على الرغم من إهمال الدولة السورية لمدينة الرقة على مدار عقود، إلا أن ذلك لم ينتقص من أهميتها كمدينة زراعية وتجارية. كما أنها تحتضن ثروات طبيعية كالنفط والغاز، وزاد من أهميتها إعلان تنظيم الدولة الإسلامية الرقة، أول مدينة يستولي عليها ويحولها عاصمة للخلافة، وإرجاعها إلى عصور البداوة الأولى، كما يوضح أبناء المدينة.
وفي الرقة انفردت مجموعة "الرقة تذبح بصمت" الإعلامية، بنشر أخبار المدينة وما يحصل فيها من انتهاكات في موقع إلكتروني وعبر مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر. "نحن المزود الحصري والوحيد للأخبار من المنطقة"، يوضح أحد مؤسسي المجموعة عبد العزيز الحمزة، الذي يعيش حالياً في ألمانيا بعد تهديد داعش له.
يقول الحمزة: "الرقة تذبح بصمت هي حركة المقاومة المدنية الوحيدة، التي تعدت نشاطاتها الإعلام عبر شبكة الانترنت إلى تنظيم حملات على أرض الواقع، للفت الانتباه لجرائم النظام السوري والدولة الإسلامية، والتعبير عن رفضهما عبر حراك مدني".
وقد فازت الحملة (التي وضعت لعملها نظاماً داخلياً وتمارس ديمقراطية مركزية بخمسة أعضاء مجلس إدارة)، بجائزة حرية الصحافة العالمية من منظمة حماية الصحافيين CPJ، وسيقام الحفل في مدينة نيويورك في 24 نوفمبر.
تخرج الحمزة (24 عاماً) من جامعة الفرات في الرقة العام الماضي، حاصلاً على بكالوريوس علوم طبيعية. عن الحراك الإعلامي في المدينة يقول: "تأسست المجموعة في أبريل 2014، بعد سيطرة داعش على المدينة، لتوثيق انتهاكات حقوق الانسان وجرائم الحرب التي يقوم بها النظام والتنظيم معاً، ونحن مجموعة من الشباب تراوح أعمارهم بين 18 و26 عاماً، حتى أصبحنا المزود الوحيد للأخبار من المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، رغم خطورة الأمر الذي أدى في أوقات كثيرة إلى تعرض مراسلينا للقتل".
يشير الحمزة إلى أن "عدداً كبيراً من الشباب نشط على مواقع التواصل الاجتماعي لينقل ما يحدث في المدينة منذ العام 2011، من حراك سلمي تمت مواجهته من قبل النظام السوري بالقتل والاعتقالات، ومن ثم تمت سيطرة الجيش الحر على المدينة، إلى حين سيطرة داعش عليها". ويضيف: "حينذاك اضطر الكثير منا مغادرة المدينة خوفاً من القتل والملاحقة، فالتنظيم يعتبر الناشطين الإعلاميين والحقوقيين، كفاراً ومشركين وعلمانيين ويجب محاربتهم" بحسب قول عبد العزيز.
تمت مداهمة منزل الحمزة، لكنه لم يكن داخله. سافر بعدها إلى تركيا مستخدماً هوية صديقه الذي يشبهه، ومنها إلى ألمانيا. ويضيف: "كنت أعمل مع مجموعات إعلامية أخرى، ولكن الجهد أصبح أكثر تنظيماً اليوم، عبر 12 مراسلاً في الداخل، ومن 6 إلى 8 محررين وناشرين ومراسلين في الخارج، ننشر أخبار جميع الانتهاكات التي تمارسها جميع الأطراف".
