الأماكن، وهو التنافس الذي سيجذب الجهات الفاعلة الدولية إلى أحد الجانبين".
التطبيع مع إسرائيل ضمن الصراع
ويعتقد مسؤولون أتراك وإماراتيون أن "اتفاق السلام" الذي وقعته الإمارات حديثاً مع إسرائيل -وانتقدته تركيا بشدة- كان مدفوعاً، بشكل جزئي على الأقل، برغبة أبو ظبي في تعميق تحالفاتها الإقليمية ضد أنقرة وإبراز نفوذها مع اشتداد التنافس.
قال الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله لـ"فايننشال تايمز": "بعد سماع تهديدات المسؤولين الأتراك -وهي مسموعة بصوت عالٍ- من المفيد أن يكون لديك حليف مثل إسرائيل". وأضاف الأكاديمي الذي يعكس تفكير الدولة في كثير من الأحيان: "كلاكما يشارك الذكاء ويعد جزءاً من تحالف أكبر، والإدراك مهم بقدر ما يهم الواقع".
علت هذه "التهديدات" بعدما كثفت تركيا تدخلها العسكري في الشأن الليبي هذا العام لدعم حكومة "الوفاق الوطني" المعترف بها من الأمم المتحدة، ومقرها طرابلس. أمدّت الحكومة التركية الوفاق بمقاتلين من المرتزقة السوريين وبأنظمة دفاع جوي.
قبل ذلك، كانت الإمارات تقدم الدعم لوكيلها المشير خليفة حفتر في صعوده خلال فرض الحصار على طرابلس، وقدمت له شحنات ضخمة من الأسلحة والمعدات وطائرات الدرونز، وفقاً لمسؤولين ودبلوماسيين في الأمم المتحدة.
كانت ثورات الربيع العربي عام 2011 نقطةً فاصلة في العلاقة بين تركيا ومحور السعودية ومصر والإمارات. رآها بن زايد تهديداً ورآها أردوغان فرصة"... كيف بدأ التنافس وصراع الأيديولوجيات بين أنقرة وأبو ظبي وإلى أين وصل؟
لكن التدخل التركي نجح في وقف التفوق الجوي للقوات الموالية لحفتر، وأنهى محاولته الإطاحة بحكومة طرابلس كما أجبر مقاتليه على التراجع بسرعة. أثر ذلك بشدة على مطامع أبو ظبي في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا.
بعدما شنت طائرة مجهولة الهوية ضربات ضد قاعدة ليبية تستضيف القوات التركية في تموز/ يوليو الماضي، حذر وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، من أن بلاده ستحاسب الإمارات في "المكان والزمان المناسبين". واتهم الدولة الخليجية -التي تقول أنقرة إنها تدعم الطغاة في جميع أنحاء المنطقة- بارتكاب "أعمال خبيثة" ورعاية الإرهابيين المعادين لتركيا.
على الجانب الآخر، تتهم الإمارات أردوغان بأنه يسعى إلى تحقيق "الأوهام الاستعمارية" ودعم "الجماعات الإسلامية" وتشكيل "محور عدائي مع قطر"، منافستها الخليجية التي قطعت علاقتها بها عام 2017.
في الإمارات، يسود اعتقاد بأن "قطر الثرية توفر التمويل، وتركيا هي القوة التي يسعى أردوغان من خلالها إلى جعل نفسه زعيماً للعالم الإسلامي السني".
يعتقد وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش أن "لدى تركيا الكثير من الأمور التي يجب أن ترد عليها، بمحاولاتها طويلة المدى -بالتنسيق مع قطر والإخوان المسلمين- لنشر الفوضى في العالم العربي، مع استخدام التفسير العدواني والمنحرف للإسلام كغطاء"، بحسب ما نشرته مجلة "لو بوان" الفرنسية في حزيران/ يونيو الماضي.
صدام السياسات الخارجية المغامرة
لكن ليبيا، وإن اعتبرت "بؤرة التوتر التي أوصلت التنافس إلى أكثر نقاطه عدوانية"، فإنها لم تكن وراء بداية الصراع الممتد لأكثر من عقد من العداء الذي غذته الاختلافات الأيديولوجية الناتجة من اصطدام السياسات الخارجية المغامرة للحكومتين.
الإمارات، مع 1.5 مليون نسمة من المواطنين فقط والثروة غير المحدودة من النفط، طالما تجاوزت وزنها. مع بداية "ثورات الربيع العربي" عام 2011، دعمت أبو ظبي بعشرات المليارات من الدولارات حلفاءها من الحكام في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا عبر التجارة والمساعدات، وباستخدام الموارد العسكرية.
