شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
شركات مصريّة تنفّذ بأموال خليجية… ماذا نعرف عن

شركات مصريّة تنفّذ بأموال خليجية… ماذا نعرف عن "خطط" مصر لإعادة إعمار غزّة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بعد نحو ساعتين على لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والعاهل الأردني عبد الله الثاني، في واشنطن، وإعلان الأخير انتظار رؤية مصر بشأن مستقبل غزّة، أصدرت وزارة الخارجية المصرية، بياناً صحافياً، أعلنت خلاله اعتزامها تقديم "تصوّر متكامل لإعادة إعمار قطاع غزّة، بصورة تضمن بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه" دون تهجير.

وصرّح العاهل الأردني، خلال لقائه ترامب، في البيت الأبيض، بأنّه "علينا أن نضع في الاعتبار أنّ هناك خطّةً من مصر والدول العربية" بشأن التعامل مع تحديات الوضع في غزّة، مشيراً إلى أنّه تلقّى دعوةً من وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، لمناقشة الخطّة في الرياض.

الحديث عن التصوّر المُنتظر من القاهرة، والمتوقّع التوافق عليه عربياً لتقديمه إلى واشنطن، يأتي في خضم تمسّك ترامب بمخطّطه لتهجير الفلسطينيين من غزّة، وإيجاد وطن بديل لهم خارج أسوار القطاع الذي انهارت فيه معالم الحياة بعد أكثر من عام من حرب الإبادة، موجّهاً بوصلته صوب مصر والأردن، ومعلناً استعداده لتدشين مشروع عقاري يهدف إلى تحويل غزّة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، قبل أن يعقّب رجل الأعمال والمطوّر العقاري المصري، هشام طلعت مصطفى، على ذلك بمقترحٍ لـ"إعادة إعمار" القطاع الفلسطيني، بتكلفة تناهز "27 مليار دولار أمريكي".

ومنذ 25 كانون الثاني/ يناير 2025، يواظب ترامب على الحديث عن خطّته التي تقوم على تهجير سكان غزّة، ودفعهم قسراً إلى دول مجاورة، بالتحديد مصر والأردن، على أن يُشيّد ما أسماها "ريفييرا الشرق الأوسط"، على أرض وطنهم المدمّر. وانعكس إصرار ترامب، على تنفيذ هذه الخطّة، بتلويحه أخيراً بقطع المساعدات عن مصر والأردن، حال أصرّتا على رفض مقترح التهجير واستقبال الفلسطينيين على أراضيهما، وإن تراجع عن هذه النبرة خلال لقائه الملك الأردني.

"الخطّة الثانية المُعتزم أن تقدّمها القاهرة لواشنطن، تحظى بتوافق والتفاف عربيين كبيرين، وتتزعّمها مصر والسعودية، وتقضي بـ'حلّ الدولتين' وقيام دولة فلسطينية على حدود 1967، مع توفير ضمانات بالأمن والاستقرار لإسرائيل، وعدم تعرّضها لهجمات في السنوات المقبلة، تحت مبدأ "سلام العرب مع إسرائيل مقابل الأرض للفلسطينيين"

خطّتان مصريتان لـ"إعمار غزّة"

وفي أثناء لقاء ترامب والملك عبد الله، أطلق مسؤولون مصريون رفيعو المستوى -دون الكشف عن هويتهم- تصريحات لقناة "إكسترا نيوز" شبه الرسمية، كشفوا خلالها عن وجود خطّتين مصريتين لإعادة بناء غزّة من دون المساس بسكانها، مؤكّدين أنّ الرؤية المصرية لحلّ هذه الأزمة لا تتضمّن أي شكل من أشكال التهجير للمواطنين الغزّيين. يتّسق هذا مع الرسائل الرسمية المعلَنة التي وجّهتها القاهرة خلال الأيام الأخيرة، ردّاً على مخطّط ترامب، والتي تعكس موقفاً ثابتاً لا تغيير فيه.

وشدّد المسؤولون المصريون، على رفض مصر أيّ مقترح لتخصيص أراضٍ في سيناء لسكان غزّة وتمسّكها بعدم إخراج الفلسطينيين من أرضهم أو توطينهم في أيّ مكان آخر، مشدّدين على أنّ أيّ حلول للأزمة يجب أن تضمن بقاء أهالي القطاع على أراضيهم.

