شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
مساعٍ لإنشاء المزيد من القواعد العسكرية... كيف تعمل أنقرة على تعزيز نفوذها في العراق؟

مساعٍ لإنشاء المزيد من القواعد العسكرية... كيف تعمل أنقرة على تعزيز نفوذها في العراق؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 19 يونيو 202008:36 م

في 18 حزيران/ يونيو الجاري، أعلنت تركيا أن قواتها التي دخلت الأراضي العراقية في وقت سابق من هذا الأسبوع لقتال مسلحين أكراد ستظل في مواقعها ولن تنسحب، بعدما أنشأت فيها أكثر من عشرة قواعد عسكرية.

في المقابل، اقتصر الموقف العراقي على استدعاء وزارة الخارجية للسفير التركي في بغداد فتحي يلدز، لمطالبة أنقرة بوقف عملياتها العسكرية وسحب قواتها، في حين التزم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الصمت عما يجري شمالي البلاد.

من جهة ثانية، دخلت مصر والسعودية والإمارات والكويت على خط الأزمة، بإصدار بيانات رسمية تستنكر التدخل التركي في شمال العراق، وتطالب أنقرة بوقف انتهاكاتها لسيادة الدول العربية.

قواعد تركية

كشف مسؤول تركي بارز، الخميس 18 حزيران/ يونيو الجاري، أن تركيا تعتزم إقامة المزيد من القواعد العسكرية المؤقتة في شمال العراق بعدما كثفت ضرباتها على المقاتلين الأكراد، مشيراً إلى أن هذه الجهود تضمن أمن الحدود.

وأضاف المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه: "الخطة هي إقامة قواعد مؤقتة في المنطقة لمنع استخدام المناطق المطهرة (من المسلحين) للغرض نفسه مرة أخرى، هناك بالفعل أكثر من عشر قواعد مؤقتة هناك، وستقام قواعد جديدة".

في الوقت نفسه، أعلنت وزارة الدفاع التركية أن قواتها ضربت أكثر من 500 هدف لمقاتلي حزب العمال الكردستاني بطائرات إف-16 وطائرات مسيرة ومدافع هاوتزر في إطار عملية واسعة في منطقة هفتانين.

وامتدت الضربات التركية من سنجار قرب الحدود السورية إلى جبال قنديل المتاخمة للحدود الإيرانية، كذلك استهدفت مناطق وكاراكاك وزاب وأفاسين باسيان وهاكورك، بعمق 300 كيلومتر داخل العراق.

واستهدفت المدفعية الإيرانية مناطق حدودية بالمدفعية الثقيلة لفترة قصيرة يوم الأربعاء 17 حزيران/يونيو، في محاولة لمنع اقتراب المسلحين الأكراد من حدودها خلال العملية العسكرية التركية.

"تركيا تعتزم إقامة المزيد من القواعد العسكرية المؤقتة في شمال العراق بعدما كثّفت ضرباتها على المقاتلين الأكراد"، حسب ما كشفه مسؤول تركي... محللون يشيرون إلى أن المسألة أكبر من ضمان أمن الحدود وتتعلق بمصالح أوسع لأنقرة في العراق 

وتخوض أنقرة صراعاً عسكرياً مع مسلحي حزب العمال الكردستاني منذ ما يقرب من 40 عاماً، وتعتبرهم تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تنظيماً إرهابياً مسؤولاً عن مقتل ما يقرب من 40 ألف شخص.

في قراءة لأسباب العملية العسكرية التركية، قال المحلل السياسي والعسكري العراقي ربيع الجواري إن تركيا تستغل وجود مسلحين أكراد في شمال العراق من أجل وضع قدم لها في هذه المنطقة.

وأوضح الجواري لرصيف22 أن هذه القواعد لن تكون قواعد بالمعنى الكبير للقواعد العسكرية، ولكن أشبه بالقواعد التي أنشأتها أنقرة في إدلب، وبذلك تستطيع بسط نفوذها في الشريط الممتد من البحر المتوسط في سوريا إلى الحدود الإيرانية العراقية.

وكان "مركز كارنيغي للسلام الدولي" قد أصدر تقريراً، في 3 حزيران/يونيو الجاري، حذّر فيه من تصعيد تركي في السياسة الخارجية، وذلك تماشياً مع رؤية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لعام 2023، والتي تتضمن إعادة نفوذ أنقرة في مناطق الخلافة العثمانية.

