شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
تهريب الكبتاغون… التحقيق لا يزال محظوراً على الصحافيين السوريين

تهريب الكبتاغون… التحقيق لا يزال محظوراً على الصحافيين السوريين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن وحرية التعبير

الثلاثاء 11 فبراير 202510:40 ص

في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، كان محمود الحربي الكفري على وشك الانطلاق بسيارته على طريق في قرية معربة السورية، لكنّ وابلاً من الرصاص انهال عليه. لم يرحمه قاتلوه، كما تُظهر لقطات فيديو من كاميرات المراقبة، التي تمكنت "قصص محظورة" من الوصول إليها.

ومن النتائج الرئيسية التي توصّلت إليها فوربيدن ستوريز أنه يستمر تهريب الكبتاغون على الحدود بين سوريا والأردن، على الرغم من سقوط نظام بشار الأسد، الذي كانت عائلته (الأسد) تسيطر على هذه التجارة المربحة. وأحد المشتبه فيهم بقتل الصحافي محمود الحربي، هو حر طليق الآن، ولا يزال على علاقة بتجار الكبتاغون. كما أنه لم يوقف سقوط النظام تهريب الكبتاغون في المنطقة. وبالنسبة للصحافيين السوريين، فإن التحقيق في تهريب الكبتاغون لا يزال مميتاً.

كان الحربي، وهو صحافي في موقع "درعا 24" الإعلامي، قد كشف قبل عشرة أيام عن تورط عائلة محلية في الاتجار بالكبتاغون؛ وهو مخدر مُصنَّع له تأثيرات محفزة.
وفي المادة المنشورة، لم يُذكر اسم الصحافي "الحربي"، الذي قال إن "أحد أفراد عائلة الرويس (ر.ا) ينحدر من قبيلة بدوية ومتهم بالعمل في تجارة المخدرات... وقد تم إخلاء مزرعته المُستخدمة كمستودع أو معمل لتصنيع الكبتاغون، وذلك بعد القصف الأردني لمقرات التهريب في درعا والسويداء".
تقع هاتان المدينتان جنوب سوريا، مع الحدود الأردنية، وقد أصبحتا مركزين لتهريب الكبتاغون الذي يُعدّ بوابة استراتيجية لدول الخليج، حيث يمكن شراء قرص "أمفيتامين" بمبلغ يصل إلى 20 دولاراً للقرص الواحد.

الكبتاغون... تجارة تتجاوز قيمتها 10 مليارات دولار

درعا 24، وسيلة إعلامية محلية أُسست في المدينة التي تحمل الاسم نفسه عام 2018 -في ظل حكم نظام بشار الذي لا يرحم- وتقدم نفسها على أنها "شبكة إعلامية مستقلة غير مرتبطة بأي كيان سياسي أو عسكري". ينشر الموقع المقالات والمواد الصحافية من دون أسماء كتابها، ولا يُطلب من الصحافيين الكشف عن هوياتهم. اكتسب فريق التحرير، الذي يبلغ قوامه نحو 30 شخصاً، سمعة قوية عبر عدة سنوات من العمل، نُشر خلالها العديد من المقالات حول التجارة غير المشروعة للكبتاغون، التي تقدر أرباحها بأكثر من 10 مليارات دولار سنوياً، وفقًا لصحيفة لوموند الفرنسية.