تصريحات المصادر المصرية المتكرّرة، وكذلك بيانات وزارة الخارجية المصرية خلال الأيام الأخيرة، عن وجود تصوّر مصري متكامل حول إعادة إعمار غزّة، ومن قبلهما مقترح هشام طلعت مصطفى، القريب من نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، تفتح باب التساؤلات عن أبرز ملامح هذا المخطّط، ومدى قابليته للتنفيذ على أرض الواقع، وإمكانية قبوله من قبل ترامب والإدارة الأمريكية من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، وما إذا كان هناك توافق والتفاف عربيان حوله أو أنّه لا يزال في انتظار النقاشات قبل عرضه على الجانب الأمريكي. وهذا ما نحاول الإجابة عنه في هذا التقرير.

خطّة قصيرة المدى وأخرى متوسّطة وطويلة

وعن تفاصيل التصوّر المصري لإعادة إعمار غزّة، يقول مصدر مصري تحدّث إلى رصيف22، مشترطاً عدم ذكر اسمه، إنّ الخطّة المُنتظر أن تقدّمها القاهرة لواشنطن تنطوي على مبدأ أساسي، هو عدم تهجير الفلسطينيين من غزّة تحت أيّ ظرف، مشدّداً على أنّها ستقدَّم على أنها "رؤية عربية تعكس موقفاً عربياً موحّداً"، وليست مصريةً فحسب. كما ينبّه إلى أنّها ستكون "مقسّمةً إلى خطّة قصيرة الأجل وأخرى متوسطة وطويلة الأجل"، وهي حالياً في انتظار اعتمادها بشكل نهائي من الدول العربية خلال القمّة العربية الطارئة التي تستضيفها القاهرة نهاية شباط/ فبراير الجاري، قبل تقديمها لواشنطن.

ويضيف المصدر نفسه، أنّ الخطّة قصيرة الأجل تقوم على توفير "كرفانات إعاشة" مؤقّتة أكثر حداثةً وجاهزيةً وفيها أكثر من طابق، لتكون قادرةً على استيعاب الأطفال والنساء وكبار السنّ بشكل أساسي، في نقاط محددة في القطاع خلال مرحلة الإعمار. بالتوازي، ستكون هناك خطّة لإعادة الإعمار في فترة زمنية تقلّ عن 5 سنوات، تضطلع فيها الشركات المصرية بالدور الرئيس على مستوى التنفيذ، فيما تضطلع الدول الخليجية بدور المُموّل، وفق المصدر.

وفي ما يتعلق بالخطّة متوسطة وطويلة الأجل، يشرح المصدر أنّها تقوم على خيارين، أولهما النزوح الجزئي داخل قطاع غزّة، بمعنى نقل سكّان الشمال إلى الجنوب إلى حين الانتهاء من إعادة إعمار شمالي القطاع والعكس، أو نقل جزء من السكان إلى منطقة صحراء النقب الممتدة في إسرائيل، والتي يتواجد فيها سكان عرب كُثر، إلى حين إعمار المناطق التي يعيشون فيها، ثم يعودون إليها عند انتهاء العمل.

"قمّة عربية مُصغّرة" في الرياض

وفي الوقت الذي أكّد فيه الرئيس المصري والعاهل الأردني على وحدة موقفَي القاهرة وعمّان، حول رفض تهجير سكان غزّة إلى البلدين، وضرورة البدء بشكل فوري في إعادة إعمار القطاع، بالتزامن مع ضرورة وقف الممارسات التي تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، يكشف المصدر الذي تحدّث إلى رصيف22، عمّا وصفها بأنها "قمّة عربية مُصغّرة" يُرجّح أن تُعقد خلال الأيام المقبلة في الرياض، بشكل استباقي للقمّة العربية في القاهرة، على أن تجمع قادة مصر والأردن والسعودية، مع إمكانية انضمام قادة آخرين إليها من بينهم أمير قطر ورئيس الإمارات.

