رغم ما يقاسونه على الصعيد الأمني والسياسي والاقتصادي، يسعى بعض الفلسطينيين للحصول على بعض البهجة من خلال مشروب البيرة المصنوع محلياً، سواء بالكحول أو الخالي منه. العجيب أن هذا المشروب استطاع أن يغزو السوق الإسرائيلية ويأسر بمذاقه المميز عشاقه من العرب واليهود على السواء.
يؤكد نديم خوري مؤسس أول مصنع لإنتاج البيرة المحلية قبل 25 عاماً، قائلاً "تناول البيرة الخالية من الكحول أو مع كحول، تمنح شاربها فرصة للاسترخاء والابتهاج والابتعاد لبعض الوقت عن هموم السياسة وارتفاع تكاليف المعيشة وغيرهما من أزمات الحياة".
وتحظى البيرة الفلسطينية بإقبال متزايد في أوساط الشباب الفلسطيني، حسبما صناعة رائجة داخلياً وخارجياً
يقول خوري أنه تعلم صُنع البيرة خلال وجوده للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية، وأنه عندما عاد ليستقر بفلسطين حرص على تجربة إعدادها في بلدته، وسط "فضول وتشجيع" من عائلته ومن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات على حد قوله، لتتسع رقعة أعمال عائلة الخوري حالياً إلى مجموعة مصانع تضم عدة شركات لإنتاج: البيرة وزيت الزيتون والنبيذ، بالإضافة إلى فندق. في الوقت نفسه حققت البيرة التي يصنعها خوري نجاحات مدوية في عدد من الدول الأوروبية، حيث ينتج مصنع "الطيبة"، على اسم قريته، 6 أصناف من البيرة حسب المعايير الألمانية، ومنها البيرة الذهبية، والبيرة الداكنة والبيرة الخالية من الكحول. ويحرص خوري على إنتاج بيرة طبيعية من أفخر أنواع الشعير البلجيكي والتشيكي، مضافاً إليها "زهرات الدينار" الألمانية التي تمنحها نكهةً مميزة تأسر من يتناولها. وفي فلسطين ذات الغالبية المسلمة، ليس هناك إقبال على صناعة أو استهلاك البيرة أو المشروبات الكحولية بشكل عام، غير أن خوري اتخذ من بلدة "الطيبة" التي تبعد 12 كم عن مدينة رام الله، ويقطنها قرابة 1500نسمة، وذات الغالبية المسيحية مقراً لتجارته الرابحة حيث تعتبر الصناعة "فعلاً إيمانياً".استطاعت البيرة الفلسطينية المصنوعة محلياً أن تغزو السوق الإسرائيلية وتأسر بمذاقها المميز عشاقها من العرب واليهود على السواء
تحظى البيرة الفلسطينية بإقبال متزايد في أوساط الشباب الفلسطيني حيث تمنح شاربها فرصة للاسترخاء والابتهاج والابتعاد لبعض الوقت عن هموم السياسة وارتفاع تكاليف المعيشة وغيرهما من أزمات الحياةويحرص المصنع على إنتاج بيرة "حلال" لا تحتوي على أي نسبة كحول وأخرى تحتوي على نسب متفاوتة لإرضاء جميع الأذواق، إلا أنه في قطاع غزة الواقع تحت سيطرة حركة لمقاومة الإسلامية (حماس) منذ 2007 يبقى ممنوعاً بشكل قاطع صنع أو استيراد الخمور بجميع أنواعها ما يدفع البعض لتصنيعها في المنزل. وتعد بيرة "الطيبة" من أفخر أنواع البيرة المصنعة في الشرق الأوسط، وتراوح نسبة الكحول بها من 5 و6 % وتنتج قرابة 30 إلى 35 ألف زجاجة بيرة سنوياً باستخدام 20 صنفاً من العنب. وفي قرية الطيبة أيضاً، يحتفل الفلسطينيون كل عام بتناول البيرة المصنعة محلياً في مهرجان البيرة الفلسطينية الذي انطلق عام 2005، ويقام الاحتفال السنوي بحضور زوار محليين وأجانب، يرقصون على وقع أنغام الطبلة والشبابة المرافقة لرقصة الدبكة الفولكلورية وأنغام الفرق البافارية والبرازيلية والإيطالية. كما تعرض الأطعمة الطيبة مثل الخبز الطازج والنقانق والفلافل والشاورما والمسخن (وجبة فلسطينية تقليدية مكونة من دجاج مشويّ وخبز بلدي منقوع بزيت الزيتون الصافي والبصل مُضافاً إليه اللوز والسماق البلدي) خلال المهرجان.
