الوُجهة السياحيّة: المستوطنات. الشركات التي تُسهّل الوصول إلى تلك الوجهة وتدعو لزيارتها: إكسبيديا (Expedia)، "تريب آدفايزر"(Trip Advisor)، "بوكينغ. كوم" (Booking.com) و"إير بي أن بي" (Airbnb). التهمة: المُشاركة في "جريمة حرب" وانتهاك "حقوق الإنسان" والقانون، فضلاً عن عدم التزامها (الشركات) بادعاءاتها المستمرة بالعمل وفق "قيم أخلاقيّة عليا" و"احترام حكم القانون". "إن كلّ زائر إلى أرض إسرائيل يجب أن يأتي لزيارة هذا الموقع بكل تأكيد، فهو يمكن أن يعطيه صورة أفضل عن إسرائيل. إنه مكان ممتع". كان ذلك ليكون مجرّد تعليق بين آلاف التعليقات التي يضمّها موقع Tripadvisor للسياحة والسفر بشأن الأماكن الأثرية حول العالم، لكن اللافت أنه يتعلّق بموقع أثري في مستوطنة سوسيا، التي طرد الإسرائيليون الفلسطينيين منها وصادروا أراضيهم الزراعيّة لإفساح الطريق أمام المعلم الأثري وبناء المستوطنة. الحال نفسه يحضر مع عبارة تقفز إلى نظر الباحث عن مكان للإقامة تقدّمه شركة Airbnb في مستوطنة "كفار أدوميم"، التي تقع على بعد نحو 10 كيلومترات شرقي القدس، وفيها دعوة "مُغرية" صيغت كالتالي "عِش هدوء الصحراء، وتمتع بطعم الضيافة الإسرائيليّة الدافئة".
لماذا هذه الشركات بالذات؟
"الوُجهة: الاحتلال، السياحة الالكترونيّة والمستوطنات الإسرائيليّة غير القانونية في فلسطين المحتلة"، هو عنوان التقرير الجديد الصادر عن "منظمة العفو الدوليّة"، وفيه رصد دقيق لخدمات النوم والإفطار وزيارة المعالم السياحية والرحلات إلى المستوطنات الإسرائيلية التي تُقدّمها الشركات الأربع، وذلك "رغم معرفتها أن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربيّة، بما فيها القدس الشرقيّة، ينطبق عليه القانون الدولي الإنساني الذي تُعتبر بموجبه المستوطنات الإسرائيليّة غير قانونيّة".تعمل كل من Expedia،Trip Advisor،Booking.com وAirbnb جميعها في مجال الأنشطة التجارية في المستوطنات، ومقابل خدماتها تتقاضى من المضيفين والزبائن على السواء رسوماً، بالتالي فهي تحصل على أرباح مباشرة من المستوطناتحسب التقرير، فإن "أي نشاط تجاري داخل المستوطنات ومعها من شأنه أن يُسهم في إدامة وضع غير شرعي، ونظام تمييز متأصل ينتهك الحقوق الإنسانيّة للفلسطينيين". ويعيش في الضفة الغربيّة حوالي 600 ألف مستوطن إسرائيلي، بينهم 200 ألف يعيشون في القدس، تعمد السلطات الإسرائيلية إلى دعمهم بمروحة واسعة من الحوافز الماليّة، بينما تسعى بشكل أساسي لتطوير المعالم السياحيّة والبُنى التحتيّة المرتبطة بها. الأسباب الماليّة والسياسيّة والأيديولوجيّة التي تدفع إسرائيل لدعم السياحة في المستوطنات كثيرة، وما يتبع ذلك من ظلم الفلسطينيين وترهيبهم وسرقتهم وتهميش كل ما ليس له علاقة بالإرث اليهودي، ومن هنا اختارت "منظمة العفو" الشركات الأربع لتفحص على مدى العام الماضي الطرق التي تُشارك بواسطتها في خطط إسرائيل الهادفة إلى تشجيع السياحة في المستوطنات والمساعدة على إدامتها وتوسيعها. أما لماذا هذه الشركات بالذات؟ فـ"لأنها تُهيمن على قطاع السياحة، وتتمتّع بتغطية عالميّة وتعرض عدة عقارات أو معالم سياحيّة في المستوطنات الإسرائيليّة".