أخبرنا ميكاد* (وهو اسم مستعار لصحافي سوري من زملاء الحربي) أن "تجارة الكبتاجون أكبر بثلاث مرات من تلك التي تقوم بها الكارتلات المكسيكية؛ لذا علينا فضحه". رئيس تحرير موقع "درعا 24"، شخص متكتم حذر، بمثابة "الظل" حتّى بالنسبة لزملائه؛ وهو يحاول ضمان سلامتهم بأي ثمن.
ويضيف ميكاد: "لا أستطيع أن أقول على وجه التحديد أي تقرير أو خبر أدى إلى وفاته (الحربي)، ما أعرفه هو أنه قُتل على يد أحد رجال الميليشيا المرتبطين بأباطرة الكبتاغون".
أظهرت كاميرات المراقبة هُوية أحد المدانين بقتل الحربي: محمد العارف العباس، الذي حُكم عليه بالإعدام في الثاني من آذار/ مارس 2024، قبل أن يهرب من السجن بعد شهر تقريباً في ظروف غامضة.
"كنت أعرف أنني يجب أن أبقى بعيداً عنه، لقد شاهدت كل شيء، لكنني لم أنشر سوى تقارير عن المضبوطات الرسمية التي وضعها النظام"، سلطان الحلبي، صحافي سوري.
لم تكن المليارات من حبوب الكبتاغون التي تُصدّر إلى جميع أنحاء العالم، بعيدة عن يد عائلة الأسد أبداً؛ حتّى إن المخدرات أصبحت على مر السنين الدعامة الاقتصادية الأساسية للنظام الذي خنقته الحرب والعقوبات الدولية.
إنه موضوع فضّل صحافيون محليون مثل سلطان الحلبي، الذي يستخدم اسماً مستعاراً، عدم التطرق إليه. يقول سلطان الحلبي، وهو صحافي سوري مقيم في السويداء، المدينة ذات الغالبية الدرزية التي تبعد نحو مئة كيلومتر الى الجنوب من دمشق: "كنت أعرف أنني يجب أن أبقى بعيداً عنه، لقد رأيت كل شيء، لكني لم أنشر سوى تقارير عن المضبوطات الرسمية التي طرحها النظام".
ويؤكد أن الكبتاغون كان في كل مكان في المدينة، لكنهم لم يتمكنوا من الحديث عنه إلا ظاهرياً.
على الرغم من أن منطقة السويداء كانت بمنأى عن الاعتقالات التعسفية والتفجيرات في ظل النظام "الديكتاتوري"، لكنّ نظام المراقبة شمل جميع السكان والصحافيين المحليين. أصبح ذلك جلياً للحلبي بعد هروب الأسد وسقوط النظام في كانون الأول/ ديسمبر 2024.
فقد عُثر في أرشيف أجهزة المخابرات السورية على دفتر بعنوان "معلومات"، سُجّلت فيه مختلف تفاصيل حياته (الحلبي) من قبل جهاز المخابرات: "متزوج، لم يؤدِ خدمته العسكرية الإلزامية، وكان ضمن المتظاهرين في السويداء". وحتّى الساعات الأخيرة من حكم حزب البعث، كان عملاء المخابرات يسجلون كل تفاصيل حياته، إلى جانب تفاصيل حياة مئة صحافي وناشط آخر من محافظته.
قُتل الصحافي السوري محمود الحربي بعد أن خرق الحظر المفروض على الاتجار بالكبتاغون، جنوب البلاد في عهد بشار الأسد. وعلى الرغم من سقوط النظام قبل نحو شهرين، لا يزال التحقيق في هذه التجارة المربحة محفوفاً بالمخاطر بالنسبة للصحافيين السوريين
هذه المراقبة المستمرة، بالإضافة إلى عهد الإرهاب في سوريا، زادت من المخاطر التي يتعرض لها أولئك الذين تجرأوا بالكتابة عن الكبتاغون. ويعترف أحمد، وهو صحافي في موقع الراصد نيوز، وأب لطفلين، بأنه كان يفرض رقابة ذاتية على نفسه لحماية عائلته. يقول: "اقتصرنا على المعلومات التي تنشرها وسائل الإعلام المقربة من النظام، كان من الخطورة بمكان الذهاب إلى أبعد من ذلك".

