شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
كيف شكّلت الأغاني

كيف شكّلت الأغاني "ساحة معركة" في "سوريا الأسد"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتطرف نحن والتنوّع

الجمعة 14 فبراير 202509:47 ص

منتصف عام 2007، كنت أتنقّل بين محافظتَي دمشق وريف دمشق المختلفتَين طابعاً وشكلاً، كما اختلفت غالبية المناطق في سوريا آنذاك، من حيث طقوس الاحتفال بـ"المرشح الرئاسي الوحيد"، "المختار عن قناعة ورضا" تامّين، بشار الأسد. كان عمري 11 عاماً فقط، ولكنني كما غيري من الأطفال في مثل هذه السنّ، كانت لديّ بعض الأسئلة الفضولية: "بمن نحتفل؟ ولماذا؟"، إلّا أنّ السؤال الأهم كان: "ماذا نغنّي؟".

مشاهد الخيام التي كانت تُنصب لأيام في الحارات والأحياء والساحات وعلى الأرصفة في المحافظات السورية كافة خلال انتخابات 2007، لا تُنسى. من تلك الأيام التي كانت فيها السياسة تُرتَّب على إيقاع معيّن، أستطيع أن أسترجع أصوات الناس وأذكر كيف كانت الأغاني تملأ الأجواء، وتمجّد بشار الأسد، الحاضر وجهه في عشرات الصور المرفوعة، مع الدعاء له بالتوفيق والنصر في معركة انقلبت عليهم.

كان الناس يرقصون ويتمايلون ويدبكون على ألحان أشبه بالطقوس الجماعية، ويردّدون الكلمات نفسها، ويحيون فوزاً لم يكن فوزهم، بل كان فوز سلطة لا تسمح حتّى بالمنافسة. لم تكن الأغاني حينها مجرّد ألحان، كانت شعارات تُغنّى بصوت عالٍ، وتعيد تشكيل الواقع كجزء من مشهد أكبر.

اعتمد نظام حافظ الأسد، على الأغاني والأناشيد، كجزء أساسي من الدعاية الرسمية لتعزيز الولاء للحزب الحاكم -حزب البعث العربي الاشتراكي- والقائد، واستُخدِمَت هذه الأغاني في المدارس، والإذاعة والتلفزيون والمهرجانات الوطنية والمناسبات السياسية والعسكرية، لتصبح من الأدوات الرئيسية لتعزيز حكم الأسد الأب، ما جعلها جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للسوريين لعقود، وترتبط على نحو مؤسف اليوم بحالة "نوستالجيا" غير مفهومة لديهم.

اعتمد نظام حافظ الأسد، على الأغاني والأناشيد، كجزء أساسي من الدعاية الرسمية لتعزيز الولاء للحزب الحاكم -حزب البعث العربي الاشتراكي- والقائد، ما جعلها جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للسوريين لعقود، وترتبط على نحو مؤسف اليوم بحالة "نوستالجيا" غير مفهومة لديهم

وفي عهد الأسد الأب، كانت الأغاني والأناشيد ترمي إلى تصوير القائد ضمن إطار لا يمكن المساس به، وتعزيز دور "البعث" كحزب مسيطر يُعزى إليه كل نجاح محقّق في الدولة، فضلاً عن إحاطة الجماهير بأجواء الولاء المطلق، التي يمكن من خلالها خلق هوية سياسية منحازة تربط بين حب الوطن وشخص الحاكم، لا الدولة نفسها أو الشعب. حتّى النشيد الوطني في البلاد، أعاده نظام حافظ الأسد، بعد وصوله إلى السلطة عام 1971 عقب فترة من وقفه إبّان فترة الوحدة بين مصر وسوريا، ووظّفه في سياقات تخدم الدعاية الرسمية، وأصبح منذ ذلك الحين نشيد الجيش البعثي، لا جيش الشعب، وأداةً لتمجيد الأسد عبر ربط صورته بالدولة والجيش، وهو ما عزّز فكرة أنّ الولاء للأسد، هو ولاء للوطن نفسه. وعادةً ما كانت اللقطات المصاحبة للنشيد خلال بثّه على التلفزيون، تُظهر حافظ الأسد، أو الجيش في استعراضات الولاء، ما خلق ربطاً نفسياً بين الجيش والنظام الحاكم.

وقد استمرّ هذا النهج خلال عهد الأسد الابن، إلا أنّه مع اندلاع الثورة السورية وانقسام الشارع السوري، لم تعد أغنية السلطة وحدها تهيمن على المشهد، خاصةً أنه عندما خرجت المظاهرات الأولى في درعا ودمشق وحمص، كانت الأغاني والأهازيج وسيلة التعبير الأساسية عند المتظاهرين. وبدأ الناشطون لاحقاً، مع توسّع الحراك، بتأليف أغانٍ تحمل رسائل مباشرةً بإسقاط النظام، ومع تحوّل الثورة إلى صراع مسلّح، وتصاعد العنف، لم تعد الأغاني الوطنية مقتصرةً على جانبَي الولاء للسلطة أو الاحتجاجات ضدها، بل أصبحت تنقل واقع المدن المحاصرة والمجازر واللجوء وتوثّق المعاناة، لعلّها تصل عبر الأغاني إلى الخارج، وتحرّك المجتمع الدولي إزاء انتهاكات نظام الأسد، وجرائمه.

حتّى مع دخول الجماعات الجهادية المتشدّدة إلى دائرة الصراع في سوريا، مثل داعش وجبهة النصرة، استخدمت هذه الجماعات الأناشيد كأداة للتجنيد وبثّ أفكارها التي تركّز على الجهاد العالمي والقتال، ليس من منطلق وطني فحسب، بل أيضاً من منطلق ديني. واعتمدت عليها بشكل أساسي في شنّ حرب نفسية ضد الخصوم، سواء عبر إظهار القوة أو التهديد المباشر.

بالمثل، استخدمت الجماعات الشيعية الأناشيد أيضاً، كأداة لتأطير معركتها في سوريا، وتبريرها بأنّها "دفاع عن المقدّسات"، ولكن مع امتداد النفوذ الشيعي في البلاد خلال سنوات الحرب، بدأت هذه الأغاني والأناشيد تتحوّل إلى أداة للترويج للهوية الشيعية العابرة للحدود، وما يسمّى بـ"أيديولوجيا المقاومة".

في هذا التقرير، يستعرض رصيف22، أبرز هذه الأغاني والأناشيد تبعاً للسياق الذي جاءت فيه خلال الحرب السورية، وأطراف الصراع التي عبّرت عنها.

أغاني الثورة... صوت المتظاهرين

لعلّ أكثر الأغاني التي اشتهرت في بدايات الثورة، هي تلك التي ارتبطت بالشعارات المطالبة بإسقاط نظام الأسد، وقد أصبحت جزءاً من هوية الحراك الشعبي، وفي مقدمتها أغنية "يلا ارحل يا بشار"، التي قيل إنّ مؤلفها هو شابّ سوري من مدينة حماة، اسمه "إبراهيم القاشوش" عُرف بقيادته المظاهرات التي هتفت بإسقاط النظام ونيل الحرية آنذاك، كما نُسبت إليه معظم الشعارات والألحان التي ردّدها المتظاهرون ضد حكم الأسد. ورُوي عن مصير القاشوش، أنّ قوات النظام اعتقلته في 2011، بعد قيادته حشود "جمعة ارحل" في ساحة العاصي، واقتلعت حنجرته وألقته في نهر العاصي.

مصير عبد الباسط الساروت، منشد الثورة السورية وأحد أبرز رموزها، لم يختلف كثيراً عن مصير القاشوش، إذ لقي حتفه في 2019، خلال معارك ريف حماة، واشتهرت بصوته مجموعة من الأغاني والأناشيد الثورية، أبرزها "جنّة جنّة يا وطننا"، التي أعيدت صياغتها لتناسب السياق السوري، و"طيّب إذا منرجع"، التي غنّاها المتظاهرون في حمص عام 2012. هذه الأغاني وغيرها أعاد الفنان السوري وصفي المعصراني، تأديتها، وقد اشتهرت بصوته أيضاً أغانٍ أخرى للثورة السورية منها "ع الهودلاك"، و"درعا تنادي هبّوا يا أحرار" التي كانت من أوائل الأغاني التي غنّاها المعصراني للثورة، وأيضاً "حمص يا دار السلام". ومن الجدير ذكره أنّ المعصراني تعاون مع الساروت، في إعادة إنتاج "جنّة جنّة يا وطننا"، وغيرها.

ومن الأغنيات التي اشتهرت في بداية الثورة أيضاً، "يا حيف"، للفنان السوري سميح شقير، والتي تُعدّ من أكثر الأغاني الوطنية المؤثرة خلال الحرب السورية، حيث وثّق فيها شقير، ما جرى في درعا من اعتقال للأطفال وإطلاق نار على المتظاهرين السلميين، ولكن كان أكثر ما جاء فيها من عبارات مؤثرة هي تلك التي حملت تعابير عتاب ولوم واستنكار للطريقة التي تعاطى بها النظام مع المتظاهرين دون أن يفرّق بين كبير وصغير، متسائلاً: كيف يمكن للسوري ابن البلد أن يقتل إخوته أبناء البلد؟ ومن أجل ماذا؟

في عهد الأسد الأب، كانت الأغاني والأناشيد ترمي إلى تصوير القائد ضمن إطار لا يمكن المساس به، وتعزيز دور البعث كحزب مسيطر يُعزى إليه كل نجاح محقّق في الدولة، فضلاً عن إحاطة الجماهير بأجواء الولاء المطلق. استمرّ هذا النهج خلال عهد الأسد الابن، حتّى جاءت الثورة السورية

ولم يكن الفنانون والناشطون السوريون هم فقط من غنّوا من أجل الثورة السورية. ثمة فنانون عرب قاموا بذلك أيضاً، إلّا أنّ أغنياتهم لم تحقق الانتشار الذي حققته الأغاني التي انطلقت من الساحات في سوريا خلال الاحتجاجات، ولا حتّى تلك التي أنتِجَت لاحقاً في إستوديوهات خارج البلاد، نذكر منها أغنية "صرخة... رسالة طفل لاجئ"، للمنشد المغربي رشيد غلام. تصوّر هذه الأغنية معاناة الطفل السوري في مخيمات النزوح خلال فصل الشتاء. وهذه الأغنية هي شكل من أشكال تطوّر الأغنية المرتبطة بالصراع السوري، وانتقالها إلى مرحلة رواية القصص عن حياة السوريين التي شكّلتها الحرب، وقذفت بهم إلى مصائر مجهولة وبائسة.

أغاني الموالاة... "الأسد قبل البلد"

وبينما ركّزت أغاني الثورة على مفاهيم الوطن والحريات والأخوّة وتغنّت بالمدن السورية، كانت الأغاني الموالية للأسد، تركّز على شخص بشار الأسد نفسه، وتُظهره على أنه القائد الضروري لاستقرار البلاد وأمنها وسلامها. معظم هذه الأغنيات، تضمّنت بوضوح عبارات الولاء المطلق للرئيس، بل تعدّى بعضها هذا الحدّ، إلى درجة تفضيل الأسد على الأرض والشعب والروح الإنسانية، مثل "منحترق بنار، ومنموت كبار ما منقبل يحكم سوريا إلا بشار". وعلى غرارها، ظهرت أغانٍ اتّخذت طابع الأغنية الشعبية في بعض المرات، لتمجّد الأسد وتسخر من هزيمة أعدائه في معركتهم الهادفة إلى إسقاطه، وتؤكد على اصطفاف الشعب وراء قائده في مواجهة المؤامرة المعادية، مثل "ودّوا للعالم برقية... بو حافظ قائد سوريا".

سقطت مفردة الوطن من سياقات تلك الأغنيات، كأنّها تعبير صريح عن أنّ الحرب السورية، وكل ما آلت إليه من موت ومعاناة وتشرّد وجوع، لم تكن من أجل الوطن، ولا دفاعاً عنه، بل من أجل بشار الأسد وحده. هذه الأغنيات كانت جزءاً من الآلية التي اتّبعها نظام الأسد، في إسكات المعارضة في أولى سنوات الحرب، وأسلوب السلطة الأنجع في مخاطبة المجتمع الدولي الذي يراقب وينصت لـ"إرادة الشعب"، فهذه أغنيات تؤكد أنّ خيار الشعب هو الأسد، وهذه ساحات تغنّي له تلك الأغنيات، وهذه جموع ترفع صوره في الساحات، وترقص على إيقاعات "ملايين ملايين السوريين"، و"منحبك"، و"متل الشمس جبينك عالي"، و"نحن رجالك بشار".

حتّى جيش النظام، لم تكن له حصة وافرة من الأغنيات الوطنية التي نظّمها الطرف الموالي للحكم. قلّة قليلة من الأغاني تطرّقت إلى الجيش، أو تحدثت عنه، وبالمثل، لم تكن هناك أغانٍ محسوبة على هذا الطرف تقصد الوطن وحده، باستثناء أغنية الفنان السوري ناصيف زيتون، "طير الحرية"، التي حققت شهرةً واسعةً منذ صدورها خلال سنوات الحرب الأولى، وحتّى بعد سقوط النظام، وغنّتها جميع الأطراف. وما جعل هذه الأغنية محسوبةً على الطرف الموالي للنظام، هو أنّ الإعلام الرسمي لم يكن ممنوعاً عن بثّها، كما أنّ المسيّرات المؤيدة كثيراً ما غنّتها، ولعلّ هذه الأغنية هي الخروج الوحيد عن النمط الذي ساد أغنيات الموالاة، وطغى على حناجر الجماهير في ساحات النظام للتأكيد على خيارها وقرارها آنذاك.

بينما ركّزت أغاني الثورة على مفاهيم الوطن والحريات والأخوّة، وتغنّت بالمدن السورية، كانت الأغاني الموالية للأسد، تركّز على شخص بشار الأسد نفسه، وتضمّنت بوضوح عبارات الولاء المطلق للرئيس، بل تعدّى بعضها هذا الحدّ، إلى درجة تفضيل الأسد على الأرض والشعب والروح الإنسانية، مثل "منحترق بنار، ومنموت كبار ما منقبل يحكم سوريا إلا بشار"

أناشيد الجهاديين والشيعة... التعبئة والحرب النفسية

في عام 2005، أرسل أيمن الظواهري، أحد مؤسسي تنظيم القاعدة، رسالةًً إلى "أبو مصعب الزرقاوي"، قال فيها: "نحن في معركة، ونصف هذه المعركة يدور في الإعلام". ولعلّ إدراك قادة التنظيم لأهمية نصف المعركة هذا، جعلهم يفكرون أكثر في كيفية استثمار الأنشودة الجهادية لجذب الشباب وحتّى الأطفال، وتحطيم الخصوم نفسياً، لتصبح جزءاً من حملة التنظيم للترويج للسلفية الجهادية، حيث استخدمها بشكل أساسي كخلفية للّقطات والمشاهد التي توثّق تفاصيل حياة المجاهدين، وتبثّ الحماسة في نفوس المتلقّين من خلال إظهار مشاهد الاقتحام والتدريب واستعراض الأسلحة والسيوف، وحتّى قطع الرؤوس، وأشهر تلك الأناشيد "صليل الصوارم"، التي ذاع صيتها في سياق الحرب السورية كثيراً.

ومن المفارقة، أنّ تلك الأناشيد التي يرى البعض أنّها "سبب رئيس من أسباب التحاق 90% من الشباب بالمجاميع الجهادية"، تلقّفتها مجموعات أخرى داخل سوريا بطريقة مختلفة تماماً، فرقص أفرادها وغنّوا على أنغامها، نساءً ورجالاً، ووضعوها في سياقات ساخرة وخالية تماماً من الجدّية المخيفة التي توحي بها.

انتشر "نمط القاعدة" خلال الحرب في سوريا على حساب الأناشيد الدمشقية التي نشأ عليها معظم أبناء التيار الملتزم في البلاد، وفضّلته الجهات المموّلة لهذا النوع من الأعمال، لما له من قوة وتأثير كبيرين في سياق رسالة الجهاد، فالقول السائد هنا كان: "قوة المجاهد في معاركه بعد عقيدته هي الأناشيد". ولعلّ هذا القول هو نفسه الذي يحكم الأنشودة الشيعية، أو ما يُعرف بـ "اللطمية"، حيث اشتهر عدد كبير من اللطميات في سوريا خلال سنوات الحرب، وفي بعض المرات جاءت في خضمّ حرب إعلامية شرسة بين تنظيم الدولة "داعش" وإيران، حيث لجأت الأخيرة مثلاً إلى إنتاج مقاطع فيديو مصحوبة بأناشيد تهدد مقاتلي داعش بقطع رؤوسهم، وبناء القلاع من جماجمهم، بعد أن هاجمها التنظيم بالمثل.

عموماً، استُخدمت الأناشيد في جزء كبير منها، خلال الحرب في سوريا، كحرب ناعمة بين السنّة والشيعة على وجه التحديد، في دلالة واضحة على التفسّخات الطائفية في البلاد، ودخول لاعبين أساسيين بأيديولوجيات مختلفة إلى الحرب، لكلّ منهم أهدافه العقائدية بعيداً عن مفاهيم الوطن والأرض والحريات أو النضال ضد الأنظمة الديكتاتورية، وبعيداً عن تلك الشعارات التي خرجت من أجلها حشود المتظاهرين أول سنوات الحرب، ودفعت من أجلها الكثير.

فمثلاً لو تتبّعنا كلمات أشهر تلك الأناشيد والأغنيات، لما وجدنا -إلا في ما ندر- أيّ ذكر للوطن، أو لشهداء الثورة أبناء الوطن، ولما وجدنا أي تعبير بأيّ طريقة من الطرائق عن تطلعات الشعب السوري إلى مستقبل أفضل ينالون فيه من الحرية والأمان شيئاً.

حتّى النشيد الوطني في البلاد، أتى به نظام حافظ الأسد، بعد وصوله إلى السلطة عام 1971، ووظّفه في سياقات تخدم الدعاية الرسمية، وأصبح نشيد الجيش البعثي، لا جيش الشعب، وأداةً لتمجيد الأسد.

وإذا كنّا لا نذكر من تلك الأناشيد أمثلةً كما استعرضنا سلفاً، فهذا لكونها تتضمن عبارات ذات إيحاءات تحرّض على القتل بدافع طائفي وعقائدي يحجب معظمها موقع "يوتيوب"، ونكتفي أن نضعها في سياق استخدامها خلال الحرب السورية، لنبيّن كيف تساهم هذه الأناشيد في فهم تطورات الحرب في سوريا وأبعادها وأطرافها، بعد أن قدِمت -أي الأناشيد- من أفغانستان، وتطورت في الشيشان أيام السوفيات، ووصلت إلى بلاد الشام، لتجابه بموسيقى أو من دون موسيقى، اللطمية، بعد دخول حزب الله والجماعات المسلحة المدعومة من إيران إلى دائرة الصراع.

ماذا عن أغاني المرحلة الحالية؟

قبل ساعات قليلة من إسقاط نظام الأسد، اكتفى العاملون في التلفزيون السوري ببثّ الأغاني الوطنية "الحيادية" على شاشته، بعد أن تنبّؤوا بأنّ "الخبر" الرسمي، الذي كان منحازاً لجهة النظام الساقط، لم يعد له مكان. ومع دخول فصائل المعارضة المسلحة إلى مبنى التلفزيون، وسيطرتهم على البثّ، بدأ هؤلاء بإذاعة ابتهالات وأناشيد جهادية وسلفية دوناً عن أي شيء آخر، في الوقت الذي كانت فيه الساحات تغنّي وترقص، دون لحن يحرّكها سوى شعارات رُتّبت كيفما اتّفق عن الحرية والخلاص.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

نرفض أن نكون نسخاً مكررةً ومتشابهة. مجتمعاتنا فسيفسائية وتحتضن جماعات كثيرةً متنوّعةً إثنياً ولغوياً ودينياً، ناهيك عن التنوّعات الكثيرة داخل كل واحدة من هذه الجماعات، ولذلك لا سبيل إلى الاستقرار من دون الانطلاق من احترام كل الثقافات والخصوصيات وتقبّل الآخر كما هو! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، فكل تجربة جديرة بأن تُروى. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image