أعلن وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستانير أن بلاده تستعد لعودة عشرات المتشددين الفرنسيين الذين اعتقلتهم الفصائل الكردية المسلحة في سوريا بعد إعلان الولايات المتحدة بشكل مفاجئ سحب قواتها من هناك، وهو ما يمثل تحولاً لافتاً في سياسة باريس بشأن المقاتلين الأجانب في فرنسا، لكن لا يلقى هذا القرار إجماعاً من الطبقة السياسية الفرنسية، وكان محلّ نقد حادّ من حزب التجمع الوطني المحسوب على اليمين المتطرف.
وتواجه فرنسا، مثل دول أوروبية أخرى وعربية كذلك، تحدياتٍ بشأن كيفية التعامل مع مواطنيها المتشددين العائدين من بؤر التوتر وعائلاتهم والساعين للعودة من مناطق القتال في سوريا و العراق، وكذلك الذين اعتقلوا بعد أن فقد "داعش" مساحات كبيرة من الأراضي التي كان يسيطر عليها.
وتحدث المسؤولون الفرنسيون مراراً عن واجب محاكمة المقاتلين وزوجاتهم وسجنهم في سوريا أو العراق، فيما لم يعارضوا إعادة أطفال المقاتلين ووضعهم عند أقاربهم في فرنسا.
وفي أكتوبر الماضي قالت مصادر في الخارجية الفرنسية إن "هؤلاء المتشددين الذين ارتكبوا جُنحاً أو جرائم في العراق وسوريا يجب أن يحاكموا في العراق وسوريا".
لكن تسبب قرار واشنطن المفاجئ ديسمبر الماضي بالانسحاب من سوريا بمنعطف كبير في السياسة الفرنسية، خشية تشتت مواطنيها المتشددين أو سقوطهم في يد الحكومة السورية إذا ما أبرمت القوات التي يقودها الأكراد اتفاقَ سلام مع الحكومة في دمشق.
وذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية في وقت سابق أن باريس أبرمت اتفاقاً مع الأكراد حتى يحتفظوا برعاياها لديهم، لكن مصادر رسمية فرنسية نفت هذا الأمر وقالت إنه "لم يتم التوصل الى أي اتفاق".
كيف بررت باريس هذا التحول؟
وفي تبريرها لهذا القرار، قالت الخارجية الفرنسية في بيان نشرته فرانس برس إنه "نظراً للتطور في الوضع العسكري شمال شرقي سوريا، والقرارات الأمريكية، ولضمان أمن الفرنسيين، فإننا ندرس جميع الخيارات لتجنب فرار وانتشار هؤلاء الأشخاص الخطرين".
وأضاف البيان أنه "إذا اتخذت القوات التي تحرس المقاتلين الفرنسيين قراراً بطردهم إلى فرنسا، فسيتم وضعهم فوراً تحت تصرف القانون".
وبحسب بيان الوزارة فإن "الجهاديين، الذين انضم العديد منهم إلى داعش، سيواجهون أقسى الإجراءات القانونية"، مضيفة أن "هؤلاء الأشخاص انضموا طوعاً إلى منظمة إرهابية تقاتل في بلاد الشام، وشنت هجمات في فرنسا وتواصل تهديدنا".
ومن جانبه ربط وزير الداخلية الفرنسي هذا القرار بالانسحاب الأمريكي من سوريا، وما سينتج عنه من إفراج عن الجهاديين الفرنسيين، مطمئناً منتقدي هذ القرار، بقوله إن الجهاديين "إذا عادوا إلى فرنسا سيتم احتجازهم".
وقال كاستانير: "الأمريكيون ينسحبون من سويا وهناك أشخاص في السجن محتجزون بسبب وجود الأمريكيين هناك وسيفرج عنهم، وهم سيرغبون بالعودة إلى فرنسا"، مضيفاً أن هناك 130 متشدداً فرنسياً سيفرج عنهم في الأسابيع القادمة، وأنه يرغب في أن يمثل جميع العائدين إلى فرنسا على الفور أمام العدالة.
وبحسب ما نشرته وكالة رويترز للأنباء، الأربعاء، فإن مصادر عسكرية ودبلوماسية، تقول إن المليشيات الكردية الانفصالية، التي تحظى بدعم ألفي جندي أمريكي ودعماً جوياً من دول من بينها فرنسا، تحتجز نحو 150 فرنسياً شمال شرقي سوريا.
وتشير تقديرات المسؤولين إلى أن 250 فرنسياً متشدداً ما زالوا يقاتلون في سوريا، بينهم 150 في منطقة هجين وهي واحدة من آخر الجيوب التي تسيطر عليها "داعش" شرقي سوريا، و100 آخرين في محافظة إدلب.
وتسبب القرار الفرنسي في انتقادات حادة من اليمين المتطرف، وقالت زعيمة حزب "التجمع الوطني" المعارض، المحسوب على اليمين المتطرف، مارين لوبن، على تويتر: "هؤلاء جهاديون، ولذلك يجب ألا يعتبروا فرنسيين بعد الآن".
شهادة جهادية فرنسية سابقة في سوريا
ويوم 29 يناير الجاري أجرت قناة "فرانس 24" مقابلة مع جهادية فرنسية في سوريا هربت من داعش، تدعى "ماتيلد" تقول إنها تركت زوجها وحياتها فى قلب عاصمة النور من أجل الزواج من عنصر داعشي فى سوريا.
وقالت "ماتيلد" للقناة إنها مرهقة، وإنها لو كانت تعلم أن الأمور ستؤول إلى ما عاشته لما أتت إلى سوريا، مضيفة أنها تتمنى العودة إلى ديارها مرةً أخرى بعدما شاهدت ما تقشعر منه الأبدان في سوريا، مضيفة أن هناك فرنسيات غيرها في سوريا.