كيف تكسب هذه الشركات وما حجم حضور كل واحدة منها؟
تعمل كل من "إكسبيديا" (Expedia)، "تريب آدفايزر"(Trip Advisor)، "بوكينغ. كوم"(Booking.com) و"إير بي أن بي" (Airbnb) جميعها في مجال الأنشطة التجارية في المستوطنات، ومقابل خدماتها تتقاضى من المضيفين والزبائن على السواء رسوماً وهي بالتالي تحصل على أرباح مباشرة من المستوطنات. وقد أثبتت "منظمة العفو" أن تلك الشركات الدوليّة تستغل كذلك الأراضي والموارد الفلسطينية بطريقة غير قانونية، حيث أنها "ولزيادة عدد حجوزاتها، تلجأ إلى التباهي بقرب المستوطنات من مناطق الجمال الطبيعي في الأراضي المحتلة، من قبيل البحر الميت والمحميات الطبيعية والصحراء". من ناحيتها، تعرض شركة "إكسبيديا"، المتمركزة في الولايات المتحدة، عبر موقعيها "Expedia.com" و"Hotels.com" تسعة مزوّدين لأماكن الإقامة منها أربعة فنادق كبرى، موجودة في المستوطنات، بما فيها القدس الشرقيّة.Expedia، Trip advisor، Booking.com، Airbnb... تُقدّم خدمات نوم وإفطار وزيارة المعالم السياحية ورحلات إلى المستوطنات الإسرائيلية "رغم معرفتها أن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربيّة، بما فيها القدس الشرقيّة، ينطبق عليه القانون الدولي الإنساني الذي تُعتبر بموجبه المستوطنات الإسرائيليّة غير قانونيّة"
أثبتت "منظمة العفو" أن شركات السياحة الإلكترونية تستغل الأراضي والموارد الفلسطينية بطريقة غير قانونية، حيث أنها "ولزيادة عدد حجوزاتها، تلجأ إلى التباهي بقرب المستوطنات من مناطق الجمال الطبيعي في الأراضي المحتلة..."وتقوم شركة "تريب آدفايزر"، الموجودة في الولايات المتحدة كذلك والتي تقول بأنها تدير "الموقع الأكثر جذباً للزيارات حول العالم"، بعرض أكثر من 70 من المعالم السياحية والرحلات والمطاعم والمقاهي والفنادق وشقق الإيجار في المستوطنات، وتُشجّع على القيام بها بأفضل المراجعات والتقييمات. الحال نفسه مع "بوكينغ.كوم"، الموجودة في هولندا والمسؤولة عن الموقع الأشهر لحجز أماكن الإقامة في العالم. وقد وجدت "منظمة العفو" أنها تعرض 45 فندقاً ومكاناً للإقامة في المستوطنات، بما فيها القدس الشرقيّة. أما "إير بي أن بي"، التي تُعدّ أكبر منصة لتأجير واستئجار العقارات عبر الإنترنت، فكان قد احتفى كثر في نوفمبر العام الماضي بقرارها "حذف حوالي 200 موقع من المواقع المعروضة في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة". ما أظهرته "منظمة العفو" أن قرار الشركة لم يشمل المواقع المئة المعروضة في القدس الشرقيّة، من دون أن يكون هناك تفسير لهذا الاستثناء. أكثر من ذلك، بحسب المنظمة الدوليّة، فإن الشركة وحتى كتابة التقرير (أي هذا الشهر) لم تكن قد نفذّت ما ورد في قرارها السابق، وهي لا تزال تعرض مواقع في مختلف الأراضي الفلسطينيّة المحتلة.
المُستوطنات الخمس… سياحة التضليل
بين فبراير وأكتوبر 2018، زار باحثو "منظمة العفو" خمس مستوطنات إسرائيلية مرتين على الأقل لكل منها، وقاموا بـ"دراسة حالة" فيها، والأبرز أنهم قدموا الرواية الفلسطينيّة المتضرّرة من تلك السياحة الإلكترونيّة، والتي تغيب كلياً عن عمليّة الترويج التي تعتمدها الشركات الأربع بغية الاستفادة بشكل مباشر أو غير مباشر من المستوطنات.كفار أدوميم - خان الأحمر