بالنسبة لزملائه، شكّل مقتل الحربي "خطاً أحمر"

بعد عام من مقتل الحربي، اكتشف فريق "درعا 24" مقطع فيديو يُظهر أحد المشتبه فيهم بقتله وهو يحضر حفل زفاف أحد أبناء محمد الرفاعي، المعروف بأبي علي اللحام، والمطلوب لدى السلطات الجديدة، وفقًا لقناة الجزيرة القطرية. يُتهم اللحام -وهو قائد ميليشيا يزعم تبعيتها لجهاز المخابرات الجوية الذي كان جهازاً أساسياً لنظام الأسد في قمع السوريين- بجرائم الاختطاف والقتل، إضافة إلى تدبير تهريب الكبتاغون إلى الأردن.

بالنسبة للصحافيين في المنطقة، فإن مقتل الحربي مثّل خطاً أحمر لا يجب تجاوزه، وفقاً لميكاد.
يقول سلطان الحلبي: "لقد علمنا بما نشره موقع درعا 24 بشجاعة عن عصابات الكبتاغون، حين عرفنا بمقتله (الحربي)... وقد أرسل لنا ذلك رسالة واضحة: لا تتطرقوا إلى هذا الموضوع".
وأضاف أنه حتّى بعد سقوط النظام، "لا يزال موضوع الكبتاغون من المحرمات في المنطقة".
منذ فرار الأسد إلى روسيا، يقول الحلبي إن مسلحين يُخفون هويتهم يجوبون شوارع السويداء، ويضيف: "لقد فرّ عدد قليل منهم، لكن غالبية عناصر الميليشيات لا يزالون هناك، وسقوط (الأسد) لم يغير أي شيء من ذلك".
وعند سؤاله عما إذا كان يفكر في التخلي عن اسمه المستعار، كان رده واضحاً: "لا… أعلم أن العديد من الصحافيين كشفوا عن هوياتهم، لكنني أُقدّر الحرية التي يمنحني إياها اسمي المستعار، ومع ذلك، حتّى أثناء العمل تحت اسم مستعار، لا يمكنك الوصول إلى جميع المصادر حول الكبتاغون، لأنه لا يزال موضوعاً خطيراً".
وبسبب عدم قدرتهم على نشر بعض المعلومات الحساسة التي بحوزتهم، قرر الحلبي وأحمد وميكاد إرسالها إلى منظمة "فوربيدن ستوريز" (قصص محظورة)، على أمل كسر حاجز الصمت المفروض على تهريب الكبتاغون، وهو الشر الذي لا يزال يفتك بمناطق السويداء ودرعا.

في السويداء… أباطرة الكبتاغون ينجون من سقوط الأسد

تُعدّ السويداء، جنوب سوريا، مركزاً لتهريب الكبتاغون؛ وهو مخدر صناعي أغرق الشرق الأوسط منذ عقد من الزمن، وكان الدعامة الاقتصادية لنظام بشار الأسد. وبعد الإطاحة به، وعد خلفاء الأسد بإنهاء هذه التجارة غير المشروعة. لكنّ الواقع على الأرض مختلف تماماً. فمن الميليشيات المحلية المرتبطة بالحكومة الجديدة، إلى المهربين والمشتبه في تواطؤهم، تبدو نهاية الكبتاغون مجرد وهم.

"عندما علمنا بمقتل الحربي... وصلتنا رسالة واضحة: لا تقتربوا من هذا الموضوع"، سلطان الحلبي، صحافي سوري.

ومن أهم النتائج التي تم التوصّل إليها أنه على الرغم من سقوط بشار الأسد قبل شهرين، لا يزال الحصول على حبوب الكبتاغون أمراً سهلاً، وأنه في مدينة السويداء الدرزية، لا تزال ميليشيا "الكرامة"، التي أعلنت ولاءها للنظام الجديد وتستعد للاندماج في قوات الجيش النظامية، تتعامل بغموض مع قضية التهريب. فضلاً عن أنه على الحدود مع الأردن، لا يزال تهريب المخدرات قائماً رغم العمليات التي ينفذها الجيش الأردني لمكافحة عمليات التهريب من سوريا.

يُعرف الكبتاغون باسم "كابتي"، وأيضاً باسم "الكابتن ماجد"، في إشارة إلى أبطال الأنيمي الياباني "كابتن تسوباسا" (المعروف عربياً بماجد)؛ وهذا ليس شيئاً جديداً بالنسبة لهذا الشاب البالغ من العمر 27 عاماً، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه.