البيرة تصنع السلام ؟
يستهلك السوق المحلي في الضفة العربية وحدها نحو 60 % من إنتاج مصنع "الطيبة" من البيرة، في حين يتم تصدير 10 % إلى حوالي 14 دولة من بينها ألمانيا والسويد وبلجيكا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية وتشيلي، في حين يستوعب السوق الإسرائيلي الـ 30 % المتبقية من البيرة الفلسطينية. واستطاعت بيرة "الطيبة" أن تنال إعجاب الكثيرين داخل إسرائيل، من المواطنين العرب واليهود على السواء، بحسب خوري الذي يوضح " نصدر البيرة إلى إسرائيل منذ 1994، ومحبّو العلامة التجارية الخاصة بنا يشربونها حتى في المحالّ غير العربية" لافتاً إلى أنه يمتلك رخصة "الكوشير" اللازمة للبيع داخل إسرائيل. وعن البيرة الفلسطينية، يقول ليونيد ليبكين، صاحب حانة في حيفا، تبعد أكثر من 140 كيلومتراً من بلدة طيبة، إن " البيرة تشكل أرضية مشتركة لتواصل الناس، مثلما يتواصلون بعضهم معربعض في أماكن العمل أو الدراسة"، مستطرداً "إنها فرصة لنتعلم من خلال البيرة إلى أي مدى نحن متشابهون في مواجهة مشاكل وتحديات مماثلة. إنهم يريدون طعماً أفضل لفلسطين، ونريد طعمًا أفضل لإسرائيل، وهو أمر يمكن الاعتماد عليه بالفعل في قدرتنا على الفهم وإلى أن نكون أصدقاء".صعوبات تواجه الصناعة
يعتبر خوري أن مشكلة المياه (المادة الأولية في عملية التخمير) من أبرز التحديات التي تواجههم خلال عملية إنتاج البيرة، لصعوبة الحصول على الماء من ينبوع عين سامية التي تبعد نحو ثلاثة كيلومترات عن بلدة الطيبة لكنها تخضع للسيطرة الإسرائيلية، مشدداً على أن "الجدار الفاصل والحواجز تحد من حركة التنقل، وفي إحدى المرات نقلنا البيرة على ظهور الحمير، لكي نرسلها للموردين". وكسائر الصادرات الفلسطينية الأخرى، تواجه بيرة "الطيبة" مشاكل كثيرة في تصدير إنتاجها، إذ لا توجد في الأراضي الفلسطينية موانئ أو مطارات، وهذا ما يضطر المنتج الفلسطيني للمرور بشكل دائم عبر إسرائيل. ويلفت خوري إلى أنه " يتم نقل البيرة إلى الموانئ الإسرائيلية وتستغرق عملية الفحص والتفتيش عدة أيام، وهذا مكلف جداً"، وللصمود في ظل استمرار هذه الظروف، سعت عائلة نديم خوري لتنويع نشاطاتها في مغامرة جديدة تتمثل في إنتاج النبيذ. لا توجد إحصاءات دقيقة بشأن استهلاك البيرة أو المشروبات الكحولية في فلسطين، فيما تعتبر إسرائيل من أقل دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تناولاً للمشروبات الكحولية بشكل عام، ورغم ذلك يرتفع الاستهلاك بشكل كبير على مدار السنوات الأخيرة، وربما يفسر ذلك أن أسعار البيرة فيها تعتبر رابع أغلى أسعار للبيرة حول العالم. ووفقًا لوزارة الصحة الإسرائيلية، يوجد حوالى 80000 مدمن كحولي في إسرائيل، بالإضافة إلى مليون يتعاطون الكحول بكميات كافية لإلحاق الضرر بأنفسهم.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...