وحكم على "ماتيلد" التي لم تنجب أطفالاً في سوريا بالسجن 10 سنوات غيابياً فى فرنسا بتهمة الإرهاب، رغم ذلك تقول إنها تريد أن تقضى تلك العقوبة فى بلادها، لأن الحياة فى كنف "داعش" خيبت أملها، بحسب وصفها، لكنها رفضت أن تدين تصرفات داعش، قائلة إنها لم تستطع في فرنسا أن تعيش الحياة الإسلامية التي كانت ترغب بها، وإنها وجدت هذه الحياة في ظل دولة الخلافة في البداية.
وبسؤالها عن سبب وجودها فى سوريا، قالت "ماتيلد": زوجي الأول دفعني للمجيء إلى هنا بينما بقى هو فى فرنسا، لكنها رفضت الإفصاح عن هوية هذا الزوج، وتابعت: تزوجت من أحد المصريين، ثم قُتل فى المعارك غير أنه كان يعمل فى المجال الطبى ولم يكن مقاتلاً".
أعداد الفرنسيين في داعش
تشير إحصاءات حكومية فرنسية إلى أن هناك 1700 مواطن فرنسي توجهوا إلى العراق وسوريا للقتال مع الجهاديين بين عامي 2014 و2018، لكن ترجيحات تتحدث عن مقتل 300 من هؤلاء، كما أن هناك عدداً صغيراً غادر الى دول أخرى (أفغانستان وليبيا أو دول المغرب العربي) كما تقدر باريس.
وبحلول سبتمبر 2018، عاد 260 متشدداً فرنسياً من سوريا إلى بلادهم طوعاً، وجرت محاكمة نحو 200 شخص، بحسب وزارة العدل الفرنسية.
أما بالنسبة إلى النشاط الذي كان يُكلّف به الفرنسيون في داعش، فهو مختلف لكن التنظيم يعمل على استغلالهم بشكل خاص في عمليات الترويج باللغة الفرنسية، وكذلك المهمات التقنية والفنية المرتبطة بالتطوير التكنولوجي لأدوات التنظيم، إضافة إلى بعض المهمات الطبية للمختصين في هذا المجال.
وأوكلت إلى عدد من الفرنسيين مهمات قيادية في داعش منهم "رشيد قاسم" الذي يشتبه بأنه دبر اعتداءات في فرنسا، ويشتبه بأنه العقل المدبر لقتل شرطي ورفيقته في 13 يونيو 2016 في مانيانفيل في إقليم إيفلين، وعملية ذبح كاهن داخل كنيسته في سانت إتيان في 26 يوليو 2016، ويعتقد أنه قتل في غارة أمريكية على مدينة الموصل العراقية.
وفي أواخر العام 2017 سلمت السلطات التركية الفرنسي "جوناتان جيفروا" الذي كان يشغل منصباً قيادياً بارزاً في التنظيم، واعتقلت قوات سوريا الديمقراطية في يونيو الماضي أدريان ليونيل كيالي الملقب بأبي أسامة الفرنسي الذي لعب دوراً في هجمات عدة في فرنسا.
أما أشهر الداعشيات الفرنسيات، فهي إميلي كونيغ، (33 عاماً) التي اعتقلتها الميليشيات الكردية في سوريا بعدما أدت دوراً رئيسياً في الدعاية والتجنيد عبر الإنترنت لحساب تنظيم داعش، وقد حثت بعض معارفها في فرنسا على ارتكاب عمليات مسلحة.
في حوار مع فرنسا 24، قالت الداعشية "ماتيلد" إنها مرهقة، وإنها لو كانت تعلم أن الأمور ستؤول إلى ما عاشته لما أتت إلى سوريا، مضيفة أنها تتمنى العودة إلى ديارها مرةً أخرى بعدما شاهدت ما تقشعر منه الأبدان في سوريا، مضيفة أن هناك فرنسيات غيرها في سوريا.
قرار ترامب الانسحاب من سوريا عجّل في موعد عودة المقاتلين الفرنسيين في صفوف داعش إلى فرنسا. كيف تستعد باريس لهذا الموعد؟ وماذا تفعل بالعائدين من بؤر التوتر.
بحلول سبتمبر 2018، عاد 260 متشدداً فرنسياً من سوريا إلى بلادهم طوعاً، وجرت محاكمة نحو 200 شخص، بحسب وزارة العدل الفرنسية. وتستعد فرنسا لاستقبال المئات منهم، فماذا أعدت لهم، هل ستحاكمهم؟
مصير أبناء الجهاديين
وفي أكتوبر الماضي، نقلت وسائل إعلام فرنسية عن مصدر رسمي لم تذكر هويته قوله إن باريس لديها علم بوجود نحو 150 طفلاً من أبناء جهاديين فرنسيين في سوريا، مضيفاً أن الدولة الفرنسية بدأت في اتخاذ إجراءات لإعادة بعضهم الى فرنسا دون أمهاتهم.
وتقول باريس إنه تم الإبلاغ عن هؤلاء الأطفال من قبل العائلات في فرنسا أو في المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد منذ هزيمة تنظيم "داعش" في العام 2017، مؤكدة أنه تم تحديد هويات قسم منهم فقط ومكان تواجدهم بدقة في المناطق الكردية ما يمهد الطريق أمام إعادتهم.
لكن باريس تعتبر قضية إعادة الأطفال إلى الأراضي الفرنسية أمراً معقداً ويحتاج وقتاً طويلاً، لأن المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية الكردية في سوريا لا تحظى بوضع دولة معترف بها أمام المجموعة الدولية، كما أن باريس جمدت العلاقات الدبلوماسية مع دمشق منذ بدء النزاع السوري في 2011.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...