في مناسبات عدة، تمّ تداول عبارة أن تركيا وإيران لا يمكنهما التوافق لأن أحدهما من نسل الإمبراطورية العثمانية والآخر من سلالة الإمبراطورية الفارسية. الأولى، يقودها حزب سني مؤيد للإخوان المسلمين والثانية يحكمها نظام يقوم على المذهب الشيعي وولاية الفقيه، وكلاهما يتنافس على قيادة المنطقة.
في الوقت الحالي، يوحي الخطاب الصادر من طهران وأنقرة أن بلاد فارس لا تقف ضد وريث العثمانيين بل على العكس من ذلك، وتركيا اليوم تحتضن إيران وتدفع "للحوار مع طهران لإيجاد حلول ممكنة لمشاكل المنطقة"، بحسب بيان صادر عن اجتماع عقده رئيسا البلدين.
في 8 أيلول/سبتمبر، ترأس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الإيراني حسن روحاني اجتماعاً افتراضياً لمجلس التعاون التركي - الإيراني، في خطوة وُصفت أنها تستهدف خلق تقارب جديد في مواجهة التحالف الإسرائيلي الإماراتي.
وقال الرئيس التركي في كلمة خلال اجتماع المجلس إن للحوار التركي-الإيراني دور حاسم في حل العديد من المشاكل الإقليمية، فيما قال نظيره الإيراني إن "تركيا وإيران هما القوتان العظيمتان في المنطقة، ولطالما كان هناك عداوة واستياء تجاه البلدين، ولا تزال موجودة حتى اليوم، ولا سبيل إلا بتقوية العلاقات الودية بين البلدين لتجاوز هذه المؤامرات".
تحالف جديد
تظهر من خلال الاجتماع رغبة مشتركة بين أنقرة وطهران تقوم على توحيد جهودهما في مواجهة التقارب الإماراتي الإسرائيلي، وطي صفحة خلافهما في سوريا، لأن التحالف الإماراتي الجديد يستهدف كما قيل طموحاتهما الإقليمية.
بحسب الدبلوماسي الإيراني السابق هادي أفقهي، فإن التطورات المتسارعة والخطيرة التي تواجهها المنطقة بعد التقارب الإسرائيلي الإماراتي ستؤدي إلى تنشيط اللقاءات والمشاورات على مختلف المستويات بين طهران وأنقرة على الرغم من الخلافات حول الملف السوري.
وقال أفقهي في حديثه لرصيف22: "ما سيقوم به البلدان سيكون مرتبطاً بنوعية المستجدات سواء كانت سياسية أو أمنية واستراتيجية، وإذا كانت هناك أية نية لأي عدوان فإن طهران سوف تتحرك حتى إذا لم تنضم إليها أنقرة والتي نشك أنها قد تدخل في مواجهة مع تل أبيب لأن الناتو سوف يقيدها".
وفي إشارة واضحة على اعتزام الدولتين حل خلافاتهما في سوريا، اتفقت أنقرة وطهران على استئناف جلسات أستانا بين تركيا وروسيا وإيران لحل الأزمة السورية بعيداً عن القوى الغربية.
وفي 3 أيلول/سبتمبر الماضي، قال روحاني لأردوغان إنه يتعين على إيران وتركيا اتخاذ موقف موحد بشأن اتفاق التطبيع الأخير بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل.
وفي حديثه في الاجتماع السادس لمجلس التعاون رفيع المستوى بين إيران وتركيا، قال روحاني: "اتفاق الإمارات الغادر مع النظام الصهيوني يشكل تهديداً للأمن الإقليمي ويضر بالعالم الإسلامي والقضية الفلسطينية"، لافتاً إلى أن "إيران وتركيا لديهما آراء مشتركة حول العديد من قضايا العالم الإسلامي، وعليهما اتخاذ قرار موحد في هذا الصدد والتعاون الوثيق في قضايا الأمة الإسلامية".
وقال الرئيس التركي: "هذه الاتفاقيات هي خيانة واضحة للعالم الإسلامي، وهي بالتأكيد ضد مصالح الدول الإسلامية ويجب علينا جميعاً أن نظل مخلصين للقضية الفلسطينية".
تعكس ردود أفعال وسائل الإعلام الإيرانية على الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي مدى غضب طهران من أبو ظبي. وكانت صحيفة كيهان التي توصف بأنها مقربة من المرشد الأعلى لإيران قد عنونت الصفحة الأولى بأن الإمارات أصبحت الآن "هدفاً مشروعاً للمقاومة".
ورأت أن هذه الاتفاقية هي "الخيانة" العربية الثالثة للفلسطينيين (في إشارة إلى اتفاقيات مصر والأردن مع إسرائيل)، لكنها نوّهت إلى أن القلق الأكبر هو أن الإمارات كانت "أول دولة عربية في منطقة الخليج العربي" تصنع السلام مع تل أبيب.
في إشارة واضحة على اعتزام الدولتين حل خلافاتهما في سوريا، اتفقت أنقرة وطهران على استئناف جلسات أستانا بين تركيا وروسيا وإيران لحل الأزمة السورية بعيداً عن القوى الغربية... رسائل اجتماع روحاني وأردوغان المتعددة بين الخليج وسوريا والأكراد
من جانبها، أصدرت وزارة الخارجية التركية بياناً اعتبرت فيه أن "الإمارات تخون القضية الفلسطينية من أجل مصالحها الضيقة"، مضيفة أن "تاريخ وضمير شعوب المنطقة لن ينسيا ولن يغفرا أبداً هذا السلوك المنافق".