وقال تقرير "كارنيغي": "في ظل تصاعد عداء تركيا للاتحاد الأوروبي وتلاشي شعبية أردوغان، وتفاقم الخلل السياسي الداخلي، وتصبح التوقعات الاقتصادية للبلاد أكثر كآبة، هنا يلجأ إلى سياسة خارجية نارية لإخفاء المشاكل المحلية".

وأضاف: "القرارات الحاسمة التي تتخذها القيادة التركية– من الإعلان عن بناء المستشفيات والجسور والأنفاق والمطارات الجديدة إلى حاملة طائرات خفيفة وغواصات الجديدة وطائرات بدون طيار ونشر قوات في الخارج - تتبع خيطاً واحداً، وهو استراتيجية 2023".

ولفت التقرير إلى أن أنقرة على استعداد أكبر لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا وقطر والصومال وسوريا وإبراز قوتها عبر الأراضي العثمانية السابقة وخارجها، في ما تعتبره الآن منطقة نفوذ لها".

وفي العام 2023، ستكون قد مرت مائة سنة على توقيع اتفاقية لوزان التي حددت حدود تركيا الآن، وهو ما يثير تكهنات كثيرة حول سعي أنقرة لإلغاء هذه المعاهدة من أجل توسيع نفوذها في ما يُعرف بخريطة "الميثاق الملي" والتي تظهر ضم أجزاء من العراق وسوريا إلى الجمهورية التركية.

واعتبر الجواري أن أنقرة تعيد رسم الخريطة، وذلك لتحقيق أطماعها في ظل ضعف الحكومة المركزية في بغداد.

موقف بارد

وفي رد فعل وصفه محللون عراقيون بـ"الضعيف"، استدعت الخارجية العراقية السفير التركي في بغداد للمرة الثانية خلال أيام، وسلمته مذكرة احتجاج ضد انتهاك سيادة العراق.

وذكرت وزارة الخارجية العراقية في بيان لها أنها أدانت انتهاك سيادتها وطالبت أنقرة بضرورة إيقاف القصف وسحب قواتها المعتدية من أراضيها، لأنها تسببت في زيادة اختلال الأمن بالمنطقة الحدودية المشتركة.

وتعليقاً على الموقف العراقي، قال الجواري إن الموقف الحكومي الرسمي ضعيف للغاية، حتى أنه لم يُصعّد ما جرى إلى المؤسسات الدولية كمجلس الأمن والاتحاد الأوروبي لوقف التدخل التركي.

وقال الجواري: "هذه حكومة ضعيفة، لم يكن الأتراك يجرؤون على انتهاك السيادة العراقية بهذا الشكل قبل عام 2003، وأسباب هذا الضعف عديدة منها عدم الاستقرار السياسي في البلاد".

وأشار الجواري إلى أن أحد عوامل ضعف الموقف العراقي هو صمت الكتل منها البيت الشيعي، وذلك قد يرجع إلى أن إيران شاركت في العملية التركية بقصف مدفعي على مواقع المسلحين، وعليه فإن قبول الإيرانيين بهذه العملية يعني صمت أطرافهم في العراق.

وكانت تقارير صحافية قد ذكرت أن رئيس المخابرات التركية هاقان فيدان زار بغداد سراً قبل أيام قليلة من بدء العملية العسكرية، بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف لأنقرة.

في هذا السياق، أوضح الباحث العراقي فراس محمد أن العملية جاءت بعد أيام من زيارة رئيس جهاز المخابرات التركية إلى بغداد، وهو ما يؤشر بدوره إلى وجود تفاهم سري بين الطرفين العراقي والتركي على هذه العملية.

وأضاف الباحث العراقي في حديثه لرصيف22 موضحاً أن التعاطي الرسمي العراقي مع العملية التركية يبدو بارداً، وذلك يرجع برأيه إلى "طبيعة الفجوة الامنية التي يعاني منها العراق في المناطق الشمالية، بسبب الخلافات المستمرة بين بغداد وحكومة كردستان العراق، ورفض السلطات في هذه المنطقة دخول قوات الجيش العراقي الى داخل مناطقه".

وبرأيه، يفسر ذلك إعطاء حكومة بغداد لضوء أخضر من أجل بدء العملية، وفرض المزيد من الضغوط على حكومة إقليم كردستان العراق، من خلال سحب ورقة مهمة منه، استغلتها السلطات في أربيل للضغط على الحكومة في بغداد.

ولفت المحلل العراقي إلى وجود أوراق ضغط تستخدمها أنقرة قد تفسر ضعف الموقف العراقي، منها ملف المياه القادمة من الأراضي التركية في نهر دجلة، كذلك تصدير النفط عبر الموانئ التركية.

وبدأت تركيا، في 19 أيار/مايو، بتشغيل أول توربين في "سد إليسو"، الأمر الذي أثار مخاوف واسعة من حدوث شح في المياه بالعراق بعد تأجيل دام نحو عامين بسبب احتجاج بغداد.

وحول القصف الإيراني مؤخراً على المناطق الكردية العراقية، بعد يوم واحد من غارات شنتها طائرات حربية تركية، فقد رأى محمد أنها جاءت بعد تنسيق أمني عالي بين العراق وإيران وتركيا، مذكراً بزيارة قائد "فيلق القدس" إسماعيل قآني إلى بغداد بداية الشهر الحالي، وبعدها زيارة رئيس جهاز المخابرات التركية هاكان فيدان لبغداد الأسبوع الماضي، ما يعني أن هذا الأمر قد يكون توجهاً ثلاثياً لتصفير هذا الملف في المرحلة المقبلة.

"هذه حكومة ضعيفة، لم يكن الأتراك يجرؤون على انتهاك السيادة العراقية بهذا الشكل"... انتقادات للموقف العراق "الضعيف" من التدخل التركي في البلاد، وسط تحليلات تربط الأخير بتنسيق أمني عالٍ يحصل بين العراق وإيران وتركيا

ولفت محمد إلى تصريحات ظريف خلال زيارته لأنقرة مطلع الأسبوع الجاري، والتي شدد فيها على أهمية التعاون المشترك بين أنقرة وطهران في مواجهة مثل هذه التهديدات.

في المقابل، قال سفير تركيا لدى بغداد إن استدعاءه إلى وزارة الخارجية العراقية كان بسبب العملية التركية، معلناً أنه أبلغ المسؤولين العراقيين أن أنقرة "ستقاتل حزب العمال الكردستاني أينما كان" إذا لم "يتخذ العراق أي خطوات" لإزالة وجود مسلحيهم.

وقال مسؤول تركي بارز لرويترز إن "الحملة مستمرة، وليس هناك مدة زمنية محددة حتى تحقق أهدافها".

تنديد عربي

عبّرت دول عربية عدة عن استنكارها للعملية العسكرية التركية في العراق، معتبرة أن هذا التحرك يعد انتهاكاً لسيادة دولة شقيقة.

في مقدمة الدول التي دانت العملية، كانت الإمارات التي استنكرت عبر وزارة الخارجية "التدخلات العسكرية التركية والإيرانية" في العراق، مؤكدة أن هذه الأفعال تمثل "انتهاكاً لسيادة دولة عربية شقيقة".

وأوضح بيان الوزارة أن "التدخلات العسكرية التركية والإيرانية في العراق الشقيق، من خلال قصف مناطق في شمال العراق، تشكل انتهاكاً على سيادة دولة عربية شقيقة".

وأعلنت المملكة العربية السعودية عن تضامنها مع العراق ضد العمليات العسكرية التي نفذتها إيران وتركيا داخل الأراضي العراقية، واصفة إياها بـ"عدوان" يهدد الأمن العربي والإقليمي.

كذلك أصدرت وزارة الخارجية المصرية بياناً يستنكر بأشد العبارات التدخلات العسكرية التركية والإيرانية الأخيرة في شمال العراق، معتبرة الأعمال العدائية استمراراً لمسلسل الانتهاكات المتكررة على العراق، ومخالفة كافة المواثيق والعهود الدولية التي تنص على احترام سيادة الدول وتبني مبادئ حسن الجوار.

وقال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية الكويتية إن "الكويت وانطلاقاً من موقفها المبدئي والثابت ورفضها لأي تدخلات تمس سيادة أي من الدول العربية فإنها تؤكد إدانتها للتدخلات العسكرية التركية والإيرانية الأخيرة في شمال العراق".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image