ما لا يقل عن 87.6 مليار دولار استثمرتها الإمارات أو قدمتها مساعدات إلى ثماني دول، بينها مصر وإثيوبيا وباكستان، منذ عام 2011، وفق بيانات معهد "أمريكان إنتربرايز".
بالتزامن مع سعى بن زايد إلى توسعة نفوذ بلاده، كان أردوغان ينشط بالمثل. يشرح ذلك مايكل ستيفنز، زميل مشارك في معهد رويال يونايتد للخدمات والدراسات الأمنية والدفاعية، بقوله: "حيثما تجد نشاطاً إماراتياً، غالباً ما تجد نشاطاً تركياً يتصدى له بطريقة لا تفعلها إيران. إنهم (الإماراتيون) يعتقدون أنهم يواجهون عداءً شديداً من تركيا من حيث قوميتها وإبراز قوتها وتصميمها على التأكد أن الإمارات لا تسلك طريقها الخاص".
عام 2017، سارعت تركيا إلى نشر قواتها في قاعدة قطرية لدعم الدوحة بعد أيام من فرض أبو ظبي والرياض حظراً إقليمياً عليها. خلال العام نفسه، افتتحت أكبر قاعدة عسكرية خارجية لها في مقديشو حيث تنافست أنقرة وأبو ظبي على النفوذ في القرن الأفريقي.
لاحقاً في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، وقعت تركيا اتفاقية تعاون دفاعي مع الكويت لتعميق تحالفاتها في الفناء الخلفي لدول الخليج. والعام الماضي، قال أردوغان إن عدد السفارات التركية في أفريقيا ارتفع من 12 إلى 42 على مدار الـ15 عاماً الماضية. واهتم بتوسعة نفوذ أنقرة بالقرب من شواطئ الإمارات.
ثورات الربيع العربي نقطة تحول
المثير أن الأمر لم يكن على هذا النحو في السنوات الأولى لقيادة أردوغان حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002. اعتبر كثيرون داخل الشرق الأوسط وخارجه تركيا نموذجيةً للمنطقة، وسعت الحكومات الخليجية إلى زيادة العلاقات الاقتصادية مع البلد الذي اعتقدت أنه شريك سني محتمل لمواجهة إيران الشيعية.
في ليبيا وسوريا واليونان والقرن الأفريقي وحتى داخل البلدين… التنافس بين الإمارات وتركيا، مع حاكمين من أصحاب السياسات الخارجية المغامرة، يحتدم. وخبراء يقولون إن تقهقر حفتر أظهر أن "كل ما لدى الإماراتيين حقاً هو دفاتر شيكات ومبيعات أسلحة"
تغيرت هذه النظرة عقب فوز الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، بأول انتخابات رئاسية ديمقراطية في مصر بعد ثورة 25 يناير 2011 التي أطاحت الرئيس الأسبق الراحل حسني مبارك.
أغضب الإمارات صعود الرئيس من جماعة الإسلام السياسي التي تراها أبو ظبي تهديداً إقليمياً. لدى عزل الجيش المصري لمرسي عام 2013، دعمت الإمارات الخطوة التي رأتها تركيا انقلاباً عسكرياً وهاجمتها بضراوة.
كانت الانتفاضات العربية عام 2011 لحظة حاسمة في علاقات تركيا مع محور الإمارات ومصر والسعودية، رآها بن زايد تهديداً ورآها أردوغان في المقابل فرصةً.
بينما مولت الإمارات وسائل الإعلام المصرية المعادية للإخوان، قدمت أنقرة لمرسي وأنصاره الدعم السياسي والمالي. ثم تغيرت الديناميكيات بشكل كبير مع تولي عبد الفتاح السيسي السلطة وسحقه الإخوان المسلمين بعدما بات حليفاً مقرباً من الشيخ محمد وحصل على مليارات الدولارات من المساعدات الإماراتية، بينما أصبحت أنقرة ملاذاً لمعارضي السيسي.
بلغ الصراع بين تركيا والإمارات أن لمّح أردوغان بضلوع الإمارات في محاولة الانقلاب المزعومة ضده عام 2016. في خطاب له عام 2017، قال الرئيس التركي: "عندما حدثت محاولة انقلاب في تركيا، نعرف جيداً من كان في الخليج سعيداً بذلك".
حدود قوة الإمارات "الأموال والأسلحة"؟
يرى البعض أن التنافس بين البلدين كشف عن حدود قوة الإمارات. قال مسؤول مخابرات غربي كبير سابق لـ"فايننشال تايمز": "ربما رأينا سطوة النفوذ الإماراتي في جميع أنحاء المنطقة. ما حدث في ليبيا هو مثال جيد على أنه لا يوجد الكثير الذي يمكن للإماراتيين فعله إذا ألقت قوة كبيرة ثقلها خلف الطرف الآخر، لأن كل ما لدى الإماراتيين حقاً هو دفاتر شيكات ومبيعات أسلحة".