بعد ثلاثة أيام، أعلن أردوغان أنه يفكر في "تعليق العلاقات الدبلوماسية مع قيادة أبو ظبي وسحب السفير التركي".
يعتبر الأتراك أن الإمارات تحالفت مع إسرائيل من أجل استهداف أنقرة، وهو ما عبّر عنه كاتب عمود في صحيفة "ديلي صباح" الموالية للحكومة التركية بالقول إن "قرار أبو ظبي لتطبيع العلاقات مع إسرائيل ليس موجهاً لإيران ولكنه ينبع من رغبة الإمارات في بناء محور ملموس ضد تركيا وقطر".
في الواقع، يعتقد أردوغان أن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد هو المحرك للانتكاسة التي تعرضت لها جماعة الإخوان في ثورات الربيع العربي، كما يعتقد أنه وراء كل الكوارث التي حلّت في تركيا من محاولة الانقلاب عام 2016 وخفض قيمة العملة التركية إلى تحريك مسلحي "حزب العمال الكردستاني".
"قرار أبو ظبي لتطبيع العلاقات مع إسرائيل ليس موجهاً لإيران ولكنه ينبع من رغبة الإمارات في بناء محور ملموس ضد تركيا وقطر"... اجتماع روحاني وأردوغان الذي وجّه رسالة مباشرة ضد الإمارات، سعى كذلك لتجاوز الخلافات السورية وتوحيد الجهود رسمياً في قضية الأكراد
من جانبه، قال نائب رئيس "مركز الأهرام للدراسات" عمرو هاشم ربيع إن من الواضح أن الإمارات في مشكلة وتحاول أن تتجاهلها أو تضع رأسها في التراب وهي أنها تحالفت مع طرف يبعد مئات الكيلومترات عنها على حساب دولة جارة تبعد عنها بضعة كيلومترات فقط.
وأضاف ربيع لرصيف22: "كيف ستأتي إسرائيل من مئات الكيلومترات لتحمي الإمارات من جارتها التي كان من المفترض أن تروضها وليس أن تكسب عداءها؟"، مضيفاً أن "على الإماراتيين أن يعلموا أن سلوك إيران سيظل هكذا في المنطقة، وهذا هو نهجها التاريخي، ولم يتغير منذ الدولة الفارسية ولن يتغير سواء بوجود الجمهورية الإسلامية أو نظام آخر".
وفي إشارة إلى أن طهران أمام تحدٍّ كبير يدفعها إلى عقد تحالفات جديدة، قال ربيع: "يبدو أن التحالف مع إسرائيل سوف يشمل دولاً أخرى في الخليج مثل البحرين والسعودية التي بدأت بالفعل في التطبيع من خلال السماح لطيران إسرائيلي بعبور من أجواء المملكة".
اللافت في هذا السياق أن تركيا عملت على إنشاء تحالف جديد مع ماليزيا وباكستان، والذي يعتقد كثيرون أنه قد يضم إيران وقطر خصوصاً في ظل تفاقم التوتر الباكستاني السعودي على خلفية تجاهل الرياض لأزمة كشمير.
مواجهة الأكراد
اتفق الرئيسان التركي والإيراني على "تنفيذ عمليات مشتركة ضد الجماعات الإرهابية بما في ذلك حزب الحياة الحرة الكردستاني وحزب العمال الكردستاني"، وذلك بحسب بيان مشترك صدر عن رئيسي البلدين اللذين أكدا كذلك أن حزب العمال الكردستاني في تركيا وحزب الحياة الحرة الكردستاني في إيران يمثلان تهديداً مشتركاً، علماً أن أنقرة وطهران لم يسبق لهما أن عملا معاً بشكل رسمي مُعلَن ضد الأكراد.
ويعلّق الباحث المختص في الشأن التركي مايكل تانشوم في تغريدة على هذه المسألة قائلاً إن القمة شهدت الإعلان رسمياً عن شراكة تركية إيرانية في مواجهة حزب العمال الكردستاني.
بموازاة ذلك، أكد البيان الصادر عن الاجتماع أن البلدين اتفقا على عمليات مشتركة ضد منظمات أخرى دون ذكر اسمها أو موقعها الجغرافي، كما تمّ تحديد الحزبين الكرديين.
تركيا كبديل عن دبي
لطالما عُرفت مدينة دبي الإماراتية على أنها من أهم ممرات الاقتصاد الإيراني للعالم الخارجي في ظل العقوبات الأمريكية، وظلت تركيا تسعى خلال السنوات الماضية إلى أن تكون بديلاً عنها في تصدير بضائع إيران إلى الخارج.
لكن خلال الأشهر القليلة الماضية، بدأت واشنطن في استهداف الشركات الإماراتية بالعقوبات بسبب تعاملها مع إيران، إذ وصل عدد من تم فرض عقوبات عليها إلى ثماني شركات في أقل من عام.
وقال أفقهي إن طهران كانت تتوقع أن تضغط أمريكا على الإمارات من أجل تقليل التبادل التجاري مع إيران، ومن الواضح أن أبو ظبي بدأت في الاستجابة بعد تحالفها مع إسرائيل.
وأضاف أفقهي: "إيران كانت تتوقع أن تضغط أمريكا على الإمارات لتقليص حجم التبادل التجاري إلى حد التصفير، ومن هنا بدأت البحث عن بدائل جدد من بينهم تركيا والصين وروسيا والهند وتركيا والعراق"، لافتاً إلى أن حجم التبادل التجاري بين إيران والإمارات انخفض إلى أقل من أربعة مليار دولار بعد أن كان خمسة عشر مليار دولار.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...