في غضون ذلك، يشير الباحث السياسي إبراهيم الدراوي، إلى أنّ القاهرة مُقبلة على تقديم خطّتين لترامب وإدارته بشأن غزّة، الأولى تنطوي على إعادة الإعمار بتفاصيله الفنية وكيفية إدارة القطاع في تلك الفترة، وما يتعلّق بما بعد انتهاء الحرب، مع تقديم ضمانات بـ"تهدئة دائمة" بين حركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية من الجانب الفلسطيني مع إسرائيل، بالإضافة إلى تقديم ضمانات عن التوصّل إلى مصالحة فلسطينية تشمل جميع الفرقاء الفلسطينيين، وتعيد السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير إلى القطاع من جديد.

ويذهب الدراوي، في حديثه إلى رصيف22، إلى أنّ الخطّة الثانية المُعتزم أن تقدّمها القاهرة لواشنطن، تحظى بتوافق والتفاف عربيين كبيرين، وتتزعّمها مصر والسعودية، وتقضي بـ"حلّ الدولتين" وقيام دولة فلسطينية على حدود 1967، مع توفير ضمانات بالأمن والاستقرار لإسرائيل، وعدم تعرّضها لهجمات في السنوات المقبلة، تحت مبدأ "سلام العرب مع إسرائيل مقابل الأرض للفلسطينيين".

وتعقيباً على أنباء تأجيل زيارة السيسي إلى واشنطن، يعزو الدراوي، الأمر إلى حاجة الرئيس المصري إلى عقد مزيد من المباحثات مع الدول العربية المعنية، للخروج برؤية شاملة قبل مشاركتها مع واشنطن كموقف عربي ورؤية عربية موحّدة تجاه مستقبل قطاع غزّة والقضية الفلسطينية عموماً، بما يعالج جميع المشكلات العالقة ويقدّم حلولاً جذريةً سواء خلال مرحلة إعادة الإعمار أو مرحلة ما بعدها.

الخطّة قصيرة الأجل تقوم على توفير "كرفانات إعاشة" مؤقّتة أكثر حداثةً وجاهزيةً وفيها أكثر من طابق، لتكون قادرةً على استيعاب الأطفال والنساء وكبار السنّ بشكل أساسي في نقاط محدّدة في القطاع خلال مرحلة الإعمار. بالتوازي، ستكون هناك خطّة لإعادة الإعمار في فترة زمنية تقلّ عن 5 سنوات

هل يتمّ إقصاء "حماس"؟

وبينما اقترح الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، تنحّي حركة حماس "إذا اقتضت المصلحة الفلسطينية العامة"، ما عدّه البعض بمثابة رسالة إلى الحركة بضرورة الخروج من المشهد لوقف مخطّط ترامب التهجيري، يؤكد الدراوي، أنّ الخطّط المصرية لا تتضمّن إقصاء حركة حماس أو تهميش دورها، ولكن "دمج" حماس ومختلف الفصائل الفلسطينية تحت مظلّة واحدة هي "دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة"، مشيراً إلى أنّ "المقاومة والفصائل الفلسطينية ستُلقي بأسلحتها في ظلّ وجود دولة فلسطينية حقيقية".

على النقيض، يرى المصدر الآخر الذي تحدّث إلى رصيف22، مشترطاً عدم ذكر اسمه، أنّ حركة حماس لن تُدير قطاع غزّة مرةً أخرى، قائلاً إنها أبدت مرونةً حيال ذلك الأمر، خلال محادثاتها مع المسؤولين المصريين في الأيام الأخيرة. مع ذلك، يذهب إلى معضلة الجانب العسكري لحماس، وهي حُجة واشنطن وتل أبيب للترويج لمقترح تهجير سكان غزّة، مشيراً إلى أنّ المحادثات تجري راهناً باتجاه الخروج الآمن لبعض عناصر حماس من القطاع باتجاه مصر ومن ثم إلى دول أخرى، على غرار صفقة الأسرى المبعدين الأخيرة، وذلك على أن يتم دمج بقية الفصائل ضمن أجهزة الشرطة التي تتولّى فرض الأمن في القطاع. وفي حال الاتفاق على ذلك، وتضمينه في الخطّط المُقدّمة لواشنطن، فإنّ فرص قبول التصوّر المصري العربي ستكون أكبر، ولن تكون لواشنطن حُجة أخرى للحديث عن تهجير سكان غزّة، وفق المصدر.

ويصف المصدر نفسه، مستقبل إدارة القطاع، بأنّه سيكون قريباً إلى الوضع الحالي لمعبر رفح، بوجود لجنة الإسناد التي سبق أن اقترحتها القاهرة، وتشمل مسؤولين تكنوقراط فلسطينيين ومراقبين أوروبيين، على أن تخضع لإشراف الحكومة الفلسطينية في رام الله.

