في مدينة الرقة، في شمال سوريا، استبدل الأهالي إسم "دوار النعيم" الواقع في وسط المدينة بـ"دوار الجحيم" بسبب العدد الهائل من الإعدامات التي نفذها تنظيم الدولة الإسلامية فيه منذ إعلانه "الخلافة" قبل سنة.
جالت صور هذا الدوار العالم في كل مرة عُلّقت رؤوس بشرية على السياج الحديدي المسنّن المحيط بالدوار الترابي، أو صُلب عليه شباب على مدى أيام.
مواضيع أخرى:
من مجالس العزاء إلى زيارة القبور، داعش يغيّر طقوس الموت
خوف على الأكراد من أنفسهم
وقال ابو إبراهيم الرقاوي (اسم مستعار)، وهو ناشط بارز مقيم في المدينة: "منذ اللحظة الأولى لسيطرته على الرقة، اعتمد التنظيم سياسة التخويف والترهيب، ومارس الإعدامات وقطع الرؤوس والأيدي والأرجل والصلب".
وكان تنظيم الدولة الإسلامية قد سيطر على مدينة الرقة في يناير 2014، بعد معارك عنيفة مع مقاتلي المعارضة الذين كانوا قد استولوا عليها من النظام في مارس 2013. واستكمل التنظيم الجهادي السيطرة على المحافظة في صيف العام نفسه بعد نحو شهرين من إعلان "الخلافة الإسلامية".
الرقاوي، وهو من أبرز مؤسسي حملة "الرقة تذبح بصمت" التي توثق عبر الإنترنت كل انتهاكات تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة، أكد أن عناصر التنظيم "خطفوا الناشطين، ولاحقوا كل من يحمل آلة تصوير، وفرضوا النقاب على النساء ومنعوا ارتداء السراويل والأحذية الملونة".
ويغذي التنظيم الشعور بالرعب من خلال نشر صور وأفلام مروّعة مثل مشاهد حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة حياً وجثث عشرات الجنود السوريين شبه العراة الذين أُسروا في مطار الطبقة العسكري في محافظة الرقة.
وقتل التنظيم شنقاً أو صلباً، بإطلاق الرصاص أو بالرجم أو بقطع الرأس، الكثير من الأشخاص بتهم تتراوح بين "التعاون مع النظام النصيري" و"التحريض على قتال الدولة الإسلامية" وبين الشعوذة والسرقة والكفر والتجسس وممارسة الزنى و"الفعل المنافي للحشمة مع ذكور".
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، أعدم التنظيم 2618 شخصاً في سوريا في الفترة الممتدة من إعلان "الخلافة" في 28 يونيو 2014 حتى 28 مايو 2015. هذا إضافة إلى تنفيذه مئات الأحكام التي تُراوح بين الجلد والغرامة والسجن.
فالمرأة التي لا يخفي نقابها كل تفاصيل وجهها وجسدها، تُجلد أربعين جلدة. وقد تطال العقوبة مَن يرافقها. أما مَن تظهر عيناها من خلال النقاب، فتدفع غراماً من الذهب. ويتوجب على كل رجل يُضبط حالقاً ذقنه أن يدفع غرامة بقيمة مئة دولار.
في المقابل، تفيد التقارير النادرة من الرقة أن من يلتزم بقوانين "الدولة الإسلامية" يعيش بشكل طبيعي، ويستفيد من خدماتها. وقال الرقاوي، وهو شاب عشريني وطالب سابق في كلية الطب: "إذا تقيدت بقوانين داعش ومشيت ووجهك إلى الأرض، فلن يتعرض لك أحد".
ورأى الكاتب العراقي والباحث في شؤون الجماعات الإسلامية هشام الهاشمي أن الحكم في الرقة هو أقل من حكم دولة ولكنه أكثر من حكم تنظيم، مشيراً إلى أنه "يشبه طريقة عمل الحكومات لناحية تنظيم الأمن والخدمات والقضاء والتعليم".
وأضاف: "يمكن القول إن الرقة اليوم نموذج حي عن أرض التمكين"، وهي التسمية التي يطلقها التنظيم على الأراضي التي يسيطر عليها بالكامل كما الرقة ومدينة الموصل العراقية، وهي "عملياً أرض الأحكام الشرعية والمؤسسات".
وقد أظهرت أشرطة فيديو أنتجها التنظيم شوارع تعج بالسيارات في مدينة الرقة ومحال تجارية مليئة بالزبائن. وبموجب قوانين "الدولة الإسلامية"، يصرح سكان الرقة عن ممتلكاتهم ويدفعون الزكاة، وتُلزم المؤسسات والمحال التجارية بالإقفال خلال أوقات الصلاة. وأخضع التنظيم الأطباء والصيادلة والمدرسين والمهندسين وسائقي سيارات الأجرة لـ"دورات شرعية". وكان قد أقفل المدارس والجامعات لعام كامل ووضع مناهج دراسية جديدة أبقى فيها على الرياضيات واللغة الإنكليزية، وأضاف تدريس الفقه والجهاد والقرآن.
وافتتح التنظيم أخيراً كلية للطب في الرقة بعد وضع منهاج دراسي من ثلاث سنوات فقط. ويبرر مسؤول "ديوان الصحة" أبو عبد الرحمن الشامي ذلك بالقول في شريط فيديو: "درست الطب في ست سنوات، قرأت 26 مادة لا علاقة لها بالطب".
وأقام التنظيم في الرقة محكمة شرعية وشرطة مخولة حفظ الأمن. ويسهر "رجال الحسبة" على تطبيق الشريعة، بينما تتولى "كتيبة الخنساء" تفتيش النساء.
وفي "أرض الخلافة"، يحظى "المهاجرون" أو المقاتلون الأجانب القادمون من خارج سوريا بمعاملة مميزة. ويقول الهاشمي إن مؤسسات التنظيم "تعطي أفضلية للمقاتل الأجنبي، أما عامة الناس فتعتبرهم درجة ثانية أو ثالثة".
في السابع من يونيو الماضي، نشر موقع "إصدارات" الإلكتروني التابع للتنظيم شريط فيديو يروي فيه شاب، قدم نفسه بإسم ابو سلمان الفرنسي، نشأته في عائلة فرنسية مسيحية، ثم اعتناقه الإسلام والتحاقه بالتنظيم.
وقال الشاب ذو العينين الفاتحتين واللحية الطويلة الخفيفة بالفرنسية إنه طلب من زوجته الانضمام إليه في الرقة "بعدما شعر بالأمان التام في الدولة المباركة"، وأضاف: "أعطتنا الدولة الإسلامية منزلاً وما احتجنا له لتجهيزه، والحمد لله، راتباً كل شهر". وتفيد تقارير عن توجه آلاف الغربيين إلى سوريا للقتال في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال الرقاوي: "أجبر التنظيم الأهالي الذين يملكون أكثر من منزل على الاحتفاظ بواحد وتقديم منازلهم الأخرى لمقاتلين أجانب"، مشيراً إلى إن هؤلاء "يعيشون إجمالاً في أحياء راقية ولا يدفعون رسوماً".
وفي أحد الأشرطة المصورة الدعائية التي أصدرها التنظيم، قال رجل حليق الذقن يقدم نفسه بأنه الطبيب أبو يوسف الأسترالي: "الحمد لله، هاجرت من أستراليا إلى دولة الإسلام للعيش في ظل الخلافة"، مضيفاً باللغة الانكليزية: "الوضع هنا ارتقى إلى توقعاتي تماماً".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...