في السويداء، بالقرب من الحدود الأردنية، كان يعمل (هذا الشاب) في "كولبات"، وهي أكشاك على الطرقات تبيع المشروبات الساخنة والبنزين، ولكن داخل بعضها، "لا شيء ممنوع". كان تجار الكبتاغون يبيعون بحرية أقراصهم ذات اللون "البيج"، وهي نسخة مقلدة من دواء منشط تم تطويره في الأصل لعلاج الاكتئاب وإزالة الشعور بالتعب. كان يتناولها مرتين في الأسبوع لمساعدته على تحمل نوبات العمل الليلي.

خمس دقائق وأقل من يورو واحد للحبة

حتّى بعد سقوط بشار الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، لا يزال الصحافيون السوريون يواجهون صعوبات كبيرة في التحقيق بشأن تهريب الكبتاغون؛ لذا أرسل ثلاثة صحافيين نتائج تحقيقاتهم إلى منظمة "فوربيدن ستوريز" لضمان استمرار البحث وكشف الحقيقة.
السلطات الجديدة، التابعة لجماعة هيئة تحرير الشام (HTS)، وعدت بوضع حد لتهريب الكبتاغون، الذي كان ركيزة أساسية في اقتصاد نظام الأسد منذ بداية الحرب الأهلية عام 2011. لكن في السويداء، لم يتغير شيء، بحسب الرجل الذي يعمل في الكشك.

يضيف: "قبل سقوط النظام، كنت أمشي عشرة أمتار فقط لشراء الكبتاغون، اليوم عليّ أن أمشي 20 أو 25 متراً".

في 11 كانون الثاني/ يناير 2025، رافق فريق فوربيدن ستوريز هذا الرجل أثناء شرائه حبة كبتاغون. ذهب إلى أحد الأكشاك دون أي تنسيق، وعاد بعد خمس دقائق فقط، ممسكاً بالحبة في يده، مبتسماً وهو يقول: "ترى! لم يتغير شيء!".

السعر: عشرة آلاف ليرة سورية (نحو 0.70 يورو)، مقارنةً بـ 15,000 ليرة سورية لسعر علبة سجائر متوسطة.

جندي من هيئة تحرير الشام (HTS) يعرض حبوب كبتاغون من مختبر تم اكتشافه في يعفور (كانون أول/ ديسمبر 2024). المصدر: AFP.

جندي من هيئة تحرير الشام (HTS) يعرض حبوب كبتاغون من مختبر تم اكتشافه في يعفور (كانون أول/ ديسمبر 2024). المصدر: AFP.

في السويداء، يوجد على الطريق ما لا يقل عن 40 من أكشاك بيع الكبتاغون. مدمن "الكابتي" (الذي نسير معه) حدد معظمها في شارع مزدحم شرق المدينة، يؤدي إلى الملعب المحلي، حيث يكون النشاط التجاري والتهريب في أوجه.

لا يزال الحصول على حبوب الكبتاغون أمراً سهلاً، وفي مدينة السويداء الدرزية، لا تزال ميليشيا "الكرامة"، التي أعلنت ولاءها للنظام الجديد وتستعد للاندماج في قوات الجيش النظامية، تتعامل بغموض مع قضية التهريب. فضلاً عن أنه على الحدود مع الأردن، لا يزال تهريب المخدرات قائماً رغم العمليات التي ينفذها الجيش الأردني لمكافحة عمليات التهريب من سوريا
في الوقت نفسه، تُروج السلطات السورية الجديدة لحملتها ضد الكبتاغون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تنشر صوراً ومقاطع فيديو لاكتشاف مستودعات تابعة للنظام السابق وتدميرها.
في 7 كانون الثاني/ يناير، تم توقيع اتفاق مع الأردن يهدف إلى إنهاء نشاط التهريب، وتعهد حينها وزير الخارجية والمغتربين في الحكومة السورية الانتقالية، أسعد حسن الشيباني قائلاً: "عندما يتعلق الأمر بالكبتاغون وتهريب المخدرات، نعدكم بأنه (هذا النشاط) قد انتهى ولن يعود؛ مستعدون للتعاون بشكل واسع في هذا الشأن".