ماذا عن "خطّة" هشام طلعت مصطفى؟

في الأفق يلوح مخطّط مصري آخر، لكن صاحبه ليس الحكومة المصرية وإنما رجل الأعمال والمطوّر العقاري المقرّب منها هشام طلعت مصطفى، الخارج من السجن حديثاً بعفو رئاسي إذ كان يقضي عقوبته في قضية قتل الفنانة سوزان تميم، عام 2017. أعلن مصطفى، رؤيته لمستقبل قطاع غزّة، والمُتمثّلة في مشروع تطوير عقاري ينطوي على بناء مدن سكنية تكفي 1.3 ملايين فلسطيني، على أن ينتهي تنفيذها في غضون 3 سنوات.

تفاصيل مشروع مصطفى، البديل لخطّة ترامب لإعادة إعمار غزّة، تتضمّن بحسب ما كشف رجل الأعمال المصري، في مقابلة تلفزيونية، تدشين بنية تحتية وخدمات بقيمة 4 مليارات دولار، وخدمات صحية ورياضية وترفيهية بنحو 3 مليارات دولار، فضلاً عن بناء 200 ألف وحدة سكنية على 6 مراحل، وذلك على مساحة 20 مليون متر مسطّح، بتكلفة إجمالية تبلغ 20 مليار دولار، وتستوعب نحو 1.3 ملايين مواطن فلسطيني في غزّة، وتشترك في تنفيذ "الخطّة" نحو 50 شركة مقاولات من مصر وخارجها.

تبدو الأرقام التي طرحها رجل الأعمال المصري، منخفضةً مقارنةً بالأرقام الأخرى. فعلى سبيل المثال، تقدّر الأمم المتحدة احتياجات "التعافي وإعادة الإعمار" في قطاع غزّة، بما يزيد عن 53 مليار دولار أمريكي، بما في ذلك نحو 21 مليار دولار لتلبية الاحتياجات الضرورية خلال السنوات الثلاث الأولى فقط.

هل مصر قادرة على تنفيذ خططها؟

على صعيد المستويين التقني والفني، يرى الخبير الاقتصادي المصري محمد فؤاد، أنّ بلاده قادرة على تنفيذ مشاريع إعادة إعمار غزّة "مُنفردةً"، في ظلّ امتلاكها شركات عملاقةً عدة في مجال المقاولات والتطوير العقاري، على غرار "المقاولون العرب وحسن علام"، فضلاً عن الأيدي العاملة والفنيين والخبرات الكبرى في هذا المجال، مؤكداً لرصيف22، أنه لإنجاز مشاريع بهذا الحجم في الفترة الزمنية التي حدّدها هشام طلعت مصطفى في مقترحه بـ"3 سنوات"، يتطلّب الأمر مشاركة 10 شركات عملاقة على الأقلّ.

بالحديث عن "اقتراح" مصطفى، يتشكّك فؤاد في دقة التكلفة التي حدّدها رجل الأعمال المصري لإعادة إعمار غزّة (27 مليار دولار)، مشيراً إلى أنّ هناك الجزء المتعلّق بالبنية التحتية فقط من محطات مياه وكهرباء ورصف طرق، وهو باهظ التكلفة، والرقم المطروح "قليل للغاية" مقارنةً بالأرقام الأخرى المطروحة سواء من تقديرات المؤسسات الدولية، أو حديث ترامب نفسه، الذي تحدّث عن 500 مليار دولار. مع ذلك، ينبّه الخبير الاقتصادي المصري، إلى قوّة رجل الأعمال المصري وقدرته في هذا المجال، مع سابقة تنفيذه مشروعات عملاقة سواء داخل مصر على غرار "مدينتي والرحاب"، أو مشروع شرق الرياض في السعودية.

هل يتوافق المقترح مع الرؤية المصرية الرسمية؟

في غضون ذلك، يتفق الخبير الاقتصادي والمصرفي، هاني أبو الفتوح، مع مواطنه فؤاد، في ما يخصّ قدرة القاهرة من الناحية الفنية على تنفيذ مشروع إعادة إعمار غزّة، إلا أنه يرى أنّ التفاوت الكبير من حيث تكلفة إعادة الإعمار المطروحة، بين جهات رسمية وعالمية عدة، ومقترح هشام طلعت مصطفى منخفض التكلفة، يشير إلى أنّ مقترح الأخير قد لا يكون "مدروساً" بشكل كافٍ، وربما ينطوي على الكثير من الثغرات التي تحتاج إلى المراجعة.

وباعتباره أحد رجال الأعمال المُقرّبين من دوائر الحكم في مصر، تعامل البعض مع مقترح هشام طلعت مصطفى، على أنه ربما يعكس رؤية الدولة المصرية تجاه مشروع إعادة إعمار غزّة، إلا أنّ أبو الفتوح، يقول لرصيف22: "لا يمكن الجزم بأنّ مقترحه نابع من رؤية رسمية للقاهرة، وأنّ الحكومة المصرية تحاول تصدير رجل الأعمال باعتباره الرجل الأقوى اقتصادياً على الساحة المصرية، ويُمثّل إلى حدٍّ ما مصالح الإمارات في المنطقة، وتحاول دفعه لطرح رؤية مخالفة لما طرحه الرئيس الأمريكي"، واصفاً المشهد بـ"الضبابي".

يضيف أبو الفتوح، أنّ رجل الأعمال المصري يتحدّث انطلاقاً من كونه "مطوّراً عقارياً"، وليس من موقف ذي أبعاد سياسية، واصفاً ما اقترحه بأنّه نوع من "تسطيح الأزمة"، خاصةً أن هناك العديد من العراقيل والقضايا التي يجب أن تُحلّ قبل البدء بإعادة الإعمار، في مقدّمتها الوصول إلى حلّ سياسي طويل الأمد مع ضمانات بعدم عودة القصف والهدم من جديد، عادّاً أنّ الوضع الحالي يحمل "نوايا إسرائيليةً خبيثةً" تنطوي على رغبة في استئناف الحرب على غزّة، وضمّ الضفة الغربية، واستغلال دعم ترامب المفتوح لتل أبيب.

عراقيل أمام المقترح

ويوافق أستاذ العلوم الاقتصادية الفلسطيني، نصر عبد الكريم، على أنّ مقترح رجل الأعمال المصري غير واقعي، من حيث تقديرات كلفة إعادة الإعمار والمدى الزمني المطروح لإنجازها. ويلفت في حديثه إلى رصيف22، إلى أنّ التباين في التقديرات يعود إلى أنّها جميعها "تقديرات أوّلية" وتعتمد منهجيات مختلفةً، وقد لا تكون جميعها دقيقةً، خاصةً أنّ الإعمار غير واضح مداه في كل تصوّر، فهل يرتبط بإنعاش الاقتصاد إلى جانب إعادة بناء وترميم المرافق العامة والمساكن والمباني العامة والخاصة وتأهيل البنى التحتية؟

ويحصر نصر عبد الكريم، العراقيل الفنّية التي تقف أمام مقترح هشام طلعت مصطفى، في ثلاث نقاط، أولاها استمرار سيطرة إسرائيل على المعابر، وتالياً تحكّمها في منسوب البضائع ومواد البناء والمستلزمات الاقتصادية التي تدخل إلى غزّة، وثانيتها عدم توافر التمويل اللازم لعملية إعادة الإعمار، وثالثتها استمرار غياب الإدارة المؤسّسية الموحّدة للإعمار، والتي تكون مرجعيتها ومهامها القانونية والإدارية واضحةً ومقبولةً للمجتمع الدولي.

وفيما أُثير الكثير من اللغط بشأن مقترح رجل الأعمال المصري، يُبدي عبد الكريم، تخوّفه من أن يكون متّسقاً مع طروحات ترامب بتَملُّك غزّة، خاصةً أنّه مشروع استثماري تتقاسمه دول وشركات خاصة، مفضّلاً أن تكون عملية الإعمار من خلال مؤتمر دولي، ووفق خطّة وطنية فلسطينية ومن دون تدخلات أو تمويلات من الشركات الخاصة إلا في حدود التعاقد للتنفيذ وليس التملك.