وعن الحملات التي تقوم بها المجموعة في داخل المدينة، أوضح أن "هناك عملاً على الكتابة على الجدران ضد نظام الأسد وداعش، وإطلاق مجلة تواجه مجلة التنظيم "دابق"، بمجلة اسمها "دابء" من باب السخرية، نقوم فيها بمواجهة ما يأتي في مجلتهم، حتى إن شعارها وتصميمها مشابه، لذا يلتقطها الناس من دون خوف، إلا أن الرسائل التي تصل إليهم مختلفة ومعاكسة عن تلك التي يريد التنظيم إيصالها. كما نقوم بطباعة البوسترات وتوزيعها في الشوارع، بالإضافة لرفع لافتات باللغة الانغليزية موجهة إلى الجمهور العالمي خلال التظاهرات".
ومن المخاطر التي تواجه عمل المجموعة، أن التنظيم أطلق بعد أسبوع من بدء عملها في صلاة الجمعة في كل جوامع المدينة، تحذيراً لكل من يعمل ضد التنظيم، واعتبرهم كفاراً وعلمانيين ومشركين، وهدّد أن القتل سيكون مصيرهم. قال عبد العزيز: "أيضاً تم القبض على 60 شخصاً بسبب إعجابهم Like لصفحتنا على الفيسبوك، وبعد شهر قُبض على مراسلنا المعتز بالله ابراهيم على أحد الحواجز، وتم إعدامه في ساحة عامة، بعد اكتشاف مواد إعلامية في الحاسوب المحمول الذي كان معه".
وتابع: "كما ألقى التنظيم القبض على والد وشقيق وجار أحد المؤسسين حمود الموسى، وناشطين آخرين لا علاقة لنا بهم، وتم التفاوض على إطلاق سراحهم في حال تسليم 3 مراسلين يعملون مع المجموعة، وهو الأمر الذي لم يتم، ما أدى إلى إعدام الخمسة، وخلق لدينا دافعاً أكبر للعمل، إذ أصبح عندنا ثأر شخصي مع التنظيم".
ولفت الحمزة إلى أن مجموعتهم الإعلامية هي الهدف الأول للتنظيم، بعد أن قامت المجموعة بالكشف عن المناطق التي تم فيها إعدام الرهائن الأجانب، ما اضطر التنظيم إلى تغييرها أكثر من مرة. ويتابع: "وسربنا عدداً من المعلومات التي ضربت التنظيم، كإعدام الطيار الأردني الكساسبة قبل شهر من نشر الفيديو".
مقالات أخرى
المبالغة في ردود فعل السوريين على هجمات باريس
تعرّف على "الخلافة الإسلامية" في مدينة الرقة السورية
وأشار إلى أن "التنظيم غيّر جميع مظاهر الحياة في المدينة، أصبحت مدينة الظلام والأشباح، إذ تم صبغ الجدران بالأسود، وقطع خدمة الانترنت في المنطقة، وحصر تقديم خدمة الانترنت في مكاتب معينة يتم خلالها تسجيل أسماء المستخدمين وتفتيشهم، كما وضع التنظيم كاميرات سرية في كل أنحاء المدينة، وسنّ قوانين جديدة كمنع التدخين والكحول ومنع خروج المرأة من دون محرم واللباس الشرعي، وتطبيق الحدود كقطع يد السارق، والتمثيل بالجثث، وتطبيق الإعدام بالكهرباء، والإعدام حرقاً، كما جرى إغلاق دوائر الدولة والجامعات، وفتح دوائر خاصة بالتنظيم كمكتب للخدمات المسؤول عن الماء والكهرباء والاتصالات، والمحكمة الشرعية، والمكتب الدعوي، وديوان الزكاة، وديوان المظالم، والشرطة الإسلامية".
وأضاف: "يقوم التنظيم بتجنيد الأطفال في المدارس، فتوقف المدنيون عن إرسال أولادهم إلى مدارس التنظيم، كما ارتفعت الأسعار بشكل كبير، وتوقف الناس عن العمل بعد إغلاق المصالح والمكاتب الحكومية، ما عدا الذين يعملون في أعمالهم الخاصة"، مشيراً إلى أن "مظاهر الحياة بشكل عام توقفت".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...