جندي من هيئة تحرير الشام (HTS) داخل مختبر لتصنيع الكبتاغون تم اكتشافه في يعفور (كانون أول/ ديسمبر 2024). المصدر: AFP.

 جندي من هيئة تحرير الشام (HTS) داخل مختبر لتصنيع الكبتاغون تم اكتشافه في يعفور (كانون أول/ ديسمبر 2024). المصدر: AFP.

كارولين روز، مديرة مشروع تجارة الكبتاغون لدى مركز الأبحاث الأمريكي "New Lines Institute"، تعترف بوجود جهود حقيقية لتفكيك المختبرات الكبرى لإنتاج المخدرات، مضيفة أن التحديات لا تزال كبيرة: "المختبرات السرية الصغيرة، المتنقلة والمتخفية، يصعب اكتشافها كثيراً".
وتشرح روز هذه التحديات بالقول: "في منطقة حدودية مثل السويداء، التي تجذب العديد من المهربين، فإن التحديات اللوجستية والجغرافية هائلة، هل تمتلك السلطات أنظمة مراقبة متطورة أو معدات فعالة لتأمين الحدود؟ حتّى الآن، يبدو أنها لا تملك ذلك".
منذ سقوط النظام، لا تزال محافظة السويداء تحت سيطرة الميليشيات المحلية، وأقواها ميليشيا الكرامة، التي أعلنت ولاءها لهيئة تحرير الشام.
وفقاً لمصادر متعددة تحدثت إليها فوربيدن ستوريز، فإن الميليشيا تعلن رسمياً رفضها تهريب الكبتاغون، لكن دورها في التجارة لا يزال غامضاً.
أحد الرجال الذين تحدثت إليهم فوربيدن ستوريز كان قد شكّل ميليشيا مناهضة للكبتاغون، لكنه سُجن في عام 2020 على يد نظام الأسد. يقول عن ميليشيا الكرامة: "هم لا يهاجمون المهربين، إنهم يقضون على المنافسة".
ويضيف: "في السجن، رأيتهم يعتقلون تجاراً صغاراً ثم يرسلونهم إلى سجون يسيطر عليها النظام، الأسد و(ميلشيا) الكرامة سيّان، كلاهما سيء".
في عام 2022، تردد أنه تمّ اعتقال راجي فلحوط، قائد مجموعة مسلحة متهمة بالتهريب ومرتبطة بالمخابرات العسكرية السورية. بعد حصار منزله، اختفى فلحوط بشكل غامض، وتم العثور على مكابس كبتاغون في منزله.
انتشرت في وسائل الإعلام مزاعم بأن الكرامة كانت "تنظف المدينة"، لكن بعض الصحافيين المحليين شككوا في ذلك.
يقول أحد الصحافيين الذين تابعوا القضية: "الكرامة قبضت عليه، ثم اختفى، لقد اعتقلوه، ثم ساعدوه على الفرار قبل أن يعلنوا مسؤوليتهم عن العملية".