وتابع: "طموحات بن زايد الكاملة تواجه بعض العقبات الحقيقية"، مبرزاً أنه "يبحث عن مجندين لمواجهة تركيا… لكنني لست متأكداً أنه سينجح".
في الوقت نفسه، يعتقد آخرون أن يحصل بن زايد على الدعم من التحالفات القائمة في المنطقة وخارجها. بعد أقل من أسبوعين من الاتفاق مع إسرائيل، أرسلت الإمارات أربع طائرات مقاتلة من طراز "إف 16" للمشاركة في مناورة عسكرية في اليونان التي اشتد التوتر بينها وبين تركيا بشأن الحقوق البحرية.
في حين تشارك الإمارات في مناورات عسكرية مع اليونان منذ عام 2017، كانت المشاركة هذه المرة فرصة لإبراز الشيخ محمد تحالفاته خارج الشرق الأوسط.
"تركيا لا تخشى الإمارات. تخشى تركيا أن تستخدم الإمارات الغرب ضدها".
قال الأكاديمي الإماراتي، عبد الله: "كانت الإمارات بحاجة إلى إرسال رسالة (إلى أردوغان): نحن هنا سواء أعجبك ذلك أم لا، لم نتخل عن ليبيا"، منبهاً إلى أنه بينما تعتبر مصر والسعودية أفضل حلفاء الإمارات الإقليميين، تعمل أبو ظبي على توسعة نطاق "الأصدقاء العالميين" بما في ذلك إسرائيل واليونان.
للشيخ محمد أيضاً حليف معادٍ لأردوغان هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي قدمت بلاده الدعم السياسي للمشير حفتر في ليبيا، ويشاركه مخاوفه بشأن حركات الإسلام السياسي وبات منتقداً بشكل متزايد لسياسة أردوغان الخارجية.
تدرك تركيا تدعيم الشيخ محمد جهته بالحلفاء الغربيين. قال محيتين أتامان، رئيس أبحاث السياسة الخارجية في مؤسسة "سيتا" التركية للدراسات المقربة من حزب أردوغان: "تركيا لا تخشى الإمارات. تخشى تركيا أن تستخدم الإمارات الغرب ضدها".
وأضاف: "محمد بن زايد ينفق ملايين الدولارات للضغط ضد تركيا"، زاعماً أن الشيخ محمد وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يسعيان إلى "علاقة صفرية مع تركيا".
استياء عربي من طموحات أردوغان
بينما يقود بن زايد، الشهير اختصاراً بـ MBZ، الحملة العربية ضد النفوذ التركي، ليست الإمارات البلد الوحيد الذي عبّر عن مخاوفه بشأن محاولات أردوغان التدخل في الشرق الأوسط، بما في ذلك الهجوم التركي على شمال شرقي سوريا العام الماضي والعمليات العسكرية الأخيرة في شمال العراق، وكلاهما كان هدفه مواجهة المسلحين الأكراد الذين تعتبرهم أنقرة إرهابيين.
هددت مصر، حليفة الإمارات التي تدعم حفتر أيضاً، بنشر قوات في ليبيا هذا العام. وفرضت السعودية، خلال الأسابيع الأخيرة، حظراً فعلياً على الواردات التركية، وهذا ما أبرز زيادة التوتر بين أنقرة والرياض.
عن ذلك، قال مسؤول سعودي بارز لـ"فايننشال تايمز": "إذا نظرت إلى جملة التهديدات في المنطقة، فستجد أن تركيا قد دخلت بسرعة كبيرة تحت بقعة بارزة. هي حاضرة في كل مكان (يقصد كل أزمة)". وأضاف: "تورط أردوغان في ناغورني قره باغ (حيث ألقى بثقله في ظهر أذربيجان خلال نزاع دموي ضد أرمينيا) أمر مزعج للغاية، ليس لأنه أمر لا علاقة لنا به، إنه علامة أخرى على أهدافه".
بشكل عام، يؤمن إيميل حكيم بأن التنافس بين تركيا والمحور العربي الممثل في الإمارات والسعودية ومصر لا يُظهر أي بوادر للانحسار، مضيفاً أنه "سيظل سمة دائمة للشرق الأوسط الحديث".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Apple User -
منذ 6 ساعاتHi
Apple User -
منذ 6 ساعاتHi
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 5 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا