شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
كيف يعيش سكان الرقة تحت احتلال داعش؟

كيف يعيش سكان الرقة تحت احتلال داعش؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 10 سبتمبر 201612:07 ص

كيف يعيش سكان مدينة الرقة السورية في ظل حكم تنظيم "الدولة الاسلامية"؟ هذا السؤال بات يتبادر إلى أذهان الكثيرين، خاصةً أن الرقة التي يتخذها التنظيم عاصمة لـ"دولته"، أضحت مختبراً حقيقياً يحاول من خلالها "هندسة" مجتمع يلبي برامجه القادمة من أقاصي التاريخ.

يحاول "داعش" بعث دولة الخلافة من جديد عبر قوانين وتشريعات إسلامية، وعبر إخضاع وترهيب كل من يعارض مخططاته. ولإحكام قبضته على مدينة الرقة دأب على استصدار مراسيم وبلاغات، أخذت تشمل كل مناحي حياة سكان المدينة. فمن إغلاق المدارس، ريثما تصدر مناهجها التعليمية الجديدة، إلى التدخل في لباس الرجال والنساء، إلى "حفلات" الإعدام وقطع الرؤوس في الساحات والشوارع الرئيسية، وصولاً إلى إعادة تشكيل المنطقة ديموغرافياً حيث بدأت تستولي على الملكيات العامة والخاصة وتصادر المساكن وتوطن "دواعش" قادمين من كل أصقاع الأرض. النظام يدفع وداعش تعلّم

قبيل سقوط مدينة دير الزور بيد داعش، كان معظم معلمي وموظفي مدينة الرقة يتوجهون إليها لقبض مرتباتهم الشهرية التي يرسلها النظام السوري. الآن باتت مدينة حماة وجهتهم. وتروي حسناء محمد (اسم مستعار كما كل الأسماء التي سترد في هذا المقال)، الموظفة في مديرية تربية الرقة، معاناتها لرصيف22: "كل ثلاثة شهور أو أربعة يحنّ علينا النظام ويعطينا راتباً. وبين أجرة الطريق ومعاناتنا على الحواجز العسكرية وصولاً إلى حماة ومن ثم العودة، يضيع نصف الراتب".

عن الحياة في ظل داعش تقول محمد: "الحمد لله أن حبس الهواء عنّا هو بيد الله وإلا لكانوا حبسوه عنا نحن النساء". وعن حالة المدارس تقول: "بين قصف التحالف الدولي والنظام صارت المدارس تشبه كل شيء إلا المدارس. وأخيراً قامت الدولة (تقصد داعش) بإغلاقها وبإغلاق كل الدوائر وجمعت الأختام الرسمية بحجة أن النظام نصيري ويجب أن لا نُنشئ أولادنا على الكفر". وتتابع شرح معاناة النساء والطلبة: "أصدر التنظيم تعميماً قضى بمنع النساء من الخروج من الولاية إلى بلاد الكفر ومنع الطلبة من الذهاب لتقديم امتحاناتهم خارج الرقة". كيف يعيش سكان الرقة تحت احتلال داعش؟ أما خولة ورؤى، وهما طالبتان جامعيتان من الرقة، الأولى سنة رابعة هندسة مدنية والثانية سنة ثالثة هندسة زراعية في جامعة مدينة الحسكة التي يسيطر عليها النظام وفصائل كردية، فمعاناتهما تلخص معاناة جيل تكاد تذهب به الحرب إلى المجهول.

قدمت رؤى إلى الرقة لزيارة أهلها ولم تعد تستطيع العودة إلى الحسكة لمتابعة دراستها لأن "داعش" باتت تمنع كل امرأة تحت سن الثلاثين من مغادرة المدينة. أما خولة العالقة في الحسكة فباتت تخاف زيارة أهلها مخافة عدم تمكنها من العودة وضياع العام الدراسي عليها.

قهر وإقصاء

التقت رصيف22، عبر السكايب، معاوية العبد الله، وهو ناشط مدني وكان من أوائل الذين خرجوا في تظاهرات سلمية ضد النظام في السنة الأولى من الثورة السورية. ومن داخل مدينة الرقة التي لا يزال يرفض مغادرتها، روى بعض مشاهداته ويوميات المدينة تحت قبضة داعش. تحدث كثيراً عن القهر والإقصاء اللذين باتا سياسة ممنهجة لخصها بحادثة كان شاهداً عليها، وتختصر، على قوله، "مجمل سياسات داعش".

يروي العبد الله: "كنت أنتظر دوري في محل لحلاقة الشعر عندما شاهدت دورية لداعش مؤلفة من أربعة ملثمين وهي تبطح شاباً على الأرض. أخذوا يقصّون بعض أطراف بنطاله الجينز بحجة أنه أطول من اللازم. بعد ذلك أدخلوه إلى محل الحلاقة وأمروا الحلاق بأن يقص شعره الطويل. كان الشاب العشريني ينتفض بين أيديهم، ولما حاول الحلاق أن يقص قليلاً من شعره الطويل، صرخ ملثّم: احلقه كله على الصفر. وبعد أن انتهى الحلاق، طلبت دورية داعش منه أن لا يأخذ نقوداً من الشاب، لكن الأخير، المطعون بكرامته، رفض بغضب وتمتم أنه لا يحتاج إلى "صدقة" من أحد. رمى بورقة مالية من فئة الخمسين ليرة وخرج وعيناه تطايران شرراً". ويتابع العبد الله: "أنا وكل من كان معي في المحل شعرنا بقهر مؤلم لا يمكن وصفه، صمَتنا وعارٌ يجللنا دون القدرة على فعل أي شيء". أصدرت "الدولة" بعد ذلك قررات بمنع ارتداء الجينز. ويتخوف معاوية من "شائعات تقول إن داعش بصدد تطبيق اللباس الأفغاني بشكل ملزم على كل رجال المدينة". الحاضنة الاجتماعية لداعش

يقول ياسين الحاج صالح في مقال له بعنوان "الرقة: من ثالوث استعمار إلى ثالوث مستعمرين": "سهَّل لاستعمار داعش أن يفرض سلطته في الرقة ما تحقق من تجويف سياسي ومعنوي واجتماعي للمجتمعات المحلية في المحافظة عبر عقود الحكم الأسدي، ثم التمفصل مع روابط العشيرة مثل الاستعمار الأسدي، وبالطبع استخدام الإسلام كإيديولوجية حكم مثلما استخدم النظام الأسدي العروبة". ويضيف الشاب معاوية أن "الأوضاع المزرية لعموم السوريين وتحديداً بعد انطلاق الثورة والتردّي المدقع وانعدام أبسط مقومات الحياة هي عوامل ساعدت داعش كثيراً فاستغلها وجنّد شباباً أعياهم البحث عن لقمة خبز يسدون بها أفواههم وأفواه أطفالهم الجائعة".

عن سؤال الحواضن الاجتماعية لداعش الذي طرحته عليه رصيف22 يجيب معاوية: "هل تتوقع مثلاً أن بعض الحماصنة (أبناء مدينة حمص)، أذكى وألطف أبناء سوريا، هم عناصر تقاتل في صفوف داعش؟"، ويتابع: "نزح الكثير من أهالي حمص وبقية المحافظات السورية إلى الرقة قبل تحريرها وبعده، لأنها كانت تتمتع بأمان نسبي قبل سيطرة داعش عليها. وفي ظل تفاقم العجز والإحباط والفقر وفي ظل انسداد الأمل بنصر سريع للثورة، أتت داعش واستثمرت هذه الأوضاع لمصلحتها وهذا ما يقوّي شوكتها الآن". ثم يلخص إجابته عن السؤال بالقول: "الإحباط والفقر وخيانات المعارضة هي البيئة الحاضنة لداعش". سجن المهاجرين

بلغ العنف الداعشي حدوداً غير مسبوقة. ما يميّز عنفه من عنف النظام هو "المسرحة" التي تلقي الرعب في قلوب السكان. فالعنف الداعشي الممسرح هو حجر الزاوية  في إرساء "دولة الخلافة". يقول معاوية: "مرات كثيرة ضُربت نساء في الشارع أمام المارة، فقط لأن عباءاتهنّ لم تكن طويلة بما فيه الكفاية وكشفت عن جوارب ملونة ترتديها امرأة أو فتاة أخرجها حظها العاثر إلى الشارع لغرض ما، فكانت "دورية الحسبة النسائية" لها بالمرصاد".

وكالعادة، تشكّل السجون  في سوريا المكان الذي يُمارس فيه العنف الأقصى. ولم يبذل داعش جهداً كبيراً، حسب معاوية، في إيجادها. فقد استثمر في سجون النظام التي كانت موجودة وزاد عليها سجوناً أخرى، منها ما يسمى "سجن المهاجرين"، وهو سجن مخصص لعناصرها الذين أخلّوا بتنفيذ ما يطلب منهم، ولغيرهم من "المخالفين". كان لمعاوية لقاء مع أحد الرقاويين الذي دخل إلى هذا السجن بتهمة "التدخين" وبقي فيه فترة قصيرة قبل الإفراج عنه ثم غادر على أثرها سوريا، وهذا ما جعل معاوية يروي قصته ولا يمانع في نشرها. يقول: "كان في سجن المهاجرين 140 داعشياً كلهم محكوم عليهم بالإعدام رمياً بالرصاص وتهمتهم هي "الردة". أحد هؤلاء المساجين وهو أوزباكستاني ويتحدث العربية بطلاقة، قال إنه جاء إلى سوريا ليجاهد ويدافع عن الشعب السوري ويرفع عنه الظلم، لكنه فوجئ بأن مهمته في الرقة هي متابعة قضايا تافهة والتدخل في شؤون وحياة الناس كالتدخين واللباس وما شابه، ولما اعترض على ذلك، ألقي به في السجن واتهم بالردة. وأكد الأوزبكستاني أن كل المسجونين معه اعتقلوا لأسباب متشابهة". ويقول معاوية: "إن تنظيم الدولة يتكتم على إعدامه هؤلاء وإعدامهم يتمّ سراً ودائماً رمياً بالرصاص". الصورة من أ ف ب

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image