اعرف عدوك. قد يكون جزء من الجواب كامناً في هذه العبارة، رداً على التساؤل: لماذا يقبل شباب غزة على تعلم اللغة العبرية؟
إلا أن الإجابة أشمل من ذلك بكثير، فقد تزايَدَ إقبالُ الشباب في غزة على تعلم اللغة العبرية لعدة أسباب لا تقتصر على ترجمة المعاملات أو متابعة الأخبار أو تحصيل عمل أفضل.
وبعيداً عن اضطرار سكان الضفة الغربية والقدس لإتقان العبرية لتعاملهم المباشر واليومي مع الإسرائيليين، يقبل الغزاويون من الجنسين وفي مختلف الفئات العمرية على تعلم العبرية وإتقانها لأسباب "وجيهة" أبرزها فهم القوانين الإسرائيلية والحصول على فرص عمل أفضل وحتى التعامل الأمثل مع قضيتهم الوطنية.
رواج كبير لمراكز تعلم العبرية
اللغة العبرية غير معتمدة بشكل أساسي في المدارس الفلسطينية، لكنها تُدرس لغةً اختياريةً في بعض المدارس الثانوية والجامعات الفلسطينية. وفي المنهج التربوي في غزة يتعلم الطالب أساسيات اللغة العبرية بشكل مبسط جداً لا يمكن لدارسيه فيما بعد اعتماده للمحادثة أو للعمل وهذا ما يدفع الكثيرين للتسجيل في دورات خاصة لفهم وإتقان اللغة.
وفي عام 2012، اعتمدت حكومة حماس تدريس العبرية كمادة اختيارية في المرحلة الثانوية في مدارس قطاع غزة ورام الله. إلا أن رام الله رفضت القرار، واعتبر مؤيدو الخطوة أنها تأتي من قبيل "من عرف لغة قوم آمن مكرهم".
ثم انتشرت في القطاع المراكزُ المتخصصة في تعليم اللغة العبرية بأسعار لا تتجاوز 150 دولاراً، تمنح دارسيها شهادةً بإجادة العبرية بعد اجتياز 6 مستويات خلال فترة لا تتجاوز 6 أشهر.
وعادةً ما يدير هذه المراكز أسرى محررون، أتقنوا العبرية في السجون الإسرائيلية ويعد مركز نفحة لدراسات الأسرى، أول المراكز التي افتتحت في غزة لتعلم العبرية، يستقطب شهرياً قرابة 20 طالباً وطالبةً من مختلف الفئات، ويديره أحمد الفليت الذي أفرج عنه في 2011 عقب اعتقاله 20 عاماً بسجون الاحتلال.
دوافع شخصية وأخرى وطنية
في تقرير للإذاعة الألمانية دوتشيه فيليه، ويوضح أحمد الفليت أن "الفئة الأكثر تعاملاً مع الجانب الإسرائيلي هم التجار لكنهم الأقل إقبالاً على تعلم اللغة العبرية وجميع المعاملات التجارية والتحويلات الطبية والمعابر تحتاج الإلمام باللغة العبرية".
وأضاف: "ما يحدث بشكل يومي على صعيد القضية الفلسطينية يحتاج إلى إلمام تام بهذه اللغة أيضاً" مردفاً "بالتالي فإن عدم الاحتكاك بالجانب الإسرائيلي في غزة لا يقلل أبداً من أهمية تعلم العبرية بالمقارنة مع أهالي الضفة الغربية والقدس".
أما مصمم الويب محمود الحلو، الذي تعلم أساسيات العبرية قبل عشر سنوات، حين عمل محاسباً واضطر للتعامل مع الفواتير بالعبرية، فقرر إتقانها لهدف آخر: "أن تكون لديه فرص عمل أوسع من خلال الترجمة أو العمل مع جهات في مجال عملي يتحدثون هذه اللغة، إلى جانب اكتساب ثقافة إضافية".
ويضيف: "العبرية لغة سهلة ومتشابهة جداً مع العربية في كثير من كلماتها، لكن الصعب هو إتقانها بشكل يمكن من ممارستها والتحدث بها في غزة، مشيراً إلى أنه "اتجه إلى المنتديات والمجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي لطرح أسئلة بالعبرية لتلقي الرد عليها ومناقشتها بالعبرية".
من جهتها، ترى كوثر صدر المحامية والمحاضرة الجامعية، أن تعلم اللغة العبرية أمر أساسي قائلة: "ينبغي علينا (كمحامين) معرفة الثقافات المختلفة وأنا أميل إلى تعلم العبرية لفهم ثقافة ونمط تفكير الشعب الإسرائيلي" معتبرةً "تعلم العبرية عبر الدورات التعليمية أفضل من ترجمة النصوص القانونية عبر الإنترنت لأن أغلبها يكون غير سليم أو دقيق، ما يعني أنه من غير الممكن الاعتماد عليها كلياً أو جزئياً".
تزايَدَ إقبالُ الشباب في غزة على تعلم اللغة العبرية لعدة أسباب لا تقتصر على ترجمة المعاملات أو متابعة الأخبار أو تحصيل عمل أفضل. هل تأخر الفلسطينيون في إدراك أهمية تعلم العبرية؟
تعلم العبرية يزيد وعي الشعب الفلسطيني بما يحدث في إسرائيل، فالعديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية تتم ترجمة موادها، ويسهم تعلم العبرية في فهم ما يتناوله الإعلام الإسرائيلي.
وتشير في الوقت نفسه إلى أن "إسرائيل تصدر قوانيناً يومية أو في فترات متقاربة، تطبق على الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل (عرب 48)، وهذا سبب كافٍ لأتعلم العبرية وأطلع بشكل شخصي ومستمر على القوانين الإسرائيلية".
اضطرت الصحافية الفلسطينية نجلاء نجم أيضاً لتعلم العبرية بهدف ترجمة الأخبار الإسرائيلية بشكل دقيق لفهم الخطة الإسرائيلية في إدارة الصراع على مختلف الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية.
وتعتبر أن: "تعلم العبرية يزيد وعي الشعب الفلسطيني بما يحدث في إسرائيل، فالعديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية تتم ترجمة موادها، ويسهم تعلم العبرية في فهم ما يتناوله الإعلام الإسرائيلي بعيداً عن قراءة النصوص المترجمة التي تخضع في كثير من الأحيان إلى العواطف والأهواء الخاصة بالجهات التي تقوم بالترجمة ".
العبرية إجبارية
وتعتقد نجم أن الغزاويين "تأخروا كثيراً قبل بلوغ درجة وعي بضرورة تعلم اللغة العبرية..كان عليهم يجب إدراك أهمية تعلمها منذ فترة طويلة".
ويتفق الفليت معها في الرأي فيشير إلى إهمال شديد في تعلم اللغة العبرية في فلسطين، بينما كان على وزارة التربية والتعليم الفلسطينية اعتمادها مادةً أساسيةً لجميع طلاب المدارس.
ويعود الفليت إلى القضية الرئيسية: القضية الفلسطينية، متحدثاً عن فرص خدمة هذه القضية بإتقان العبرية قائلاً: "علينا أن نعترف بأننا أهملنا تعلم العبرية التي تعد جزءًا من قضيتنا الوطنية، ففي إسرائيل يبدأ تعليم العربية منذ المرحلة الابتدائية ويجيدون تحدثها أكثر من الفلسطينيين أنفسهم".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...