باتت التكنولوجيا عموماً، والانترنت خصوصاً، جزءاً لا يتجزأ من حياة الإنسان اليومية. ولم تعد طموحاته تقف عند حد في ما يتعلق بالتطوّر، وتحديداً في سبيل تيسير حياة البشر وتسهيلها.
من هنا، انطلقت تقنية "انترنت الأشياء"، أو ما يُعرف بالإنكليزية بـ"Internet of Things" IoT. وهو مصطلح برز حديثاً، يُقصد به الجيل الجديد من الانترنت، الذي يتيح لمجموعة من الأجهزة الرقمية الذكية، المتصلة في ما بينها عبر Wifi أو Bluetooth، تناقل المعلومات والبيانات عبر أدوات ومستشعرات Sensors، لأداء وظائف محدّدة، من دون الاعتماد على البشر.
تتميّز هذه التقنية بأنها تتيح للإنسان التحرّر من المكان، ما يعني إمكانية التحكّم بالأدوات والأجهزة الذكية من دون الحاجة إلى التواجد في المكان نفسه، أو قرب الأجهزة لتشغيلها. فيمكن مثلاً تشغيل أجهزة الإنارة في المنزل قبل الوصول إليه، أو تسخين المياه خلال طريق العودة إلى المنزل، عبر تطبيقات الانترنت الخاصة.
الشكل البدائي لـ"انترنت الأشياء" يتمثل في تحكّم الإنسان بالغسيل المتسّخ في غسالته، لجهة نوعه أو الفترة المستغرقة لتنظيفه، كما يستطيع التعرّف إلى محتوى ثلاجته عن بعد. لكن الشكل المتقدّم لهذه التقنية، يتمثل في تواصل الأجهزة والتفاهم بينها عبر بروتوكول الانترنت. مثلاً، تستطيع الثلاجة التواصل مع مركز التسوّق وشراء المستلزمات والحصول عليها من دون تدخل بشري.
وتشمل الأجهزة التي تدخل ضمن هذا السياق، أجهزة الإنذار، والأجهزة القابلة للارتداء، وأجهزة الذكاء الاصطناعي، والسيارات، وأجهزة التحكم بالحرارة، وأجهزة الصرافة، وأجهزة التلفاز الذكية، والثلاجات والغسالات الذكية، وغيرها من الأجهزة الذكية.
والآن، تخيّلوا هذا السيناريو:
- تستيقظون من النوم وتنظفون أسنانكم بفرشاة الأسنان الذكية، التي تخبركم كم استغرق التنظيف من وقت، وإذا نظفتموها بطريقة سليمة أو لا، أو تنذركم في حال نسيتم تنظيف إحدى أسنانكم. وتطلعكم أيضاً على حال اللثة وإذا كنتم بحاجة لزيارة الطبيب.
- ترتدون ملابسكم وتقفون أمام المرآة الذكية، التي تطلعكم على حال الطقس وجديد الأخبار. وقد تقفون أمامها لدقائق إذا أردتم قراءة ملخّص الأخبار السياسية أو الاقتصادية، أو متابعة تغريدات على مواقع التواصل.
- تستقلون سيارتكم الذكية التي تنسّق وحدها مع المرآب ليفتح الباب، ويطلعكم هاتفكم على أقصر الطرق إلى مكتبكم، ويقيس المسافة والسرعة اللازمتين كي لا تقفوا أمام إشارة المرور الحمراء. ويمكن للسيارة التواصل مع ورشة التصليح لتحديد أي عطل طارئ.
- في الطريق إلى العمل، تتوقفون عند المقهى لتشتروا كوب القهوة المفضّل لديكم، وتطلبون من البائع تعبئته في كوبكم الذكي، الذي سيخبركم إذا كان هذا هو مشروبكم المفضّل، وحرارته، والسعرات الحرارية فيه.
- في المكتب، يمكنكم متابعة كل أعمالكم من خلال 3 أجهزة: اللابتوب، والهاتف الذكي، والساعة الذكية في معصمكم.
- وفي طريق العودة من العمل، يمكنكم تشغيل جهاز تكييف الهواء في المنزل قبل الوصول.
- في الطريق إلى المنزل، تتوقفون لشراء بعض الحاجيات، لكنكم نسيتم ما تحتاجه تحديداً. فتفتحون التطبيق الخاص بالبراد الذكي، ليطلعكم على محتوياته فتعرفون ماذا ينقصكم.
- بعد أن ترتاحوا قليلاً، ترتدون التي- شيرت الرياضي الذكي المزود بمجسّات تعمل على تحليل أدائكم الرياضي ولياقتكم، وتحتسب دقات القلب وعدد السعرات الحرارية التي أحرقتموها، وترسلها إلى هاتفكم الذكي أو ساعتكم الذكية.
- أثناء العودة من النادي الرياضي، يُنذركم هاتفكم الذكي بأن حاوية النفايات الذكية امتلأت ويجب إفراغها.