رؤية "تطوير عقاري" عربية موحّدة ومتكاملة

ثمة سؤال ملحّ ومهم في هذا السياق يتعلّق بالفلسطينيين أنفسهم: كيف يرى سكان غزّة هذا المقترح وغيره من التصوّرات المتعلّقة بمستقبل غزّة من حيث إعادة الإعمار ومخطّط التهجير؟

يقول السياسي الفلسطيني والخبير في الشؤون الإسرائيلية، نهاد أبو غوش، إنّه من المهم دعم رؤية "تطوير عقاري" عربية موحدة ومُتكاملة لإعادة إعمار قطاع غزّة، تكون قادرةً على الوقوف أمام ادّعاءات الرئيس الأمريكي بأنّ القطاع غير قابل للإعمار أو السكن إلا بعد فترة تتراوح بين 10 إلى 15 عاماً، في إطار مساعيه لتنفيذ مخطّط تهجير الفلسطينيين، ودفع إسرائيل للتلاعب ببنود اتفاق الهدنة، والاكتفاء بتنفيذ بند تبادل الأسرى، مع تجاهل بنود إعادة الإعمار وعودة الفلسطينيين إلى بيوتهم.

يشدّد السياسي الفلسطيني، على أهمية ظهور المقترح المصري في هذا التوقيت، والدور الكبير المتوقع أن تلعبه القاهرة في هذا الملف، بحكم الجوار والصلة التاريخية مع غزّة، موضحاً أنّ الأزمة الجوهرية هي وقف الحرب بشكل نهائي، لأنّه لن تُقدِم جهة دولية على ضخّ أموال لإعادة الإعمار دون ضمان انتهاء الحرب

يضيف أبو غوش، لرصيف22، أنّ التقديرات بشأن إعادة الإعمار متفاوتة على مستوى الأرقام، خاصةً أنّ إسرائيل دمّرت عمداً البنية التحتية للقطاع لا المباني فحسب، حتّى أنّها محت أحياء كاملةً منه، فقط لكونها تحجب رؤية البحر المتوسط عن مستوطنات الإسرائيليين في محيط القطاع، مشيراً إلى أنّ التدمير الذي لحق بغزّة ينطوي على هدف أساسي هو تهجير الفلسطينيين. ويستدرك: "مقترح هشام طلعت مصطفى، تكمن أهميته في التأكيد على أنّ إعادة الإعمار مُمكنة، وليست أمراً عبثياً يلوّح به الفلسطينيون والدول العربية".

توقيت مقترح مصر وأهميته

إلى ذلك، يشدّد السياسي الفلسطيني على أهمية ظهور المقترح المصري في هذا التوقيت، والدور الكبير المتوقع أن تلعبه القاهرة في هذا الملف بحكم الجوار والصلة التاريخية مع غزّة، موضحاً أنّ الأزمة في جوهرها تنطوي على ضرورة وقف الحرب على القطاع بشكل نهائي، لأنّه لن تقدِم أيّ جهة دولية على ضخّ أموال والشروع في إعادة الإعمار دون ضمان انتهاء الحرب، ولذلك فالمهمة الأساسية هي إفشال خطّة ترامب للتهجير، وتنفيذ بنود صفقة الهدنة الثلاث، والحصول على ضمانات إسرائيلية أمريكية بعدم استئناف إسرائيل الحرب على غزّة.

وبشأن تمويل التصوّر المصري لإعادة الإعمار، يرى أبو غوش، أنّ السعودية وقطر والإمارات ستكون أبرز الدول العربية التي يُتوقّع أن تموّل مشاريع إعادة الإعمار، فيما سيكون لمصر نصيب الأسد على مستوى التنفيذ.

كما يتطرّق إلى أهمية القمّة العربية الطارئة المقرر انعقادها في القاهرة في 27 شباط/ فبراير الجاري، مشدّداً على ضرورة الخروج بموقف عربي موحد رافض للتهجير يتبنّى سياسةً ضاغطةً على واشنطن لوقف مخطّط التهجير، وتل أبيب للانسحاب الكامل من القطاع، لافتاً إلى أنّ الأخيرة حاولت توسيع سياسة الضغط على الدول العربية، عبر تصريحات عن ضمّ الضفة الغربية المحتلة إليها، وكذلك تهجير الفلسطينيين نحو السعودية، ومن الضروري أن تشعر واشنطن وتل أبيب بأنّ الدول العربية لديها موقف واحد، ولن تخضع لأيّ ابتزاز أو صفقات.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image