الكرامة.. سلطة لا تُمس

حتّى إن أحد أفراد ميليشيا الكرامة لديه شكوك مماثلة. في عام 2023، عندما اكتشف هذا العضو الشاب ورشة سرية لإنتاج الكبتاغون، منعهم قائد الميليشيا، أبو حسن يحيى النجار، من التدخل.
"الكرامة كانت أقوى مجموعة تحت حكم الأسد، وما زالت كذلك"، يقول هذا العضو، الذي بقي في الميليشيا لحماية نفسه، مضيفاً: "سقوط الأسد لم يوقف التهريب، بل عرقل نشاط أباطرة المخدرات لفترة مؤقتة، لا شيء تغير هنا".
نتيجة لذلك، يزعم أنه لا تزال عائلة مزهر تهيمن على المشهد في السويداء. العائلة، التي يتابعها أكثر من سبعة آلاف شخص على فيسبوك، يتردد أنها كانت مقربة من نظام الأسد. انضم عدة أفراد منها إلى جمعية أسستها أسماء الأسد لدعم عائلات الجنود القتلى.
وفقاً لتحقيقات "سوريا على طول" (Syria Direct)، شكّلت عائلة مزهر محركاً رئيسياً في تهريب الكبتاغون، مستغلة علاقاتها بالنظام.
في 2013، انتشرت شائعة في السويداء بأن العائلة وجدت كنزاً؛ ما يفسر ثروتها المفاجئة. اليوم، تمتلك عدة "فلل فاخرة" وسط المدينة. يقول أحد الصحافيين المحليين، الذي امتنع عن نشر هذه المعلومات خوفاً على أسرته: "يديرون مصنع كبتاغون على بعد سبعة كيلومترات من حيّهم، وهم متورطون بشكل كبير في التهريب".
وأضاف الصحافي: "إذا واجهت مشكلة، اذهب إليهم، يمكنهم حل أي شيء، خلال الحرب، كانت هناك عمليات خطف مرتبطة بعصابات الكبتاغون، وكانوا هم من يتولون التفاوض على إطلاق سراح المخطوفين".
زارت فوربيدن ستوريز حيّ العائلة في مدينة السويداء القديمة، بدت المنطقة وكأنها حبيسة الزمن؛ حيث يقل وجود المباني ذات الطراز الحديث، مقابل منازل حجرية تقليدية؛ ما يعطي انطباعاً وكأنها قرية معزولة داخل المدينة.
تعيش عائلة مزهر -التي تُعدّ من أنصار الأسد- تحت حماية مشددة. عند مدخل منطقتهم، يُغلق الطريق بجرار زراعي، وتُقام حواجز منخفضة لحجب المداخل الأخرى. وعلى الرغم من كل المزاعم والاتهامات الموجهة ضدهم، لم يُعتقل أي فرد من عائلة مزهر حتّى الآن.
يستمر تهريب الكبتاغون على الحدود بين سوريا والأردن، على الرغم من سقوط نظام بشار الأسد، الذي كانت عائلته (الأسد) تسيطر على هذه التجارة المربحة. وأحد المشتبه فيهم بقتل الصحافي محمود الحربي، هو حر طليق الآن، ولا يزال على علاقة بتجار الكبتاغون

غارات أردنية ضد تهريب الكبتاغون

كان دور نظام الأسد في إدخال وانتشار الكبتاغون في سوريا محورياً. خالد، جندي سابق في الفوج 405 (تم تغيير اسمه)، يروي تجربته: "في عام 2013، أعطاني أحد رفاقي حبة وقال لي: تبدو متعباً، خذ هذه، كان الأمر شائعاً جداً لدرجة أن أحد زملائي طلبها من صيدلية، ظناً منه أنها دواء عادي".
لم يدرك الجنود أن هذه الحبوب لم تكن مجرد غنائم حرب من العدو، بل كانت من إنتاج النظام نفسه، الذي كان يصنع الكبتاغون على نطاق واسع لتمويل حربه ضد الفصائل المتمردة، متجاوزاً العقوبات الدولية.
كان النظام يعتمد على الفرقة الرابعة المدرعة، التي يقودها شقيق الأسد ماهر الأسد، للسيطرة على طرق التهريب والبنية التحتية للإنتاج، بمساعدة الميليشيات التابعة له.
تحولت السويداء إلى نقطة ساخنة لتهريب الكبتاغون، حيث انتشر النشاط إلى أطراف المحافظة؛ خاصة على طول الحدود الأردنية.
تحولت السويداء إلى نقطة ساخنة لتهريب الكبتاغون، حيث انتشر النشاط إلى أطراف المحافظة؛ خاصة على طول الحدود الأردنية.
منذ الإطاحة بالأسد، لا تزال محاولات تهريب المخدرات إلى الأردن مستمرة، يُقابلها قصف للقوات الأردنية على المناطق الحدودية بشكل منتظم؛ للحد من عمليات التهريب.
في 13 كانون الثاني/ يناير 2025، استهدفت غارتان قرية الشعب الصحراوية، التي تُعدّ نقطة انطلاق رئيسية في تجارة الكبتاغون. في اليوم التالي للقصف، دافع الشيخ محمد عوض الرمثان، الذي أجرى موقع فوربيدن ستوريز مقابلة معه، عن مجتمعه بالقول: "لا يمكننا مراقبة 375 كيلومتراً من الحدود، نعم بعض الشباب متورطون في التهريب، ولكننا لا نعرفهم، وهم يتاجرون في الحبوب القديمة".

الشيخ محمد عوض الرمثان - قرية الشعب. المصدر: فوربيدن ستوريز.

الشيخ محمد عوض الرمثان - قرية الشعب. المصدر: فوربيدن ستوريز.

في هذه المناطق النائية، تُعدّ الوجوه الملثمة والسيارات ذات النوافذ الملونة دليلاً على ازدهار التجارة السرية (الكبتاغون)، على الرغم من الغارات الجوية والاعتقالات. قبل التقاط أي صورة، كان الصحافي المحلي المرافق لفريق فوربيدن ستوريز في سوريا يحذر محاوريه دائماً عند ظهورهم في الكادر: "غطوا وجوهكم إذا كنتم تعملون في مجال الكبتاغون".

وفي 20 كانون الثاني/ يناير 2025، أصدر "تجمع عشائر الجنوب" بياناً أعلن فيه "تشكيل دوريات لمنع استخدام أراضي بلداتهم في عمليات الاتجار أو التهريب".
ويُعدّ (ف.س) من بين الشخصيات التي استهدفتها السلطات الأردنية في حربها ضد الكبتاغون، وهو في الأصل من عرمان بالقرب من قرية الشعب.
وافق (ف.س)، وهو تاجر مواشٍ لديه عدة إدانات بالتهريب منذ التسعينيات، على التحدث إلى فوربيدن ستوريز للمرة الأولى، في غرفة خاصة في أرقى مقاهي السويداء. كان يرتدي سترة سوداء وكوفية حمراء وبيضاء مثبتة معاً بعقال أسود، ويتحدث بصوت عالٍ. وضع (ف.س) يده على قلبه عدة مرات، وكأنه يشهد على براءته. ونفى أي تورط له في تجارة الكبتاغون، مؤكداً أن محافظة السويداء لم تتأثر بهذه التجارة، وأن مزارعه لا تحتوي سوى على المنتجات الزراعية والماشية.
يقول عضو نافذ في ميلشيا الكرامة: "لا نملك القوة لإيقاف (آل مزهر)، قوتهم تضمن السلم الاجتماعي، نحن عائلة درزية واحدة كبيرة".
منذ سقوط نظام الأسد، لم يتم تنفيذ أي اعتقالات ولم يتم اكتشاف أي مواقع لإنتاج الكبتاغون تتعلق بهذه "العائلة الدرزية الكبيرة" في السويداء. في كانون الثاني/ يناير 2024، دمرت الكرامة مقراً واحداً لصناعة الكبتاغون، ولم يتم استهداف أي مقر آخر منذ ذلك الحين.
وبالعودة إلى دمشق، لا يزال شبح الكبتاغون حاضراً في كل مكان، حتّى في الحياة اليومية. في أحد المقاهي، يمكن سماع صوت النادل ينادي: "هل أنت متعب؟ خذ كبتاغون، هل تريد القليل؟ سأحضر لك بعضاً منها في الحال".
*تم تغيير الأسماء الأولى للصحافيين الذين تمت مقابلتهم لأسباب أمنية، كما استُخدمت بعض الأسماء المستعارة للأسباب ذاتها.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image