يعيش في كفار أدوميم حوالي 400 عائلة مُستوطِنة، وهي تبعد مسافة قصيرة عن قرية خان الأحمر البدوية التي يعيش فيها حوالي 180 بدوياً، نصفهم من الأطفال، وهم من "السكان الأصليين" (كما يحبون تعريف أنفسهم) الذين طُردوا من ديارهم عام 1948، والموجودون في القرية منذ ما يزيد عن ثلاثين عاماً على إقامة المستوطنة عام 1979. مقارنة بالمنازل الفاخرة في المستوطنة، تملأ خان الأحمر أكواخ الصفيح التي لا توفّر السلطات الإسرائيلية سبيلاً للتخلص منها من أجل توسيع المستوطنة (تهديدات بالهدم، تقييد الوصول للأراضي، رفض تصاريح البناء، التحكم بوصول المياه…). وكفار أدوميم بُنيت في موقع مطل على العديد من المناظر الطبيعيّة كوادي "يهودا" ووادي الأردن، وتقع كذلك بالقرب من محمية وادي القلط الطبيعيّة. وتستغل شركات السياحة الإلكترونيّة هذا الموقع، بحيث تقدم "إير بي أن بي" مثلاً 30 مكاناً للسكن، ومنها فيلا فيها 12 سرير بـ440 دولاراً أمريكياً في الليلة، و"تتميّز بإطلالة صحراوية أخاذة".شيلو - قريوت وجالود
تقع شيلو في قلب خط المستوطنات الذي بنته إسرائيل في شمال الضفة الغربية، بالقرب من نابلس. وتضم المستوطنة حوالي 3 آلاف إسرائيلي، يقيمون على أراضي مملوكة من الفلسطينيين وغنية بالمواقع الأثرية، علماً أن المستوطنين قد انتقلوا إلى هناك في السبعينات بحجة أنهم علماء آثار. وفي التسعينات، أنشأ المستوطنون حوالي 10 مستوطنات جديدة تابعة لها، تضم كذلك الكثير من المواقع الآثرية. "هذا هو أحد المواقع المفضّلة لديّ للزيارة، فهناك مركز حديث للزوار ومحل رائع لبيع الهدايا يضم قطعاً صنعها حرفيون محليون"، كان هذا تعليق على "تريب آدفايزر"، وهو الذي يشجع على التعرّف إلى الحرف المحلية التي يقوم بها المستوطنون، ويُسوّق لزيت الزيتون الذي يصنعه المستوطنون. في المقابل، لفتت المنظمة إلى التقييد الذي يطال الفلسطينيون وحجم الضغط الذي يُمارس لترحيلهم، في وقت اشتكى أحد سكان قرية قريوت قائلاً "إن الناس يُغادرون القرية الآن لأننا أصبحنا معزولين. وباع العديد من الأشخاص منازلهم وأراضيهم وانتقلوا إلى رام الله… كما أغلق العديد من المحلات التجارية أبوابها لأن أعمالها التجارية ليست على ما يُرام".سوسيا - خربة سوسيا
تقع في أقصى جنوب الضفة الغربيّة، ويبلغ عدد سكانها حوالي الألف مستوطن. وقد قامت في الثمانينات بجانب موقع أثري على أرض يملكها فلسطينيون من أهالي قرية خربة سوسة. ووثقت منظمة العفو كيف أحدث الموقع والاستغلال الاستيطاني أثراً ضاراً على حياة 300 فلسطيني، والذين فقدوا الكثير من أراضيهم الزراعية المحيطة بالموقع. "تحت جنح الليل يمكن أن تأتي جرافة وتهدم كل شيء. أطفالنا يعيشون في ظل شبح الخوف"، هكذا تقول فاطمة نواجعة من قرية خربة سوسة. وتُقدّم شركات السياحة عروضاً للإقامة وزيارة الموقع الأثري و"تذوّق النبيذ" في المستوطنة، برفقة مرشدين سياحيين.مدينة داود - سلوان
يقع حي سلوان خارج أسوار المدينة القديمة وآثارها المقدسة، ويبلغ عدد سكانه حوالي 33 ألف فلسطيني. هناك "لا تستطيع أن ترى طفلاً فلسطينياً لم يُقبض عليه لمرة واحدة على الأقل". في المقابل، تُعدّ الحديقة الوطنية - مدينة داود معلماً أثرياً مهماً تشجع على زيارته شركات السياحة الإلكترونيّة، بينما تنشط جمعيّة "إلعاد" الإسرائيليّة لـ"تهويد القدس". ولم تفتح "تريب آدفايزر" صفحة موقعها للتعليقات المشجّعة على زيارة الحديقة فحسب، بل روّجت لرحلات بالتعاون مع "إلعاد" وسمحت لمستخدمي موقعها بحجز الرحلات ودفع التكاليف عبره، طالبة دفع رسوم عند الحجز.الخليل
تُعدّ الخليل من النقاط الساخنة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتُعتبر كذلك مدينة مهمة للجانبين من الناحية الدينيّة. وقد شهدت خلال السنوات الماضية العديد من الانتهاكات بحق الفلسطينيين، ولا تزال مجزرة الحرم الإبراهيمي التي ارتكبها مُستوطن إسرائيلي فيها خلال التسعينات عالقة في الذاكرة حتى اليوم. وتُعدّ الخليل مهمة كذلك في اقتصاد المستوطنات، حيث يوجد "صندوق الخليل" في الولايات المتحدة لدعم المستوطنين فيها. وتعرض الشركات السياحيّة رحلات إلى الخليل بالتعاون مع "الصندوق" من دون ذكر كونها محتلة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...