- تجلسون مع عائلتكم إلى مائدة العشاء، وتتناولون طعامك بالشوكة الذكية التي تساعدكم على الأكل بطريقة صحية، وتطلعكم على كمية السعرات الحرارية التي تناولتموها.
- وأنتم في فراشكم تستعدون للنوم، تدركون أنكم نسيت إقفال الأبواب، فتقفلون عبر هاتفكم الذكي، كل الأبواب الخارجية المزوّدة بأقفال إلكترونية مرتبطة بالانترنت، تسمح بتحديد أوقات القفل والفتح أوتوماتيكياً. وتنذركم في حال حاول أي شخص فتح الباب خلال غيابكم.
أرقام عن "انترنت الأشياء"
يُتوقع أن يبلغ حجم السوق "انترنت الأشياء" بحلول عام 2020 ضعفَي حجم أسواق الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والكومبيوترات مجتمعة. ما يعني أن 35 مليار جهاز ستكون متصلة بالانترنت، بإيرادات تفوق 600 مليار دولار، وفقاً لتقرير صادر عن "جونيبر للبحوث". وهو ارتفاع بنسبة 285%، مقارنة بعدد الأجهزة المتصلة عام 2015، الذي بلغ 13.4 مليار جهاز. وستتصدر سوق أنظمة المنازل الذكية القائمة، تليها أنظمة البنية التحتية الحكومية. وتضاعف الاستثمار في مجال "إنترنت الأشياء" 15 مرة خلال 5 سنوات، ويُتوقع أن يبلغ 250 مليار دولار بحلول 2020. في هذا السياق توقعت مجلة "فوربس" الاقتصادية، أن يبلغ عدد السيارات المتصلة بالانترنت 250 ألف سيارة عام 2020، من بينها 10 آلاف ذاتية القيادة. ولفتت إلى أن تكنولوجيا "انترنت الأشياء" ستضيف بين 10 و15 تريليون دولار إلى إجمالي الناتج المحلي العالمي خلال 20 عاماً. وستؤثر هذه الثورة التكنولوجية بشكل كبير في الاقتصاد، إذ ستزيد الإنتاج وتقلص الكلفة الاقتصادية، مثل النقل والتخزين واستهلاك الطاقة، وستقوم أجهزة الاستشعار بضبط التدفئة الداخلية، والتبريد والمكيفات الهوائية، ولن يعود هناك مكان لتبديد الموارد الاقتصادية.أين الدول العربية من هذه التقنية؟
تنتشر هذه التقنية بشكل متزايد في بعض الدول العربية، وتتركّز في خدمات وتطبيقات الأمن والمراقبة عن بعد، وخدمات التتبع عن بعد، وخدمات التواصل قريب المدى، وخدمات الصحة. وأشارت دراسة أصدرتها مجموعة "المرشدون العرب" المتخصّصة في أسواق الاتصالات، إلى أن مشغلي الهواتف الخليوية يقدّمون تطبيقات "انترنت الأشياء" في 12 دولة عربية: البحرين، مصر، الأردن، الكويت، لبنان، المغرب، فلسطين، قطر، السعودية، سورية، تونس والإمارات. وأظهرت أن مشغلي الخليوي في الأردن والكويت قدموا أكبر عدد من خدمات "انترنت الأشياء"، بينما حلّت مصر، والسعودية، والإمارات ولبنان في المركز الثاني بـ3 خدمات، في حين جاءت سوريا وقطر وتونس في المرتبة الأخيرة بخدمة واحدة فقط.الثغرات الأمنية.. الهاجس الأكبر!
كل هذا التطوّر يُعتبر سيفاً ذا حدّين، إذ تترافق تقنية "انترنت الأشياء" مع مخاوف عدة، لا تقف عند حد انتهاك خصوصية المستخدم. وتمتد إلى استغلالها من قبل قراصنة لتنفيذ هجمات إرهابية أو عمليات اغتيال، أو السرقة، أو اختراق بيانات خاصة وسرية، أو ربما التسلية. وتكمن أبرز المخاوف في أن بيانات مستخدمي تقنية "انترنت الأشياء" ليست ملكهم. مثلاً، قد يؤدي اختراق قراصنة لمنزل أحد مستخدمي التقنية إلى التلاعب بفواتير الطاقة، أو تشغيل الآلات الكهربائية، أو مراقبة قاطني المنزل. وقد حذرت شركة "أتش بي" الأميركية من 250 ثغرة أمنية مرتبطة بتقنيات "انترنت الأشياء"، في حين نبّه خبراء إلى أن التقنية قد توفر بنية تحتية مثالية لمراقبة الإنسان. ويعمل خبراء وباحثون على بناء نظام يسمح للمستهلكين بالتحكّم بحركة بياناتهم عبر الانترنت، ويُنتظر إيجاد حلول وضوابط فعالة لحماية بيانات مستخدمي هذه التقنية، خصوصاً بعد انتشارها المتصاعد، نتيجة دخول لاعبين كبار إلى هذا المضمار، مثل Google وApple.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ يومينمع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم